• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

الاحتلال الإنجليزي لبلاد الهند

شريف عبدالعزيز الزهيري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/11/2017 ميلادي - 16/2/1439 هجري

الزيارات: 110525

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الاحتلال الإنجليزي لبلاد الهند[1]


الهند عبر التاريخ:

عندما نتكلَّم عن بلاد الهند في التاريخ، فإننا لا نعني بذلك دولة الهند القائمة اليوم بحدودها المعروفة، ولكن نعني بذلك شبه القارَّة الهندية التي انقسمت بفعل الاحتلال الصليبي الذي يَكره بشدَّة الكياناتِ الكبيرةَ، وبالأخص تلك التي يحكُمُها المسلمون.

 

انقسمت هذه البلاد الشاسعة الآن إلى عدَّة دول، هي: الهند، وباكستان، وبنجلاديش، ونيبال، وبوتان، وسيريلانكا، إضافة إلى ما يتبعها من جزر في المحيط الهندي، وهي: جزر المالديف، وجزر لكاديف في الغرب، وأندمان ونيكوبار في الشرق، وسيلان أو سرنديب في الجنوب.

 

وشبه القارَّة الهندية عالمٌ قائم بذاته جغرافيًّا في قلب القارة الآسيوية؛ ففي الشمال جبال الهمالايا الشامخة، والتي تُعرف بسقف الدنيا، وفي الشرق جبال آسام، وهي في الأصل متفرعة من جبال الهمالايا، وفي الغرب جبال الهندوكوش الممتدَّة حتى الشاطئ، أمَّا في جهة الجنوب فالمحيط.

 

وهي بلاد شاسعة ممتدة الأرجاء تبلغ مساحتها قرابة 4.5 مليون كيلو متر مربع، وبها الكثير من الشعوب والقوميات واللغات واللهجات، وكانت عبر التاريخ من المناطق المؤثِّرة على ركب الحضارة ومسيرة البشريَّة، وتعدَّدت بها الأجناس والديانات بصورة واسعة؛ حتى يمكن القول: إنَّ شبه القارة الهندية هي تجسيد حقيقي لجميع أدوار تاريخ البشرية في شتَّى صوره، وفيها التمثيل الكامل لفروق الآدميين وما عرَفوه من معتقدات منذ ظهور الوثنيَّات حتى هداية الناس إلى التوحيد.

 

ونظرًا لاتساع رقعة هذه البلاد؛ لم يستطِع حاكم واحد أو دولة واحدة أن تُخضع جميع أقاليمها، فقامت بها العديد من الممالك والإمارات حتى آخر العهد الويدي؛ حيث بدأت معالم النظام الطبقي في الهند تتبلور وتستقر بين أهل هذه البلاد، وكان نظام الطبقات الهندي من أشدِّ صور الظلم والقسوة والاستهانة بالكرامة الإنسانية، وقبل ميلاد المسيح عليه السلام بثلاثة قرون ازدهرت في الهند الحضارةُ البرهمية، ووُضع فيها مرسوم جديد للمجتمع الهندي، وألِّف فيه قانون مدني وسياسي؛ وهو المعروف الآن باسم (منوشاستر)، ويقسم هذا القانون أهلَ البلاد إلى أربع طبقات، وهي:

(1) البراهمة: وهم طبقة الكهنة ورجال الدين، ولهم امتيازات وحقوق تضعهم في مصاف الآلهة عندهم.

 

(2) شترى: وهم طبقة العسكريين ورجال الحرب.

 

(3) الويش: وهم طبقة رجال التجارة والزراعة.

 

(4) الشودر: وهم المنبوذون والخدم، وهم عند البراهمة أحط من البهائم، وأذَلُّ من الكلاب.

 

أمَّا عن مكانة المرأة ووضعها داخل المجتمع الهندي، فكانت مثل المتاع تُباع وتشترى، ولا حقوق لها بالكلية، وكان المجتمع الهندي قبل ظهور الإسلام زاخرًا بالشهوات والملذَّات المحرَّمة، وخاصة الشهوة الجنسيَّة الجامحة، حتى إنَّهم قد عبدوا جسدَ المرأة وصوَّروا مفاتنها في معابدهم، وكان كهنة المعابد وسدنتها من أفسقِ الناس وأفجرِهم، وبالجملة كان المجتمع الهندي قبل الإسلام في حالة فوضى دينيَّة وأخلاقية واجتماعية شاملة.

 

رحلة الإسلام داخل الهند:

عرَف العرب بلد الهند قبل الإسلام وخبروها جيدًا؛ للروابط التجارية بين الطرفين، فلمَّا تشرَّف العرب بالإسلام، حملوا أمانةَ التكليف ومسؤولية نشر الرسالة والدعوة في أرجاء المعمورة، فحملوا سيوفهم على عواتقهم لإخراج الناس من الظُّلمات إلى النور، وكان أمام المسلمين عقبة كؤود قبل الوصول إلى بلاد الهند، وهي عقبة الدولة الفارسية؛ لذلك لم يكد المسلمون أن يقضوا على هذه العقبة حتى يمَّموا نواصي خيولهم ناحية بلاد الهند.

 

وصل المسلمون إلى بلاد الهند ووَطِئوا أرضها في أيام الراشدين، وتحديدًا سنة 15 هـ، أيام الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما أغار الحكم بن أبي العاص الثقفي على مدينة (تانه) شمال مدينة بومباي، ومن يومها أخذ المسلمون يُغِيرون على أطراف الهند مرة بعد مرة ولا يستقرُّون بأي بلد يُغيرون عليه حتى استقرَّت أوضاع الدولة الأموية بعد صراعات داخلية طويلة، وفي سنة 89 هـ بدأت أولى الحملات الكبرى على بلاد الهند؛ حيث استطاع القائد محمد بن القاسم أن يفتح بلاد السند، وقتل ملكها الغادر (داهر).

 

في أيام الدولة العباسية اهتزَّت مكانة المسلمين في الهند؛ بسبب انتشار الأفكار الهدَّامة والعصبية القبلية التي اجتاحت بلاد ما وراء النهر، وقامت عدَّة إمارات مستقلَّة داخل الهند معظمُها من الباطنية الإسماعيلية، واستمرَّ هذا الوضع المفكك حتى ظهور الدولة الغزنوية وسلطانها الكبير محمود بن سبكتكين سنة 391 هـ، وقد نذر نفسه للجهاد في سبيل الله، فدخل بلاد الهند عن طريق ممرِّ خيبر، ففتح بلادًا واسعة لم يفتحها المسلمون من قبل، وهدم معبد (سومنات) وثن الهنود الأكبر، وظلَّت الدولة الغزنوية تحكم الهند حتى سنة 555 هـ، ثمَّ قامت بعدها الدولة الغورية، وهي التي فتحت بلاد البنغال ودهلي، وأسَّسوا أول سلطنة إسلامية مستقرة وثابتة بالهند سنة 602 هـ.

 

ثمَّ تعاقبت الدول الإسلامية على حكم بلاد الهند؛ مثل دولة (إيلتمش) من سنة 607 هـ - 664 هـ، ثمَّ دولة (بلبن) من سنة 664 هـ - 689 هـ، ثمَّ دولة الخلج من سنة 689 هـ - 720 هـ، ثم دولة آل تغلق 720 هـ - 815 هـ، ثم دولة آل خضر 815 هـ - 855 هـ، ثم دولة اللودي من سنة 855 هـ - 932 هـ، ولم تكن تلك الدول كلها تحكم بلاد الهند جميعًا، ولكن قامت العديد من الإمارات الموازية في مناطق وأقاليم الهند الواسعة؛ مثل كشمير والملتان والكوجرات والبنغال وجانبور وهضبة الدكن، وحكمُ الإسلام للهند في تلك الفترة أشبه ما يكون بحكم ملوك الطوائف بالأندلس، وقد لاقت تلك الدول نفس مصير دولة الطوائف بالأندلس؛ إذ ظهرت الأسرة المغولية بقيادة محمد بابر شاه سنة 932 هـ، ووحدت الهند تحت راية واحدة، وقامت دولة المغول الإسلامية في الهند، وهي التي ظلَّت تحكم البلاد حتى سقوطها في قبضة الاحتلال الإنجليزي الديني.

