• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

تاريخ بجوي مصدرا لمعالم بغداد في القرون المتأخرة

أ. د. عماد عبدالسلام رؤوف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/2/2018 ميلادي - 10/6/1439 هجري

الزيارات: 6701

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تاريخ بجوي

مصدرًا لمعالم بغداد في القرون المتأخرة


مقدمة:

يفتقر الباحثُ في خُطط بغداد إلى المعلومات الضرورية لفهمِ ما أصاب هذه المدينةَ العتيدة مِن تغيُّرات في العهود التي تلت زوالَ الخلافة العباسية؛ فبعد أن كانتِ المصادرُ التاريخية في عهد هذه الخلافة تهتمُّ بالكتابة عن معالِم المدينة؛ من القصور، والدروب، والجسور، والقناطر، والمدارس، والمساجد، والربط، والمارستانات، والمَشاهِد، وحتى المقابر - نجدُها تسكتُ سكوتًا مُطبقًا عن ذكر هذه المعالِم في العهود التالية، فلا ندري ما آل إليه حال هذا القصر، وما صارت إليه هذه المدرسة، وما أُنشِئ فيها مِن منشآت حادثة غير ما ورِثَتْه عن العهود السابقة، لا سيما بعد انتهاء عهد المؤرِّخين الذين خضرموا العهدينِ العباسيَّ الأخير، والمغولِي الإيلخاني؛ أمثال ابن الساعي، وابن الفوطي، وابن الكازروني، ومؤلف كتاب الحوادث المسمى بالحوادث الجامعة؛ فأدى ذلك إلى انقطاعٍ شبهِ كاملٍ في معلوماتنا عن تطور خُطَط مدينة بغداد لعدَّة قرون خلت، وبات الباحث في خططها عهد ذاك كمَن يمدُّ قدمَيْه في ظلام حالك، يتلمَّس بهما ما يدلُّه على طريق لم يسبق له أن سلكه من قبلُ.

 

وفضلًا عن قلة المؤرخين المحلِّيين، بل انعدامهم في بعض العهود، فإن ما كتبه المؤرِّخون العثمانيون والإيرانيون جاء فقيرًا في تناولهم أحوالَ المدن العراقية، لا سيما منها مدينة بغداد؛ وذلك بسبب نظرتِهم إليها - بل إلى العراق كلِّه - على أنها مجرَّد ساحة صراع دامٍ بين الطرفين، فلم يُولُوا معالم المدينة العراقية ما تستحقُّه من اهتمام.

 

وكان أن وجَدْنا ونحن نبحث عمَّا يُمكِنُ أن نسدَّ به هذه الثغرةَ، معلوماتٍ ذات أهمية خاصة، لم يسبق أن لفتَتِ اهتمامَ الباحثين من قبلُ، أوردها مؤرخٌ عثماني حسن الاطلاع، عاصر جانبًا مما سجَّله من أحداث، هو سليمان أفندي بجوي.

 

وقد جاء أكثرُ ما ساقه مِن روايات في سياق كلامِه عن حادثتينِ مُهمَّتينِ شهِدهما العراقُ عصر ذاك:

أُولاهما: فتح السلطان سليمان القانوني مدينة بغداد سنة 941 هـ / 1534م، بعد أن كانت قبلَه بيد الصفويِّين.

 

وثانيهما: استعادتُها على يد السلطان مراد الرابع سنة 1048 هـ / 1638م، بعد أن كان الصفويون قد احتلُّوها من قبل، فقد تطرَّق في أثناء وصفه هذينِ الحَدَثين إلى ما آل إليه حال بعضُ المنشآت المُهمَّة التي ورِثَتْها بغداد من العصر العباسي، واختَفَت أخبارها بعد ذلك العصر.

