مساجد ألبانيا الأثرية

مساجد ألبانيا الأثرية

كانت المساجدُ ساحاتِ العلم الكبرى، فلم تكن بيوتًا للعبادة فحسب، بل كانت معاهدَ للعلم والعلماء؛ فكانت أعمال العلماء تُكتب وتُحفظ وتدرس وتُنسخ داخل المساجد في المناطق الألبانية، وقد بُني أكبر عدد من المساجد في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، بالرغم من أن عددًا من أفضلها بُني في فترة لاحقة.

أسهمت ألبانيا بعدد من الآثار المعمارية ذات الطابع الإسلاميِّ من العصر الإسلامي، منها في شكودرا مثلًا ما يرجع إلى أواسط القرن الخامس عشر، ويتمثل في جامع السلطان (جامع هنكاريت، 1478)، وجامع الترسانة (جامع إمبريتيت، 1637)، والجامع الرصاصي متعدد القباب (جامع بلومبيت، 1773)، وفي الباسان تم إنشاء جامع حسن بالي وعدد آخر من الجوامع في عام 1609.

وفي كروية تم إنشاء جامع مراد بك عام 1533، وأُجريت له عملية ترميم ضخمة في القرن التاسع عشر، وفي كورتشا من المرجح أن يكون جامع إمراهور إلياس بك قد تم بناؤه عام 1495.

وفي بيرات - وهي أحد أكبر مراكز الإشعاع الثقافي بألبانيا - تم إنشاء الجامع الكبير بأمر من بايزيد بين 1481 و1512.

كلُّ هذه المنشآت وغيرها بكلٍّ من فلوري وجيروكاسترا - أُعيد بناؤها أو ترميمها في القرن التاسع عشر.

ويتميز جامع أدهم بك الذي تم بناؤه بتيرانا عام 1820 عن كلِّ جوامع ألبانيا بروعة تصميمه، وقد بُني أقدم جامع بتيرانا، وهو جامع فييترا، على يد سليمان باشا مؤسس المدينة عام 1651[1].

نبدأ في التعريف بهذه النماذج الأثرية من مسجد أعدُّه من رأي عيني أبرزَ مساجد تركيا الإسلامية الأثرية في الأراضي الألبانية، بما تميَّز به من زخارف ونقوش، وقد تنبَّه لذلك القنصل الفرنسي ديجراند أثناء رحلته عبر ألبانيا، وقدَّم وصفًا في وقت مبكر لتلك النقوش والزخارف التي ظلت كما هي برغم التجديد والترميم الذي طال المسجد[2].

كانت البداية على أرض تيرانا - عاصمة ألبانيا حاليًّا - بدأ بناء مسجد أدهم بك في عام 1207هـ (1794م)، وانتهى بناؤه في عام 1236هـ (1821م)، أما برج الساعة الملحق به فربما تم تشييده بعد المسجد ببضع سنوات.

وقد شيَّده في موقع أضحى اليوم - سنتر ألبانيا - قلب تيرانا، يقف شاهدًا في وسط العاصمة، مطلًّا على ميدانها الرئيس.

بيانات إضافية:

أمام مسجد أدهم بك كان السوق القديم لمدينة تيرانا، وفي شرق المسجد كان مسجد سليمان باشا بارجيني (Sulejman Pashe Bargjini)، الذي بُني في عام 1614.

يعد هذا العام عام تأسيس مدينة تيرانا، في شمال - غرب هذا المسجد كان هناك مسجد الكاربيتس (Karapiceve)، أما في شمال - شرق المسجد فكان هناك مسجد السترماس (Stermasve)، مع المقبرة الخلوتية (Teqeja Halvetiane)، هذه المساجد والمقبرة كوَّنت قلب مدينة تيرانا (حين ذاك)، أما اليوم فتبقَّى فقط برج الساعة ومسجد أدهم بك.

هذان المبنيان يقفان شاهدين على ماضي هذه المدينة وحاضرها.

بدأ بناء المسجد في عام 1794 بمبادرة من مولى بك (Molla Beu)، وهو من ذرِّيَّة سليمان باشا، وانتهى بناء المسجد في عام 1821، بمبادرة ابنه الحاج أدهم بك، وسمي هذا المسجد باسم ابنه أدهم بك (Et'hem Beu)، وتوجد كتابة في مدخل المسجد تبيِّن لنا أن مولى بك مات في عام 1222هـ (1807م).

وكانت الحرب الذي حدثت بين حاكم مدينة تيرانا - كابلان باشا - وحاكم مدينة شكودرا - إبراهيم باشا بوشاتليو - قد منعت أعمال بناء المسجد لعدة سنوات[3].

أما بالنسبة لأعمال الزخرفة وتزيين المسجد من الداخل بالرسومات الطبيعية، فربما استمرَّت حوالي عامين بعد الانتهاء من بناء المسجد.

وهذا المسجد مكوَّن من صالة الصلاة، والأروقة المقنطرة الموجودة حول المسجد في أمامه وشرقه، ومصلًّى للنساء، والمئذنة.

أمام المسجد عند مدخله، على يمين الداخل إلى المسجد، يوجد قبر أدهم بك، وقبر زوجته بلقيز (Belkiz)، وهما مبنيَّان بالحجر المرتفع من الأرض.

عند قبر زوجته توجد لوحتان من الحجر، نُقش عليهما بالحرف العربي: "الله رحمان ورحيم بالعباد، هي زوجة الحاج أدهم بك، ابنة صالح باشا، توفيت، روحها كان مشتاقًا للقاء بالله تعالى، وهي لم تكمل ثلاثة وثلاثين من عمرها".

العناصر المكوِّنة للمسجد هي: المحراب، المنبر الخشبي (الذي حسب حجمه، يعتقد أنه تم تركيبه في داخل المسجد)، ومكان جلوس الواعظ، ومصلى النساء، ويوجد باب وسلَّم خاص لصعود النساء إلى مصلاهم، هذا المسجد مكوَّن من صفَّين من النوافذ مقنطرة الشكل، والنوافذ السفلى مزوَّدة بسياج حديدي.

يصل عرض جدران المسجد لأكثر من متر، مزيَّنة من الداخل والخارج برسوم ذات منظر طبيعي، كذلك قبة المسجد مزيَّنة بالكتابات القرآنية.

الجزء الخارجي من المسجد - أي: جدرانه - مزيَّنة برسومات ذات صور مساجد مختلفة، ربما هذه الرسومات تشير إلى مساجد إسلامبول (Stambollit)، أو ربما هي تخيُّلات الرسَّامين الذين تولَّوا رسم جدران المسجد.

منبر المسجد مبنيٌّ بالخشب في شكل جميل، وهو مزيَّن برسم طبيعي، بسلم متعدد الدرجات، وفي نهايتها مسطَّح خشبي، هذا المنبر كان يستخدم وما زال في خطبة الجمعة.

مصلى النساء: مبني من الخشب، ويستند إلى عمودين من الحجر، مزخرف ومزيَّن أيضًا بمنظر طبيعي، ويُستخدم للدخول إلى مصلى النساء بابٌ موجود على الجانب الأيمن، يقود إلى سلَّم ذي شكل حلزوني مبني بالحجر.

رواق المسجد له شكل حرف (L)، النادر من نوعه؛ لأن المساجدَ التقليدية التي بُنيت في ألبانيا قبل القرن العشرين وبعده لم تستخدم طرازَ هذا الرواق الذي يستخدم في توسعة ساحة المسجد من الخارج.

رافدة الرواق تستند إلى أعمدة حجرية التي تقف في صف مستقيم من الشمال - الشرق والغرب، هذا الرواق يستند إلى خمسة عشر عمودًا حجريًّا، ورؤوس الأعمدة مزخرفة بمنظر طبيعيٍّ، أما سقف الرافدة فمبنيٌّ من الخشب.

مئذنة المسجد مبنية بالحجر اللامع، الذي يعطيها الجمال النادر.

الحاج أدهم بك بنى في الوقت نفسه مع هذا المسجد برجَ الساعة، وهذا المسجد وبرج الساعة يُظهران أصلَ "تيرانا" الشرقي، الذي حاولت العديد من القوى الغربية طمسه، ولكن تسجيل هذا التراث والمَعْلم الإسلامي بالطرق كافةً، ومنها ما نحن بصدده في هذا المقال، وما يتبعه إن شاء الله - أعدُّه محاولة للحفاظ على مظاهر الإسلام في ألبانيا أمام هذا الطوفان من التغريب.