المعجم الأوسط للطبراني = طبعة دار الحديث

المعجم الأوسط للطبراني = طبعة دار الحديث

مع ظهور الطباعة في أوربا في بداية عصر النهضة، قامت المطابع في الأوربية بطباعة العديد من كتب التفسير والحديث النبوي الشريف والتاريخ الإسلامي؛ مثل: تفسير الطبري، وكشاف الزمخشري، وصحيح البخاري، وطبقات ابن سعد... وغيرها، ومع دخول الطباعة للعالم الإسلامي كانت الهند ثم الشام ثم مصر أوائل الدول التي ظهرت فيها الطباعة، وقامت الهند بطباعة العديد من كتب السُّنةِ، ثم تبعتها مصر والشام، فطُبع أكثر أصول السنة وشروحها: الصحيحان، والسنن الأربعة، ومسند أحمد، ومسند الطيالسي... وغيرها كثير.

الغريب في ذلك أن "المعجم الكبير"، و"المعجم الأوسط" للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (المتوفى 360هـ) - وهما من أهم الأصول المسندة في رواية الأحاديث - لم يظفر بهما أحدٌ ولم يقم أحد بطباعة شيء منهما حتى بدأت وزارة الأوقاف والشئون الدينية في الجمهورية العراقية سنة 1397هـ = 1977م، في طباعة "المعجم الكبير"، للطبراني بتحقيق الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي، وانتهت من طباعته سنة 1403هـ = 1983م، وجاء في 25 مجلدًا، سقط من أصولها الخطية ما يقابل المجلدات: (13، 14، 15، 16، 21) بحسب تقدير المحقق.

وكذلك غاب «المعجم الأوسط» للطبراني عن المطابع في أوروبا والعالم الإسلامي حتَّى اعتقد أكثرُ الباحثين أنَّه في عداد ما فُقد من تراث الأمة، وأكثرَ أهلُ العلم من أمثال الشيخ أحمد شاكر والمعلمي والألباني وغيرُهم في تخريجاتهم من الإحالة في التخريج من "المعجم الأوسط" على كتاب "مجمع البحرين في زوائد المعجمين"، وكتاب "مجمع الزوائد"، كلاهما للحافظ نور الدين الهيثمي رحمه الله وأثابه، وربما أحالوا بواسطة كتب التخريج الأخرى مثل: "البدر المنير"، و"تلخيص الحبير"، و"نصب الراية"، و"فتح الباري"... وغيرها، وقد ألجأهم لذلك الاضطرار وإلا ففي ذلك كثير من المآخذ التي لا تخفى على أهل العلم وطلابه المهتمين بتخريج الأحاديث النبوية.

وفي بدايات القرن الخامس عشر الهجري الموافق لبداية العقد التاسع من القرن العشرين - تقريبًا - وقف الشيخ العلامة المسند السيد صبحي البدري السامرائي - رحمه الله - على نسخة كاملة من كتاب "المعجم الأوسط" في مكتبات تركيا وقام بتصويرها عدَّة نسخ وتوزيعها على عدد من مكتبات المملكة العربية السعودية، لكنَّه انتزع صفحة الغلاف، وأربع صفحات من أثناء المخطوط عند تصويره، ربما رغبة في أن يقوم هو بتحقيق الكتاب وطباعته، ومن المحتمل أن يكون المخطوط قد وصل إليه ناقصًا.

وسمع الدكتور أبو حفص محمود بن أحمد الطحان، الحلبي أثناء عمله أستاذا للحديث الشريف وعلومه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، عن وجود تلك المصورة للنسخة الخطية فقام بتصوير نسخة له عن النسخة المصورة الموجودة بمكتبة الرياض وبدأ في تحقيق الكتاب ونشره بمكتبة المعارف بالرياض لصاحبها الشيخ سعد الراشد، رحمه الله، على النحو التالي:

• صدر المجلد الأول سنة 1405هـ = 1985م، عبارة عن 1000 حديث، في 536 صفحة.

• صدر المجلد الثاني سنة 1406هـ = 1986م، عبارة عن 1000 حديث، في 583 صفحة.

• صدر المجلد الثالث سنة 1407هـ = 1987م، عبارة عن 1000 حديث، في 514 صفحة.

ثم توقف العمل ولم يصدر باقي الكتاب إلا في سنة 1415هـ = 1995م، في عشرة مجلدات يحتوي كلُّ مجلد 1000 حديث، عدا المجلد العاشر فعدد ما فيه من الأحاديث 485 حديثًا، ثم ألحق ذلك بالمجلد الحادي عشر في 543 صفحة، عبارة عن فهارس المعجم الأوسط: فهرس أطراف الأحاديث والآثار مرتبة على حروف المعجم، وفهرس الآيات القرآنية الواردة في متون الأحاديث.

وفي نفس السنة 1415هـ وقبل أن يصدر الدكتور الطحان باقي الكتاب، نشرت دار الحرمين تحقيقها للكتاب وفي مقدمته دراسة نقدية وتقييم لعمل الدكتور الطحان في المجلدات الثلاثة الأولى، وهي طبعة جيدة، بل هي أفضل طبعات الكتاب إلى الآن.

وفي سنة 1417هـ قامت دار الحديث وبدم بارد بالسطو على تلك الجهود وأخرجتها في طبعة خاصة بها، ولو وقف الكذب عند هذا الحد لكان الأمر حريًّا أن نتشاغل عنه ولا نهتم بالكلام عليه، إذ ما أكثر اللصوص وقطاع الطريق في هذا المجال الذي لا يقوم أحدٌ على حماه، فاستباحه الشبيحة واللصوص وقطاع الطرق، واتخذ منه العطلة البطلة مهنة يتكسبون منها دهرًا، لكن عندما يزيدون الأمر ضغثًا على إبالة، ويزيدون الطين بلة، فيكتبون على صفحة الغلاف:

«يُطبع كاملا لأول مرة على عدَّة مخطوطات... حققه وخرجه وفهرسه أيمن صالح شعبان، وسيد أحمد إسماعيل».

وهذا كذب مكشوف، وتدليس خبيث، وبيانه على النحو التالي:

أولًا: قوله: «يطبع كاملًا».

الكتاب ليس كاملا ففيه سقط عبارة عن أربع صفحات استلها الشيخ صبحي السامرائي عند تصوير النسخة ونشرها في مكتبات السعودية، وربما كانت النسخة التي حصل عليها ناقصة، وهذا السقط موجود في جميع طبعات الكتاب خلا صفحة واحدة تم استدراكها من نسخة كوبريلي وهي تقابل الثلث الأخير من الكتاب تقريبًا.

وبيان هذه المواضع في طبعة دار الحديث على النحو التالي:

السقط الأول: ج2 / ص 12 من الحديث رقم (1120)، وقد تنبه له المحقق ونبه عليه.

السقط الثاني: ج4 / ص 262 أثناء الحديث رقم (3700)، ولم ينبه عليه، وأرى أن ذلك عن عمدٍ، وإمعان في الكذب والتدليس، وهو سقط كبير بلغ حوالي 12 حديثًا.

السقط الثالث: ج5/ ص 258، قبل الحديث رقم (4906)، ولم ينبه عليه أيضًا، وهو سقط كبير بلغ نحو 13 حديثًا.

ثانيًا: قوله: «لأول مرَّة».

هذا كذب مفضوح، لأن الكتاب طبع مرتين قبل هذه الطبعة: الأولى بتحقيق الدكتور محمود الطحان في مكتبة المعارف بالرياض، والثانية بتحقيق قسم التحقيق بدار الحرمين بالقاهرة، وكلتا الطبعتين صدرتا سنة 1415هـ، أي قبل هذه الطبعة بعامين كاملين.

ثالثًا: قوله: «على عدَّة مخطوطات».

هذا أيضًا من الكذب الصريح، فمكتبات العالم إلى الآن لا تعرف لهذا الكتاب غير نسختين خطيتين، الأولى كاملة وهي نسخة مكتبة قرَّة جلبي وهي إحدى فروع السليمانية بتركيا. والنسخة الثانية نسخة مكتبة كوبريللي، وهي عبارة عن ثُلث أو رُبع الكتاب الأخير.

وعليه فما ادعاه هؤلاء كذبٌ وتدليسٌ، فقد سُبقوا في إخراج الكتاب ثم قاموا هم بالسطو عليه وسرقة عمل من سبقهم دون تصريح أو تلميح أو إشارة رغم أن كلتا الطبعتين سبقتا نشر هذه الطبعة بسنتين كاملتين، وأمعنوا في التدليس فأوهموا وجود عدَّة أصول خطية، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

أمَّا بالنسبة لمواضع السقط التي سبق ذكرها فقد وقف عليها شيخنا الفاضل الأستاذ الدكتور المحدث أبو عبد الله سعد الحميد، حفظه الله، فقد تحصل الشيخ على صورة تامة من نسخة قُرَّة جَلبي وقام بنشر الأحاديث التي سقطت من مطبوعات الكتاب في جزء حديثي طبعه في مجلة كلية الآداب بجامعة المنوفية في عدد خاص أكتوبر 2017م، مقتصرًا على ضبط متونها، وتحت الطبع الآن نسخة مخرجة من هذا الجزء، بحسب ما أفادني شيخنا حفظه الله، وفي أول تعليق رابط للبحث منشور على شبكة المعلومات.

وسأنشر قريبًا بمشيئة الله تعالى على صفحات شبكة الألوكة مقالًا مطولًا عن المعجم الأوسط للطبراني: طبعاته وأصوله الخطية.