 

ومُؤلِّفُ هذا التاريخ هو سليمان أفندي، الملقَّب ببجويٍّ؛ نسبةً إلى مدينة (بج)، من بلاد المجر، يوم كانت جزءًا مِن الدولة العثمانية، وكان قد وُلد فيها، من أسرة امتَهَنت الحياة العسكرية لعدة أجيال؛ فجدُّه داود بك بن جعفر جلبي دخل شابًّا في معيَّة قادةٍ عسكريين كبار، وشارك في معاركَ عدةٍ في أوربا وفي العراق، نال على إثرها منصبَ (أميرالاي)، ثم نال لِما أبداه مِن بلاء حَسَن براءةً سلطانية (سند ملكية) لإقطاعٍ مِن نوع (تيمار)[1]، وأصبح هو كاتبًا في بعض الفِرَق العسكرية، وأسند إليه السلطان أحمد الأول بعضَ المناصب الرفيعة؛ تقديرًا لكفاءته، ثم تقلَّب في وظائفَ ماليَّةٍ عدة؛ من أهمها منصبُ دفتردار ديار بكر، ثم دفتردار توقات، فدفتردار طونه، وعُيِّن واليًا على (بلغراد)، ودفتردار للبوسنة، وأخيرًا عُيِّن دفتردار لـ(طمشوار)، وبعدها انزَوَى عن الخدمة في الوظائف وتفرَّغ لكتابة تاريخه هذا، وكانت وفاتُه سنة 1061، ودُفِن في مسقط رأسه بج.

 

يقعُ تاريخه في مجلدينِ كبيرين، يزيد عدد صفحاتِهما على ألف صفحة[2]، كتبهما بالتركية العثمانية، يتناولُ أولُهما تاريخَ الدولة العثمانية من عهد السلطان سليمان القانوني حتى عهد السلطان سليم الثاني، بينما يتناول المجلدُ الثاني تاريخَها من عهد السلطان مراد الثالث إلى نهاية عهد السلطان مراد الرابع.

 

اعتمد في كثيرٍ مما سجَّله - لا سيما في المجلد الأول - على روايات أبيه، فقال مثلًا: "وطبقًا لِما سمعتُه من المرحوم والدي"[3]، و"سمِعتُ عدة مرات من المرحوم والدي"[4]، وعلى شهودٍ عيان ذكر أسماءَ بعضهم، فقال مثلًا: "هذا هو ما سمعته من المرحوم ترياكي غازي حسن باشا"، وقال: "سمعت من لسان المرحوم الشيخ علي دده نفسه"[5].

 

كما اعتمد على مُؤلَّفات مُؤرِّخين عثمانيين سابقين، ذكر منهم جلال زاده نشانجي مُؤلِّف كتاب (طبقات الممالك)، وتاريخ (عالي بك)، وتاريخ (محمد أفندي الكاتب) مُؤلِّف كتاب (جامع التواريخ)، و(حسن بك زاده أفندي) في تاريخه[6]، وغير ذلك، هذا فضلًا عن مصادر لم يُسمِّها؛ كقوله: "ويروى عن بعض الثقات"[7].

 

كما رجع أيضًا إلى تواريخَ كتبها مُؤرِّخون أوربيُّون، يُسمِّيهم (كفارًا)، فقال مثلًا: "وسنرى في الترجمة التي تأتي فيما بعد كيف كتب الكفَّارُ هذه الغزوةَ في تواريخهم"[8]، وقال: "ذكرَتْ تواريخُ الكفار هذا الحدث على هذا النحو"[9]، و"وقد كتب الكفار في تواريخهم"[10]، وغير ذلك من الأقوال التي دلت على اطِّلاعه الواسع على وجهات النظر المختلفة، والروايات المتنوعة لمؤرخين أجانب.

 

ولمَّا كان بجوي قد عاصر كثيرًا مِن الحوادث المُهمَّة التي جَرَتْ في أيامه، وكانت له معرفةٌ بشُخُوص تلك الحوادث، فإنه اعتَمَد على مشاهداتِه الشخصية مصدرًا لِما كان يرويه من أخبارٍ؛ من ذلك قولُه: "واتفق إلى هذا الحقير (يعني نفسه تواضعًا) قد شاهدت أمرًا من العجائب، وهو أن ساطورجي محمد باشا كان سردارًا عظيمًا أثناء حصار قلعة وارات..." إلخ[11].

 

وقوله عن حروب المجر: "ففي هذه المرة التي التحَقْنا بها وشاهدناها، لم تبقَ قلعةً ولا مقاطعةً دون أن يخربها وينهبها الكفار".

 

وقوله: "ونحن شاهَدْنا عدة مراتٍ أن فقراء الرعايا تضرَّعوا بالدعاء واستغاثوا قائلين..." إلخ.

 

كما تحدَّث عمَّن كانت له به صلة من القادة؛ كقوله مثلًا: "وإنَّني هذا الحقير التقَيْنا في ذلك المكان بالقرب من (إيلجي خاني) بأحد أغوات بولاد زاده وزير مصطفى باشا".

 

وقوله: "في أحد الأيام دخلتُ على مجلسه مع دفتردار زاده إبراهيم أفندي أمين الترسانة في ذلك العصر..." إلخ[12].

 

ولا بد مِن القول: إن تأليفه لتاريخه هذا لم يكن تلبيةً لطلب أحد؛ وإنما استجابة لمَيْل طبيعيٍّ في نفسه؛ لشغفِه الشديد بالتاريخ، فقال: "وإنني هذا الحقير (يعني نفسه) قليل البضاعة، قد صرفتُ كلَّ عمري في تتبُّع حركة التاريخ، ولَمَّا لم يكن لعبدٍ قاصر مثلي نصيبٌ من العلوم العالية، فقد كانت رغبتُنا الطبيعية تتَّجِه نحو التاريخ، فنظرت في هذا القدر مِن التواريخ، واطلعت وعايشت غزوات وفتوحات معظم سلاطين أهل الإسلام"[13].

 

ومع أن بغداد بلغَتْ في عصره دَرَكًا مِن التدهور والخراب بسبب تعاقب الغزاة عليها، منذ أن احتلَّها المغول، وكثرة ما داهمها من الكوراث الطبيعية، من غرق ووباء، فإن بجويًّا - كأكثر المؤرخين العثمانيين - أظهَرَ لها احتراما خاصًّا، وتقديرًا عاليًا، ليس بسبب ما آل إليها حالُها في عصره؛ وإنما لمكانتِها التاريخية حينما كانَتْ حاضرةَ الخلافة العباسية وبوتقةَ الحضارة الإسلامية؛ فهي عنده "أرض الجنان، ومقرُّ الخلفاء العظماء"، و"إرمُ ذاتُ العماد"، و"الجنَّة العامرة"، وفي كلامه عن هذه المدينة فوائدُ خططية ندرجها فيما يأتي:

دار الخلافة العباسية:

ذكر بجويٌّ في معرِض حديثه عن فتحِ السلطان سليمان القانوني بغداد سنة 941، أنه "دخل السلطان صاحب السعادة في اليوم السابع والعشرين من الشهر المذكور إلى القصر عالي البهجة الذي كان داخل سُور بغداد، والذي كان مأوَى ومنزل الخلفاء السابقين، واستراح فيه".

 

ولم يُبيِّن موقعَ هذا القصر بأكثر مما ذكر، ولكن وصفه بأنه عالي البهجة يدلُّ على فخامتِه المميزة، وكونُ السلطان اختاره منزلًا له يدلُّ على أنه كان بالفعلِ أحدَ قصورِ الخلفاء العباسيين، وأن نزولَه فيه أراد به أن يرمزَ إلى تورُّثِه شرعيةَ أولئك الخلفاء، نظير ما فعل الشاه إسماعيل الصفويُّ الذي لقب واليه على بغداد بخليفة الخلفاء، ولا خلفاء ببغداد إلا بنو العباس، وفي هذه الحال، فإن قصور الخلفاء كانت تقع في ضمن ما كان يُعرَف بدار الخلافة العباسية، وهي مِنطَقةٌ حَصِينةٌ كانت تحتلُّ جزءًا مُهمًّا من وسط بغداد، وتحفلُ بالقصور الرسمية، ومنها قصر التاج، وقصر المثمنة، وقصر الفردوس، وغيرها، ويعدُّ قصر التاج المقرَّ الرسميَّ لجميع الخلفاء العباسيين المتأخِّرين، وهو مِن ثَم الأكثر احتمالًا لأَنْ يكون المكان الذي اختاره السلطان العثماني لنزوله، ومِن المؤكد أن تغييرًا مهمًّا أُجرِي على تصميم القصر في فترة سابقة على مجيء السلطان سليمان، يتمثَّل بفصله عن شاطئ دجلةَ بسُورٍ حصين ذي أبراجٍ ومُسنيات، يبدأ من الزاوية الشمالية لسور بغداد وينتهي بالزاوية الجنوبية، أو الشرقية؛ حيث الباب الشرقي، فقد ظهر هذا السور جليًّا في صورةِ الجانب الشرقي مما رسمه مطراقي زاده؛ كما تقدَّم بنا، فهذا السورُ صار يحجُبُ الواجهة الفخمة للقصر عن دِجلةَ، أو الطابق الأسفل منه في أقل تقدير.

 

ومن المهم القول: إن ما أورده بجوي يعدُّ النصَّ الوحيد الذي يكشِفُ لنا عن أن قصور دارِ الخلافة ظلَّت ماثلةً عامرة ينزلُها المُحتلُّون حتى القرن العاشر للهجرة؛ أي: بعد ثلاثة قرون مِن زوال الخلافة العباسية نفسها.

 

ويشير بجوي أيضًا في أثناء حديثه عن حصار السلطان سليمان لمدينة بغداد إلى ما يُسمِّيه (قصور بكتاشي خان)[14]، وهذا هو الحاكم الصفوي للمدينة، ونرى أن هذه القصور لم تكن إلا بقايا دار الخلافة العباسية، بدلالة ما ذكره بجوي نفسه من أن قصفها بالمدفعية كان يجري مِن قلعة الطيور التي كانت "تُجاه بغداد"، على حدِّ تعبيره، وهو يقصد تجاه الجانب الشرقي منها، قائمة في المحلَّة التي عُرفت فيما بعد بالكريمات، ومِن المعلوم بحسَب خطط بغداد أن هذه المحلة التي كانت تُعرَف في العصر العباسي برقة ابن دحروج، كانت تُقابِل قصور دار الخلافة من الجانب الغربي المقابل[15].

 

القلعة:

تحتلُّ قلعة بغداد التي عرَفها العثمانيون بـ(إيج قلعة) - أَيِ: القلعة الداخلية - أرضًا واسعة على شكل مُعَيَّن تقريبًا، يُمثِّل ضِلَعُه الشماليُّ قسمًا مِن سُور بغداد نفسها يمتدُّ من شاطئ دجلة إلى باب المعظم، وهو باب السلطان في العصر العباسي، وترقى هذه القلعة إلى أواخر القرن التاسع الهجري[16]، وتخلو مصادر العصر العباسي من الإشارة إلى أي قلعة في بغداد، لا في هذا المكان ولا في أي مكان آخر، بل لا تشير الروايات الخاصة بوقائع احتلال هولاكو بغداد إلى قلعة أيضًا، ولكن المُؤرِّخ بجوي ينفرِدُ في الروايات التي ساقها عن وقائع ذلك الاحتلال بروايةٍ جديدة تُفِيدُ بوجودها؛ إذ قال: "قام الخليفة أيضًا بإخراج الوزير (ابن العلقمي) من باب القلعة"[17].

 

فواضحٌ مِن النص أن باب القلعة كان يُفضِي إلى الفضاء الذي يُحِيطُ ببغداد مباشرة؛ حيث يتَّخِذُ جيش هولاكو معسكره هناك، ثم إنه ذكر في حديثه عن حال أهل بغداد بعد واقعة الاحتلال أن الناس كانوا "يعمرون بُروج القلعة، وينظفون أيضًا أطرافها"، فهل كانَتْ هي نفسها (إيج قلعة) أو القلعة الداخلية العثمانية، أو أصلًا له؟ ذلك ما يصعب الجزم به؛ لعدم وجود نصوص أخرى تدعم روايةَ بجوي المهمَّةَ هذه، ولكن يُفهَم مما ذكره أنه كان للقلعة أبراجٌ وجدرانٌ تطلُّ على داخل المدينة، لا سيما على مَيْدانِها الخارجي؛ إذ قال: إنه حينما دخل الجيش العثماني بغداد سنة 941 "تم تزيين بروج وجدران قلعتها بأعلام المسلمين".

 

ويُورِدُ بجوي إشارةً تدل على أنه كان للقلعة الداخلية بابٌ صغير نفَذ منه القزلباش (الصفويون) إلى بغداد سرًّا في الليلة التي احتلوا بها بغداد في 12 ربيع الأول سنة 1032 هـ / 1613م، فذكر أن ابن بكر صوباشي قام "بفتح الباب الصغير للقلعة الداخلية، ويدخل القزلباش إلى القلعة"[18]، وهذا الباب هو نفسه الذي سمَّاه أحمد بن عبدالله الغرابي بباب السر؛ إذ قال "ففتح له باب السر الذي في جانب الشط، فدخل منها نحو عشرة آلاف شخص"[19].

 

ويظهَرُ أنه كان ثَمَّة تحصيناتٌ خارجية تتقدَّم قلعة بغداد، وتَحُولُ دون وصول المهاجِمين إلى أسوارها؛ ولذا فهي تبعُدُ عنها بمسافةٍ ما، والراجحُ أنها كانَتْ بمثابة (توابي) أو (ربايا) يتولَّى الجند القائمون عليها مهمَّة الدفاع عن هذه القلعةِ أو حراستها، وتُظهِر صورةٌ للجانب الشرقيِّ من بغداد كان قد رسَمها نصوح أفندي المطراقي زاده، وهو المُرافِقُ لحملة السلطان سليمان القانوني سنة 941 - وجودَ برجٍ عالٍ تُحِيطُ به أسوار أدنى ارتفاعًا منه، يتقدم باب السلطان (باب المعظم)؛ مما يرجح أن تكون رَبيَّة عسكرية كاملة[20].

 

كما أن الخرائط التي رسَمها سُيَّاح أوربيون في القرن الثالث عشر (التاسع عشر للميلاد) تُظهِر مثلَ تلك التوابي محيطةً بجانب من سور بغداد، لا سيما الجانب الشمالي منه، والنصُّ الذي أورده بجوي يدلُّ على أن الجيش العثماني بقيادة الصدر الأعظم إبراهيم باشا الذي كان يُحاصِر بغداد، سنة 1042 هـ / 1632م اتَّخَذ مِن هذه التحصينات مواضعَ لمهاجمةِ أسوار القلعة الخارجية بالمدافع التي نصبت عليها، قال: "تَمَّ الدخول إلى التحصينات أمام قلعة بغداد، وحوصرت القلعة، وضُربت ليلَ نهارَ على مدى أربعين يومًا بالتمام"، وهو يسميها (القلعة الكبيرة)، مع أنه لا يشير إلى قلاعٍ أخرى في الجانب الشرقي غيرها[21].

 

الأبراج:

ذكرنا أن سُورَ بغداد كان مُدعمًا بعددٍ من الأبراج الحَصِينة التي شُيِّدت مع تشييدِ السُّور نفسِه في أواخر العصر العباسي، وكان الرحَّالة مطراقي زاده هو أولَ مَن رسم هذه الأبراج، ورسَمها مِن بعدِه رحَّالون أوربيون عديدون في القرون التالية، وأشار بجوي إلى أحدِ هذه الأبراج في أثناء حديثه عن حصار هولاكو لبغداد، فذكر أن المغول "أقاموا بلاط هولاكو (يقصد مخيمه) تجاه برج عجمي"[22]؛ (يريد برج العجمي)[23]، ثم أشار إليه مرة أخرى حينما عيَّن مواضع المتاريس التي نصبها القادةُ العثمانيون حوالَي أسوار بغداد؛ إذ قال: إن أمير أمراء ديار بكر "وضع أربعة مدافع من نوع (باليمز) تجاه البرج الكبير المشهور بعجم برجي (أي: برج العجم)"[24]، ثم إنه تناول شيئًا مِن تاريخ البرج، وأورد روايةً تقول: إنه سُمِّي باسمه هذا بسبب طول إقامة الشيخ عبدالقادر الكيلاني فيه معتكفًا متعبدًا[25].

 

أبواب بغداد:

وعلى الرغم من أننا نعلَمُ بوجود أربعة أبواب في أسوار بغداد؛ هي: باب السلطان، وباب الظفرية (الباب الوسطاني)، وباب الحلبة (باب الطلسم الزائل)، وباب كلواذى (الباب الشرقي) - فإن بجويًّا لم يُشِرْ إلا لبوابة واحدة يُسمِّيها (قراكلق قبو)، وهي تسميةٌ تركيةٌ تعني البابَ الأسود أو المظلم، يعني به باب كلواذى الذي نُسِب إلى قرية كُلواذى القديمة، التي كان يُفضِي إلى طريقها، وهو المسمى أيضًا بباب البصلية؛ نسبة إلى محلة البصلية المجاورة؛ حيث تشغل أرضها اليوم محلةَ السنك، وكان يزرع فيها البصل، وكان عدد كبير من الجنود القزلباش قد لجؤوا إلى هذا الباب وتحصَّنوا في داخله أثناءَ دخول القوات العثمانية إلى بغداد سنة 941، مما دلَّ على سَعَتِه، ولكنهم اضطُرُّوا أخيرًا إلى فتحه خِلسةً والخروج منه؛ خوفًا من بطش تلك القوات، والهروب إلى نواحي ديالى[26].

 

وكان يُحِيطُ بأسوار بغداد خندقٌ واسع عريض، يأخذ مياهه مِن دجلة عند أعلى القلعة، ويصبُّها فيه في أدنى الباب الشرقي، وقد أشار بجوي إلى هذا الخندقِ في حديثه عن حملة حافظ أحمد باشا سنة 1035 هـ / 1625م لاسترداد بغداد مِن أيدي الشاه الصفوي.

 

ويُفهَم مما ذكره أنه كان يُمثِّل حاجزًا عسكريًّا مُهمًّا؛ حيث لم يستطِعْ أيٌّ من الجيشينِ - الإيراني والعثماني - اجتيازَه على الرغم من أن حصار المدينة دام - بحسب روايته - مدة تسعة أشهر كاملة، فقال: "كان الشاه موجودًا في مكان قريبٍ مِن القلعة، وكان لا يخلو من التضييق على عسكر الإسلام (يعني: العثمانيين) في معظم الجهات، ولكنه لم يجرُؤْ هو شخصيًّا أن يهجُمَ على عسكر الإسلام، ولم يستطِعْ عبورَ الخندق والدخول إلى الجيش الهمايوني، وعسكرنا أيضًا لا يستطيعون القيام بحرب القلعة كما ينبغي".

 

الجوامع:

عُنِي بجوي في أثناء حديثه عن فتح السلطان سليمان بغداد سنة 941 بأعمالِ هذا السلطان في تعمير جامع الإمام الأعظم أبي حنيفةَ، بعد أن أصابه التخريب على يد القوات الصفوية، فقال: إنه "أمر ببناء قلعة متينة في نواحيه، وقد وُضِعَت المدافع المَيْدانية والمدافع من نوعِ (ضربزن) بداخلها، وعين عليها عسكر حراسة من أجل الحماية"[27].

 

وقال في موضع آخر: "تم تجديدُ قلعة متينة وجامع شريف وعمارات لطيفة وتربة عالية ودار الضيافة".

 

كما نوَّه بالعناية الفائقة التي أبداها السلطان المذكور بقُبَّة الشيخ عبدالقادر الكيلاني وجامعه، فقال: "وكذلك تَمَّ تجديد القُبَّة العالية...، وتم تعمير وترميم جامعِه المبارك من جديد، كما تم تجديد عماراته العالية، وسائر خيراته، وقد عُيِّنَت عليه الأوقاف بالقدر الكافي"[28].

ولَمَّا تزل القبة التي أنشأها فوق مصلى هذا الجامع قائمةً حتى اليوم.

 

قلعة الطيور:

سمَّاها قلعة (قوشلر)، وهي تسمية تركية لقلعة الطير التي كانت قائمةً في الجانب الغربي من بغداد، ولا نظنُّ أنها مِن منشآت العصرِ العباسي؛ لخلوِّ مصادر ذلك العصر من إشارة إليها، وعرفَتْها مصادر القرن الثاني عشر للهجرة (الثامن عشر للميلاد) بقلعة الزركشي (التي تشغل أرضها اليوم السفارة البريطانية في محلة الكريمات)، وأشير إليها في القرن العاشر باسمها التركي المذكور[29].

 

وقال بجوي: إن القوات العثمانية نصبت عليها، في أثناء حصار السلطان مراد الرابع لبغداد سنة 1048 هـ / 1638م، المدفعيةَ الثقيلة؛ بهدف قصف مقرِّ الحاكم الصفوي بكتاش خان، وقد قصفَتْه بالفعل نحوًا مِن ثمانية وثلاثين يومًا ليلَ نهارَ"[30].



[1] ج1 ص130 وص143.

[2] ترجمه إلى العربية ناصر عبدالرحيم حسين، وصدر عن المركز القومي للترجمة في القاهرة، سنة 2016، وعلى الرغم مِن أن لغته الأصلية هي التركية، فقد كتب عليه أنه ترجم من اللغة الفارسية خطأً!

[3] ج1 ص130.

[4] ج1 ص128.

[5] ج1 ص130.

[6] ج2 ص381.

[7] ج2 ص386.

[8] ج1 ص228.

[9] ج1 ص282.

[10] ج1 ص.274

[11] ج2 ص243.

[12] ج2 ص489.

[13] ج2 ص136.

[14] ج2 ص513.

[15] المصدر نفسه.

[16] التاريخ الغياثي، حوادث سنة 974، ص336.

[17] سكتت المصادر المعاصرة للحدث عن تعيين الباب الذي خرج منه الوزير؛ ينظر كتاب الحوادث المنسوب لابن الفوطي، بتحقيقنا مع د. بشار معروف، بيروت 1997، ص356.

[18] ج2 ص482.

[19] عيون أخبار الأعيان، نسخة باريس، ذات العدد 6677، الورقة 207.

[20] كتابنا: العراق كما رسمه المطراقي زاده، بيروت 2014، ص39.

[21] ج2 ص531.

[22] ج2 ص546.

[23] في كتاب الحوادث ص356 أن المغول "اجتمع منهم خلق كثير على برج العجمي"، ولم يقل: إن مخيم هولاكو كان بإزائه.

[24] ج2 ص513.

[25] ج2 ص517.

[26] ص513.

[27] ج1 ص.229

[28] ج1 ص463

[29] ذكر أمير البحر التركي سيدي علي، عند زيارته بغداد سنة 956 هـ / 1553م أنه حينما أراد مغادرةَ بغداد إلى الحلَّة والنجف وكربلاء، أنه "مر مِن قُبالة قلعة الطير؛ حيث وصل إلى ما يسميه قلعة البئر، ومِن هناك انطلق في طريقه مغادرًا بغداد"؛ كتابنا: رحلة القائد العثماني سيدي علي التركي، بيروت 2010، ص12.

[30] ج1 ص463.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سقوط بغداد
  • بغداد.. والغزوات عبر التاريخ
  • أصول تسميات القرى في ديالى

مختارات من الشبكة

  • ورود حديقة الوزراء مصدرا لتاريخ الكرد في القرن الثامن عشر(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • التصوف في التاريخ العربي والإسلامي: نشأته، مصادره، تاريخه، تياراته، آثاره (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • رحلات المستشرقين مصدرا من مصادر المعلومات عن العرب والمسلمين (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • أعمال المستشرقين مصدرا من مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • الاستشراق مصدرا من مصادر المعلومات عن العالم الإسلامي المعاصر (WORD)(كتاب - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • الاستشراق مصدرا من مصادر المعلومات عن العالم الإسلامي المعاصر (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • أعمال المستشرقين مصدرا من مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • مصادر التاريخ لبلادنا السعودية (PDF)(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • موارد ومصادر (الشماريخ في علم التاريخ) للسيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة مصادر التاريخ اللبناني(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب