شيوخ الإمام الشاطبي وتلاميذه

شيوخ الإمام الشاطبي وتلاميذه

وُفِّق الشَّاطبي بجملة من العلماء الأجلاء، الذين كان لهم دور بارز في الإسهام بتقوية الجوانب الفكرية والثقافية والعلمية بالأندلس، وممن تتلمذ الشَّاطبي على يديه:

أولًا: المقري[1]، وهو أبو عبدالله محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر المقري التلمساني، ولد بتلمسان، وبرع في العلوم حتى وصفه بعض من ترجم له بوصف الاجتهاد، وكان علامة نظارًا محققًا قدوة، قال ابن مرزوق الجد: "كان صاحبنا المقري معلوم القدر، مشهور الذكر، ممن وصل إلى درجة الاجتهاد المذهبي، ودرجة التخيير والتزييف بين الأقوال"[2].

وقد صنَّف المقري المصنفات الكثيرة؛ كالقواعد، وعمل من طب لمن حب، والكليات الفقهية، وغير ذلك، وتوفي سنة 758هـ[3].

وكان المقري من أشهر مشايخ الشَّاطبي، إن لم يكن هو أشهرهم، وقد استفاد منه الشَّاطبي فوائد كثيرة، ونقل لنا الشَّاطبي جملة منها في الإفادات والإنشادات[4]، ولم يخفِ الشَّاطبي إعجابه بشيخه، بل تراه وصفه بقوله: "الشيخ الفقيه القاضي الجليل الشهير الخطير"[5]، وبقوله: "الفقيه القاضي المتفنن"[6]، ووصفه بشيخنا القاضي في مواضع عديدة[7]، وكان الشَّاطبي يستفيد منه حين حضوره لغرناطة[8]، وقد قرأ عليه جملة من كتبه؛ كالقواعد، وكتاب الحقائق والرقائق، وغير ذلك من كتبه، كما سمع عليه بعض التسهيل لابن مالك، وأجازه في كتب كثيرة، وقرأ عليه أسانيد بعض ما نقل عنه[9].

ثانيًا: ابن مرزوق: أبو عبدالله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق التلمساني، الملقب بشمس الدين، والمشهور بالخطيب، وبالجد ابن مرزوق، ولد سنة 710هـ، وبرع في الطلب والرواية، وشارك في الفنون من أصول وفروع وتفسير وغير ذلك، وكان متبحرًا في الفقه والحديث، مسندًا راوية رحالة، فاضلًا نادرة في الحفظ والإتقان، شرح العمدة في الحديث، وشرح الشفا في التعريف بحقوق المصطفى، ولم يكمله، وله شرح على المختصر الفرعي لابن الحاجب، وتوفي بالقاهرة سنة 781هـ[10].

وقد تتلمذ له الشَّاطبي، وصرح بذلك، حيث قال وهو يثني عليه: "شيخنا الإمام الشهير الخطيب المحدث البليغ أبو عبدالله بن مرزوق"[11]، وقال يثني عليه: "الشيخ الفقيه الخطيب الجليل العالم الشهير"[12].

وقد سمع عليه الشَّاطبي صحيح البخاري، إلا ثلاثة مواضع، وسمع عليه الموطأ برواية يحيى الليثي[13].

ثالثًا: ابن لُب: أبو سعيد فرج بن قاسم بن لُب الثعلبي الأندلسي الغرناطي، ولد سنة 701هـ، وكان شيخًا فاضلًا، عالمًا متفننًا، انفرد برئاسة العلم، وإليه كان المفزع في الفتوى، وكان إمامًا في أصول الدين وأصول الفقه، وهو من أكابر علماء المذهب المتأخرين ومحققيهم، وممن له درجة الاختيار في الفتوى، وصنَّف تصانيف عديدة، أكثرها تآليف صغيرة، كينبوع عين الشره في مسألة الإحاطة بالأجرة، وشرح تصريف التسهيل، توفي سنة 782هـ[14].

وقد تتلمذ الشَّاطبي لأبي سعيد، ووصفه بشيخنا كثيرًا[15]، واستفاد منه، وعرض عليه مختصر ابن الحاجب الأصولي في مجلس، وسمع عليه غير ذلك[16]، ومما سمعه منه، وكان له أثر عليه قوله: "أردت أن أنبهكم على قاعدة في الفتوى، وهي نافعة جدًّا، ومعلومة من سنن العلماء، وهي أنهم ما كانوا يشددون على السائل في الواقع إذا جاء مستفتيًا"، قال الشَّاطبي: "وكنت قبل هذا المجلس تترادف عليَّ وجوه الإشكالات في أقوال مالك وأصحابه، فلما كان بعد ذلك المجلس، شرح الله بنور ذلك الكلام صدري، فارتفعت ظلمات تلك الإشكالات دفعة واحدة، لله الحمد على ذلك، ونسأله تعالى أن يجزيه عنا خيرًا، وجميع معلمينا بفضله"[17].

رابعًا: الزواوي[18]: أبو علي منصور بن علي بن عبدالله الزواوي، ولد في حدود سنة 710هـ، وكان شيخًا جليلًا مقرئًا أصوليًّا نحويًّا فقيهًا نظارًا معدودًا في أهل الشورى، له مشاركة في كثير من العلوم النقلية والعقلية، وتقييد ونظر في الأصول والمنطق والكلام، كان حيًّا بعد سنة 770هـ[19].

وقد وصفه الشَّاطبي بشيخنا[20]، وقال مثنيًا عليه: "الأستاذ الفقيه الجليل الأصولي"[21]، ومما قرأ عليه كتاب ابن الحاجب الفرعي[22] والأصولي إلا بعضه[23].

خامسًا: الحسيني: أبو القاسم محمد بن أحمد بن محمد بن محمد الحسيني العلوي السبتي[24]، ولد بسبتة سنة 697هـ، وولي القضاء بالأندلس، وكان نسيج وحده براعة وجلالة، وفريد عصره بلاغة وجزالة، متبحرًا بعلم العربية، فصيح اللسان، علامة في الفقه والتاريخ وعلوم العربية، مشاركًا في علوم كثيرة، صنف التصانيف الفائقة، منها رفع الحجب المستورة عن محاسن المقصورة، وقيد على التسهيل لابن مالك تقييدًا جليلًا، توفي سنة 760هـ[25].

وقد تتلمذ الشَّاطبي لهذا الفاضل، ووصفه بشيخنا[26]، وقال عنه: "الشيخ الفقيه الشريف الجليل قاضي الجماعة"[27].

سادسًا: ابن الفخار: أبو عبدالله محمد بن علي بن أحمد الخولاني، المعروف بابن الفخار البيري، قال عنه تلميذه لسان الدين بن الخطيب: "أستاذ الجماعة، وعلم الصناعة وسيبويه العصر.. كان - رحمه الله - فاضلًا تقيًّا، منقبضًا عاكفًا على العلم، ملازمًا للتدريس، إمام الأئمة من غير مدافع، مبرزًا أمام أعلام البصريين من النحاة، منتشر الذكر، بعيد الصِّيت، عظيم الشهرة، مستبحر الحفظ، يتفجر بالعربية تفجُّر البحر.." [28]، هذا إلى جانب مشاركته في الفقه والعلوم، توفي بغرناطة عام 754هـ[29].

وقد تتلمذ الشَّاطبي لابن الفخار ووصفه بشيخنا[30]، ولازمه طيلة حياته[31]، وقال في الثناء عليه: "الشيخ الفقيه الأستاذ الكبير النحوي الشهير"[32]، وقال: "شيخنا الأستاذ الكبير العَلَم الخطير"[33]، وقرأ عليه الشَّاطبي القرآن بالقراءات السبع[34]، والكتاب لسيبويه، وألفية ابن مالك، وغير ذلك[35].

سابعًا: البلنسي[36]: أبو عبدالله محمد بن علي بن محمد الأوسي البلنسي، من علماء غرناطة، ولد سنة 724هـ، وكان مكبًّا على العلم والاستفادة، قائمًا على العربية والبيان، ذاكرًا لكثير من المسائل، متقنًا حسن الإلقاء والتقرير، ألَّف كتابًا في تفسير القرآن، وتوفي 782هـ[37].

وقد ذكره التنبكتي من مشايخ الشَّاطبي[38]، وقال عنه الشَّاطبي: "الشيخ الفقيه الأستاذ النحوي الفاضل"[39].

ثامنًا: الشقوري: أبو جعفر أحمد بن آدم الشقوري، وصفه المجاري بأنه "الشيخ الفقيه النحوي الفرضي، ذو العقل الراجح، والمذهب الصالح"[40].

وقد ذكره التنبكتي من جملة مشايخ الشَّاطبي[41].

تاسعًا: ابن الزيات: أبو جعفر أحمد بن الحسن بن علي الكلاعي[42]، المعروف بابن الزيات الخطيب، وُلِد قريبًا من سنة 649هـ، وكان جليل القدر، كثير العبادة، عظيم الوقار، حسَن الخُلق، وكان متفننًا في كثير من العلوم، مشاركًا في العربية والفقه واللغة والأدب وأصول الدين وأصول الفقه والتفسير، ورئيسًا في القرآن والتجويد، صنَّف التصانيف الكثيرة، منها المقام المخزون في الكلام الموزون، وتلخيص الدلالة في تلخيص الرسالة، ونظم السلوك في رسم الملوك، وغير ذلك، توفي سنة 728هـ[43].

وقد استفاد منه الشَّاطبي، وأخذ عنه طريق التصوف[44].

هؤلاء جملة من مشايخ الشَّاطبي، وقد استفاد الشَّاطبي من مشايخ آخرين، ومن جملة من أصحابه وزملائه في الطلب[45]، وهذا يدل على شموليته وتوسعه في طلبه للعلم.

تلاميذه:

تصدر الشَّاطبي للإقراء والتدريس، وانتفع به خَلْق كثير، وتتلمذ على يديه جماعة، وكان من جملة من أخذ عنه، وأسعفتنا المراجع بذكره:

أولًا: أبو يحيى بن عاصم: محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عاصم القيسي الأندلسي الغرناطي، وقد كان عالمًا عمدة محققًا متفننًا بليغًا كاتبًا متفقهًا، له تصانيف عديدة، منها جزء كبير في الانتصار لشيخه الشَّاطبي والرد على ابن لُب في الدعاء بعد الصلاة، توفي شهيدًا في إحدى المعارك مع النصارى سنة 813هـ[46].

وكان أبو يحيى قد تتلمذ للشاطبي، ولازمه حتى عُرِف بصاحب الشَّاطبي، ووارث طريقته[47].

ثانيًا: أبو بكر بن عاصم: محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عاصم، وهو أخٌ للمتقدم، ولد سنة 760هـ، وهو قاضي الجماعة بغرناطة، العلامة الرئيس، كان فقيهًا أصوليًّا محدثًا عالمًا محققًا متفننًا في علوم شتى، وانتهت إليه الفتوى، وكان هو المرجع في المشكلات العلمية، له تآليف كثيرة، من أشهرها تحفة الحكام، ومرتقى الوصول إلى علم الأصول، وهي أرجوزة في علم الأصول، وغير ذلك، توفي سنة 829هـ[48].

وقد تتلمذ على الشَّاطبي، وانتفع به، وألَّف في اختصار الموافقات رجزًا، وسماه: نيل المنى في اختصار الموافقات[49].

ثالثًا: البياني: محمد أبو عبدالله الأندلسي الغرناطي، الأستاذ، أخذ عن الشَّاطبي واستفاد منه[50].

رابعًا: المجاري: أبو عبدالله محمد بن محمد بن علي بن عبدالواحد المجاري الأندلسي، الشيخ الإمام، المقرئ الرحال، المتفنن بالرواية، توفي سنة 862هـ[51].

وأبو عبدالله المجاري قد تتلمذ للشاطبي، وذكره من جملة مشايخه في برنامجه، وذكر أنه عرض عليه ألفية ابن مالك حفظًا، وقرأ عليه بعض الكتاب لسيبويه، وبعض مختصر ابن الحاجب الأصولي، وموطأ مالك برواية يحيى، وسمع عليه بعض الموافقات، وأجاز له الشَّاطبي إجازة عامة، وقال المجاري: "لم يُجِزْ أحدًا غيري ممن قرأ عليه إجازة عامة فيما أعلم، وكتبها بخطه - رحمه الله وجزاه أفضل الجزاء"[52].

خامسًا: القصار: أبو جعفر أحمد القصار الأندلسي الغرناطي، كان أستاذًا محققًا، وهو ممن أخذ عن الشَّاطبي واستفاد منه، وكان الشَّاطبي يعرض عليه بعض المسائل حين تصنيفه لكتابه الموافقات، ويباحثه فيها، وبعد ذلك يضعها في الكتاب، على عادة الفضلاء ذوي الإنصاف[53].

سادسًا: ابن سمعة: أبو الحسن علي بن محمد بن سمعة الأندلسي الغرناطي، الإمام العلامة، المحقق الفقيه، النحوي الجليل البارع، صاحب اليد الطولى في العلوم مع تحقيق بالغ[54].

أخذ عن الشَّاطبي وروى عنه كتابه الإفادات والإنشادات، وأجازه الشَّاطبي بكل ما لديه[55].