 

وخلال رحلة الإسلام الطويلة والعميقة داخل بلاد الهند نجد أنَّ المسلمين خلال تلك الفترة الطويلة، والتي بدأت مبكرًا جدًّا أيام الراشدين (15 هـ)، قد ارتكبوا عدَّة أخطاء جسيمة أدت في النِّهاية لضياع دولة الإسلام في الهند، من أهم تلك الأخطاء:

1- عدم استقرار المسلمين في البلاد المفتوحة في الهند في أيام الغزوات الأولى، وحتى عندما فتحوا السند على يد محمد بن القاسم، والمسلمون الأوائل كانوا أقدر الناس على الدعوة، وأكثرهم فهمًا ودراية بالإسلام، ممَّا أضاع الفرصة على المسلمين في إدخال أكبر قدر ممكن في الإسلام من الهنود الذين كانوا على الوثنيَّة والضلال، والذين جاؤوا من بعدهم من المسلمين واستقرُّوا في الهند لم يكونوا مؤهلين للدَّعوة أو إرشاد الناس، وبالتالي ظلَّ الإسلام محصورًا في منطقة السند والبنجاب، وذلك لفترة طويلة.

 

2- جهل معظم الناس باللغة العربية التي هي لغة الشرع والوحيين؛ وذلك بسبب أعجمية معظم الفاتحين لبلاد الهند من أتراك ومغول وغيرهم، مما أفقد مسلمي الهند الفهمَ الصحيح والكامل لتعاليم الإسلام، وأفقدهم تذوُّق معاني القرآن وحقائق السنة.

 

3- أنَّ الدول الإسلامية التي قامت بحكم بلاد الهند في أغلبها لم تحكم بالشريعة وبما أنزل الله عزَّ وجل، وإنما كان أقصى مهامها السيطرة وضمان سكون الرعية وكان أغلبهم من الهندوس؛ لذلك كان الحكام المسلمون يتركون الناسَ على عقائدهم الوثنية وشعائرهم الشركية، بل إنَّ بعض حكام المسلمين مثل السلطان المغولي (جلال الدين أكبر) قد اخترع دينًا جديدًا مزج فيه بين الإسلام والهندوسية والنصرانية، وحاول إجبار الناس على هذا الدين الجديد؛ وذلك كله إرضاءً للرعية والناس.

 

4- اشتعال الحروب الداخلية الطاحنة بين الحكَّام المسلمين، التي شغلت حيزًا كبيرًا من حياة تلك الدول والممالك الإسلامية؛ مما أدَّى لإهمال شؤون الدعوة ونشر الإسلام؛ بل كان جل اهتمام الحكَّام وقتها كسب الولاءات، وفرض الضرائب، وعقد التحالفات مع الآخرين ولو كانوا من الكفار الأصليين.

 

5- معظم العلماء والدعاة الذين دخلوا بلاد الهند لخدمة نَشر الدعوة والإسلام كانوا منحرفي العقيدة، مولعين بالفلسفة والتصوف والأفكار الهدَّامة؛ مثل وحدة الوجود والحلول والاتحاد، وهي أفكار لاقت قبولًا عند متصوفة الهند، ممَّا جعلهم يقبلون على دخول الإسلام ولكن بنفس أفكارهم، فأصبحوا مسلمين ظاهرًا، مشركين ضالِّين باطنًا، كما وجَدت الفرقُ الضالَّة مثل الإسماعيلية والروافض موطئَ قدم، وقامت عدَّة إمارات باطنية في الملتان والسند، بل قامت إمارة للقرامطة في الملتان في القرن الخامس الهجري.

 

والقضية الكلية والسبب الجامع لما ذكرناه يرجع لكون المسلمين فتحوا معظم بلاد الهند في وقت الضعف وتواهي الخلافة الإسلاميَّة، فلم يتمكَّن المسلمون من نشر تعاليم الإسلام بصورة صحيحة وكاملة؛ مما جعل دولة الإسلام في الهند غير مستقرَّة، دائمة التقلُّب، ثوب ريادتها مليء بالثقوب والخروق، ممَّا جعل الهندوس يقيمون لهم عدة ممالك قوية في جنوب الهند، ناوأت دولة الإسلام في الشمال لفترة طويلة، وسهلت طريق الاحتلال في القضاء على الحكم الإسلامي لبلاد الهند.

 

البرتغاليون وبلاد الهند:

تعتبر بلاد الهند من أخصب بقاع العالم وأكثرها ثراءً بالموارد الطبيعية التي تجعل لعاب المحتلين الأوربيين تسيل وبغزارة، ولكن ضخامة المساحة وكثافة السكَّان والطبيعة الجغرافية حالت دون تحقيق تلك الأطماعِ الصليبية على أرض الهند، وكانت ناحية الجنوب حيث المحيط الهندي هي الجهة الوحيدة التي يمكن النفوذ إلى بلاد الهند منها، وما غيرها من سبل دونه عقباتٌ ودول وممالك كبيرة وقوية وأيضًا مسلمة، كانت حتمًا ستحول دون الوصول إليها.

 

كان البرتغاليون هم أول من وصَل إلى سواحل الهند من ناحية المحيط؛ وذلك خلال حركة الكشوف البحرية التي بدأت فور سقوط دولة الإسلام في الأندلس سنة 897 هـ، وبالفعل وصل البحار البرتغالي الشهير (فاسكو دي جاما) إلى سواحل الهند عند إقليم الكوجرات سنة 904 هـ، مكتشفًا بذلك طريقًا جديدًا للدوران حول العالم، وهو طريق رأس الرجاء الصَّالح، ورأى البحَّار البرتغالي من ثروات وخيرات البلاد ما جعله يعود مسرعًا إلى مليكه (إيمانويل الثاني) الملقب بالملاح لعنايته بالبحار والأساطيل، وأخبره بالكشف الجديد، فاستعدَّ البرتغاليون لغزو بلاد الهند، وحشدوا من أجل ذلك أمهر قادتهم وكلَّ قوتهم البحرية.

 

كانت دولة الإسلام في الهند وقتها تعاني من ويلات الحروب الداخلية بين الممالك الإسلامية هناك، وسلطنة دهلي الإسلامية التي تعتبر أكبر وأقوى الممالك الإسلامية وقتها تعاني من صراع بين أمرائها على الحكم، وأوضاعها الداخلية شديدة الاضطراب، وغيرها من الممالك الإسلامية ليس بأحسن حالًا منها، في حين استطاع الهندوس أن يقيموا لهم عدَّةَ ممالك قوية في جنوبي الهند، ظلت شوكة في خاصرة دولة الإسلام في الهند.

 

استغلَّ البرتغاليون تلك الأوضاع المضطربة داخل بلاد الهند، وهجموا بأسطول كبير على إقليم الكوجرات، وهي شبه جزيرة تقع في غربي بلاد الهند؛ وذلك سنة 906 هـ، وكانت مملكة الكوجرات تتبع سلطنة دهلي الإسلامية حتى سنة 840 هـ، وبعدها استقلَّت وأصبحت مملكة خاصَّة مستقلة يحكمها أمراء أسرةِ مظفر شاه، وكان أمير الكوجرات وقت الهجوم الصليبي عليها اسمه (محمود باشا)، وحاول صدَّ العدوان الغاشم عليه، ولكنه فوجئ بالتفاوت الكبير بين السلاح الهندي والبرتغالي، وبالفعل نجح البرتغاليون في احتلال عدَّة نقاط في سواحل الكوجرات.

 

نظرًا للصراعات القديمة بين سلطنة دهلي الإسلامية وسلطنة الكوجرات لم يستطع محمود شاه أن يستنجد بالسلطان إسكندر الثاني سلطان دهلي، ولكنه طلب العون من سلطان المماليك (قنصوه الغوري) وكان بين دولة المماليك والممالك الإسلامية في غرب الهند روابط وثيقة، وكان المماليك يتخوَّفون من القوة البحرية الناشئة للبرتغاليين، وأيضًا من طموحاتهم الصليبية وخططهم الخبيثة تجاه العالم الإسلامي، وكان البرتغاليون قد وضعوا نصب أعينهم السيطرة على الممرَّات العالمية للتجارة، ومنها موانئ البحر الأحمر والخليج العربي؛ كما ذكرنا في ثنايا الكلام على العدوان البرتغالي على جنوب الخليج العربي.

 

بالفعل أرسل قنصوه الغوري حملةً بحرية بقيادة حسين الكردي سنة 914 هـ، اصطدمت بالأسطول البرتغالي عند جزيرة "ديو" وأنزلت به هزيمة منكرة دفعت البرتغاليين لحشد كل قواتهم البحرية، واستعانوا بأمهر قادتهم البحريين، وهو الشيطان الطاغية (ألبوكيرك)، وأعادوا الاصطدام مع أسطول المماليك سنة 915 هـ، عند جزيرة "ديو" وفيها تحطَّم معظم الأسطول المملوكي، وهي الهزيمة التي قضتْ على القوة البحرية للمماليك، وخلت الساحة البحرية للبرتغاليين تمامًا في الخليج العربي والمحيط الهندي.

