• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

إستراتيجيات القراءة المنهجية (Methodology) فيما يخص الشأن الفكري والثقافي: ضرورة أم ترف؟

إستراتيجيات القراءة المنهجية (Methodology) فيما يخص الشأن الفكري والثقافي: ضرورة أم ترف؟
د. مطيع عبدالسلام عز الدين السروري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/7/2022 ميلادي - 23/12/1443 هجري

الزيارات: 3467

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إستراتيجيات القراءة المنهجية (Methodology)

فيما يخص الشأن الفكري والثقافي:

ضرورة أم ترف؟


تمهيد:

ما من شكٍّ في أن الإنسان يُفضِّل أن يكون مُحدِّثُه على درايةٍ بما يتحدَّث به بدلًا من أن يلف ويدور حول الموضوع ولا يصل إلى شيء ذي قيمة، ومما لا شكَّ فيه أيضًا أن الوضوحَ والدقة والموضوعية (objectivity) في سَبْر غور المواضيع هدفُ كلِّ باحث/كاتب، ولكن "وَما نَيْلُ المَطالِبِ بالتمَنِّي = ولكِنْ تُؤخَذ الدُّنْيا غِلابا".

 

أزعم أن الوضوح والدقة والموضوعية (قدر المستطاع) في البحث/ الخطاب سِماتٌ يمكن امتلاك ناصيتها إذا توفَّرت لدى الباحث/الكاتب الرغبةُ وبذلُ الجهد في سبيل اكتسابها؛ أما إذا تساهَل في ذلك وفضَّل الفضفضة عن مكنون نفسه فيما يطرحه، فلن يمتلك ناصية هذه السمات ولو قضى في الكتابة دهرًا من عمره.

 

في الأبحاث الأكاديمية، يتم الحديث عن هذه السمات تحت مسمَّى المنهجية التي بغيابها أو تغييبها تُهدَر كثيرٌ من الجهود، وتضيع على الأمة استراتيجيات تفكير تراكمية كثيرةٌ يمكنها أن تشحذ وتُطوِّر مهارات التفكير العليا والرؤية عند عموم الأمة؛ لتصبح ثقافةً في كل شؤون الحياة، بل بغياب المنهجية، يَتِيه كثيرٌ من شباب الأمة وباحثيها، وينجذبون إلى منهجيات متناقضة مع عقيدة الأمة بحُجَّة البحث العلمي.

 

عادة ما يُذكَر مصطلح المنهجية مصاحبًا لكلمة المرجعية (أو الإطار النظري (Theoretical Framework؛ وأيضًا تُذكَر الكلمتان: المرجعية والمنهجية معًا بشكل متلازم في الأبحاث الأكاديمية إلا أن موضوع المرجعية والمنهجية لا يخصُّ فقط البحث الأكاديمي (أي: الشأن الفكري والفلسفي عمومًا) وإنما يتعدَّى ذلك للشأن الثقافي العام للأمة، وما أكثر المشتغلين على هذا الجانب الأخير بشكل يومي!

 

بالرغم من عدم التصريح بالمرجعية عند الحديث في الشأن الثقافي العام في كثير من المواضيع، إلا أنه شيء مُبرر ضمن سياق الرؤية العربية الإسلامية؛ لأن بيئتنا أصلًا عربية إسلامية، ويتم أخذها كشيء مُسلَّم به، بالإضافة إلى أننا نحتاج إلى التصريح بالمرجعية وإضاءتها فقط عند التعامل مع مواضيع تتداخل مع رُؤى فكرية مختلفة (أو أفكار قَدِمَتْ من خارج رؤيتنا العربية الإسلامية)[1]، إلا أن غياب تحديد استراتيجيات البحث/القراءة في منهجية الخطاب في كثير مما يقال - وأغلب الظن دون وعي وبسبب عدم وضوحها في أذهان كثير من الباحثين/الكتَّاب حتى ممن يفترض أنه تدرَّب على الكتابة الأكاديمية - يُسبِّب هدر وضياع استراتيجيات تفكير/قراءة أزعم إن تمَّتْ إضاءتُها أن تنتشل الأُمَّة من كثيرٍ من مشاكلها؛ لأنها ستصبح ثقافة تفكير وسلوك عملي تراكمي على جميع الأصعدة مع مرور الزمن.

 

فيما يلي تعريف للمنهجية كما يركز عليها مقالنا هذا مع إعطاء أمثلة من دراساتي الأكاديمية، وأيضًا من مجالات أخرى لإيضاح الفكرة، وأرجو أن يعمل المقال على تسليط الضوء على بعض الاستراتيجيات المنهجية في البحث/التفكير/القراءة لتضيء الطريق بدورها لاستخراج واكتشاف ما هو موجود منها في أدبياتنا المتنوعة وتراثنا الثري، وربما أيضًا لإبداع المزيد منها لترفِد في المحصلة النهائية طريقة وثقافة تفكير شباب أُمَّتِنا العربية الإسلامية في مختلف المجالات.

 

المنهجية:

المنهجية هي العملية المنظمة الواضحة والدقيقة والموضوعية والشاملة لسير البحث أو الكتابة الأكاديمية، لكن ما يهم مقالنا هذا منها هو الأدوات البحثية أو المفاهيم (أو الطريقة) التحليلية التي يستخدمها الباحث وطريقة عملها لفك مغاليق الموضوع الذي يتناوله؛ أقول "مغاليق الموضوع"؛ لأن المواضيع الجادة تُطْرَحُ فيها أفكار ورؤى تحتاج إلى تبيان وتجرُّد كبير (أي: موضوعية عالية ونظامية في الطرح) من خلال استراتيجيات بحث/تفكير/قراءة منهجية لسَبْر غورها، ولتصب كنتيجة في منفعة الأمة ورقي فكرها وإنارة بصيرتها وإلا - إن كانت غير ذلك - فالأمرُ عبارة عن دردشة أو لتحقيق أغراض شخصية وجَدَتْ لها مُتنفَّسًا أو لتمرير أفكار ممولة ذات هوى نفس كيفما اتفق[2].

 

المنهجية التي يركز عليها هذا المقال، بعبارة أخرى، هي تحديدًا استراتيجية الباحث في التعامل مع موضوع بحثه قراءة وتحليلًا، وهذا يعني أن المقال لن يتطرق للأدوات المنهجية التي تُستخدَم في تجميع البيانات وضبطها؛ مثل: الاستبانة، والمقابلة، والملاحظة، والاختبار، والمراجع... إلخ؛ لأن التعامل معها يختلف عما يركز عليه هذا المقال، وأيضًا لن يتطرق المقال لما يسمى المنهجيات العامة؛ مثل: العقل، والحس، والاستنتاج، والاستنباط... إلخ، فهذه أيضًا لها تعامل آخر غير هدف المقال.

 

أمثلة لإستراتيجيات البحث/التفكير/القراءة من بعض مجالات المعرفة:

في رسالتي للماجستير[3]، وكانت عن تحليل البنية الفكرية لمسرحية أمريكية، استخدمتُ فيها إستراتيجية قراءة أزعم أنها كانت مبتكرة، بحسب معرفتي في حينها وحتى الآن، وهي فصل الأحداث: أحداث الماضي عن أحداث الحاضر، لرؤية تأثير بعضها البعض على بنية العمل الأدبي الفكرية، فقرأت المسرحية ثلاث مرات: مرة قرأت فيها أحداث الماضي وحدها، والأخرى أحداث الحاضر وحدها، والثالثة أعدت الأحداث كُلًّا في مكانه لرؤية ما يظهر من تقنيات مستخدمة في بنية المسرحية نتيجة للفصل بين الأحداث، ونتيجة لتلك القراءة الإستراتيجية اتَّضح أولًا أن المسرحية تنتهج تقسيم وتتابع منتظم مذهل للأحداث في بنيتها الفكرية العميقة غير الملاحظة إلا تحت التحليل بالإستراتيجية القرائية المتبعة: المسرحية مكونة من فصلين (وكان هذا واضحًا في البنية الخارجية للمسرحية منذ صدورها)، إلا أنه لم تكن توجد قراءة سابقة قبل قراءتي للمسرحية تُظهر أن كل فصل مكونٌ من خمسة مشاهد وبنفس الترتيب المنتظم لكل فصل كالتالي: حاضر، ثم ماضٍ، ثم تداخل بين الماضي والحاضر، ثم ماضٍ ثم حاضر (ودعمتُ ذلك بتحديد أرقام صفحات كل مشهد على حدة)، وثانيًا: ظهر أن الكاتب يستخدم تقنيات الضوء والموسيقى في أحداث المسرحية الماضية والحاضرة (وكان هذا أيضًا واضحًا في بنية المسرحية الخارجية)؛ إلا أن هذا الاستخدام لتقنيات الضوء والموسيقى لم يتم تسليط الضوء على وظيفته كأداة ربط بين فصلي ومشاهد المسرحية (وهي تقنيات برع فيها الكاتب أيما براعة)، وكان لا بد من التأسيس لهذه الفكرة في ذهن القارئ، فكان النظر لتلك التقنيات من قِبَلِي على أنها أدوات ربط مثلها مثل استخدام أدوات الربط اللغوية "و and" و"لكن But"... إلخ، لتحقيق ميزتي التماسك (cohesiveness) والانسجام (coherence) بين أحداث المسرحية، ليتتوج كل ذلك في بنية فكرية مذهلة الإعداد والإخراج والتماسُك والتناسق والتعقيد السَّلِس في آن، ولا عجب بعد ذلك أن يرى القارئ المطَّلع أن هذه المسرحية حصدت جوائز عدة، وأشهرت صاحبها شهرةً كبيرةً.

 

كان هذا إيجازًا للمنهجية المتبعة في الدراسة والتي من دونها ربما كان صعبًا اكتشافُ بناء البنية الفكرية للمسرحية وإضاءتها، أما الدراسة ونتائجها ففيها تفاصيل كثيرة ليست محلَّ تركيزٍ هنا في هذا المقال.

 

وفي رسالتي للدكتوراة[4]، وكانت عن سياق اللغة الإسلامية في ثلاثية روائية مترجمة للغة الإنجليزية، استخدمتُ فيها أربعة مفاهيم كأدوات بحثية تحليلية منهجية هي "سياق Context"، و"أساسيBasic "، و"ارتباطيRelational "، و"مجالField " لتحليل استخدام اللغة الإسلامية[5] (أي: كلمات أساسية؛ مثل: صلاة، مسجد، حج، أو عبارات؛ مثل: إن شاء الله، أو أحاديث نبوية أو آيات قرآنية... إلخ) في كلٍّ من الأحداث والشخصيات: أحداث الروايات تحت الدراسة وأيضًا نماذج رئيسية ممثلة لشخصياتها.

 

في الأساس تم استخدام هذه المفاهيم لدراسة معاني المفردات الأساسية في القرآن الكريم وفي بعض السياقات المرتبطة بالدين الإسلامي من قِبَل البرفسور الماليزي سيد محمد نقيب العطاس[6] ومن قبله أستاذه البرفسور الياباني أيزوتسو توشيهيكو[7].

 

عملية تَبَنِّي هذه المفاهيم كأدوات بحثية منهجية تحليلية لقراءة موضوع معين في رواية أو مجموعة روايات كانت تحتاج إلى تخيُّل عمل هذه الأدوات البحثية في بيئة غير البيئة التي تم استخدامها فيها أول مرة، كان مجال عمل البرفسورين العطاس وتوشيهيكو مرتكزًا على المعاني (معاني المفردات الأساسية في القرآن الكريم) في سياق أسلمة المعرفة، ودراستي كانت مرتكزة على الاستخدام (استخدام اللغة الإسلامية، بعد التأصيل لها، في الروايات تحت الدراسة) في سياق لا أسلمة اللغة الإسلامية في العمل الأدبي تحت الدراسة.

 

المشترك في الأعمال السابقة لدراستي وفي دراستي هو استخدام هذه الأدوات البحثية لرؤية ومتابعة عمل تأثير السياق فيما يحتويه من عنصر أو عناصر تحت الدراسة، في دراسة البروفسورين العطاس وتوشيهيكو، وفيما يتعلق بالمفرادات الأساسية في القرآن الكريم، كان هناك سياقان: السياق الجاهلي، والسياق الإسلامي (وفي جانب آخر، السياق المالاوي والسياق الإسلامي)، كانت مجالات عمل تلك الأدوات البحثية المنهجية في هذه الدراسات هي المجالات الدلالية Semantic fields: كيفية تأثير السياق الإسلامي على معاني المفردات الأساسية مثل لفظ: إله، نبي، رسول، ملك، عبد، محمد... إلخ، بعد نقلها من السياق الجاهلي إلى السياق الإسلامي (أو عندما تم توظيف وجودها- لفظًا كما هي- وهي في السياق المالاوي لتعمل ضمن تأثير السياق الإسلامي).

 

بالمقابل، في دراستي، وفيما يتعلق باللغة الإسلامية كان هناك سياقان: سياق اللغة الإسلامية الأساسي (وهو القرآن الكريم والسنة النبوية) وسياق ارتباطي (وهو سياق العمل الأدبي الذي تم توظيف اللغة الإسلامية فيه)، وكان السؤال عن مدى تأثير السياق الارتباطي الروائي على استخدام اللغة الإسلامية؟ ولمعرفة ذلك، كان لا بد من توسيع عمل مفهوم الـ "مجال field" توسيعًا أفقيًّا، والتأصيل لذلك؛ ليشمل مساحة أوسع من عمل مفردة أساسية وكلمات حولها (كما في دراسة البرفسورين العطاس وتوشيهيكو) إلى حدثٍ روائي متكامل يشمل المساحة التي توجد فيها الكلمة أو العبارة أو الآية القرآنية أو الحديث النبوي (أي: اللغة الإسلامية) في الرواية فيما يتعلق بالأحداث الروائية، وأيضًا توسيعه عمقًا، والتأصيل لذلك أيضًا، ليحتوي الشخصية الروائية (أيُّ شخصية روائية تحت الدراسة) كمجال في حد ذاتها للغة الإسلامية؛ أي: إن الشخصية نفسها تشكل مجالًا "field" يتكون من أفكار وصفات وسلوك تلك الشخصية التي تستخدم اللغة الإسلامية في كلامها، وبهذه الإستراتيجية المنهجية تم حصر وتحديد جميع المجالات Event fields التي تخص الأحداث الروائية، وأيضًا تحديد الشخصيات الرئيسية التي ستتم دراستها كمجالات نموذجية للغة الإسلامية Character fields في العمل الأدبي، وبعد هذا طبعًا، تسهل رؤية وتتبُّع عمل السياق الروائي العام (الارتباطي) الذي يتكون من جميع مجالات اللغة الإسلامية سواء فيما يتعلق بالأحداث أو الشخصيات في العمل الأدبي تحت الدراسة ومقارنته بوضع اللغة الإسلامية في سياقها الإسلامي العام (الأساسي).

 

وقبل الاستطراد في إعطاء مزيد من الأمثلة من مجالات أخرى، تجدر الإشارة إلى أن استعارة استراتيجيات بحث/قراءة من مرجعية أو مرجعيات مختلفة عن رؤيتنا الإسلامية ليست مقبولة دائمًا عند بعض المفكرين بسبب التباس، وأحيانًا التصاق أو امتزاج الأدوات المنهجية بمرجعياتها التي قد تناقض الرؤية الإسلامية[8] [9]؛ وشخصيًّا لا أُسَلِّمُ بسهولة لمن لا يلقي بالًا لاختلاف المرجعيات في استراتيجيات تفكيره؛ لأنه قد لا يكترث لاتساق قراءاته مع ثوابت الأمة العقدية، فالغاية لا تُبرِّر الوسيلة؛ حيث لا بد من سلامة كُلٍّ من الغاية والوسيلة في آنٍ معًا.

 

لتسليط مزيد من الضوء على استراتيجيات التفكير/القراءة المنهجية الفعَّالة والمميزة، هناك مقال بعنوان قراءة سيكوثقافية في مقولة: ((وَيَكْفُرْنَ العَشِير))[10] يستخدم - كما يلاحظ من العنوان - مفاهيم علم النفس الحديث في قراءة تلك الجزئية من الحديث الشريف برغم تشكُّكي من أدوات علم النفس الغربي كمرجعية، إلا أن الكاتب أجاد انتقاء مفاهيمه المنهجية كإستراتيجية لقراءة جزء الحديث النبوي ((ويَكْفُرن العَشِير)) ليلفت انتباهنا كقُرَّاء إلى أن هذه المقولة النبويَّة ليست كما قد يُفهَم منها من أنها تَصِمُ نوع النساء بعلة دائمة فيهن، ولا مناص لهن من التخلُّص منها؛ وإنما هي كنصٍّ نبوي للفت الانتباه لأثر ثقافة البيئة في سلوك أفراده، المقال يستحق القراءة والتفكير حتى وإن كنا لا نتفق معه في سحبه من علم النفس لبعض المفاهيم، فكاتبه واعٍ تمامًا إلى أن دور الفرد ومسؤوليته عن سلوكه لا يقل عن تأثير ثقافة المجتمع على سلوك الفرد، وما يهمنا هنا هو تسليط الضوء على مفاهيم الكاتب البحثية المنهجية ومِن ثَمَّ إستراتيجية بحثه/قراءته: فقد حدد الكاتب أدواته البحثية في ثلاثة مفاهيم منهجية هي الثقافة والإدراك والسلوك، أجاد الكاتب رسم حدود تعريفات هذه المفاهيم كما يعرفها علم النفس الحديث، وبها ومن خلالها يتتبع أثر الثقافة في تشكيل الإدراك ومن ثَمَّ السلوك الذي يسلكه كلٌّ من الفرد والمجتمع، ويخلص الكاتب إلى أن سلوك ((ويَكْفُرن العَشِير)) "منتج ثقافي" ومِن ثَمَّ يهدم بحسب تعبيره "كل الادعاءات القائلة بأن الطبيعة (البيولوجيا) التكوينية للأنثى جِبِلَّة تمَّت صياغتها على كُفران العَشير، وكُفران العَشير خُلُقٌ مذمومٌ وقبيحٌ، وفطرة الله التي فطرَ الناسَ عليها كلها خير، فلا يصح أن تكون طبيعة الأنثى شريرة"، وكون الكاتب مسلمًا، فقد استدرك في نهاية مقاله أن "الفرد تام المسؤولية عن صياغة ذاته بجانب ثقافته، هذه المسؤولية هي أحد الواجبات الدينية التي أشار لها الحديث"، وبرغم حُسْن هذا الاستدراك إلا أنه يظل استدراكًا وليس نتيجة قراءة منهجية كما كانت قراءته لدور الثقافة في تشكيل إدراك وسلوك الفرد والمجتمع، إلا أن هذا أيضًا لا يبخس المقال حقَّه في حُسْن اختيار أدواته البحثية المتمثلة في المفاهيم المنهجية السالفة الذكر.

 

مثال آخر لاستراتيجيات البحث/التفكير/القراءة المنهجية نجده في مقال باللغة الإنجليزية بعنوان "ابن تيمية وفتغنشتاين حول اللغة"[11]، حيث يستخدم الباحث المفهومين الناتجين عن رؤية الفلسفة الأرسطية لماهية المعنى اللغوي: المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، كمفهومين بحثيين منهجيين لمعرفة مدى قبول أو رفض ابن تيمية[12] وفتغنشتاين[13] لهما، بعبارة أخرى، موضوع المقال يتركز حول كيفية تعامل الفيلسوفين العربي والألماني مع رؤية الفلسفة الأرسطية لماهية المعنى اللغوي التي أنتجت المفهومين.

 

يخلص البحث إلى تشابه الفيلسوفين في رفضهما للآراء قبلهما حول اللغة من أن للكلمة اللغوية معنًى حقيقيًّا ومجازيًّا، واعتبارهما (أي الفيلسوفين)، بدلًا من ذلك، أن هناك معنًى حقيقيًّا فقط وهو ما يتقرر استعمالًا ضمن سياق معين؛ أي: إن الفيلسوفين رفضا المعنى المجازي، كُلٌّ لأسبابه الخاصة: ابن تيمية رفضه؛ لأنه لا يتسق مع أوامر وتشريعات القرآن الكريم، حيث لا يمكن اعتبارها مجازية بأي حال؛ وفتغنشتاين رفضه؛ لأنه يرفض أن يكون معنى الشيء معتمدًا على تعريف مجازي له، وإنما يتشكل المعنى عنده بناء على استعمال الكلمة.

 

خاتمة:

إن إضاءة استراتيجيات البحث/القراءة المنهجية ضرورة فكرية وثقافية؛ لأنها تلُمُّ وتُظهر العمق المعرفي والفكري الموضوعي الدقيق للأمة؛ سواء في تعاملها مع المواضيع أو القضايا داخل الحدود المعرفية لها أو تلك التي تَفِدُ إليها من خارج منظموتها الفكرية والعقدية.

 

مع تقدم وسائل التواصل التقنية، أصبح العالم كله يموج في بعضه، وأصبح تمييزُ سلوكنا فكرًا وعقيدةً ضرورةً إسلامية؛ لذلك، برأيي، هذه الإضاءة تساعد على رؤية تراكم خبرة الأمة التطبيقية، والاستفادة منها بدلًا من إسراع كثير من باحثي وكُتَّاب الأمة العربية الإسلامية لتبني استراتيجيات بحث/قراءة منهجية قد تكون غير قابلة للانفصال عن مرجعياتها المختلفة عن، بل والمتناقضة مع، مرجعية أمتهم الفكرية والعقدية بحجة وضوحها أو التعوُّد عليها أو تم التدريب عليها أكاديميًّا أو جاهزيتها للتطبيق، ويمكن اعتبار هذا المقال دعوةً للباحثين والمفكِّرين لإعطاء موضوع إضاءة استراتيجيات البحث/التفكير/القراءة المنهجية الأهميةَ التي يستحقُّها في إضاءة الطريق لشباب الأمة في الأمور الفكرية والثقافية بدلًا من تركهم فريسةً سهلةً لمرجعيات ومنهجيات تسلبهم فرادتهم وهويتهم بل ربما عقيدتهم، والله المستعان.



[1] ناقشت مصطلح الإطار النظري أو المرجعية في مقال هنا على شبكة الألوكة بعنوان الإطار النظري: رحلة شخصية أكاديمية في تطويع المصطلح.

[2] ناقشت هذا الموضوع في مقال هنا على شبكة الألوكة بعنوان: البحث العلمي والأوراق البحثية: قراءة ذاتية.

[3]بالإمكان الاطِّلاع على الرسالة من خلال الرابط:https://bit.ly/3Mq4yel

[4] رسالتي للدكتوراة مكتوبة باللغة الإنجليزية (ناقشتها في عام 2014م)، وموجودة في الجامعة الوطنية الماليزية، لم تترجم للعربية ولم تُنشر خارج الجامعة حتى الآن، إلا أني كتبت تلخيصًا موجزًا لها في مقال باللغة العربية نُشر في مجلة الأدب الإسلامي (متاح على النت)، العدد (93) للعام 2017م، لمن يريد أن يأخذ فكرة عنها.

[5] مصطلح اللغة الإسلامية هو لفظ استعرته من إحدى كتب الفيلسوف العطاس، وكان يقصد به المفردات الإسلامية الأساسية الموجودة في اللغات الإسلامية؛ كالعربية والأوردية والماليزية والتركية... إلخ، ولم يضرب له مثلًا بل ورد مطلقًا كما ذكرت للتوِّ؛ فوسعته دلاليًّا لأول مرة في رسالتي للدكتوراة ليشمل أي كلمة إسلامية أساسية؛ مثل: صلاة، صيام، حج... إلخ، أو عبارات مثل: "إن شاء الله"، "السلام عليكم"، أو أحاديث نبوية أو آيات قرآنية تستخدم في الأعمال الأدبية.

كتاب العطاس الذي استعرت منه مصطلح اللغة الإسلامية هو التالي:

al-Attas, Syed M. N. 1985. Islam, Secularism and the Philosophy of the Future. London: Mansell Publishing.

[6] al-Attas, Syed M. N. 1970. The Mysticism of Hamzah Fansuri. Kuala Lumpur: University of Malaya Press

[7] Izutsu, Toshihiko. 1964. God and Man in the Qur’an: Semantics of the Qur’anic Weltanschauung. Trans. 2002. Kuala Lumpur: Islamic Book Trust.

[8] بالنسبة لموضوع تداخل الأدوات المنهجية بالمرجعيات، يمكن الاطلاع على مبحث بعنوان أثر المنهج التفكيكي في النص القرآني في كتاب بعنوان ما مدى إفادة المناهج النقدية واللسانية الحديثة في دراسة النص القرآني لمجموعة من الباحثين. (الكتاب متوفر على النت).

[9] أيضًا بالنسبة لموضوع تداخل الأدوات المنهجية بالمرجعيات يمكن الرجوع لمقال باللغة الإنجليزية بعنوان:

Mustafa, Abdul Rahman. 2018. Ibn Taymiyyah & Wittgenstein on Language. Hartford Seminary.

[10] قراءة سيكوثقافية في مقولة: ((وَيَكْفُرْنَ العَشِير))، عدنان معتوق؛ (المقال متوفر على النت).

[11] Mustafa, Abdul Rahman. 2018. Ibn Taymiyyah & Wittgenstein on Language. Hartford Seminary.

[12] أحد علماء أهل السنة والجماعة في القرن الثالث عشر والرابع عشر الميلادي والملقب بشيخ الإسلام، وهو أيضًا فيلسوف لغوي.

[13] أحد الفلاسفة الألمان في القرن العشرين الميلادي.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القراءة المنهجية وأثرها في تغيب دور المدرس

مختارات من الشبكة

  • إستراتيجيات الفهم القرائي.. غياب المرجع العلمي التنظيري(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إستراتيجية التقليبات الحرفية لتكوين كلمات الإستراتيجية الرابعة في إستراتيجيات الطلاقة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إستراتيجيات التلخيص القرائية بين الثبات والتجديد(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • القرائية.. تعليم ذو معنى مزيج من البنائية وما وراء المعرفة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إستراتيجية إعادة السرد بين قرائية مصر وقرائية المغرب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إستراتيجيات الأسئلة الصفية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • فن التحفيز(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إستراتيجيات مهارة القراءة لدى متعلمي اللغة العربية غير الناطقين بها(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة والتنمية المستدامة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التعليم الهجين لتدريس الرياضيات باليدويات والوسائط الذكية لذوي الإعاقة البصرية: إستراتيجيات ونماذج تعليمية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب