كتاب القائد: تعريف ونبذة مختصرة

كتاب القائد

تعريف ونبذة مختصرة

القيادة سُنة كونيةٌ، وحاجة إنسانية ٌعمليةٌ، لا غنى للبشرية عنها، ولما كانت القيادة كذلك، كان لا بد من تأصيلٍ لأُسسِها، ثم تفريعٍ لمتطلباتها ومقوماتِها، وإنَّ أفضل وأكمل ما يمكن أن يُعتمدَ عليه في هذا التأصيل هو القرآن الكريم؛ كلام الله تعالى الكامل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا مِن خلفه، وتحت هذا المنطق ألَّفتُ بفضل الله تعالى كتابَ: (القائد.. دراسة تحليلية لشخصيات قيادية في القرآن الكريم).

وجاء الكتاب في 224 صفحة، قياس 14*21، وطبعته دار المعراج الدمشقية وتقوم بتسويقه أيضًا، وكان رقمه الدولي ISBN هو 9799933501914.

وقد جاءت منهجيةُ هذا الكتاب في اختيار الشخصيات القيادية من الذين جاء ذكرُهم في القرآن الكريم حصرًا، والقائدُ الذي اختير وفق ذلك هو القائد الذي كان لديه أتباعٌ ينقادون له إلزامًا شرعيًّا أو قانونيًّا رسميًّا وليس أخلاقيًّا فحسب، ويقدِّمون له بيعتَهم، ويدينون له بالولاء، وهو يمارس معهم دورَ القائدِ المدير؛ فهو يأمرُ فيطاع، ويقررُ فيُتَّبع، ويَنهى فيُستجاب له، ويُراقب ويُحاسب، ويُعاقب ويكافئ، ويمنح الصلاحيات اللازمة المناسبة لكل ذلك.

من هذا الفهم بَحثَ الكتابُ قادةً بعينهم ذكرَهم القرآنُ الكريم، فمنهم أنبياء، وعلى رأسهم سيدُ ولد آدمَ رسولُ الله محمدٌ صلى الله عليه وسلم، الذي أخذ - بسبب ذلك - الحظَّ الوافر من هذا الكتاب، ولأسباب ليست بخافيةٍ على أحد، مثلما أخذ نبيُّ الله موسى عليه السلام حظًّا جيدًا أيضًا، ولعل السرَّ في ذلك قول النبيِّ الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله: ((عُرضت عليَّ الأمم، فجعل النبيُّ والنبيَّان يمرون معهم الرَّهط، والنبيُّ ليس معه أحدٌ، حتى رُفِعَ لي سوادٌ عظيم، قلت: ما هذا؟ أمتي هذه؟ قيل: بل هذا موسى وقومه، قيل: انظر إلى الأفق، فإذا سوادٌ يملأ الأفق، ثم قيل لي: انظر ها هنا وها هنا في آفاق السماء، فإذا سوادٌ قد ملأ الأفق، قيل: هذه أمَّتُك)).

كما بحثَ الكتابُ بعضًا من إخوةِ النبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم، فمنهم: يوسف، وموسى، وداود، وسليمان عليهم السلام، وبَحثَ - كذلك - رجالًا اعتياديين جاء ذكرُهم في القرآن العظيم بأنهم قادة إيجابيون ملهَمون أمثال طالوت، كما وقد جاء ذكرُ قادةٍ متميزين آخرين ليسوا برجال، فمن النساء بحثَ الكتابُ بلقيسَ ملِكةَ سبأ، تلك الملكة العاقلةُ الحكيمة، والنموذجُ الإيجابي للقائد، وقد اختيرَ قادةٌ من غير البشر ذكرَهم القرآنُ الكريم، كما هو الحال مع قائد الملائكة جبريل عليه السلام، ولقد جاءت دراسةُ من ذُكِرَ من هؤلاء القادة في الكتاب تمثيلًا للجانب الإيجابيِّ الناجح في القيادة، وأما فرعون، فقد بُحث كقائد يمثل الجانب السلبيَّ الفاشل للقيادة.

وهنا لا بد من لفت النظر إلى قضية مهمةٍ؛ هي أن أمثلةَ القادةِ الإيجابيين وقصصَهم في القرآن العظيم كثيرةٌ ومتنوعة، بينما اقتصرَت تفاصيلُ صفاتِ القائد السلبيِّ في قصة فرعون، مع إشاراتٍ سريعة من غير تفصيل لغيره، ويعزى سبب ذلك إلى أن ملَّة الكفر واحدةٌ، فالظلمُ هو الظلم، مهما اختلفتِ الأزمنةُ، وتباعدتِ المسافاتُ، وتغيرتِ الوجوهُ، وتعددتِ المناهجُ، فالحاكم السلبيُّ الظالمُ يمارس نفسَ الممارساتِ رغم اختلاف العصور، وتطورِ الحياة، بينما ترى القائدَ الإيجابيَّ العادل متعددَ الأنواعِ، مثلُه كمثل الفاكهة المختلفة، أو الأزهارِ الملونة.

ولعل البعضَ من القراء سيجد أن صفحاتِ الكتابِ لم تبحثْ شخصياتٍ مهمةً جدًّا في التاريخ ذكرَها القرآنُ الكريمُ، منهم أنبياءُ من أولي العزم؛ ذلك أن تعريفَ الشخصيةِ القياديةِ التي وضعها الكتابُ منهجًا له - لم تنطبقْ عليهم، أو أنهم قادةٌ بالفعل، ولكن القرآنَ الكريم لم يُشرْ إلى صفاتِهم القياديةِ أو عن أتباعِهم وكيف تعاملوا معهم.

إنَّ القائدَ إنسانٌ مختلفٌ عن بقية البشر، فهو يمتلك القدرةَ اللازمةَ على القيام بأكثرَ من عمل واحدٍ في نفس الوقت وبكفاءة، فهو يأخذ القراراتِ الإستراتيجيةَ لمن معه؛ كقرارات الحرب والسلم، والهجرة، وتقسيم الأموال، ثم إنه يدير شؤونَ مَن حولَه، فيكافئُ ويحاسبُ، وما إلى ذلك، ولدينا القناعةُ التامَّةُ أن المرءَ لا يمكن أن يكون قائدًا على أرض الواقع من غير أن يمارسَ دورَ المديرِ في فترة من فتراتِ حياتِه ولو على مستوًى ضيقٍ.

وما في الكتاب من مادة علمية: لا تَقْتصرُ فائدتُها على من هو في سُدَّة القيادة أو الحكم اليوم، أو ممن يُرشح ليكون كذلك في الغد القريب أو البعيد، ليتعلم صفات القائد الناجح التي ذكرَها القرآن الكريمُ له ولغيره، والتي إن تبنَّاها ستدفعُ به إلى الأمام، وستكون الضامنَ الحقيقيَّ لتحصيل ولاء الناس له، ويحقق من خلال قيادتِه نتائجَ باهرةً، ولكن فحوى الكتابِ موجَّهٌ أيضًا إلى عامة الناس، من أجل أن يعرفوا مواصفاتِ القائد الحقيقيِّ الإيجابي، الذي من المفروض أن يختاروه إذا طُلب منهم الاختيار، سواء بعملية انتخابات حرة أو استفتاء أو ما شابه، ويضعوا أيديهم بيده؛ ليضمنوا أن من يأخذُ بأيديهم إلى بَرِّ الأمان في الدنيا، والنجاة في الآخرة، هو القائد الذي يتمتع بصفات إيجابية ذكرَها القرآن الكريم.

ولم يُراعِ الكتابُ اتخاذَ معاييرَ للأسبقية في تسلسل ذكرِ القادةِ الذين اختِيروا، كالزمان والمكان والتأثير وكثرة الأتباع، اللهم إلا أن المؤلِّف جعل رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم في المقدِّمة، وكيف يجرؤ على أن لا يفعلها؟ فمحمد صلى الله عليه وسلم سيدُ ولدِ آدم، وحرص أن يكون سليمانُ عليه السلام بعدَ داود عليه السلام؛ لاستحقاقاتِ الأُبوة، وخُتِم الكتاب بمقارنةٍ بين صفاتِ القائدِ الإيجابيِّ والسلبيِّ بشكل عام، ودورهما في البناء والهدم، وكان المؤلف قد نشر خلاصات لبعض القادة ممن ذكرَهم الكتابُ بشكلِ مقالات على صفحات شبكة الألوكة سابقًا، والكتاب يشارك في العادة في معارض الكتاب العربية والدولية.

هذا ما قدَّرني الله تعالى عليه، وهو جهد المُقلِّ، وما كنت لأكتب حرفًا لولا أن هداني الله تعالى، فله الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا حتى يرضى، وله الحمد تعالى إذا رضي، وله الحمد بعد الرضا، أسأل الله الحيَّ القيوم، الذي لا إله غيره، أن ينفعني به، ويجعله خالصًا لوجهه، فهو وليُّ ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.