 

أقام البرتغاليون عدَّةَ مراكز لهم بالساحل، ووجدوا في الإمارات الهندوسية في جنوبي الهند حليفًا وثيقًا ضد المسلمين، ولما برزت قوة الدولة العثمانية على ساحة الأحداث وورثت دولة المماليك في مصر والشام والحجاز، استنجد ملك الكوجرات (بهادور شاه) بالسلطان العثماني سليمان القانوني وذلك سنة 938 هـ، ونجحت الإمدادات العثمانية بقيادة القائد مصطفى الرومي في هزيمة البرتغاليين عدَّة مرات، ولكن حدث قتال داخلي بين حاكم الكوجرات (بهادور شاه) وسلطان دولة المغول المسلمة في الهند (همايون بن محمد بابر شاه) سنة 941 هـ، هذا القتال دفع بهادور شاه لأن يطلب العون من ألدِّ أعدائه البرتغاليين، فوافقوا على الفور؛ فالقاتل والمقتول من المسلمين، والخاسر دائمًا هو الأمة الإسلامية! واشترطوا عليه بناء قلعة حصينة لهم في جزيرة "ديو"، ولكن بعد قليل شعر (بهادور شاه) بفداحة خطئه وتصالح مع (همايون)، ودخل في حرب عنيفة ضد البرتغاليين سنة 943 هـ، ولكنه هُزم وقتل، واحتل البرتغاليون جزيرة "ديو" كلها، فلمَّا علم السلطان سليمان القانوني بما جرى، أرسل أسطولًا كبيرًا من مصر عبر البحر الأحمر ثمَّ الخليج العربي لطرد البرتغاليين نهائيًّا من سواحل الهند، وضرب العثمانيون حصارًا قويًّا على المراكز البرتغالية، ولكن وقع خلاف شديد بين ملك الكوجرات الجديد (محمود شاه) وبين قائد الحملة العثمانية (سليمان باشا)، بسبب بعض الوشايات التي لعبت بعقل محمود شاه، وأقنعته بأنَّ العثمانيين يخططون للسيطرة على الكوجرات، فقطع محمود شاه المؤن عن العثمانيين؛ مما أجبرهم على رفع الحصار ومغادرة الهند.

 

وهكذا نرى أن البرتغاليين ما وجدوا لهم موطئ قدم ببلاد الهند إلَّا بسبب الصراعات الداخلية بين الممالك الإسلامية، وسوءِ الظن الدائم والمتبادل بين حكَّام المسلمين، وأيضًا بسبب المساعدات الهندوسية من الجنوب؛ وكلها أمور وعوامل تضافرَتْ من أجل استمرار الاحتلال البرتغالي لسواحل الهند الغربية طيلة قرن من الزمان [906 هـ - 1009هـ]، نهبوا خلالها خيرات البلاد وثرواتها باسم التجارة، غير أنَّهم لم يستطيعوا التوغُّل في الداخل الهندي؛ لقلَّة عددهم أمام السكان، وعدم قدرة جيوشهم البرية على منازلة جيوش المسلمين هناك، فالتفوق البرتغالي كان تفوقًا نوعيًّا في البحر فقط دون البرِّ، كما أن وحشيتهم الصليبية المعروفة وحقدهم التاريخي على المسلمين جعلهم لا يجاوزون مراكزهم البحرية التي تحكَّموا من خلالها بالتجارة العالمية لثروات الشرق كله؛ بل بلغت قوة البرتغاليين البحرية خلال تلك الفترة مبلغًا كبيرًا، جعل السلطان (جلال الدين أكبر) - وهو أكبر سلاطين الهند، وبلغت دولة الإسلام في عهده أقصى اتساعها - جعلته يقدم موقع "دامان" الساحلي للبرتغاليين سنة 983 هـ؛ حتى لا يتعرَّضوا للأسرة الملكية أثناء رحلة أداء فريضة الحج؛ ممَّا يوضح مدى سيطرة البرتغاليين على سواحل المحيط الهندي.

 

ذاعت شهرة الهند في البلدان الأوروبية، وسال لعاب أباطرة الاستعمار وقتها - إنجلترا وفرنسا - وكان البرتغاليون قد تحكَّموا في تجارة الهند ورفعوا أسعار المنتجات واحتكروا تصديرها، فتبرمت الدول الأوروبية وقرَّرت دخول ميدان المنافسة مع البرتغاليين، فدخل الهولنديون أولًا ثم الفرنسيون ثم الإنجليز.

 

ورغم تدهور أحوال الممالك الإسلامية وقتها، ووقوع سواحل الهند تحت الاحتلال البرتغالي، فإن مكانة السلاطين والملوك المسلمين كانت ما زالت باقية، ونفوذهم بالداخل الهندي كبيرًا وواسعًا، وأبرز دليل على ذلك أنَّ ملك إنجلترا جيمس الأول أرسل رسولًا من عنده لمقابلة سلطان المسلمين الكبير (نور الدين محمد جهانكير) وذلك سنة 1608 م - 1018 هـ، فظلَّ الرسول واسمه (وليم هوكنز) عامين في دهلي ولم يحظَ بمقابلة السلطان، فلما ألحَّ في أن يأخذ كتابًا منه يحمله إلى ملك إنجلترا، أجابه وزير السلطان بكل عزَّة وكرامة: "إن مما لا يناسب قدر ملك مغولي مسلم أن يكتب كتابًا إلى سيد جزيرة صغيرة يسكنها صيادون بائسون".

 

خطوات الاحتلال الإنجليزي لبلاد الهند:

نستطيع أن نقول بكلِّ أمانة تاريخية وحيادية بحثية: إن الإنجليز هم أساتذة المكر والدَّهاء، وأخطر المحتلين لبلاد الإسلام؛ نظرًا لاتباعهم سياسات خبيثة ومتنوعة في احتلال البلاد؛ حتى كوَّنوا لهم إمبراطورية ضخمة يُضرب بها المثل السائر أنَّها إمبراطورية لا تَغيب عنها الشمس، هذا على الرغم من صغر مساحة إنجلترا، وقلَّة عدد سكَّانها، وفقرها الشديد في الموارد الطبيعيَّة، ولكن بالمكر والخداع، والصَّبر وطول النَّفَس، سيطروا على أجزاء كبيرة من المعمورة؛ وذلك في القرنين الثامن والتاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين الميلادي.

 

دخل الإنجليز لأول مرَّة بلادَ الهند على هيئة شركات تجارية لنقل البضائع من الهند إلى أوروبا، وقد اجتمع كبار تجَّار إنجلترا مع محافظ مدينة لندن سنة 1008 هـ، وقرَّروا تأسيس شركة تجارية تتعامل مع حكومة الهند (سلطان المغول) مباشرة دون وساطة البرتغاليين، فأرسلَتْ ملكة إنجلترا وقتها إلى السلطان جلال الدين أكبر تستأذنه في ذلك، فأذِن لهم، فتكوَّنتْ شركة تجمع كبارَ التجار الإنجليز، وهي التي ستصبح بعد فترة من الزمان شركة الهند الشرقية، المشهورة في التاريخ بأنها واجهة الاحتلال الإنجليزي في المنطقة بأسرها.

 

رحَّب أهل البلاد بالإنجليز في بادئ الأمر؛ كراهية منهم للبرتغاليين شديدي الصليبيَّة، وأنشأت المراكز التجارية في سورات وجوكوندا ومدراس وكلكتا، فلمَّا تولَّى السلطان نور الدين محمد جهانكير السلطنة سنة 1014 هـ - 1605م أراد الاستفادة من دخول الإنجليز سواحل الهند، فأغراهم بالبرتغاليين فاشتبكوا معهم في أعالي البحار، وأنزلوا بهم هزائمَ كبيرة أسعدت سلطان الهند، فأعطاهم حقوقًا على سواحل الهند مهَّدَت لهم السبيلَ للسيطرة على البلاد كلها فيما بعد.

 

أدرك الإنجليز بأنَّ سلطنة المغول الإسلامية وسلطان دهلي القوَّة الحقيقية والفاعلة في الهند، فساروا على خطَّة التقرُّب من سلاطين دهلي ومحالفتهم ضد خصومهم من البرتغاليين والإمارات الهندوسيَّة في جنوبي الهند، وفي المقابل توسع سلاطين دهلي في الاعتماد على القوة الإنجليزية نظير مَنح الامتيازات التجارية وبناء المراكز التجارية، التي ستصبح فيما بعد قواعدَ الاحتلال الإنجليزي للبلاد.

 

كان السلطان "محيي الدين أوزنكزيب عالم كير" أول مَن توسَّع في محالفة الإنجليز رغم أنَّه كان من أفضل وأصلح سلاطين دولة المغول المسلمة بالهند؛ بل هو من كبار العلماء، وله مؤلَّفات في الفقه الحنفي، ولكنه تحالف مع الإنجليز من موضع قوَّة، ولما شعر الإنجليز بنوع من القوَّة في البنغال وأرادوا أن يستعرضوا هذه القوة سنة 1680م أمر السلطان بالاستيلاء على كلِّ مراكزهم ومصانعهم، وفقد الإنجليز نتيجةَ تهورهم كثيرًا من مكتسباتهم في الهند، ولكن سرعان ما أعاد لهم السلطان مراكزَهم بعد أن علم أنهم قد وعوا الدَّرس جيدًا، وبالفعل ظلَّ الإنجليز قرابة النِّصف قرن بعدها بعيدين عن أمور الدولة الداخليَّة، وانصرفوا خلالها لتثبيت أقدامهم ووجودهم في البلاد.

 

لم يكن خلفاء السلطان محيي الدين على شاكلته في الحَزم والشجاعة، فأخذ الضَّعف يدبُّ في سلطنة المغول في الهند، وتصارع أمراؤها على الحُكم، وأخذ الهندوس يرفعون رؤوسَهم في هضبة الدكن والبنغال، وأخذت عُرى الدولة الكبيرة في الانفصام الإقليم تلو الإقليم، وأخذ ولاة الأقاليم والقادة الكبار في الانفصال بأجزاء السلطنة؛ وذلك بسبب ضعف السلطة المركزية عن التصدِّي لثورات الهندوس والسيخ والمراتها، ومن أبرز الإمارات التي ظهرت في تلك الفترة إمارة نظام الملك في حيدر آباد الدكنية، وإمارة ميسور في جنوب شرق الهند، وتلك الإمارات هي التي ستتولَّى محاربة الإنجليز والهندوس وقيادة الجهاد المسلح ضدهم.

 

لعب الإنجليز لعبة تبادل الجياد بكل خبث ومكر، فبعد أن شعروا بسريان الضعف في أوصال سلطنة المغول في دهلي، وفي المقابل أخذت قوة الهندوس والسيخ في التنامي، نقلوا رهانهم على الهندوس والسيخ، وعملوا على محالفتهم ضد المسلمين، ولكن بصورة خفيَّة بادئ الأمر؛ حتى يبقوا على علائقهم مع المسلمين، وظلُّوا يتسلَّلون شيئًا فشيئًا بالداخل الهندي؛ حتى سيطروا على البنغال وأوده سنة 1760م، ثم حيدر آباد سنة 1766م، ثم ميسور سنة 1792م، وأخيرًا دخلوا دهلي عاصمة سلطنة المغول الإسلامية.

 

أفصح الإنجليز عن وجههم الحقيقي، وكشفوا عن عنصريَّة قبيحة وصليبيَّة مقيتة، وأعلنوا عن عدائهم لكلِّ ما هو إسلامي، وعملوا على تعفية أيِّ أثَر للحكم الإسلامي لتلك البلاد الواسعة، واستعانوا من أجل ذلك بكلِّ أعداء المسلمين؛ من هندوس وسيخ وبوذيين، والعجب كل العجب إذا علمنا أنَّ الجيش الإنجليزي الذي سيطر على تلك البلاد الشاسعة كان قوامه مائة ألف جندي، منهم عشرون ألفًا فحسب من الإنجليز! ممَّا يوضح مدى المكر والكيد الذي استعمله هؤلاء الشياطين لإنهاء حكم المسلمين بالهند.

 

وحتى يَضمن الإنجليز عدمَ ثورة المسلمين عليهم أبقوا على مَنصب سلطان دهلي، ولكن مجرَّد صورة بلا أيِّ معنى أو نفوذ، ويأخذ راتبًا شهريًّا من الإنجليز، ونفوذه لا يجاوز عتبة داره في مدينة "الله أباد" بعد أن نقلوه من دهلي سنة 1802م إليها.

 

كفاح المسلمين في تحرير الهند:

كما قلنا من قبل: تبع الإنجليز أسلوبَ المكر والخداع ولعبة تبادل الجياد للتسلُّل إلى داخل البلاد، تمامًا مثل الأفعى ناعمة الملمس التي تَنساب بكلِّ هدوء حتى تلتفَّ حول ضحيَّتها وتنفث في جسدها السمَّ الزُّعاف؛ هكذا كان الإنجليز، ظلَّ المسلمون في غَفلة من كيدهم ومخطَّطاتهم طويلة المدى؛ حتى أصبحوا قوَّةً تستعصي على الطرد، ولقد كان تسامُح القويِّ من حيث لا يدري سببًا من أهم أسباب سقوط دولة الإسلام في الهند، ونعني بالقوي السلطانَ الفقيه محيي الدين عالم كير، الذي تعامل مع الإنجليز من موضع قوَّة وسيطرة، فخنعوا له حتى حين، ولم يحسب ذلك السلطان الكبير رغم علمه وفقهه حسابًا للأيام التي ستأتي من بعده، فجاء خلفاؤه ضعافًا الواحد تلو الآخر، حتى ذهبت قوَّة تلك السلطنة العظيمة، وتفصَّمَت عراها إلى إمارات ودويلات صغيرة، سهل على الإنجليز محاربتها والسيطرة عليها؛ مما جعل المسلمين ينتبهون للواقع الأليم، ولكن وللأسف الشديد متأخرًا، ولكن رغم غفلة المسلمين وتأخرهم في الدفاع عن بلادهم فإنه قام العديد مِن الرجال الأقوياء وحركات التحرُّر الإسلامية، التي كان لزامًا عليها أن تجاهد ليس الإنجليز فحسب، ولكن معهم أيضًا العدو القديم والتاريخي للمسلمين في بلاد الهند، وهم الهندوس.

 

حركة الأمير سراج الدولة (1169 هـ - 1756م):

كان الإنجليز في بداية أمرهم ينقُلون البضائعَ من الهند إلى أوروبا، وبعد الثورة الصناعية أخذ الإنجليز في نقل المنتجات من أوروبا إلى الهند؛ فحقَّق الإنجليز ثرواتٍ ضخمةً خياليَّة من جرَّاء ذلك الجشع والاستغلال التجاري البشِع، وبدأ الإنجليز في التعامل مع الهندوس لتقوية جانبهم على حساب المسلمين الذين كان الإنجليز يرون فيهم عدوًّا أصيلًا وحقيقيًّا لهم، وبدأ زعماء المسلمين في الشعور بالخطر، وقرَّروا ضرورة التحرُّك سريعًا.

 

من هؤلاء كان الأمير سراج الدولة حاكم البنغال، الذي قرَّر إنهاء الوجود الإنجليزي في البنغال، فهجم على مراكزهم التجارية على الساحل، واستولى عليها كلِّها سنة 1169 هـ - 1756م، وهاجم حصن "فورت وليم" الإنجليزي واستولى عليه، فجاءته قوَّة إنجليزية - هندوسية مشتركة فانتصر عليها في شوال سنة 1169 هـ، فأثار ذلك النَّصر مخاوفَ الإنجليز، خاصة وأنَّ الفرنسيين ألد أعداء الإنجليز قد دخلوا حلبة الصراع، ودعموا سراج الدولة بالسلاح والخبرات الفنية.

 

لجأ الإنجليز إلى سلاح الغَدر والخيانة؛ وهم أساتذة في ذلك الفن، فألقَوا شِباكهم على رجال وأعوان الأمير سراج الدولة؛ فعلِق بها للأسف الشديد "مير جعفر علي خان"، أكبرُ قادة سراج الدولة وزوج ابنته، وكان رجلًا طموحًا يَطمع في المنصب، فاشتراه الإنجليز بلُعاعة من الدنيا زائلة، واستعدَّ الإنجليز لمعركة فاصلة مع سراج الدولة، ووقعت الحرب سنة 1170 هـ - 1757م عند "بلاسي"، وصمد المسلمون صمودًا رائعًا، وظلَّت المعركة متأرجحة بين الجانبين حتى حانت لحظة الخيانة، فانفصل (مير جعفر) بجزء من الجيش وانضمَّ للإنجليز، فهُزم سراج الدولة ووقع أسيرًا بيد الإنجليز، الذين تفنَّنوا في تعذيبه ثمَّ أعدموه، وجعلوا مير جعفر الخائن حاكمًا على البنغال؛ وهكذا الخيانة على مرِّ العصور، تفعل في الأمَّة أشد من أعتى الجيوش.

 

لم تمضِ سوى مدَّة يسيرة حتى خلع الإنجليز الخائنَ مير جعفر واستبدلوه بآخر، وهو قاسم علي خان، الذي أبدى نوعًا من الاعتزاز بدينه ونسبه؛ فعزله الإنجليز وأعادوا عميلهم المخلص لهم الخائن لدينه وأمَّتِه مير جعفر، فأسرع القائد قاسم علي خان وتحالف مع السلطان المغولي (عالم شاه) وحاكم إقليم "أوده" شجاع الدولة، وساروا جميعًا لمحاربة الإنجليز، وسرت روحٌ جهاديَّة قوية في الجند، والتقوا مع الإنجليز في "بكسر" بالبنغال، ووقع خلاف شديد بين قادة التحالف الإسلامي أدَّى في النهاية لهزيمة المسلمين؛ وذلك سنة 1172 هـ - 1780م، ووقع السلطان عالم شاه في الأسر، وأجبروه على التنازل عن كثير من بلاده ونفوذه من أجل إطلاق سراحه، وانتهت تلك الحركة الإسلاميَّة للمقاومة بضياع بلاد البنغال وأوريسا وبيهار، وانهيار مكانة ونفوذ السلاطين المغول في دهلي.

 

حركة الأمير حيدر علي خان (1190 هـ - 1777م):

من أشهر حركات المقاومة الإسلامية في بلاد الهند، وكان مركزها مقاطعة ميسور في جنوب شرق الهند، وكان معظم سكَّان جنوب الهند من الهندوس، فلما ضعُفَت السلطة المركزية لدولة سلاطين المغول، فكَّر الهندوس في الاستقلال بما تحت أيديهم، ولكن قبل أن يضربوا ضربتهم أسرع أحد قادة المسلمين واسمه (حيدر علي خان) واستلم السلطةَ بالقوَّة، وقضى على معظم زعماء الهندوس، وأحكم قبضتَه على "ميسور"، وأخذ في توسيع بلاده، حتى ضمَّ معظم جنوب الهند، ووصلت حدود دولته إلى بلاد مدراس على ساحل خليج البنغال.

 

خاف الإنجليز من تلك القوَّةِ الفتيَّة الجديدة؛ فتحالفوا مع الهندوس كما هي العادة وحاربوا الأمير (حيدر علي خان)، فانتصَر عليهم، وأخذ الأمير يفكِّر في تطوير جيوشه وتحديثها لمواصلة التفوُّق على الإنجليز؛ فقرَّر الاستعانة بالفرنسيين لتحقيق هدفه، وبالفعل أخذت فرنسا في تدريب جنوده وتحديث أسلحته، ولكن الكفر ملَّة واحدة، وأعداء الإسلام مهما اختلفوا فيما بينهم إلَّا إنهم في النهاية أبناء دين واحد، فما إن اصطلح الإنجليز مع الفرنسيين سنة 1195 هـ - 1781م حتى تخلَّوا عن الأمير حيدر؛ فلا يتصور مسلمٌ أن ينصره صليبي على صليبي آخر مهما كان الثَّمن، فلما تخلَّوا عنه هجم التحالف الصليبي الهندوسي على معاقله، وهزموه هزيمة شديدة أثَّرتْ في نفسيته، فمات حزنًا وهمًّا سنة 1196 هـ - 1782م، فحمل الراية من بعده ولدُه الشجاع الباسل فتح علي المشهور باسم (تيبو).

 

حركة السلطان تيبو (1196 هـ - 1782م):

واحدة من أروع صور الجهاد الإسلامي الخالص ضد الاحتلال الإنجليزي على أرض الهند؛ فلقد كان السلطان تيبو مجاهدًا باسلًا مخلصًا يَبتغي من جهاده وجهَ الله عز وجل، ويخطِّط لطرد الإنجليز من عموم البلاد، ليس من البنغال وميسور فقط، ولقد خاض هذا البطل الجسور معاركَ حامية الوطيس ضد الإنجليز والهندوس على حد السواء، وكان السلطان تيبو قد ألزم الهندوس في بلاده دخول الإسلام والتزام شعائره أو الهجرة من البلاد أو القتل، وهذا الأمر ليس من باب إكراه الناس على الدين؛ فدولة الإسلام كما لا تقبل إكراهَ أحد على الإسلام، لا تقبل أبدًا وبأي حال من الأحوال وجود مشركين أو وثنيِّين تحت مظلَّتها؛ فإمَّا الإسلام وإما أهل الكتاب، وما عدا ذلك فمرفوض تمامًا داخل الدولة المسلمة.

 

تولَّى السلطان تيبو حكم مقاطعة ميسور بعد رحيل أبيه المجاهد الأمير حيدر علي خان؛ وذلك سنة 1196 هـ، فقرَّر متابعة القتال ضد الإنجليز، وحقَّق عليهم عدة انتصارات مهمة، وطردهم من بلاده، ولكنهم عادوا الكرَّة واستغلوا فرصة انشغاله بمحاربة الهندوس في بلاد البيهار جنوب الهند، وهجموا على معاقله واستولوا على العديد منها؛ فاضطر السلطان تيبو لقبول الهدنة، وأجبر على توقيع معاهدة "سرنجا بتام" التي فقد فيها كثيرًا من أراضيه؛ وذلك سنة 1207 هـ - 1794م.

 

أخذ السلطان تيبو يفكِّر في كيفية تنظيم جيوشه، وأخذ مع قادة جيشه في بحث أسباب الهزيمة، والبحث عن حليف قوي، ولكن الأوضاع داخل بلاد الهند وقتها كانت مزرية للغاية، فمعظم الإمارات المسلمة أضعف من أن تدخل في حرب ضد الإنجليز، وبعضهم مشغول بحروب داخلية فيما بينهم، والإمارة الوحيدة القويَّة للأسف هي إمارة حيدر آباد، وكانت على خلاف شديد مع إمارة ميسور وسلطانها؛ حتى إنَّ جيشها كان يحارب في صفِّ الإنجليز؛ وذلك الأمر مما يحزن النَّفس ويدمي القلب، فانتهى تفكير السلطان إلى الاستفادة من عودة الخلاف بين إنجلترا وفرنسا، وبالفعل بدأت المكاتبات بين السلطان والفرنسيين، ولكن سرعان ما كشفت إنجلترا تلك الاتصالات بسبب الطابور الخامس الذي دائمًا يحرص الإنجليز على بثِّه في صفوف المسلمين.

 

نقض الإنجليز هدنتهم مع السلطان، وشنوا سلسلةَ هجمات خاطفة ضد السلطان وقواته، ولكنه تصدَّى لها بنجاح كبير أدخل الفزعَ في قلوب الإنجليز؛ إذ حقَّق ذلك النصر الكبير بلا أدنى مساعدة من الفرنسيين، وكالعادة لجأ الإنجليز إلى سلاح الغدر والخيانة والعمالة واستطاعوا أن يَستقطبوا أحدَ أعوان السلطان واسمه (مير صادق)، وفي الفرصة المناسبة دلَّهم ذلك الخائن على القلعة التي يقيم بها السلطان؛ بل فتح أبوابها للإنجليز، فاقتحموا المكانَ فبرز لهم السلطان تيبو بنفسه وقد هانت عليه نفسه لله عزَّ وجل، وأبَتْ عليه كرامته وعزَّته أن يقع أسيرًا بيد الإنجليز، فظلَّ يقاتل حتى سقط شهيدًا فيما نحتسبه عند الله عزَّ وجل سنة 1214 هـ - 1799م، وبرحيله تنفَّس الإنجليز الصعداء، واستراحوا من أقوى خصم لهم في الهند، وأحكموا قبضتَهم على البلاد طولًا وعرضًا.

 

حركة الشهيد أحمد عرفان البريلوي (1239هـ):

هذه الحركة الجهادية الأبرز في تاريخ حركات المقاومة الإسلاميَّة في الهند؛ ذلك أنَّ الحركات قبلها كانت تَختلط فيها الفكرة الإسلامية مع الفكرة القومية، ولكن هذه الحركة تحديدًا قامت على أساس إسلامي سلَفي خالص؛ بل هي بداية الدعوة والحركة السلفيَّة في بلاد الهند التي كانت تموج بالتصوُّف والفلسفة وعلوم الكلام والمنطق؛ كما أسلفنا في مقدمة الكلام.

 

قائد هذه الحركة المباركة هو السيد الإمام أحمد بن عرفان البريلوي المولود سنة 1201 هـ، ببلدة "راي بريلي"، ونشأ في بيئة دينية أقرب ما تكون إلى التصوُّف، فكان صالحًا تقيًّا محبًّا لفعل الخيرات، حريصًا على طلب العلم، نال قسطًا منه على يد الشيخ عبدالعزيز ابن علَّامة الهند ولي الله الدهلوي، ثمَّ غلب عليه حبُّ الجهاد في سبيل الله، وأخذ يحرِّض أصحابَه وأقرباءه عليه، والتحق بخدمة الأمير المجاهد نواب مير خان، ومكث معه عدَّة سنين يحارب الإنجليزَ بنظام الكرِّ والفر، ثم تركه لما وقَّع الأمير معاهدة صلح مع الإنجليز، بعدها عاد إلى دهلي وشدَّ المئزر بنصرة السُّنة والمنهج السلفي، وكان أهل الهند قبلها لا يعرفون شيئًا عن السلفية، وعامَّتهم غارقًا في التصوف وطرقه الكثيرة.

 

انضمَّ الكثيرون إلى دعوته السلفية، منهم جماعة من أهل العلم؛ مثل الشيخ إسماعيل بن عبدالعزيز الدهلوي، ودخل في مناظرات حامية مع أتباع الفرق والطوائف المخالِفة لأهل السنَّة، خرج منها جميعًا مظفرًا، وقد كسر بعضَ العادات الهندية المتوارثة التي تُخالف هَدي الإسلام وتعاليمه، فتزوَّج من أرملة أخيه؛ وكان ذلك لأول مرة بين مسلمي الهند، ثمَّ سافر للحج مع 757 رجلًا من أصحابه؛ وذلك سنة 1237 هـ، وكانت الفتاوى قبل ذلك تقول: إنَّه لا حج مطلقًا على أهل الهند لبُعد المسافة وكبر المشقة! وقد بايعه الكثيرُ من الناس خلال رحلة الحج تلك.

 

حتى تلك الفترة لم يعر الإنجليز دعوةَ الإمام ولا حركته أدنى اهتمام؛ ظنًّا منهم أنَّها طريقة صوفيَّة جديدة ستزيد من فرقة المسلمين واختلافهم، حتى سنة 1241 هـ - وهي السنة التي سافر فيها الإمام إلى بلاد أفغانستان، وبث رجاله ودعاته في أرجائها - فأقبل الناس على دعوته خاصَّة في منطقة الحدود بين الهند وأفغانستان (وزيرستان الآن)، وعندها ارتج الإنجليز وأيقنوا خطورة الحركة، فحرَّضوا زعيم السيخ (رنجيت) في إقليم البنجاب على الاصطدام مع حركة الإمام؛ وذلك سنة 1241 هـ، فحقَّق المسلمون انتصارًا كبيرًا على السيخ الكفرة، وازدادت الحركة قوة.

 

شعر الإنجليز بالنَّدم لعدم تحرُّكهم سريعًا للقضاء على تلك الحركة التي خرجت عن الطور، وأصبحت قوَّةً كبيرة في شمال غرب الهند يأتيها الرجال من أفغانستان، فعمدوا إلى سلاح المكر والخداع، فأخذوا في بثِّ الشائعات والأكاذيب بحقِّ الإمام ورجاله، ونسبوا طريقتَه إلى دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، ولقَّبوهم بالوهابية، وساعدهم في ترويج تلك الأباطيل أتباع الطُّرق الصوفية والمذاهب المخالفة لأهل السُّنة، حتى ملؤوا الهند عليه كذبًا وبهتانًا وزورًا، وأخذ الناس ينفضُّون من حوله، وعندها تحرَّكتْ قوَّات السيخ بقيادة (رنجيت)، واشتبكوا مع رجاله عند مدينة "بالاكوت" في شمال البنجاب في 24 ذي القعدة سنة 1246 هـ، وفي القتال سقط الإمام شهيدًا ومعه الكثير من رجاله وأصحابه.

 

وعلى الرغم من أن تلك الحركة لم تَصطدم مع الإنجليز، فإنها كانت من أكثر حركات المقاومة تأثيرًا في البلاد؛ إذ أحيت شعيرةَ الجهاد في قلوب مسلمي الهند، وظلَّ أتباعها يقودون حركةَ الجهاد المقدَّس في البلاد، وقاموا بالعديد من الحركات القويَّة؛ أبرزها حركة جعفر ويحيى سنة 1864م؛ أي: حتى بعد ثورة الهند الكبرى.

 

حركة جعفر ويحيى (1282 هـ - 1864م):

على الرغم من استشهاد الإمام أحمد بن عرفان البريلوي وكثير من أتباعه ورجال حرَكته في معركة "بالاكوت" سنة 1246 هـ، إلَّا أن دعوته ظلَّت قائمة في منطقة البنجاب، خصوصًا في الشريط الحدودي بين الهند وأفغانستان، وكان الإنجليز يعرفون أنَّ قوة المسلمين في الهند مركزها أفغانستان؛ بل إن معظم دول الإسلام في الهند؛ مثل الغزنويين والغوريين والخلجيين وآل تغلق وآل السادات وآل لودهي وسلاطين المغول - كل هؤلاء أصلهم من الأفغان، وقد حاول الإنجليز احتلالَ أفغانستان عدَّة مرات لوقف خروج المجاهدين منها إلى الهند، ولكنَّهم فشلوا فشلًا ذريعًا بسبب المقاومة الضارية من قبائل الأفريدي والمحسودي والوزيري.

 

هذه الحركة أقامها عمدة بلدة "إنبالة" السيد جعفر، بالتعاون مع الشيخ مولانا يحيى الصادق بوري، وبعض الرجال الآخرين معظمهم من البنجاب، وقد اتبعوا أسلوبًا جديدًا في مقاومة الاحتلال؛ حيث أقاموا شبكة محكمة لجمع التبرعات والأموال وتجنيد الرجال، وإرسال ذلك كله لأتباع الإمام الشهيد وأنصاره على حدود أفغانستان، وقد وضعوا لمراسلاتهم لغة رمزية؛ حتى إذا وقعت إحداها في قبضة الإنجليز لم يعرفوا ما فيها، ومن شدة دقَّة تحركاتهم أنهم كانوا يجمعون التبرُّعات من رعايا الإنجليز أنفسهم، وظلوا على ذلك عدَّة سنوات حتى وشى جنديٌّ مسلم يعمل لحساب الإنجليز بالأمر، وتمَّ القبض على رجال الحركة في مدن "بتنا" و"تهانسير" و"لاهور"، وتفنَّن الإنجليز في تعذيبهم ثم أصدروا قرارًا بإعدام السيد جعفر ومولانا يحيى الصادق بوري والحاج محمد شفيع، ولما أحسَّ الإنجليز بفرح المجاهدين بالشهادة، عدلوا الحكم إلى النَّفي إلى جزائر أندمان المعروفة باسم جزائر الموت؛ تشفيًا وحقدًا منهم على المجاهدين.

 

ثورة الهند الكبرى:

بعد انتهاء الإنجليز من حركات المقاومة الإسلاميَّة الكبيرة، أخذوا في القضاء على أي مَظهر من مظاهر الحكم الإسلامي القديم، فاستولوا على الأوقاف والأملاك، وقضوا على الصِّناعات المحليَّة، وأغلقوا المدارس والمعاهد الدينية، وقتلوا ونفوا الكثيرَ من العلماء؛ ليبقى الهندي عمومًا والمسلم خصوصًا فقيرًا جاهلًا عالَة على الإنجليز في أمور حياته كلها، ونتيجة للفقر الذي عمَّ سكَّان الهند، انخرط الكثير منهم في الجيش، وكان الإنجليز يتكبَّرون عليهم ويستخفُّون بهم ويستهزئون بتعاليم دينهم؛ وذلك في مواطن كثيرة، وزادت التعديات الإنجليزيَّة عن حدِّها حتى طفح الكيل وانفجرت الثورة الكبرى.

 

بدأت شرارة الثورة في البنغال، وكان أكثر من ثلث الجيش الإنجليزي من البنغاليين، وحدث أن طلب الضبَّاط الإنجليز من جنودهم تشحيم بنادقهم، وسرت شائعة أنَّ هذا الشحم من شحم الخنزير والبقر؛ لإهانة سكَّان الهند سواء أكانوا مسلمين أو هندوسًا، فهاج الهنود واعترضوا، فتحدَّاهم الإنجليز وأرغموهم على تشحيم بنادقهم بهذا الشحم، فاعترض 85 جنديًّا في سرية الفرسان في بلدة "ميرته" على بعد 40 ميلًا من دهلي، فحكم عليهم بالسجن عشر سنوات لعصيان الأوامر العسكريَّة، وكُبِّلوا بالحديد، وسِيقُوا إلى السجن مشاةً مسافة ميلين، ومَن لم يستطع مواصلة المشي ضربوه بأعقاب البنادق على رأسه؛ ففار الدَّم في العروق، وانقضَّ الهنود مسلمين وهندوسًا على الإنجليز لتحرير أَسْرِ زملائهم، فقتَلوا وجرَحوا العديدَ من الإنجليز، فحضرت قوَّات إنجليزية كبيرة للموقع واندلع قِتال شامل في المنطقة.

 

كانت قيادة الثَّورة بيد المسلمين، وبالتحديد القائد الأفغاني محمد بخت خان، والقائد المغولي ميرزا ابن السلطان بهادور شاه المغولي آخر سلاطين المغول المسلمين بالهند، وقد انضمَّ للثورة الهندوس والمراتها، وقد دخل الثوَّار بيت السلطان بهادور شاه، وكان قد جاوز التسعين من عمره، وبايعوه ملكًا على عموم الهند، وانتقلَتْ هذه الثورة المحليَّة إلى ثورة عارمة شملت معظم أجزاء البلاد.

 

طلب الإنجليز النجدات من دول أوروبا الدينيَّة، فجاءتهم قوَّات كبيرة من الخارج، وكانت إنجلترا وقتها قد انتهت من حرب القرم في روسيا، وحاصر الإنجليز مركز الثورة وقبضوا على السلطان بهادور شاه وأسرته، وقاموا بمجزرة مروِّعة بحقِّ أبناء السلطان، حتى بلغت وحشيَّتهم مبلغًا غير مسبوق ولا معقول؛ حيث طبخوا لحومَ أبناء السلطان وأجبَروه على الأكل منها، ثمَّ قاموا بنفي السلطان إلى رانجون عاصمة بورما؛ حيث مات هناك شريدًا طريدًا فريدًا؛ وبذلك انتهت سلطنة المغول المسلمين بالهند بعد عدة قرون من الحكم.

 

تسامع الناس في الهند بما فعله الإنجليز مع السلطان وأسرته؛ فاشتعلَت البلاد طولًا وعرضًا بالثورة، فأنزل الإنجليز بالمدن الثائرة مذابحَ بشعة؛ ليرتدع غيرها من المدن فلا تثور ولا تنتفض، وآتت تلك السياسةُ الصليبية الشنيعة أُكُلَها، فهدأت حركة الناس، واعتبر الإنجليز أنَّ المسلمين هم سبب الثَّورة، فصبوا عليهم جام غضبهم، فصادروا الأملاك والأراضي والأوقاف، وهدموا المساجد والجوامع، وانتهز الهندوس الفرصة وشاركوا الإنجليز في التنكيل بالمسلمين، فأخذوا أراضيَهم ومنازلهم وهجَّروهم من ديارهم؛ بل حلوا مكانهم في الوظائف والأشغال، وقد عبر اللورد آلان برو المندوب الإنجليزي في الهند عن سياسة الإنجليز هناك بقوله: "ليس في وسعي أن أغمض عيني بأنَّ هذا العنصر الإسلامي عدو أصيل العداوة لنا، وأن سياستنا الحقة أن نتجه إلى تقريب الهنادك".

 

ومع أنَّ الهند قد أصبحت تحت قبضة الاحتلال الإنجليزي، فإن الإنجليز قد أبقوا على بعض الإمارات، بعضها تحت حكم المسلمين، والبعض الآخر تحت حكم الهندوس، ولكن الحكم صوري لا معنى له؛ إذ إنَّ السلطة الحقيقة في الدفاع والخارجية، وهي بيد الإنجليز، والحاكم المسلم أو الهندوسي مفوض بالأمور الداخلية فقط، ومعه مستشار إنجليزي لمراقبة تصرفاته، وخاصة الأمور المالية.

 

الإنجليز وإبطال فكرة الجهاد:

رغم خُفوت صوت المقاومة والكِفاح ضد الإنجليز بعد ثَورة الهند الكبرى، فإنَّ جذوة الجهاد لم تمُت أبدًا في قلوب المسلمين في الهند، وظلَّ المجاهدون على قلَّتهم وضعف إمكانياتهم شوكةً مؤلِمة في جنب الإنجليز؛ لذلك كان أكثر ما يَخشاه الإنجليز هو تَنامي تلك الروح الجهاديَّة وسريانها في عامَّة المسلمين في الهند؛ لذلك عمَدوا لعدَّة أساليب لإبطال فكرة الجهاد في قلوب المسلمين، منها:

1- اصطناع بعض علماء السوء الذين يُفتون بتَرك جهاد الإنجليز بحجَّة عدم التكافؤ بين القوَّتين، وأنه طالما المحتل الإنجليزي لا يتدخَّل في مَنع الشعائر من صلاة وصيام وغيره، فإنَّ البلاد ليست دار حرب، وقد صدرت تلك الفتوى من بعض علماء السوء بالهند سنة 1870م، ولم يكتفِ الإنجليز بذلك؛ بل عضدوها بفتاوى مشابهة من بعض علماء مكَّة الذين لا يدرون صورة الحال الواقعية، وقد تورَّط في تلك الفتوى المشبوهة جمال بن عبدالله شيخ عمر مفتي الحنفيَّة، والشيخ أحمد بن زيني مفتي الشافعية، والشيخ حسين بن إبراهيم مفتي المالكية، وكان الأولى بالعلماء عدم التسرُّع في الفتوى حتى يطَّلعوا على حقيقة الأمور، وكان غرض الإنجليز من تلك الفتاوى إبطالَ أثَر فتوى أخرى قديمة كان علَّامة الهند ولي الله عبدالعزيز الدهلوي قد أصدرها سنة 1803م، ونادى فيها بوجوب الجهاد ضد الإنجليز، وأنَّ بلاد الهند دار حرب بوجودهم فيها، وظلَّ علماء الهند على منوالها حتى ظهور تلك الفتاوى المريبة.

 

2- تبني الدعوات الضالَّة والهدامة؛ مثل دعوة القاديانية ودجَّالها (ميرزا غلام أحمد القادياني)، الذي ادَّعى نزول الوحي عليه، وأنَّ الإنجليز هم أُولي الأمر الواجب طاعتهم، وكان إبطال شعيرة الجهاد هي أهم مبادئ هذه الفِرقة الضالَّة الكافرة.

 

لقد دعم الإنجليز هذه الفرقةَ الضالَّة بقوَّة، وروَّجوا لمبادئها، وعملوا على نشر أفكارها حتى خارج الهند، وما زالت هذه الفرقة الضالَّة تنخر في جسد الأمَّة بدعم كبير من أعداء الإسلام.

 

3- إطلاق الأكاذيب والأباطيل على المجاهدين، وبث الشائعات في صفوفهم، ووصف المجاهدين بالوهَّابية، تمامًا مثلما فعلت الرافضة والصوفية سدنة القبور مع دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله؛ وذلك لتنفير النَّاس البسطاء من المجاهدين، وقد أثمرت تلك السياسة الخبيثة في إبطال حركة المجاهد الكبير أحمد عرفان الملقَّب بالشهيد، فقد أطلق الإنجليز عليه وعلى أتباعه اسم الوهابيين، فانفضَّ كثير من جهلة المسلمين عن نصرته، بل خانوه في قِتاله ضد السيخ حتى خرَّ شهيدًا هو وكثير من رجاله في القتال سنة 1843م.

 

4- التنكيل بالمجاهدين، والتفنُّن في تعذيبهم، ومصادرة أملاكهم، وتشريد أسرهم؛ حتى يكونوا عبرة لغيرهم؛ فلا تحدِّث أحدًا نفسُه بالجهاد، وكان الإنجليز قد اختاروا مكانًا في خليج البنغال هو جزائر "أندمان" ليكون معتقلًا ومسلخًا للمجاهدين، تمامًا مثلما جعلت أمريكا جزر "جوانتانامو" معتقلًا للمجاهدين الآن بدعوى محاربة الإرهاب، فما أشبه السياسات الصليبية وتطابقها مع بعضها البعض على مرِّ العصور.

 

5- إحياء فكرة القومية المخالفة لعقيدة الولاء والبراء؛ حتى يضيع المسلمون بين الهنود، وكان الضابط الإنجليزي (آلن هيوم) هو مؤسِّس تلك الفكرة، والتي تبلورت بعد ذلك في شكل حزب المؤتمر الهندي الذي تأسَّس سنة 1303 هـ - 1885م، والذي راجت مبادئه الظاهريَّة على كثير من المسلمين، حتى انضمَّ إليه من يَنتسب إلى العلم وبعض قادة المسلمين.

 

دور المدارس الدينية في مقاومة الاحتلال الإنجليزي:

كان أكثر شيء يقضُّ مضاجعَ المسلمين ويشغل عقولهم بعد فشل ثورتهم الكبرى سنة 1274 هـ، هو تسلُّط المحتل الصَّليبي على دينهم، وقد رأوا خطوات هذا التسلُّط بدأت بمصادرة الأوقاف وإغلاق المدارس الإسلاميَّة، وفتح مدارس تنصيريَّة يقودها المنصِّرون مكانها، فخاف المسلمون من ضياع دينهم كما ضاع سلطانهم؛ ففكَّر علماء المسلمين في إنشاء المدارس الإسلاميَّة الشعبية التي لا تَعتمد على أوقاف ورواتب نظاميَّة، ولكن تعتمد على عامَّة الشعب المسلم الذي لا يَستطيع المحتلُّ الصليبي مهما أوتي من قوَّة أن يقمعه أو يرده عن دَعم هذه المدارس ولو بأقل القليل.

 

من هذا الأساس كانت مدرسة "دار العلوم" في مدينة "ديوبند"، وهي على بُعد تسعين ميلًا شمال "دهلي" أول مدرسة إسلامية شعبية في الهند، وقد أسَّسها الشيخ محمد قاسم نانوتوي قائد جيش العلماء، الذي اشترك في القتال ضد الإنجليز في ثورة الهند الكبرى، وقد بدأت هذه المدرسة في مسجد صغير، ما زال قائمًا حتى الآن، وبأستاذ واحد هو (ملا قاري محمود)، وبطالب واحد وهو (محمود الحسن)؛ وذلك في المحرم سنة 1283 هـ.

 

ومما يدلُّ على بركة الفكرة وإخلاصها أنَّ أوَّل تلاميذها (محمود الحسن) قد أصبح فيما بعد من كِبار زعماء الهند، وقاد حركة جهاديَّة قوية ضد الإنجليز، حتى اعتقلوه ونفوه خارج البلاد أثناء الحرب العالميَّة الأولى، وقد لقَّبه سكَّان البلاد بشيخ الهند، ولما عاد إلى البلاد سنة 1920م، خرج سكَّان البلاد بأسرهم لاستقباله، وكان ممن خرج معهم وقتها "غاندي" وكان شابًّا صغيرًا وقتها.

 

ظلَّت هذه المدرسة تَنمو وتترعرع مع الزمان، حتى صارت جامعة إسلاميَّة ضخمة وأكبر مدرسة دينية في وسط آسيا، يؤمُّها الطلبة من كلِّ مكان، ويطلق عليها اسم أزهر آسيا، وكان الأساس الذي قامت عليه مدرسة دار العلوم في ديوبند وزميلاتها أساسًا فكريًّا خالصًا يهدف إلى المحافظة على الثقافة والهويَّة الإسلامية من الطمس والضياع، الذي اجتهد الإنجليز بشتَّى الوسائل وأخبثها لتحقيقه، ونجحت هذه المدارس في تقوية روح الجهاد والعداء للمحتلِّ الإنجليزي؛ بل لكلِّ ما هو إنجليزي، وإن كان ذلك قد أدَّى على المدى الطويل لانزواء المسلمين عن أسباب التقدُّم والرُّقي، وابتعادهم عن ساحة الأحداث، وخاصَّة الساحة السياسية، وتركها خالية للهندوس والسيخ يسدون فراغات الحكم الإسلامي.

 

وبسبب الأثر الكبير الذي تركَتْه تلك المدارس في حياة المسلمين، وتنامي الروح الجهادية والعدائية ضد الإنجليز، أخذ المحتلُّ الصليبي وبدَهاء شديد يبحث في أبناء المسلمين عمَّن يقوم بدور البديل المؤثر لتلك المدارس، حتى وقعوا على (سيد أحمد خان)، الذي تبنَّى فكرة التقارب بين الإنجليز والمسلمين، وأخذ في ترويج الأفكار العلمانية، وقد ساعده الإنجليز على بناء جامعة علمية على غرار مدرسة دار العلوم، ولكن في بلدة "عليكره" وهي على بعد ستين ميلًا جنوب شرق دهلي، ولكن هذه المدرسة وصاحبها تعرَّضوا لانتقادات شديدة من المسلمين، واتَّهموا صاحبها بالعمالة للإنجليز، وصدرت العديد من الفتاوى تحرِّم على المسلمين دخول هذه المدرسة، وخاصَّة بعد أن أنعمت ملكة إنجلترا فكتوريا بلقب (سير) على سيد أحمد خان سنة 1869م، وممَّا كشف عوار هذه المدرسة وصاحبها، أنَّ سيد أحمد خان لم يكتفِ بكونه علمانيًّا مواليًا للإنجليز؛ بل راح يهاجم ثوابت الدِّين، وينكر الجنةَ والنار والغيب، ويقدح في القرآن، ويشتم العلماءَ والأئمَّة والفقهاء، فزادت النِّقمة عليه وعلى مدرسته، وأبطل الله عز وجل كيدَ الإنجليز وعميلهم، وباء من أهله وعشيرته بالندامة والخسران.

 

وفي النهاية:

ظلَّ المسلمون صامدين في وجه الاحتلال الإنجليزي، يقاومون وجوده الصليبي في البلاد، ويقاومون أيضًا آثاره الخبيثة والضارَّة، وأصبح لزامًا على المسلمين أن يحاربوا على عدَّة جبهات من أجل تحرير بلادهم من الاحتلال الصَّليبي الغاشم والجاثم منذ عقود طويلة، كان لزامًا عليهم أن يحاربوا الإنجليزَ ومعهم الهندوس الذين كانوا أشد عداوة لهم من الإنجليز، والذين انتهزوا الفرصةَ لإخراج مَكنون صدورهم، وأفرغوا شحنات الغضَب والحقد الأعمى على المسلمين، وتاريخ الهند المعاصر والحديث زاخرٌ بالمجازر البشريَّة المروعة التي قام بها الهندوس بحقِّ المسلمين، خاصَّة في فترة تقسيم البلاد إلى باكستان والهند.

 

كان لزامًا على المسلمين أن يقاوموا الغزوَ الفِكري والثَّقافي لهويَّتهم وعقيدتهم الإسلاميَّة، ويقاوموا تيَّارات التغريب والقومية والعلمانية التي بثَّها الإنجليز في بلادهم طولًا وعرضًا.

 

كان لزامًا عليهم أن يقاوِموا الفرق الضالَّة والمذاهب الهدَّامة التي ظهرت في البلاد على يد الإنجليز؛ مثل القاديانية والنوربخشية (فرقة ضالة من فرق الشيعة).

 

كان لزامًا عليهم أن يتصدَّوا للعملاء والخونة والمشبوهين والمندسين في صفوفهم، والذين تسبَّبوا في الكثير من الهزائم والإخفاقات للإسلام والمسلمين.

 

كان لزامًا عليهم قبل ذلك كله أن يوحِّدوا صفوفهم، ويقضوا على خِلافاتهم الجانبية والشخصية، التي جعلت بعضَ مَن ينتسب إلى الإسلام والمسلمين يُؤْثِر محالفة المحتل الصليبي على عون أخيه المسلم، كما حدث من أمراء مملكة حيدر آباد، الذين تحالفوا مع الإنجليز ضد السلطان (تيبو) صاحب مملكة ميسور كما أسلفنا الذكر.

 

وعلى الرغم من كثرة الأعداء، وتعدُّد الجبهات، وقلَّة الإمكانيات، ظلَّ المسلمون على جهادهم حتى نالوا مرادهم، واستقلوا ببلادهم، وأقاموا لهم دولةً هي باكستان الكبرى؛ أي: أرض الأطهار؛ وذلك سنة 1947م، بعد زيادة على أربعة قرون من دخول الاحتلال الإنجليزي إلى بلادهم.

 

المصادر والمراجع

(1) تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندوباكستانية.

(2) تركستان من الفتح العربي إلى الغزو المغولي.

(3) أطلس تاريخ الإسلام.

(4) التاريخ الإسلامي.

(5) تاريخ المسلمين في الهند.

(6) كفاح المسلمين في تحرير الهند.

(7) الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام.

(8) تاريخ آسيا المعاصر.

(9) المسلمون في الهند.



[1] راجع كتاب: سلسلة ذاكرة الأمة تاريخ الحروب الدينية المعاصرة وحركات التحرير الإسلامية للمؤلف، والصادر عن دار الصفوة بالقاهرة، 1430هـ - 2009م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مسألة الهند وقضية باكستان
  • ملف مسلمي الهند.. جرح ما زال ينزف
  • المسلمون في الهند
  • بيمارستانات الهند خلال العهد الإسلامي
  • الهند كما يصفها كتاب: أخبار الصين والهند

مختارات من الشبكة

  • الاحتلال الفرنسي لمصر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاحتلال - التبعية)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاحتلال - تبادل المنافع)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • الاحتلال الهولندي لإندونيسيا (2)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الهند: خطاب من رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي يعادي مسلمي الهند(مقالة - المسلمون في العالم)
  • من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاحتلال- المصطلح)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • الهند: كتاب يرصد الخطاب السياسي الإسلامي بعد الاحتلال البريطاني(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الهند: ذكرى العلامة "فضل خير آبادي" المجاهد ضد الاحتلال البريطاني(مقالة - المسلمون في العالم)
  • قصص من حضارتنا في الصين(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الغزو الفكري)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب