عيد السيوطي سنة 898

عيد السيوطي سنة 898

مِنْ مؤلفات العلامة جلال الدين السيوطي المهمة: "التفسيرُ المُسند، ويسمَّى: ترجمان القرآن"، وهو مِنْ كتبه التي أتمَّها.

قال في آخر كتابه "الإتقان في علوم القرآن" في النوع الثامن والسبعين، في معرفة شروط المفسر وآدابه:

"وقد جمعتُ كتابًا مسندًا فيه تفاسيرُ النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، فيه بضعة عشر ألف حديث، ما بين مرفوعٍ وموقوفٍ، وقد تمَّ - ولله الحمد - في أربع[1] مجلدات، وسميتُه: ترجمان القرآن.

ورأيتُ وأنا في أثناء تصنيفه النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام في قصةٍ طويلةٍ تحتوي على بشارةٍ حسنةٍ"[2].

وقال في مقدمة كتابه "قطف الأزهار في كشف الأسرار":

"وبعد: فإنَّ الله سبحانه - وله الحمد - قد مَنَّ عليَّ بالنظر في علوم القرآن وحقائقه، وتتبُّع أسراره ودقائقه[3]، حتى صنَّفتُ في تعلُّقاتهِ[4] كتبًا شتّى منها التفسير الملقب "ترجمان القرآن"، وهو الوارد بالإسناد المتصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ الذين شاهدوه وتلقوا منه الوحي والتنزيل، وسمعوا منه التفسير والتأويل، وقد تمَّ -ولله الحمد -في خمس مجلدات، وهو مستوعبٌ لغالب آيات القرآن، مِنْ غير أنْ أذكرَ فيه شيئًا عن التابعين، ولا مَنْ بعدَهم"[5].

وقال في "تدريب الراوي":

"قد اعتنيتُ بما وردَ عن النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير، وعن أصحابهِ، فجمعتُ في ذلك كتابًا حافلاً، في أكثر مِنْ عشرة آلاف حديث"[6].

♦ ♦ ♦

ثم اختصرَه (أعني ترجمان القرآن) في "الدر المنثور في التفسير المأثور[7]".

ونقرأ في مقدمته:

"لمّا ألّفتُ كتاب "ترجمان القرآن" وهو التفسيرُ المسندُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه -رضي الله عنهم- وتمَّ بحمد الله في مجلدات، فكان ما أوردتُه فيه من الآثار بأسانيدِ الكتبِ الـمُخرَّج منها واردات، رأيتُ قصورَ أكثر الهمم عن تحصيله، ورغبتَهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله، فلخصتُ منه هذا المختصر، مُقتصرًا فيه على متن الأثر، مصدَّرًا بالعزو والتخريج إلى كل كتابٍ معتبر، واللهَ أسألُ أن يضاعف لمؤلفه الأجور، ويعصمه من الخطأ والزُّور، بمنِّه وكرمه إنه البرُّ الغفور"[8].

وقد فرَغ من تبييضه في يوم عيد الفطر من سنة (898)[9].

وهذا يعني أنه كان يعمل فيه قبل هذا التاريخ، ومِنْ ذلك في شهر رمضان.

وكان في التاسعة والأربعين مِنْ عمره.

♦ ♦ ♦

وقد ذكرَ السيوطي هذين الكتابين في رسالته "فهرس مؤلفاتي" فقال:

♦ الدر المنثور في التفسير المأثور. في اثني عشر مجلدًا كبارًا.

♦ التفسير المسند، ويُسمّى: ترجمان القرآن. خمس مجلدات"[10].

وكنت أستشكلُ هذا، فكيف يكون المختصرُ أكبر من الأصل؟ حتى رأيتُ الجوابَ عليه عند الدكتور حازم سعيد حيدر إذ يقول:

"إنَّ تفسيره المسند اقتصر فيه على المرفوع والموقوف من الأحاديث دون المقاطيع، بخلاف كتابه "الدر المنثور" فإنَّ فيه آثارًا معزوة إلى التابعين فمَنْ بعدهم، ممّا أدّى إلى توسُّع الكتاب وكبر حجمه، مع أنه اختصارٌ لتفسيره المسند"[11].

إذن لم يكن عمله في "الدر المنثور" اختصارًا مجردًا، بل فيه إضافات كثيرة.

♦ ♦ ♦

وقد رجعَ فيه إلى مصادرَ كثيرةٍ ذكرَها هو في أول التفسير قبل المقدمة، ووصلَتْ إلينا هذه القائمة في بعض النُّسخ، وأولها: "ذكرُ وفيات الأئمة الـمُخرّج مِنْ كتبهم في هذا التفسير وما رأيتُهُ مِنْ كتبهِم وطالعتُه عليه"، وعددتُ ما ذكرَهُ فيها فبلغ (٢٦٦) مصدرًا.

وقد قام الدكتور حازم سعيد حيدر بتحقيق هذه القائمة في بحثٍ سمّاه: "مقدمة تفسير الدر المنثور بين المخطوط والمطبوع".

وكان الدكتور عامر حسن صبري قد تتبَّع مصادرَه، وبلغ العدد عندَهُ أكثر من (٤٠٠) مصدر[12].

وهذا التفاوتُ في العدد يثير التساؤل، فهل ذكرَ السيوطي مصادرَهُ مِنْ غير استقصاءٍ مُقتصِرًا على الأهم، أم رجَعَ إلى كثيرٍ منها بالواسطة فلم يذكرها؟

يحتمل الدكتور حازم سعيد أنَّ ذلك يرجعُ إلى كتابتهِ مقدمةَ الكتاب أولاً ثم أثناء التأليف وقفَ على مصادر أخر فنقلَ منها دون الإشارة إليها في المقدمة، فأدّى ذلك إلى تضاعفِ مصادرهِ عمّا ساقه[13].

وقد رأيتُ نقولاً أخذها من كتاب "العُجاب في بيان الأسباب-أسباب النزول" لابن حجر، ولم يُصرِّحْ، ولهذا موضعٌ آخر.

♦ ♦ ♦

وأقترحُ إيلاءَ مصادر السيوطي في "الدر المنثور" عنايةً مجددةً بعد العملين الجليلين للدكتور عامر حسن صبري والدكتور حازم سعيد حيدر، ومِنْ ذلك دراسة مقارنة بين القائمتين: قائمة المؤلف وقائمة الدكتور عامر، وترتيب هذه المصادر على حسب عدد مراتِ ذكرِها؛ لنرى أبرزَ المصادر التي أفاد منها، فإنّ كثيرًا ممّا ذُكِرَ لم ينقلْ منه إلا اليسير.

ولا بُدَّ من القول بأنَّ السيوطي قالَ حين ذكَرَ ابنَ أبي الدنيا: "له مئة مُصنَّف[14]، رأيتُها".

وقد أحصيتُ كتبَ ابن أبي الدنيا في قائمة الدكتور عامر فبلغتْ (٦٠) كتابًا، فلعلَّ السيوطي قصَدَ أنه رأى مئةَ مُصنَّفٍ له، لا أنه أخرَجَ من المئةِ كلِّها في هذا الكتاب، وعلى هذا ينخفضُ رقمُ المصادر في قائمته إلى (٢٢٦) مصدرًا.

♦ ♦ ♦

وبعد:

فلقد كان عيد السيوطي سنة (٨٩٨) عيدًا بهيجًا إذ أنجزَ فيه تبييضَ هذا الكتاب العظيم الذي يقول عنه الشيخُ عبدُالحي الكتاني:

"ومَنْ طالعَهُ بتمعنٍ أدهشَه وأبهتَه وأسكتَه، ومَنْ لم يطالعه أو طالعَ منه حريفات انتقدَ واستمررَ ما يراهُ غيرُهُ حلوًا، ولو سكتَ مَنْ لا يعلمُ لسقط الخلاف"[15].

ولطالما سألتُ نفسي: ترى كيف ألَّفَ السيوطي هذا الكتاب، وما الطريقة التي سلكها في جمع مادته وتصنيفها؟[16]

رحمه الله وجزاه عن العلم والدين خيرًا[17].