• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / عالم الكتب
علامة باركود

63 فائدة من كتاب: رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الإسلام رحمه الله

63 فائدة من كتاب: رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الإسلام رحمه الله
سالم محمد أحمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/10/2020 ميلادي - 1/3/1442 هجري

الزيارات: 21989

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

63 فائدة من كتاب (رفع الملام عن الأئمة الأعلام)

لشيخ الإسلام رحمه الله

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحابته أجمعين، أمَّا بعد:

فهذه فوائد منتقاة من رسالة مهمة لشيخ الإسلام ابن تيمية عنوانها (رفع الملام عن الأئمة الأعلام)، تبين أسباب وقوع الاختلاف بين علماء السلف ومن بعدهم وذلك حتى لا يشنِّع عليهم مشنع (فمتى عُرِف السبب بطل العجب)، وهي رسالة نافعة لعامة الناس فضلا عن طلبة العلم وذلك لكثرة التطاول على العلماء وانتشار رمي بعض العلماء بالتبديع والتفسيق ظلمًا وعدوانًا لمجرد الاختلاف وعدم فقه سبب مخالفتهم التي يكونون فيها معذورون. وهذه المقتطفات لا تغني عن الأصل وما فيه من تفصيل واستطرادات كثيرة، ورد على بعض الأقوال وتوسع أكثر وذكر الأمثلة والنصوص من الكتاب والسنة، إذن فهي دليل إليها ولا تغني عنها (وما لا يدرك كُله، لا يترك جُلّه).

 

1- يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ -بَعْدَ مُوَالَاةِ اللَّهِ تعالى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ. خُصُوصًا الْعُلَمَاءُ، الَّذِينَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ، يُهْتَدَى بِهِمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَدِرَايَتِهِمْ.


2- (عُلُمَاءُ الْمُسْلِمِينَ) خُلَفَاءُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ، والـمُحْيون لِمَا مَاتَ مِنْ سُنَّتِهِ. بِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ، وَبِهِ قَامُوا، وَبِهِمْ نَطَقَ الْكِتَابُ وَبِهِ نَطَقُوا.

 

3- وَلِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ -الْمَقْبُولِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ قَبُولًا عَامًّا- يَتَعَمَّدُ مُخَالَفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ سُنَّتِهِ؛ دَقِيقٍ وَلَا جَلِيلٍ. فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ اتِّفَاقًا يَقِينِيًّا عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَلَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ، إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

4- (الْأَئِمَّةِ الْمَقْبُولِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ قَبُولًا عَامًّا) إذَا وُجِدَ لِوَاحِدِ مِنْهُمْ قَوْلٌ قَدْ جَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِهِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ عُذْرٍ فِي تَرْكِهِ. وَجَمِيعُ الْأَعْذَارِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ:

‌أ. أَحَدُهَا: عَدَمُ اعْتِقَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ.

‌ب. وَالثَّانِي: عَدَمُ اعْتِقَادِهِ إرَادَةَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِذَلِكَ الْقَوْلِ.

‌ج. وَالثَّالِثُ: اعْتِقَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مَنْسُوخٌ.

 

5- (قد يكون السَّبَبُ في وجود أَقْوَالِ للسَّلَفِ مُخَالِفًا لِبَعْضِ الْأَحَادِيثِ) أَن لا يَكُونَ الْحَدِيثُ قَدْ بَلَغَهُ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ لَمْ يُكَلَّفْ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمُوجَبِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ بَلَغَهُ -وَقَدْ قَالَ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ بِمُوجَبِ ظَاهِرِ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ آخَرَ؛ أَوْ بِمُوجَبِ قِيَاسٍ؛ أَوْ مُوجَبِ اسْتِصْحَابٍ- فَقَدْ يُوَافِقُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ تَارَةً، وَيُخَالِفُهُ أُخْرَى.

 

6- وَهَذَا السَّبَبُ (عدم بلوغ الحديث للعالِم): هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَكْثَرِ مَا يُوجَدُ مِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ مُخَالِفًا لِبَعْضِ الْأَحَادِيثِ.

 

7- الْإِحَاطَةَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ لِأَحَدِ مِنْ الْأُمَّةِ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ؛ أَوْ يُفْتِي؛ أَوْ يَقْضِي؛ أَوْ يَفْعَلُ الشَّيْءَ؛ فَيَسْمَعُهُ أَوْ يَرَاهُ مَنْ يَكُونُ حَاضِرًا، وَيُبَلِّغُهُ أُولَئِكَ -أَوْ بَعْضُهُمْ- لِمَنْ يُبَلِّغُونَهُ، فَيَنْتَهِي عِلْمُ ذَلِكَ إلَى مَنْ شَاءُ اللَّهُ تعالى مِنْ الْعُلَمَاءِ، مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ... فَيَكُونُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ، وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ مَا لَيْسَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ.

 

8- إِنَّمَا يَتَفَاضَلُ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِكَثْرَةِ الْعِلْمِ أَوْ جَوْدَتِهِ. وَأَمَّا إحَاطَةُ وَاحِدٍ بِجَمِيعِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذَا لَا يُمْكِنُ ادِّعَاؤُهُ قَطُّ.

 

9- الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ -رضي الله عنهم- الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِأُمُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ وَأَحْوَالِهِ، خُصُوصًا الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- الَّذِي لَمْ يَكُنْ يُفَارِقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حَضَرًا وَلَا سَفَرًا ... وَكَذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَإِنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا كان يَقُولُ: (دَخَلْت أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) وَ (خَرَجْت أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) .

 

10- فَهَؤُلَاءِ (الخلفاء الراشدون وبقية الصحابة) كَانُوا أَعْلَمَ الْأُمَّةِ وَأَفْقَهَهَا، وَأَتْقَاهَا وَأَفْضَلَهَا، فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْقَصُ؛ فَخَفَاءُ بَعْضِ السُّنَّةِ عَلَيْهِم أَوْلَى فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ.

 

11- مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ حَدِيثٍ صَحِيحٍ قَدْ بَلَغَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، أَوْ إمَامًا مُعَيَّنًا فَهُوَ مُخْطِئٌ خَطًَا فَاحِشًا قَبِيحًا.

 

12- لَيْسَ كُلُّ مَا فِي الْكُتُبِ يَعْلَمُهُ الْعَالِمُ، وَلَا يَكَادُ ذَلِكَ يَحْصُلُ لِأَحَدِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ الدَّوَاوِينُ الْكَثِيرَةُ وَهُوَ لَا يُحِيطُ بِمَا فِيهَا.

 

13- السَّبَبُ الثَّانِي (لوجود أَقْوَالِ للسَّلَفِ مُخَالِفًا لِبَعْضِ الْأَحَادِيثِ): أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ قَدْ بَلَغَهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ. إمَّا لِأَنَّ مُحَدِّثَهُ، أَوْ مُحَدِّثَ مُحَدِّثِهِ، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ رِجَالِ الْإِسْنَادِ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ أَوْ مُتَّهَمٌ أَوْ سَيِّئُ الْحِفْظِ....

 

14- الْأَحَادِيثَ كَانَتْ قَدْ انْتَشَـرَتْ وَاشْتَهَرَتْ، لَكِنْ كَانَتْ تَبْلُغُ كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ، وَقَدْ بَلَغَتْ غَيْرَهُمْ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ غَيْرِ تِلْكَ الطُّرُقِ، فَتَكُونُ حُجَّةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ مَنْ خَالَفَهَا مِنَ الْوَجْهِ الآخر. وَلِهَذَا وُجِدَ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ تَعْلِيقُ الْقَوْلِ بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ، فَيَقُولُ: "قَوْلِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا وَقَدْ رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ بِكَذَا؛ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ قَوْلِي".

 

15- وَلِلْعُلَمَاءِ بِالرِّجَالِ وَأَحْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ، مِثْلُ مَا لِغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِر أَهْلِ الْعِلْمِ فِي عُلُومِهِمْ.

 

16- فَمَتَى كَانَ الْإِسْنَادُ جَيِّدًا كَانَ الْحَدِيثُ حُجَّةً،.

 

17- وَتَارَةً (يكون سبب الاختلاف) لِكَوْنِ اللَّفْظِ مُشْتَرِكًا، أَوْ مُجْمَلًا؛ أَوْ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ؛ فَيَحْمِلُهُ عَلَى الْأَقْرَبِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْآخَرَ.كَمَا حَمَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ "الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ" عَلَى الْحَبْلِ .وَكَمَا حَمَلَ آخَرُونَ قَوْلَهُ: "فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ" عَلَى الْيَدِ إلَى الْإِبِطِ .

 

18- جِهَاتِ دَلَالَاتِ الْأَقْوَالِ مُتَّسِعَةٌ جِدًّا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي إدْرَاكِهَا، وَفَهْمِ وُجُوهِ الْكَلَامِ بِحَسَبِ مِنَحِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَمَوَاهِبِهِ،، ثُمَّ قَدْ يَعْرِفُهَا الرَّجُلُ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ، وَلَا يَتَفَطَّنُ لِكَوْنِ هَذَا الْمَعْنَى دَاخِلًا فِي ذَلِكَ الْعَامِّ. ثُمَّ قَدْ يَتَفَطَّنُ لَهُ تَارَةً ثُمَّ يَنْسَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ جِدًّا لَا يُحِيطُ بِهِ إلَّا اللَّهُ.

 

19- قَدْ يَغْلَطُ الرَّجُلُ، فَيَفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ مَا لَا تَحْتَمِلُهُ اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ الَّتِي بُعِثَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا.

 

20- (قَدْ يُخَالِفُ العَالم لِـ) اعْتِقَادُهُ أَنَّ تِلْكَ الدَّلَالَةَ (فِي الْحَدِيثِ) قَدْ عَارَضَهَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُرَادَةً. مِثْلَ مُعَارَضَةِ الْعَامِّ بِخَاصِّ، أَوْ الْمُطْلَقِ بِمُقَيَّدِ، أَوْ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ بِمَا يَنْفِي الْوُجُوبَ، أَوْ الْحَقِيقَةَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَجَازِ. إلَى أَنْوَاعِ الْمُعَارَضَاتِ. وَهُوَ بَابٌ وَاسِعٌ أَيْضًا.

 

21- تَعَارُضَ دَلَالَاتِ الْأَقْوَالِ وَتَرْجِيحَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بَحْرٌ خِضَمٌّ.

 

22- (قَدْ يُخَالِفُ العَالم لِـ) اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ؛ أَوْ نَسْخِهِ؛ أَوْ تَأْوِيلِهِ إنْ كَانَ قَابِلًا لِلتَّأْوِيلِ، بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارَضًا بِالِاتِّفَاقِ مِثْلَ آيَةٍ، أَوْ حَدِيثٍ آخَرَ، أَوْ مِثْلَ إجْمَاعٍ.

 

23- الْإِجْمَاعُ الْمُدَّعى فِي الْغَالِبِ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُخَالِفِ.

 

24- قَدْ وَجَدْنَا مِنْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ مَنْ صَارُوا إلَى الْقَوْلِ بِأَشْيَاءَ مُتَمَسَّكُهُمْ فِيهَا عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُخَالِفِ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُمْ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ.

 

25- لَا يُمْكِنُ الْعَالِمُ أَنْ يَبْتَدِئَ قَوْلًا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ قَائِلًا؛ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ النَّاسَ قَدْ قَالُوا خِلَافَهُ، حَتَّى إنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُعَلِّقُ الْقَوْلَ فَيَقُولُ: "إنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعٌ فَهُوَ أَحَقُّ مَا يَتْبَعُ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا".

 

26- غَايَةَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَعْلَمَ قَوْلَ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمْ فِي بِلَادِهِ ولا يعلم أَقْوَالَ جَمَاعَاتٍ غَيْرِهِمْ، كَمَا تَجِدُ كَثِيرًا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ لَا يَعْلَمُ إلَّا قَوْلَ الْمَدَنِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ، وَكَثِيرًا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يَعْلَمُ إلَّا قَوْلَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ وَمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا، وَمَا زَالَ يَقْرَعُ سَمْعَهُ خِلَافُهُ.

 

27- الْإِجْمَاعُ أَعْظَمُ الْحُجَجِ.

 

28- وَلِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ (أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ مِنْ الْعُمُومِ وَنَحْوُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى نَصِّ الْحَدِيثِ) كَلَامٌ مَعْرُوفٌ، وَلِأَحْمَدَ فِيهَا رِسَالَتُهُ الْمَشْهُورَةُ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ يَزْعُمُ الِاسْتِغْنَاءَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ عَنْ تَفْسِيرِه بسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلقَدْ أَوْرَدَ فِيهَا مِنْ الدَّلَائِلِ مَا يَضِيقُ هَذَا الْمَوْضِعُ عَنْ ذِكْرِهِ.

 

29- وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالِمِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ لَمْ نَطَّلِعْ نَحْنُ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ مَدَارِكَ الْعِلْمِ وَاسِعَةٌ، وَلَمْ نَطَّلِعْ نَحْنُ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي بَوَاطِنِ الْعُلَمَاءِ.

 

30- وَالْعَالِمُ قَدْ يُبْدِي حُجَّتَهُ وَقَدْ لَا يُبْدِيهَا، وَإِذَا أَبْدَاهَا فَقَدْ تَبْلُغُنَا وَقَدْ لَا تَبْلُغُنا، وَإِذَا بَلَغَتْنَا فَقَدْ نُدْرِكُ مَوْضِعَ احْتِجَاجِهِ، وَقَدْ لَا نُدْرِكُهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْحُجَّةُ صَوَابًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، أَمْ لَا.

 

31- لَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَعْدِلَ عَنْ قَوْلٍ ظَهَرَتْ حُجَّتُهُ بِحَدِيثِ صَحِيحٍ وَافَقَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ إلَى قَوْلٍ آخَرَ قَالَهُ عَالِمٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ هَذِهِ الْحُجَّةَ وَإِنْ كَانَ أَعْلَم.

 

32- الْأَدِلَّةَ الشّـَرْعِيَّةَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ عِبَادِهِ، بِخِلَافِ رَأْيِ الْعَالِمِ. وَالدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ خَطًَا إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ آخَرُ، وَرَأْيُ الْعَالِمِ لَيْسَ كَذَلِكَ.

 

33- وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُعَارِضَ الْحَدِيثَ الصحيحَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- لِرَجُلِ سَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَهُ فِيهَا بِحَدِيثٍ، فَقَالَ لَهُ: "قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ" فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَقُولُونَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟!" .

 

34- .فَإِذَا جَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِيهِ تَحْلِيلٌ أَوْ تَحْرِيمٌ أَوْ حُكْمٌ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ التَّارِكَ لَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ وَصَفْنَا أَسْبَابَ تَرْكِهِمْ يُعَاقَبُ؛ لِكَوْنِهِ حَلَّلَ الْحَرَامَ، أَوْ حَرَّمَ الْحَلَالَ؛ أَوْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الْحَدِيثِ وَعِيدٌ عَلَى فِعْلٍ: مِنْ لَعْنَةٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ عَذَابٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ الْعَالِمَ الَّذِي أَبَاحَ هَذَا، أَوْ فَعَلَهُ، دَاخِلٌ فِي هَذَا الْوَعِيدِ. وَهَذَا مِمَّا لَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِيهِ خِلَافًا، إلَّا شَيْئًا يُحْكَى عَنْ بَعْضِ مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ، مِثْلَ المريس وَأَضْرَابِهِ: أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ الْمُخْطِئَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ يُعَاقَبُ عَلَى خَطَئِهِ،.

 

35- لُحُوقَ الْوَعِيدِ لِمَنْ فَعَلَ الْمُحَرَّمَ مَشْرُوطٌ بِعِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ؛ أَوْ بِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ؛ فَإِنَّ مَنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ أَوْ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَحْرِيمِهَا، لَمْ يَأْثَمْ، وَلَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي اسْتِحْلَالِهِ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ.

 

36- مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ الْمُحَرِّمُ، وَاسْتَنَدَ فِي الْإِبَاحَةِ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا (ممَّنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ أَوْ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَحْرِيمِهَا،).

 

37- وَلِهَذَا كَانَ هَذَا (المجتهد) مَأْجُورًا مَحْمُودًا لِأَجْلِ اجْتِهَادِهِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ [الأنبياء: 78، 79]، فَاخْتَصَّ سُلَيْمَانَ بِالْفَهْمِ؛ وَأَثْنَى عَلَيْهِمَا بِالْحُكْمِ وَالْعِلْمِ.

 

38- الْمُجْتَهِدَ مَعَ خَطَئِهِ لَهُ أَجْرٌ؛ وَذَلِكَ لِأَجْلِ اجْتِهَادِهِ، وَخَطَؤُهُ مَغْفُورٌ لَهُ؛ لِأَنَّ دَرْكَ الصَّوَابِ فِي جَمِيعِ أَعْيَانِ الْأَحْكَامِ، إمَّا مُتَعَذَّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].

 

39- فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ عَامَ الْخَنْدَقِ: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"، فَأَدْرَكَتْهُمْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُرَدْ مِنَّا هَذَا؛ فَصَلُّوا فِي الطَّرِيقِ. فَلَمْ يَعِبْ وَاحِدَةً مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ. فَالْأَوَّلُونَ تَمَسَّكُوا بِعُمُومِ الْخِطَابِ، فَجَعَلُوا صُورَةَ الْفَوَاتِ دَاخِلَةً فِي الْعُمُومِ، وَالْآخَرُونَ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ الدَّلِيلِ مَا يُوجِبُ خُرُوجَ هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ الْعُمُومِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْمُبَادَرَةُ إلَى الذين حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ... فَاَلَّذِينَ صَلَّوْا فِي الطَّرِيقِ كَانُوا أَصْوَبَ فعلًا.

 

40- بِلَالٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَمَّا بَاعَ الصَّاعَيْنِ بِالصَّاعِ، أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَدِّهِ، وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَى ذَلِكَ حُكْمَ آكِلِ الرِّبَا مِنْ التَّفْسِيقِ وَاللَّعْنِ وَالتَّغْلِيظِ، لِعَدَمِ عِلْمِهِ بمكانه بِالتَّحْرِيمِ.

 

41- فَأَشَارَ (الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إلَى عَدَمِ فِقْهِهِ (عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم) لِمَعْنَى الْكَلَامِ، (في مسألة الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ و الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ ذَمَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ. بِخِلَافِ الَّذِينَ أَفْتَوْا الْمَشْجُوجَ فِي الْبَرْدِ بِوُجُوبِ الْغَسْلِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: "قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمْ اللَّهُ، هَلَّا سَأَلُوا إذَا لَمْ يَعْلَمُوا؟ إنَّمَا شِفَاءُ الْعَيِّ السُّؤَالُ" فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَخْطَئُوا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ؛ إذْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

 

42- مَوَانِعُ لُحُوقِ الْوَعِيدِ مُتَعَدِّدَةٌ: مِنْهَا: التَّوْبَةُ، وَمِنْهَا: الِاسْتِغْفَارُ، وَمِنْهَا: الْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمِنْهَا: بَلَاءُ الدُّنْيَا وَمَصَائِبُهَا، وَمِنْهَا: شَفَاعَةُ شَفِيعٍ مُطَاعٍ، وَمِنْهَا: رَحْمَةُ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ. فَإِذَا عُدِمَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ كُلُّهَا، وَلَنْ تُعْدَمَ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ عَتَا وَتَمَرَّدَ وَشَرَدَ عَلَى اللَّهِ شِرَادَ الْبَعِيرِ عَلَى أَهْلِهِ، فَهُنَالِكَ يَلْحَقُ الْوَعِيدُ بِهِ.

 

43- حَقِيقَةَ الْوَعِيدِ: بَيَانُ أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ سَبَبٌ فِي هَذَا الْعَذَابِ، فَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ وَقُبْحُهُ. أَمَّا أَنَّ كَلَّ شَخْصٍ قَامَ بِهِ ذَلِكَ السَّبَبُ، يَجِبُ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمُسَبَّبِ بِهِ، فَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا؛ لِتَوَقُّفِ ذَلِكَ الْمُسَبَّبِ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ، وَزَوَالِ جَمِيعِ الْمَوَانِعِ.

 

44- لُحُوقَ عُقُوبَةِ الذَّنْبِ بِصَاحِبِهِ إنَّمَا تُنَالُ لِمَنْ لَمْ يَتُبْ، وَقَدْ يَمْحُوهَا الِاسْتِغْفَارُ وَالْإِحْسَانُ وَالْبَلَاءُ وَالشَّفَاعَةُ وَالرَّحْمَةُ.

 

45- فَإِنَّا لَا نَعْتَقِدُ فِي الْقَوْمِ (الْعُلَمَاءِ الْمَحْمُودِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ) الْعِصْمَةَ، بَلْ نُجَوِّزُ عَلَيْهِمْ الذُّنُوبُ، وَنَرْجُو لَهُمْ -مَعَ ذَلِكَ- أَعْلَى الدَّرَجَاتِ؛ لِمَا اخْتَصَّهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْأَحْوَالِ السَّنِيَّةِ، وَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُصِرِّينَ عَلَى ذَنْبٍ، وَلَيْسُوا بِأَعْلَى دَرَجَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-.

 

46- عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ الْجَهَابِذَةُ فِيهِ الْمُتَبَحِّرُونَ فِي مَعْرِفَتِهِ -رحمهم الله- قَدْ يَحْصُلُ لَهُمْ الْيَقِينُ التَّامُّ بِأَخْبَارِ؛ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَدْ لَا يَظُنُّ صِدْقَهَا، فَضْلًا عَنْ الْعِلْمِ بِصِدْقِهَا.

 

47- الْخَبَرَ الْمُفِيدَ لِلْعِلْمِ يُفِيدُهُ مِنْ كَثْرَةِ الْمُخْبِرِينَ تَارَةً، وَمِنْ صِفَاتِ الْمُخْبِرِينَ أُخْرَى، وَمِنْ نَفْسِ الْإِخْبَارِ بِهِ أُخْرَى، وَمِنْ نَفْسِ إدْرَاكِ الْمُخْبِرِ لَهُ أُخْرَى، وَمِنْ الْأَمْرِ الْمُخْبَرِ بِهِ أُخْرَى.

 

48- كُلُّ مَنْ كَانَ بِالْأَخْبَارِ أَعْلَمَ، قَدْ يَقْطَعُ بِصِدْقِ أَخْبَارٍ لَا يَقْطَعُ بِصِدْقِهَا مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ.

 

49- فَقَدْ يَقْطَعُ قَوْمٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِدَلَالَةِ أَحَادِيثَ لَا يَقْطَعُ بِهَا غَيْرُهُمْ، إمَّا لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا ذَلِكَ الْمَعْنَى، أَوْ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ الْمَعْنَى الْآخَرَ يَمْنَعُ حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ.

 

50- ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ -وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ السَّلَفِ- إلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ (أَحَادِيثِ الْوَعِيدِ) حُجَّةٌ فِي جَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْوَعِيدِ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ مَا زَالُوا يُثْبِتُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْوَعِيدَ، كَمَا يُثْبِتُونَ بِهَا الْعَمَلَ، وَيُصَرِّحُونَ بِلُحُوقِ الْوَعِيدِ الَّذِي فِيهَا لِلْفَاعِلِ فِي الْجُمْلَةِ. وَهَذَا مُنْتَشِرٌ عَنْهُمْ فِي أَحَادِيثِهِمْ وَفَتَاوِيهِمْ.

 

51- فَثَبَتَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُتَضَمِّنَةَ لِلْوَعِيدِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا فِي مُقْتَضَاهَا: بِاعْتِقَادِ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ مُتَوَعَّدٌ بِذَلِكَ الْوَعِيدِ، لَكِنَّ لُحُوقَ الْوَعِيدِ بِهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى شُرُوطٍ؛ وَلَهُ مَوَانِعُ.

 

52- قَوْلُ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ-: أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ وَاحِدٌ وَأَنَّ مَنْ خَالَفَهُ بِاجْتِهَادِ سَائِغٍ، مُخْطِئٌ مَعْذُورٌ مَأْجُورٌ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذَلِكَ الْفِعْلُ الَّذِي فَعَلَهُ الْمُتَأَوِّلُ بِعَيْنِهِ حَرَامًا، لَكِنْ لَا يَتَرَتَّبُ أَثَرُ التَّحْرِيمِ عَلَيْهِ، لِعَفْوِ اللَّهِ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا.

 

53- اللَّفْظُ الْعَامُّ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، فَلَا بُدَّ مِنْ نَصْبِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ، إمَّا مُقْتَرِنٍ بِالْخِطَابِ عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ، وَإِمَّا مُوَسِّعٍ فِي تَأْخِيرِهِ إلَى حِينِ الْحَاجَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

 

54- وَلِهَذَا قِيلَ: احْذَرُوا زَلَّةَ الْعَالِمِ، فَإِنَّهُ إذَا زَلَّ زَلَّ بِزَلَّتِهِ عَالَمٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-:وَيْلٌ لِلْعَالِمِ مِنْ الْأَتْبَاعِ.

 

55- زِيَارَةُ النِّسَاءِ (للْقُبُورِ) رَخَّصَ فِيهَا بَعْضُهُمْ، وَكَرِهَهَا بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا.

 

56- أَحَادِيثَ الْوَعِيدِ إنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهَا بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ سَبَبٌ لِتِلْكَ اللَّعْنَةِ. فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ هَذَا الْفِعْلُ سَبَبُ اللَّعْنِ.

 

57- بَيَانَ الْحُكْمِ سَبَبٌ لِزَوَالِ الشُّبْهَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ لُحُوقِ الْعِقَابِ؛ فَإِنَّ الْعُذْرَ الْحَاصِلَ بِالِاعْتِقَادِ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بَقَاءَهُ، بَلْ الْمَطْلُوبُ زَوَالُهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَلَوْلَا هَذَا لَمَا وَجَبَ بَيَانُ الْعِلْمِ، وَلَكَانَ تَرْكُ النَّاسِ عَلَى جَهْلِهِمْ خَيْرًا لَهُمْ، وَلَكَانَ تَرْكُ أَدِلَّة الْمَسَائِلِ الْمُشْتَبِهَةِ خَيْرًا مِنْ بَيَانِهَا.

 

58- الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَحْرِيمِ لَعْنَةِ مُعَيَّنٍ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ ... (و) لَعْنَ الْمَوْصُوفِ لَا تَسْتَلْزِمُ إصَابَةَ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ، إلَّا إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ، وَارْتَفَعَتْ الْمَوَانِعُ.

 

59- الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِأَحَادِيثِ الْوَعِيدِ فِيمَا اقْتَضَتْهُ مِنْ التَّحْرِيمِ.

 

60- مَا زَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- أَجْمَعِينَ فِي خِطَاباتهِمْ وَكُتبِهِمْ، يَحْتَجُّونَ بِهَا (أَحَادِيثِ الْوَعِيدِ) فِي مَوَارِدِ الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ. بَلْ إذَا كَانَ فِي الْحَدِيثِ وَعِيدٌ، كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي اقْتِضَاءِ التَّحْرِيمِ عَلَى مَا تَعْرِفُهُ الْقُلُوبُ.

 

61- مَنْ سِوَى الْأَنْبِيَاءِ -عليهم الصلاة والسلام- يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الصَّغَائِرُ وَالْكَبَائِرُ، مَعَ إمْكَانِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّخْصُ صِدِّيقًا أَوْ شَهِيدًا أَوْ صَالِحًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مُوجَبَ الذَّنْبِ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ بِتَوْبَةِ أَوْ اسْتِغْفَارٍ أَوْ حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ أَوْ مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ أَوْ شَفَاعَةٍ أَوْ لِمَحْضِ مَشِيئَة الله وَرَحْمَتِهِ.

 

62- الْقَوْلُ بِلُحُوقِ الْوَعِيد لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْأَفْرَادِ بِعَيْنِهِ. وَدَعْوَى أَنَّ هَذَا عَمَلٌ بِمُوجَبِ النُّصُوصِ. وَهَذَا أَقْبَحُ مِنْ قَوْلِ الْخَوَارِجِ الْمُكَفِّرِينَ بِالذُّنُوبِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَفَسَادُهُ مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ من دين الإسلام، وَأَدِلَّتُهُ مَعْلُومَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

 

63- لَا بُدَّ أَنْ نُؤْمِنَ بِالْكِتَابِ كلِّه، وَنَتَّبِعَ مَا أُنْزِلَ إلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا جَمِيعِهِ. وَلَا نُؤْمِنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَنَكْفُرَ بِبَعْضِ. ولا تَلِينَ قُلُوبُنَا لِاتِّبَاعِ بَعْضِ السُّنَّةِ، وَتَنْفِرَ عَنْ قَبُولِ بَعْضِهَا بِحَسَبِ الْعَادَاتِ وَالْأَهْوَاءِ، فَإِنَّ هَذَا خُرُوجٌ عَنْ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، إلَى صِرَاطِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ.

 

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ثلاثون فائدة من كتاب الفتن لنعيم بن حماد
  • 131 فائدة من كتاب: نعم أستطيع
  • 91 فائدة من كتاب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشيخ الإسلام
  • نصائح إيمانية للأئمة

مختارات من الشبكة

  • فوائد من كتاب الفوائد (WORD)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد من كتاب الفوائد للعلامة ابن القيم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الإسلام(محاضرة - موقع الشيخ عبدالمحسن بن عبدالله الزامل)
  • ويقيمون الصلاة: فوائد وفرائد (خمسة وأربعون فائدة)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • صيد الفوائد وقيد الأوابد: مجموعة منتقاة من الفوائد العلمية والنكات الأدبية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الإخبار بفوائد الأخبار المسمى بحر الفوائد (النسخة 4)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • 100 فائدة من فوائد حديث: ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد من بدائع الفوائد لابن القيم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأدلة والفوائد العقدية على المنظومة الحائية: 250 فائدة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الإخبار بفوائد الأخبار المسمَّى بحر الفوائد (نسخة ثالثة)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب