• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم
علامة باركود

سودة بنت زمعة - رضي الله عنها - (صانعة البهجة في بيت النبوة)

سودة بنت زمعة - رضي الله عنها - (صانعة البهجة في بيت النبوة)
د. محمد علي محمد عبدالرحمن

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/7/2024 ميلادي - 14/1/1446 هجري

الزيارات: 6627

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سَوْدَة بنت زَمْعَة رَضِيَ الله عنها

(صانعة البهجة في بيت النبوة)


مفتاح شخصيتها:

تمحورت شخصية السيدة سَوْدَة رَضِيَ الله عنها حول القناعة والرضا، فهي راضية النفس، وهذا هو مفتاح شخصيتها، الذي حمل لها السعادة في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا تتعامل مع كل ما واجهت من مِحَنٍ أو مُلِمَّات بالرضا، والرضا فقط، ومن ثَمَّ عاشت مطمئنَّةَ البال راضية، وهي لمَّا رَضِيَت بالقليل، أكرمها الله بالكثير، فصيَّرها أمًّا للمؤمنين، وزوجةً لخاتم المرسلين، فسعِدت في الدنيا والآخرة، وقد أكسبها الرضا مُلْحَةً، غلَّفتها ابتسامة صادقة، فصارت صانعة البهجة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

كلمة قبل البداية:

لو أحببت أن أقدِّم بكلمة رقيقة في حقِّ السيدة سَوْدَة، تلك السيدة التي تعلوها ابتسامة كابتسامة الفطرة السليمة، ونقاء كنقاء الملائكة، ما وجدتُ أجملَ ولا أحلى من القول أنها من خَلَفت خديجة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسيدة خديجة تلك الشمس المشرقة من تأتِ بعدها، فلا بدَّ أن يأخذ من ثناها وضيائها ما يجعله متوهجًا في عطائه وإخلاصه، فهنيئًا لسَوْدَة أن تكون تالية خديجة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

بطاقة تعارف بالسيدة سَوْدَة:

• هي السيدة الفاضلة، أم المؤمنين، سَوْدَة بنت زَمْعَة بن قيس بن عبد شمس القرشية العامرية[1].

 

• أمُّها الشموس بنت قيس بن زيد الأنصارية، من بني عدي بن النجار[2].

 

• كانت من السابقين للإسلام، فإسلامها قديم[3].

 

• من المهاجرات الأُوَلِ للحبشة[4].

 

حياتها قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم:

تذكر كتب السِّيَرِ أن السيدة سَوْدَة عاشت حياة بسيطة كمعظم أهل مكة، فتزوَّجت بالسكران بن عمرو بن عبدشمس بن عبد ودِّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، فلما وصلها خبر الدين الجديد، أسلمت بمكة قديمًا وبايعت، وأسلم زوجها السكران بن عمرو، وخرجا جميعًا مهاجرَين إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية[5].

 

وهذه النصوص المتواترة عن حياة السيدة سَوْدَة قبل زواجها برسول الله صلى الله عليه وسلم تُفصح عن عدة رسائل:

أولها: أنها رَضِيَ الله عنها من أصحاب الفطرة السليمة، فقد قبِلت بدين الفطرة النقِيَّة في سهولة ويُسْرٍ، وكانت من أوائل مَن أسْلَمْنَ لله رب العالمين، ولعل اقترانها برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان بمثابة مكافأة ربانية لها، غير أن المكافأة الدنيوية محدودة، أما عطاء الله فهو غير محدود، فقد صارت أم المؤمنين، وسوف تُبعَث كزوجة لإمام المتقين صلى الله عليه وسلم، ولعل مقعدها في الجنة قد أُعِدَّ لتجتمع مع من أحبَّت في علِّيِّين.

 

ثانيها: أنها عانت وزوجها ما عانى المسلمون من تضييق وإيلام، وأنها صبرت على دينها كالصبارة الأصيلة التي تصبر لحرِّ الشمس، فلا يزيدها إلا نَدَواة، ونحن نعلم أن البعض قد يُفتَن، لكن ليس من هؤلاء السيدة سَوْدَة الصابرة المحتسبة، قوية الإيمان، كالنخلة في كبريائها.

 

ثالثها: تُرى لماذا هاجرت السيدة سَوْدَة إلى الحبشة، وتركت أهلها وبلدها، وتغرَّبت في بلاد بعيدة، وضحَّت براحتها؟! ليس من إجابة سوى أنها اقتنعت بفكرة أصيلة؛ وهي الحفاظ على الدين، وتبليغه للعالمين، فالمرء مهما ضحَّى وبذل الغالي والنفيس، ما عدل هذا قيمةَ الدين وحياطته وصونه، والمرء حينما يُضحِّي من أجل دينه بكل ما يملك، فهو كمن باع تراب الدنيا بجنة عرضها السماوات والأرض، أُعِدَّت للمتقين، فنعم البيع البيعُ لله وفي الله.

 

والآن أسأل: قلب طيب كهذا أَلَا يستحق أن يكون قلبَ أمٍّ من أمهات المؤمنين؟!

 

زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ظلَّت السيدةُ سَوْدَةُ فترةً في الحبشة، ثم عادت مع زوجها وابن عمها السكران بن عمرو إلى مكة؛ حيث توفِّيَ عنها، فأصبحت أرملة وعانت فوق معانتها معاناة جديدة، ولم يكن يدور بخَلَدِها أن هذه المعاناة قد تكون بوابةَ الفَرَجِ، وبداية مرحلة جديدة في حياتها؛ فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون لخِطبتها بعد أن أحلَّت، ويتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة عشر من النبوة[6]، وفي زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة دروس وعِبَرٍ مهمة:

1- قد نجد في مجتمعاتنا المعاصرة حَرَجٌ إذا تزوجت المرأة بعد وفاة زوجها، خاصة إذا كان لديها أبناء، وقد ترغب بعض النسوة في الزواج، لكن مخافة اللوم والحرج تمنعها من هذا، والبعض قد يتزوجن سرًّا، أو يعِشْنَ راغبات في الزواج، ممتنعاتٍ عنه بحكم ما تقدم، فيتعرَّضن للفتن، وهنا نجد خصيصة تمتَّع بها المجتمع المسلم الأول، حاربت مثل هذه العادات والتقاليد الخاطئة، وهذه الخصيصة هي الحرص على إعفاف المجتمع، وتحصين رجاله ونسائه، فبمجرد وفاة زوج السيدة سَوْدَة، وانقضاء عِدَّتِها، طلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم للزواج، وقد علمت مكانته، فوافقت ورحبت به دون أدنى حَرَجٍ.

 

لكن، ماذا لو ظلَّتِ المرأة وفِيَّةً لذكرى زوجها، مفرِّغة نفسها لتربية ولدها؟ لا حرج، فقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة رفضت الزواج بعد وفاة زوجها، وفرغت نفسها لرعاية ولدها، وهنا تظهر عظمة الإسلام، فهو يعطي الحلول الشرعية للمشكلات الاجتماعية، ثم يترك الحرية للمرأة المسلمة للاختيار بما يناسب ظروفها وقدرتها، وهذه عظمة تُحسَب للإسلام ولا شكَّ.

 

2- أخرج ابن سعد بسند مرسل رجاله ثقات، أن خولة بنت حكيم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم عقب وفاة السيدة خديجة: ((أفلا أخطب عليك؟ قال: بلى، قال: فإنكن - معشر النساء - أرفق بذلك، فخطبت عليه سَوْدَة بنت زَمْعَة))[7] ، وهنا نلاحظ تطبيقًا عمليًّا لقول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، فالسيدة خولة بنت حكيم رأت النبيَّ صلى الله عليه وسلم مهمومًا لوفاة خديجة، فأحبَّت أن تخفف عنه، وتروِّح عن قلبه بعروس جديدة، وهي في الوقت نفسه تحاول أن تساعد هذه المسلمة الكريمة السابقة للإسلام - سَوْدَة - بأن تُصيِّرها زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمًّا للمؤمنين.

 

3- وأفضل الشفاعات فيما رُوينا أن تشفع بين اثنين في نكاح، وهذا المعنى طبقته السيدة خولة بنت حكيم بصورة رائعة تنُمُّ عن فطرة سليمة، وسريرة نقية، فهي حينما توسطت في زواج بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخت مسلمة بحاجة إلى ونيس، لم يدفعها إلى ذلك إلا رغبة صادقة في الخير، فهي تعرِض السيدة سَوْدَة على رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجةً، وترغِّبه في ذلك آمِلةً في الخير، حريصة عليه، مستبشرة بعواقب ما أقدمت عليه.

 

ولو نظرنا إلى واقع الأمة الآن نجد الكثير يبتعد وبحرص عن مثل هذه الشفاعات؛ خوفًا من مغبتها، بل ويُطلق الأمثلة الشعبية المخالفة للسنة النبوية من باب تحذير الناس أن يمشوا في شفاعة زواج، وحُجَّة هؤلاء أنهم قد يتشفعوا في زواج، ثم يفشل، فيكون اللوم عليهم وسوء العاقبة، وهذا أمر وارد، وهو يدفع في اعتقادي إلى أن نصدُقَ فيما نفعل أو نقول، فإذا رشحت بنت صديق، أو إحدى بنات المسلمين لأخٍ مسلم، فلتتبين أمرها من حيث الأصل الطيب، ومتانة الدين، وليكن هذا بالنسبة للطرفين، أما البعد عن شفاعة الزواج لمجرد الخوف من الفشل وما يتبعه من لوم، فمخالفٌ لسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

4- وفي زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة سَوْدَة لمسةٌ لطيفة؛ فهي أرملة، وهي كما تصفها كتب السير امرأة ثَبِطةٌ أي ثقيلة[8]، ولم تكن في حُسْنِ السيدة خديجة، ومع ذلك تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجبر بخاطرها، كأخت مسلمة، مجاهدة، صابرة، محتسبة، ومسألة جبر الخواطر مسألة مُعتبرة في الإسلام؛ فقد اشتهر على ألسنة الصالحين "أنه ما عُبِدَ الله بأفضلَ من جبر الخواطر والقلوب".

 

صانعة البهجة في بيت النبوة:

تزوجت السيدة سَوْدَة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ونعِمت بجواره، واستأنست به بعد وحشة، وأكرمها الله بكرمِهِ الموصول، فما كان منها إلا أن شكرت لربِّها ما أعطاها، فكانت خيرَ زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهي مطيعة له، حريصة على رضائه، وفوق هذا ناشرة للبهجة في قلبه، مُبْدِية للابتسامة على شفتيه؛ فقد ذكر ابن سعد ما نصه: "أخبرنا أبو معاوية الضرير، أخبرنا الأعمش عن إبراهيم قال: قالت سَوْدَة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صليت خلفك البارحة، فركعتَ بي، حتى أمسكتُ بأنفي؛ مخافة أن يقطُرَ الدم، قال: فضحك، وكانت تُضحكه الأحيان بالشيء"[9]، وهذا النص اللطيف يَشِي بروح مرحة، راضية، زرع الرضا في قلبها ابتسامةً جعلتها صانعةَ البهجة في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهي تُضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وتحرص على سروره، ويا ليت نساء الأمة يتعلَّمن هذا الأدب الراقي من أم المؤمنين سَوْدَة، فيحرِصْنَ على نشر البهجة والسرور في بيوتهن، ويخفِّفن عن أزواجهن ما يلاقوا من مشقة الحياة وصعوبتها.

 

أهمية العامل النفسي عند اختيار الزوجة:

كانت السيدة سَوْدَة مرحة راضية تشع سعادة وسرورًا؛ فانعكس هذا على بيت النبي صلى الله عليه وسلم، لكن تُرى هل ما كانت عليه سَوْدَة من بهجة وسرور خُلُقٌ ظَهَرَ فجأة؟ وهل من الممكن أن يتحول الإنسان من طابع الكآبة والعبوس إلى البشاشة والسرور؟ لا شكَّ أن التحول من حالة إلى حالة على النقيض منها من الصعوبة بمكانٍ، ولا شكَّ أن ما عليه الإنسان من طبع وخُلُق لا يظهر فجأة، وإنما هو نتاج تربية، وبيئة أثَّرت في نفسيته، فظهر على الصورة التي هو عليها، ومن هنا أشد على يد إخواني بضرورة تحري العامل النفسي عند الاختيار، فالفتاة الْمُربَّاة في بيت ممتلئ بالحب والرحمة، البيت المشع بالبهجة والسرور، لا بد أنها تخرج إلى الحياة ومن ثَمَّ بيت زوجها وبها من هذه المعاني جميعًا معنى كُتب عليه: "زوجة من بيت طيب، تشع أملًا وسرورًا، وهي صالحة للحياة"، والعكس صحيح؛ فإن الفتاة الخارجة من بيت مضطرب، قلِق، مليء بالعِللِ النفسية، كتبت يد القدر على جبهتها: "فتاة غير صالحة للحياة"، فالحرص كل الحرص عند الاختيار على أهمية العامل النفسي، فخُذْ فتاةً رُبِّيت في بيت ممتلئ بالحب، فتزرع هي في بيتك الحب وتُنمِّيه، وتجعل حياتك معنًى من معاني السرور في أرقى صوره.

 

مراعاة خاطر النبي صلى الله عليه وسلم وقلبه:

كانت السيدة سَوْدَة كما قدَّمنا أول زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد السيدة خديجة، وقد انفردت برسول الله صلى الله عليه وسلم نحوًا من ثلاث سنين أو أكثر حتى دخل بعائشة، وقد نعمت بحياة سعيدة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أسنَّت ورأت تعلُّق قلب النبي بعائشة بنت أبي بكر رَضِيَ الله عنهما، وهبت يومها لعائشة؛ رعاية لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم[10]، فكانت عائشة رَضِيَ الله عنها تقدِّر هذا لها وتثمِّنه؛ فتقول: "ما من الناس امرأة أحبُّ إليَّ أن أكون في مِسْلاخها من سَوْدَة بنت زَمْعَة"[11].

 

وليس عندي ما أصف به عظمة هذه السيدة الكريمة، فعلى الرغم من حبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسعادتها به، فإنها لما رأت غروب شمسها وشروق شمس غيرها، انزوت في الظل، وتركت الشمس وإشراقها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واكتفت هي أن تراقبه من كَثَبٍ، ينعَم بمن أحبَّ، اختارت الراحة في راحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختارت السعادة في سعادة رسول الله، وضحَّت رعايةً لقلب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا كله تبدو عظمة شخصية هذه الأم الكريمة، أم المؤمنين سَوْدَة رَضِيَ الله عنها.

 

وفي مقابل هذه العظمة وهذا الإيثار لا تملك السيدة عائشة إلا أن ترُدَّ التحية بأحسن منها؛ فتقول: "ما من الناس امرأة أحب إليَّ أن أكون في مِسلاخها من سَوْدَة بنت زَمْعَة"، وهنا تجتمع العظمة بأختها لتكونا عنوانًا لأمهات المؤمنين.

 

إكرام النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة سَوْدَة:

ذكر ابن سعد في طبقاته: "أخبرنا عبدالله بن مسلمة بن قَعْنَبٍ، حدثنا أفلح بن حميد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة أنها قالت: استأذنت سَوْدَة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ليلةَ الْمُزْدَلِفَة أن تدفع قبله وقبل حَطْمَةِ الناس، وكانت امرأةً ثَبِطةً، يقول القاسم: والثَّبِطة الثقيلة، قال: فأذِن لها، فخرجت قبل دفعة الناس، وحُبِسنا حتى أصبحنا فدفعنا بدفعة، ولأن أكون استأذنت رسول الله كما استأذنته سَوْدَة، فأكون أدفع بإذنه قبل الناس أحب إليَّ من مفروحٍ به"، ورُوي عن عائشة أيضًا أنها قالت: "وددت أنْ كنتُ استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سَوْدَة، فأصلي الصبح بمنًى قبل أن يجيء الناس، فقالوا لعائشة: استأذنته سَوْدَة؟ فقالت: نعم، إنها كانت امرأة ثقيلة ثبِطة فأذِن لها"[12]، فانظر معي وتأمل عظمة الإسلام متمثلة في أبهى معانيها، فيما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع السيدة سَوْدَة، فهي تؤدي مناسك الحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشق عليها أن تدفع مع الناس، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدفع قبله وقبل حطمة الناس، فلا تجد من رسول الله إلا التيسير لا التعسير، فيسمح لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مراعاة لظروفها؛ إذ كانت امرأةً ثبطةً، وفي هذا تبدو عظمة الإسلام في التيسير على الناس، ويظهر بوضوح واضح إكرام النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة سَوْدَة، ورعاية خاطرها، والتيسير عليها، لدرجة أن عائشة رَضِيَ الله عنها تمنَّت لو كانت مكان سَوْدَة، وأذِن لها كما أذِن للسيدة سَوْدَة، ولعل هذه كرامة جديدة أكرم الله بها السيدة سَوْدَة؛ تلك المسلمة أصيلة الإسلام.

 

امتثالها لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم:

وفضلًا عن مناقب السيدة سَوْدَة الكثيرة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنها تأبى إلا أن تتحفنا بالمزيد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فتظل ملتزمة بأوامره، حريصة عليها، مشدِّدة على نفسها إرضاءً لذكرى من أحبت؛ ذكرى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي هذا يقول ابن سعد رحمه الله: "أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا ابن أبي ذئب عن صالح مولى التؤامة، قال: سمعت أبا هريرة يقول: حجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسائه عام حجة الوداع، ثم قال: ((هذه الحَجَّة، ثم ظهور الحُصْر))، قال أبو هريرة: وكان كل نساء النبي صلى الله عليه وسلم يَحْجُجْنَ إلا سَوْدَة بنت زَمْعَة وزينب بنت جحش، قالتا: لا تحركنا دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم"[13]، قال صالح: فكانت سَوْدَة تقول: لا أحج بعدها"[14].

 

وهذه النصوص تعني أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد من زوجاته أن يلزمن بيوتهن بعد حجة الوداع، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يُرِد أن يشق عليهن فورَّى في حديثه؛ فقال: ((هذه الحجة، ثم ظهور الحصر))، بمعنى لزوم البيوت، والكلام يحمل أكثر من وجه، وقد لا يحمل أمرًا لأمهات المؤمنين بعدم الحج والعمرة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن السيدة سَوْدَة احتاطت لنفسها، فنفَّذت أمر النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يحمل أكثر من وجه على ظاهره؛ حرصًا على طاعته وعدم مخالفته، فرَضِيَ الله عنها من امرأة كريمة طيبة.

 

كرمها رَضِيَ الله عنها:

وأخرج ابن سعد بسند صحيح، عن محمد بن سيرين أن عمرَ بعث إلى سَوْدَة بغرارة من دراهم، فقالت: ما هذه؟ قالوا: دراهم، قالت: في غرارة مثل التمر، ففرَّقتها[15]، وفي رواية أنها قالت: "يا جارية، بلِّغيني القنع"؛ أي اليسير منها، ثم فرقتها[16]، فقد كانت رَضِيَ الله عنها كريمة غاية ما يكون الكرم، وسوف نلاحظ أن أغلب أمهات المؤمنين إن لم يكن كلهن امْتَزْنَ بهذه الخصيصة؛ الكرم الواضح، والسخاء الجلي، ولعل هذا يطرح سؤالًا: هل تأثَّرن في هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والإجابة القطعية: نعم، فقد كان صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس‏ ((‏أجود الناس))[17] ، فالنبي عليه السلام هو الأصل، وزوجاته - ومنهم سَوْدَة - ارتبطن بهذا الأصل، فأخذن منه هذه الخصيصة الطيبة، خصيصة السادة في الكرم وحب العطاء، فصلى الله على رسول الله، ورضيَ عن زوجاته أمهات المؤمنين.

 

سَوْدَة وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أبت السيدة سَوْدَة رَضِيَ الله عنها أن تترك الدنيا، إلا وقد تركت أثرًا من بعدها، وأي أثر؟ إنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد ذكر الذهبي رحمه الله ما نصه: "يُروَى لسَوْدَة خمسة أحاديث، منها في الصحيحين حديث واحد"[18]، وقد روى عنها ابن عباس، ويحيى بن عبدالرحمن بن أسعد بن زرارة[19].

 

وفاة صاحبة الابتسامة العابدة:

وقد اختُلف في تاريخ وفاة السيدة سَوْدَة بنت زَمْعَة، فهناك رواية تقول بوفاتها في آخر زمان عمر بن الخطاب[20]، وأخرى - وهي رواية الواقدي - تقول: إنها تُوفِّيت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين، في خلافة معاوية بن أبي سفيان[21].

 

والراجح عندي رواية محمد بن عمر الواقدي؛ إذ إنه عمدة في هذا الباب، والله أعلم.



[1] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، ج: 8، ص: 196، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 هـ.

[2] نفسه.

[3] ابن سعد: الطبقات الكبرى، ج: 8، ص: 42، دار الكتب العلمية، بيروت، 1990م.

[4] نفسه.

[5] نفسه.

[6] انظر: ابن سعد، ج: 8، ص: 42.

[7] نفسه، ص: 45، ابن حجر: الإصابة، ج: 8، ص: 196.

[8] انظر: ابن عبد البر: الاستيعاب، ج: 4، ص: 1867.

[9] ابن سعد: الطبقات، ج: 8، ص: 44.

[10] الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج: 2، ص265، 266، مؤسسة الرسالة، 1982م.

[11] ابن سعد: الطبقات الكبرى، ج: 8، ص: 43، 44.

[12] ج: 8، ص: 44، 45.

[13] نفسه، ص: 44.

[14] الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج: 2، ص: 268.

[15] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، ج: 8، ص: 197.

[16] ابن سعد، ج: 8، ص: 45.

[17] صحيح البخاري، ج: 1، ص: 4 (حديث رقم: 6).

[18] سير أعلام النبلاء، ج: 2، ص: 269.

[19] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، ج: 8، ص: 197.

[20] نفسه؛ وقال ابن أبي خيثمة: توفيت سَوْدَة بنت زَمْعَة في آخر زمان عمر بن الخطاب، ويُقال: ماتت سنة أربع وخمسين ورجَّحه الواقدي.

[21] ابن سعد، ج: 8، ص: 46: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: تُوُفِّيَتْ سَوْدَة بِنْتُ زَمْعَة بِالْمَدِينَةِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، فِي خِلافَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سودة بنت زمعة رضي الله عنها
  • هن قدوتي (3): أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها
  • أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (7) سودة بنت زمعة رضي الله عنها

مختارات من الشبكة

  • حديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • تفسير قوله تعالي: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير آية الجلابيب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • محمد صلى الله عليه وسلم زوجا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أن تدفع قبله(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • نماذج من سير الصالحين (5) سودة رضي الله عنـها (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • التشاؤم من البنات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: اختصام سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • علة حديث: (نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة وسودة(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب