• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر / الاستشراق والمستشرقون – دراسات ومقالات
علامة باركود

المستشرقون وتعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

أ. د. إسماعيل علي محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/6/2016 ميلادي - 26/8/1437 هجري

الزيارات: 18414

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المستشرقون وتعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

 

مما يرتكن إليه المستشرقون في تأييد زعمهم الباطل بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان رجلاً مفرطاً في الشهوة؛ كون النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين أكثر من زوجة، وتوفي عن تسع زوجات، ويدَّعون بأن هذا لا يقع إلا من رجل غارق في لذات الجسد ونزواته، بعيدٍ عن عفاف القلب وسمو الروح، - زعموا -!


والواقع أن هذه شبهة ساقطة، ودعوى باطلة، ولا تحتاج إلى كثير استدلال على إثبات بطلانها، حيث إن قليلاً من التأمل في معرفة هؤلاء الزوجات الفضليات، وظروف زواجهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أحوالهن المعيشية في بيت النبوة؛ يدحض مزاعم المستشرقين ويبين تهافتها، ويؤكد سمو أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وعظمة شخصيته.


ترى ماذا يفعل الرجل الشهواني لو كان في حال مثل حال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا شك في أنه سوف يسعى للاقتران بأجمل فتيات العرب والعجم في زمانه، ويخادن من يشاء من النساء من هنا أو هناك... فهل فعل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من ذلك؟


لننظر من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء، وملابسات زواجهن، وذلك على النحو التالي:

زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والظروف التي اكتنفت زواج كل واحدة منهن:

لقد بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى عشرة امرأة، مات في حياته منهن اثنتان؛ هما: خديجة بنت خويلد، وزينب بنت خزيمة، رضي الله عنهما، وتوفي عن تسع؛ هن: عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وأم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، وسودة بنت زمعة بن قيس، وزينب بنت جحش، وميمونة بنت الحارث بن حزن، وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، وصفية بنت حيي بن أخطب، رضي الله عنهن أجمعين[1].


1- خديجة رضي الله عنها:

وكانت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها هي أول من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت ذات سمعة نظيفة، وسيرة حسنة في قومها.


«قال الزبير بن بكار: كانت خديجة تُدعى في الجاهلية الطاهرة»[2].


وقد اختارت النبي صلى الله عليه وسلم ليتزوجها، لما رأت من كرم أخلاقه، ونظافة يده، وطهارة قلبه، وأمانته، حينما طلبت منه أن يخرج إلى الشام متاجراً لها في مالها، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم الزواج منها، فأخذ عمه حمزة بن عبد المطلب، وقيل أبا طالب، وخطبها إليه من أبيها خويلد بن أسد، وقيل أخيها عمر بن خويلد.


وكانت خديجة رضي الله عنها قد تزوجت قبل النبي صلى الله عليه وسلم من رجلين؛ أحدهما: أبو هالة بن زرارة التميمي، والآخر: عتيق بن عابد بن عمر بن عبد الله بن مخزوم.


وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم حين تزوجها؛ خمساً وعشرين سنة، وكانت هي أسن منه بخمس عشرة سنة، ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم عليها غيرها حتى توفيت - رضي الله عنها -[3].


فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم رجل شهوة، وصاحب ميول جنسية مفرطة؛ هل كان يستهل حياته الزوجية والعاطفية بالاقتران بامرأة في سن الأربعين، سبق لها الزواج من غيره مرتين، وأنجبت في كلتيهما؟ ثم يحبس نفسه عليها قرابة خمس عشرة سنة، إلى أن يتوفاها الله، حيث جاء في بعض الروايات أنها «كان لها حين توفيت خمس وستون سنة»![4].


2- سودة بنت زمعة رضي الله عنها:

وأما سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس العامرية؛ فقد أسلمت قديماً وبايعت، وكانت عند ابن عم لها يقال له: السكران بن عمرو، وأسلم أيضاً، وهاجرا جميعا إلى الحبشة في الهجرة الثانية ولما قدما مكة مات زوجها، وقيل مات بالحبشة، فلما حلت خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجها، ودخل بها في مكة، وهاجر بها إلى المدينة[5].


وهي التي وهبت يومها لعائشة، رعاية لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت قد فركت - رضي الله عنها - [6]


فتأمل في زواج مثل هذه المسنة - رضي الله عنها - وهي أرملة، هل يكون إفراطاً في شهوة، أم يكون رعاية لحافها، وصيانة لها؟.


3- عائشة رضي الله عنها:

وأما عائشة رضي الله عنها فقد خطبها النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة، ولم يتزوج بكراً غيرها، «وذلك قبل الهجرة ببضعة عشر شهراً، وقبل بعامين، ودخل بها في شوال سنة اثنتين، منصرفه صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر وهي ابنة تسع»[7].


وقد تزوجها إكراماً لصاحبه وخليله أبي بكر رضي الله عنه، وتوثيقاً للصلة بينهما، ورعاية وتيسيرا لمصلحة الدعوة؛ حيث إن هذه المصاهرة تجعل من دخول النبي صلى الله عليه وسلم بيت أبي بكر في أي وقت، وتجعل من تواجد أبي بكر في بيت النبوة على الدوام لاحتياج الرسول صلى الله عليه وسلم إليه أمرا لا حرج فيه.


4- حفصة رضي الله عنها:

وأما حفصة بنت عمر رضي الله عنهما؛ فقد تُوفي عنها زوجها خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفي بالمدينة، وقد عرضها أبوها عمر بن الخطاب على عثمان بن عفان للزواج فاعتذر، ثم على أبي بكر الصديق فصمت، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم[8]، توثيقا للصلة التي تربطه بأبيها عمر بن الخطاب، وليشرفه بمصاهرته كما شرف صديقه أبا بكر بذلك.


5- أم حبيبة رضي الله عنها:

وأما أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان؛ فإنها كانت أسلمت مع زوجها عبيد الله بن جحش، وهاجرا معاً إلى الحبشة، لكن زوجها أدركه الشقاء فتنصر، وفارق الإسلام، حتى هلك هناك نصرانياً.


فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في شأنها عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي، فخطبها عليه، فزوجه إياها، وأصدقها من رسوا الله صلى الله عليه وسلم أربع مئة دينار[9].


فهل كان من المناسب أن يتركها النبي صلى الله عليه وسلم تعود إلى أهلها - وكان أبوها يومئذ على الكفر وزعيماً في قومه - فيفتنوها عن دينها، ويكرهوها على الكفر، أو يؤذوها إيذاء لا قبل لها به، أم أن المناسب في تلك الظروف أن يصونها ويتزوجها؟


ثم إن في زواجه صلى الله عليه وسلم منها إيجادا لصلة مصاهرة، وفتحا لسبيل من العلاقة بينه وبين أبي سفيان رئيس قريش وقتذاك، يمكن أن توظف لمصلحة الدعوة الإسلامية.


6- أم سلمة رضي الله عنها:

وأما أم سلمة هد بنت أبي أمية المخزومية؛ فكانت من المهاجرات الأوليات، وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند أخيه من الرضاعة أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي الرجل الصالح[10].


ثم توفي عنها زوجها في سنة سبع من الهجرة متأثرا بجرح كان قد أصابه في أُحد، وترك لها صبية أيتاماً في حجرها، فلما انقضت عدتها خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتذرت عن الموافقة بكبر سنها، وبأنها ذات صبية، وبأنها شديدة الغيرة، فقال لها عليه الصلاة والسلام: «أنا أكبر منك، وأما الغيرة فيذهبها الله عز وجل، وأما العيال فإلى الله ورسوله»، فتزوجها[11].


7- زينب بنت جحش رضي الله عنها:

وأما زينب بنت جحش فكان من أمر زواجها ما فصلنا في الصفحات السابقة، وأنه كان بأمر الله عز وجل وبوحي منه وذلك لحكم تشريعية واجتماعية أرادها الله تعالى، فليُرجع إلى ما كُتب هناك.


8- زينب بنت خزيمة رضي الله عنها:

وأما زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله الهلالية - وتدعى أم المساكين لكثرة معروفها -؛ فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد استشهاد زوجها عبد الله بن جحش يوم أحد، ثم إنها لم تمكث معه عليه الصلاة والسلام إلا شهرين أو يزيد، وتوفيت بعد ذلك - رضي الله عنها - [12].


9 - ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها:

وأما ميمونة بنت الحارث الهلالية؛ فقد تزوحها أولًا مسعد بن عمر الثقفي قبيل الإسلام ثم فارقها، وتزوجها بعد أبو رُهم بن عبد العزى ثم مات، فتزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم في وقت فراغه من عُمرة القضاء، وبنى بها سنة سبع، في ذي القعدة[13].


10- جويرية بنت الحارث رضي الله عنها:

وأما جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية؛ فكان زواج النبي صلى الله عليه وسلم منها سبباً في فكاكها، وفكاك أسرى قومها من العتق، حيث أعتقها النبي صلى الله عليه وسلم، وتزوجها ليسن بهذا سنة حسنة للمسلمين في عتق من بأيديهم خاصة السبايا، فكان زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً وبركة على قومها بني المصطلق، الذين كانوا يجمعون لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقيادة الحارث بن أبي ضرار والد جويرية، ولكن الله أظفر رسول الله عليهم، وكان هذا سنة ست من الهجرة[14].


قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق؛ وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس، أو لابن عم له، فكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها، قالت عائشة: ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي، فكرهتها وعرفت أنه سيرى فيها صلى الله عليه وسلم ما رأيت، فدخلت عليه، فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، وقعت في السهم لثابت بن قيس أو لابن عم له، فكاتبته على نفسي، فجئت أستعينك على كتابتي، قال: «فهل لك في خير من ذلك»؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: «أقضي عنك كتابتك وأتزوجك»، قالت: نعم يا رسول الله. قال: قد فعلت».


قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأرسلوا ما بأيديهم، قالت: فلقد أُعتق بتزويجه إياها مئة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها[15].


وعن الشعبي قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية، واستنكحها وجعل صداقها عتق كل مملوك من بني المصطلق، وكانت من ملك اليمين، فأعتقها وتزوجها[16].


وهكذا أكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزواج من غير إكراه، وصانها من الابتذال.


ثم إن أباها جاء يطلبها، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين البقاء معه والذهاب مع أبيها، ولكنها حفظت الجميل، وآثرت البقاء مع أكرم الناس صلى الله عليه وسلم، والفوز بشرف أن تكون من أمهات المؤمنين.


«عن أبي قلابة قال: أتى والد جويرية، فقال: إن ابنتي لا يُسبى مثلها، فأنا أكرم من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أرأيت لو خيرناها»؟ فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيرك، فلا تفضحينا، فقالت: فإني قد اخترته، قال: قد والله فضحتِنا»[17].


11- صفية رضي الله عنها

وأما صفية بنت حيي بن أخطب؛ فقد كان من جملة السبايا في غزوة خبير، سنة سبع من الهجرة، وكانت تزوجت قبله عليه الصلاة والسلام من رجلين، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أحسن إليها، فأعتقها وتزوجها وأكرم عشيرتها، وجعل عتقها صداقها[18]. وفي هذا من الرحمة والمعاملة الإنسانية الراقية ما لا يخفى.


الحالة المعيشية في بيت النبوة:

ونأتي بعد ذلك إلى أحوال المعيشة في بيت النبوة، من حيث رغد العيش وبسطته، أو عدم ذلك.


إن رجلاً في مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانته؛ خزائن الأموال وفضول الثروات تحت يده، ورهن إشارته، يمكن أن يعيش في ترف كبير ونعيم مقيم، يُمتع نفسه، ويغمر نساءه بمتاع الحياة الدنيا وزينتها، فيمتلئ بيته أو تمتلئ قصوره بما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من صنوف الطعام، وناعم الفراش، وما لا يحصى من فاخر الثياب، وفاره المركب... إلى آخره.


فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا؟

إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعيش في بيته عيشة الكفاف، وعاش معه زوجاته رضوان الله عليهن حياة خشنة قاسية، حتى إنهن لم يُطقن الصبر على تلك المعيشة الجافة، الخالية مما تطفح به بيوت الملوك والرؤساء، بل مما يكون عادة في بيوت العوام والبسطاء، فأعلنَّ - في يوم من الأيام - عن ضيقهن بهذه المعيشة، كما سنشير بعد قليل.


عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان يمر برسول الله صلى الله عليه وسلم هلالٌ وهلال وهلال، ما يوقد في بيت من بيوته نار، قلت: يا خالة على أي شيء كنتم تعيشون؟ قالت: على الأسودين: التمر والماء[19].


وعن عروة بن الزبير، عن عائشة أنها قالت: والذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ما رأى منخلاً، ولا أكل خبزاً منخولاً منذ بعثه الله عز وجل إلى أن قُبض، قلت: كيف تأكلون الشعير؟ قالت: كنا نقول أف[20].


وهذا الواقع كان يلاحظه من له صلة ببيت النبوة، ولم يكن خافيا على أحد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان يمر بآل النبي صلى الله عليه وسلم هلال ثم هلال، لا يوقد في شيء من بيوتهم النار، لا لخبز ولا لطبخ، فقالوا: بأي شيء كانوا يعيشون يا أبا هريرة؟ قال: بالأسودين؛ التمر والماء، وكان لهم جيران من الأنصار - وجزاهم الله خيرا - لهم منائح[21]، يرسون إليهم شيئا من لبن»[22].


وعن عمر رضي الله عنه - من حديث طويل - قال:... فدخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع على حصير، فجلست فأدنى عليه إزاره، وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، ومثلها قرظاً[23]. في ناحية الغرفة، وإذا أفيق[24] معلَّق. قال: فابتدرت عيناي، قال: «ما يبكيك يا بن الخطاب؟» قلت: يا نبي الله وما لي لا أبكي وهذه الحصير قد أثر في جنبك، وهذا خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوته، وهذه خزانتك، فقال: «يا بن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم في الدنيا»؟ قلت: بلى[25].


كان النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العيش الخشن، الذي اكتنف بيوته، وأحاط بأزواجه، ولو شاء لتخلص منه، وعاش كما يعيش أبسطُ الناس نعمة، وأرغدهم عيشا، ولكنه آثر أن يكون زاهداً في الدنيا، راغباً عنها، مكتفياً بالقليل منها، ليقينه بأن متاعها زائل، وأن الآخرة خير وأبقى.


عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً، فقلت: لا يا رب، ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً - وقال ثلاثاً أو نحو هذا - فإذا جُعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعتُ شكرتك وحمدتك»[26].


كان هذا واقع بيت النبوة من الناحية المادية، فتضجر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من هذه المعيشة الخشنة، والحياة الزاهدة أشد ما يكون الزهد، والتي لم يعهدنها قبل زواجهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتحدن في المطالبة بزيادة النفقة، وكانت أزمة عصيبة مرت ببيت النبوة، وزُلزل المسلمون من أجلها زلزالاً شديداً، حتى انقشعت بوحي من الله تعالى، واطمأنت النفوس إلى ما عند الله والدار الآخرة، وإيثار الأجر وكريم الجزاء من الله ذي الجلال والإكرام.


وهذه القصة مشهورة في كتب التفسير والسنة والسيرة، لا تخفى على المستشرقين الطاعنين الأفّاكين، وهم يعلمون قبل كلِّ أحد أنها تهدم مزاعمهم، وتدحض مفترياتهم، ولذلك يتجاهلونها، وتتعامى أبصارهم عنها.


قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب: 28 - 29].


قال الإمام ابن كثير: هذا أمر من الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره، ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال، ولهن عند الله تعالى في ذلك الثواب الجزيل، فاخترن رضي الله عنه وأرضاهن: الله والدار الآخرة، فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة[27].


عن جابر بن عبد الله قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم، قال: فأُذن لأبي بكر، ثم أقبل عمر فأستأذن، فأذن له، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا حوله نساؤه واجما[28] ساكتا، قال: لأقولن شيئا أُضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت[29] عنقها، «فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وقال: هن حولي يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده، فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا ليس عنده، ثم اعتزلهن شهراً أو تسعا وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ ﴾ حتى بلغ ﴿ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ قال: فبدأ بعائشة، فقال: «يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب ألا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك» قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية»، قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تُخبر امرأة من نسائك بالذي قلت، قال: «لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلما ميسرا»[30].


واختار سائر زوجاته الطاهرات الله ورسوله والدار الآخرة، فكان لهن من الله الكرامة في الدنيا والآخرة، رضي الله عنهن أجمعين.


فهل يمكن أن تكون هذه حياة أو مسلك إنسان منغمس في الشهوات المحرمة، غارق في أوحالها، منهمك في إشباعها؟؟.

ثم إن ما أنجزه النبي صلى الله عليه وسلم وشاده من أعمال ضخام، ومهام جسام يقطع بأن حياتهن صلى الله عليه وسلم إن هي إلا حياة رجل جاد بعيد عن سفاسف الأمور، ومعيب السلوك، ونازل الأخلاق.


بل إن ما قام به صلى الله عليه وسلم وأنجزه في سني حياته وعمره ما كان ليحدث إلا على يد إنسان رباني، مؤيد بمدد من الله وتوفيق منه، قوي الصلة بربه، قلبه مطمئن بالإيمان، وحياته مثل أعلى لكل خلق كريم وسلوك قويم، وصورة حية صادقة لما يدعو إليه، ويبلغه من وحي عن ربه الكريم العظيم..


صلى الله وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله.. وحسبك شهادة ربك لك، في قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [سورة القلم].



[1] يراجع: السيرة النبوية 2/ 643 - 684، وسير أعلام النبلاء 2/ 109 و 135 و211 و218 و227 و238 و261 و265، البداية والنهاية لابن كثير 5/ 254 وما بعدها، تحقيق د/ أحمد أبو ملجم وآخرين، دار الريان، القاهرة، ط الأولى 1408هـ - 1988م، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي 14/ 107 - 111.

[2] سير أعلام النبلاء 2/ 111.

[3] انظر: السيرة النبوية 2/ 643 - 644، سير أعلام النبلاء 2/ 111، الجامع لأحكام القرآن 14/ 107.

[4] الجامع لأحكام القرآن 14/ 107.

[5] السابق 14/ 108.

[6] سير أعلام النبلاء 2/ 266. ومعنى فَرِكَت: أي قل ميلها للرجال، بسبب كبر سنها.

[7] السابق 2/ 135.

[8] يراجع تفصيل القصة في صحيح البخاري ك النكاح، ب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير ج 6 ص 130، سير أعلام النبلاء 2/ 228.

[9] السيرة النبوية 1/ 223 - 224 بتصرف.

[10] سير أعلام النبلاء 2/ 201 - 202.

[11] رواه أحمد في المسند 7/ 434 - 435 رقم 26079، وانظر: البداية والنهاية 4/ 92 - 93.

[12] سير أعلام النبلاء 2/ 218، البداية والنهاية 5/ 257.

[13] سير أعلام النبلاء 2/ 238 - 239.

[14] يراجع: السيرة النبوية 2/ 289 - 290.

[15] السيرة النبوية 2/ 294 - 295.

[16] سير أعلام النبلاء 2/ 262.

[17] السابق 2/ 263.

[18] السيرة النبوية 2/ 336، سير أعلام النبلاء 2/ 231 - 232، البداية والنهاية 4/ 197 - 198.

[19] رواه أحمد في المسند 7/ 126 رقم 24040.

[20] رواه أحمد في المسند 7/ 105 رقم 23900. والمنخل: الغربال بضم الميم والخاء، والخبز المنخول: المُغربل.

[21] منحة اللبن: أن يعطيه ناقة أو شاة، ينتفع بلبنها ويعيدها، النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير 4/ 364. تحقيق الطاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي، دار الفكر، بيروت 1399هـ - 1979م.

[22] رواه أحمد 3/ 123 رقم 8996.

[23] القرظ: ورق السلم يدبغ به، وقيل: قشر البلوط، مختار الصحاح، ص 222.

[24]الأفيق: الجلد الذي لم يتم دباغه، وجمعه أفق، كأديم وأدم، مسلم بشرح النووي 10/ 83.

[25] رواه مسلم في ك الطلاق، ب بيان أن تخييره امرأته لا يكون طلاقاً إلا بالنية، شرح النووي 10/ 83 رقم 1479.

[26] رواه الترمذي في ك الزهد، ب ما جاء في الكفاف والصبر عليه، رقم 2347، وأحمد في المسند 6/ 339 رقم 21686.

[27] تفسير القرآن العظيم 3/ 496.

[28] واجماً: أي اشتد حزنه حتى سكت عن الكلام، شرح النووي 10/ 81.

[29] وجأ يجأ: إذا طعن، السابق 10/ 28.

[30] رواه مسلم في ك الطلاق ب بيان أن تخييره امرأته لا يكون طلاقاً إلا بالنية، شرح النووي 10/ 80 - 81 رقم 1478، وأحمد 4/ 277 رقم 14106.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • رد افتراءات اللئام حول تعدد زوجات النبي عليه الصلاة والسلام
  • زوجات النبي صلى الله عليه وسلم (أمهات المؤمنين)
  • تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
  • زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
  • الحكمة من تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم
  • القرآن الكريم والمستشرقون ومفكرو الغرب
  • الذب عن زوجات النبي وآل بيته
  • المستشرقون وعلوم المسلمين (الفقه الإسلامي والقانون الروماني نموذجا)
  • حقوق زوجات النبي المصطفى

مختارات من الشبكة

  • المستشرقون وعلوم المسلمين.. (الرد على المستشرقين)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • المستشرقون من الانعتاق إلى الاعتناق: دراسة في "إعلان" بعض المستشرقين إسلامهم (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • المستشرقون والتنصير: دراسة للعلاقة بين ظاهرتين مع نماذج من المستشرقين المنصرين (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • كشاف المستشرقين .. المستشرقون الروس(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • كشاف المستشرقين .. المستشرقون الأمريكان(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • كشاف المستشرقين .. المستشرقون الألمانيون(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • كشاف المستشرقين .. المستشرقون البريطانيون (2)(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • كشاف المستشرقين .. المستشرقون البريطانيون (1)(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • كشاف المستشرقين .. المستشرقون الفرنسيون (3)(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • كشاف المستشرقين .. المستشرقون الفرنسيون (2)(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب