• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات (248 - 251)

تفسير سورة البقرة .. الآيات (248 - 251)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/4/2014 ميلادي - 15/6/1435 هجري

الزيارات: 37845

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات (248 – 251)


قال تعالى: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 248].

 

تعطينا هذه الآية دليلاً على أن بني إسرائيل لم يقتنعوا بما احتج عليهم به نبيهم من استحقاق طالوت للملك الذي اختاره الله له واصطفاه عليهم، ولم يؤثر فيهم ما آتاه الله من بسطة في العلم والجسم الذي يمكنه من القيام بأعباء الملك، ولم يقتنعوا بما أفادهم الله به من تفضيل العلم على المال والتنويه بشرف العلم، وهو الذي يستحق الزعامة لا صاحب المال، بل ركبوا رءوسهم واتبعوا أهواءهم حتى جعل الله لطالوت آية حسية يشاهدونها بأبصارهم وهي إنزال التابوت الذي تحمله الملائكة.

 

وقد أورد المفسرون غرائب من الحكايات الإسرائيلية في التابوت ووصفه لا يجوز إقحامها في التفسير، وجاء في كتب اليهود أقوال متناقضة وكلها لا يجوز ذكرها فضلاً من التعويل عليها، ولم يكفلنا الله البحث فيما أبهمه من قصص القرآن، لأنه لا يترك ما فيه فائدة، ويكفينا أن الله قال في وصف التابوت: ﴿ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ﴾. فوحي الله ناطق بأن فيه سكينة، والسكينة في اللغة هي: ما تسكن إليه النفس ويطمئن به القلب، وفي إتيان التابوت الذي هو الصندوق سكينة لا تخفى لما كان له من الشأن الديني عند القوم، ولذلك أذعنوا لملوكية طالوت وزال نفورهم منه.

 

وأما البقية مما ترك آل موسى وآل هارون فهي مبهمة يجوز أن تكون شيئاً من أثارهما الحسية كالعصا والألواح وغيرها، ويجوز أن تكون بقية من الدين والشريعة، ويكون المعنى أنه بسبب هذا التابوت ينتظم أمر ما بقي من دينهما وشريعتهما، ومنهم من قال إن البقية في التابوت هي رضاض الألواح وعصا موسى وثيابه وشيء من المن الذي كان ينزل على بني إسرائيل، وكلها أقوال لا سند لها، وأقربها أن تكون بقية مما ترك آل موسى وآل هارون من الدين.

 

وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ فيه نص صريح على أنه لم يحمله ثيران ولم تسحبه عجلات، كما زعم كثير من المفسرين خضوعاً لروايات إسرائيلية فاجرة يقصد بها طواغيت اليهود الدس في كتب المسلمين ليتسنى لهم الطعن في القرآن.

 

اللهم إنا نبرأ إليك من هذا الظلم للتعبير القرآني والتغافل عن نصوصه، يقول الله عن التابوت إنه ﴿ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ وهؤلاء يقولون يحمله ثيران، وبعضهم يقول إنه نزل من السماء وأن الملائكة يحفظونه، وهل يحتاج النازل من السماء بأمر الله إلى من يحفظه؟!!

 

إن الآية صريحة واضحة في أن التابوت تحمله الملائكة، فما الذي يحوجهم إلى التأويل؟

 

إن الآية لا تحتاج إلى تأويل، لأن فيها النص القاطع على أن التابوت تحمله الملائكة، فتأويلها بغير ذلك جناية عليها وإخضاع لها لدس اليهود ومكرهم بأهل القرآن، وقيل: إن التابوت من خشب، وإنه كان صندوقاً لموسى يضع فيه التوراة فلما مات رفعه الله غضباً على بني إسرائيل، ونحن لا نسلم بأي تأويل أو خبر ليس عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، فحسبنا ما أنزل إلينا من ربنا نقف عند حدود نصه.

 

وقد استدل بعضهم بمعجزة التابوت على أن طالوت كان نبياً، لأن المعجزة لا تنزل إلا على نبي، ولكن لفظ القرآن يأباه، لأن القوم نبيهم داود، وأما طالوت فهو رجل اختاره الله عليهم ملكاً، فلما تلكئوا عليه ولم يقنعوا بما آتاه من بسطه في العلم والجسم أخضعهم الله له بهذه المعجزة اللهم إلا أن يكون نبياً غير رسول، فالله أعلم.

 

وفي هذه القصة إظهار فضل عظيم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم حيث لم يحوجوه بقوة إيمانهم وشجاعتهم وصدق عزيمتهم إلى شيء من المعجزات.

 

وقوله سبحانه: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ يحتمل أن تكون هذه الجملة بقية كلام نبي بني إسرائيل، يعني أن في مجيء التابوت بهذه الصورة علامة أو حجة لكم تدل على عناية الله بكم حتى يحصل لكم النصر، فعليكم أن ترضوا بملك طالوت ولا تفرقوا عنه، ويحتمل أن يكون استئناف كلام منه سبحانه وتعالى لهذه الأمة، معناه: أن فيما أوحاه الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من هذه القصة آية بينة على صحة نبوته، إذ لولا وحي الله لما كان يعرفها، وهو الأمي الذي لم يقرأ ولم يتعلم شيئاً، ولا كان يعرف ما انطوت عليه هذه القصة من العبرة والفائدة، وخصوصاً ما يعتبر في الملوك من المزايا والصفات التي تؤهلهم للقيام بأعباء السياسة، وإنما يكون ذلك آية بينة وعبرة نافعة للمؤمنين، والأولى أن تكون من تتمة كلام بني إسرائيل جرياً على ظاهر الآية. والله أعلم.

 

قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249].

 

هذه الآية فيها بيان من الله للامتحان بنوع من الجهاد النفسي الداخلي، فإن الله أجرى سنته الكونية في الكافرين أن ينتصر بعضهم على بعض بالقوة المادية أو المكر الحربي بأنواع الخداع، وأما سنته سبحانه وتعالى في المسلمين المؤمنين أتباع الرسل فهي نجاحهم في الجهاد النفسي الداخلي من تنفيذ حكم الله على النفس في كل شيء وإخضاع النفوس لأمر الله مفضلة طاعته على شهواتها وملذاتها، فمن نجح في الجهاد النفسي الداخلي كان جديراً بالانتصار في الجهاد الخارجي على أعدائه من شياطين الإنس، ومن غلبته نفسه وصرعته أهواؤه فآثرها على طاعة الله والوقوف عند حدوده فإنه لا يصلح للجهاد الخارجي أبداً.

 

ولهذا أخبرنا الله في هذه الآية عن امتحانه لبني إسرائيل بنوع واحد من الجهاد النفسي وما كان مصيرهم فيه، قال سبحانه: ﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ ﴾ وابتعد بهم عن مستقرهم ﴿ قال إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ﴾ إنهم لما ساروا مع طالوت بفخرهم وخيلائهم وغرورهم كأن العدو لقمة سائغة شاء الله أن يمتحنهم بنوع واحد من الجهاد النفسي ليميز الخبيث من الطيب، والشجاع من الجبان، والراغب لقيادة طالوت من الكاره لها، فأسال الله أمامهم نهراً عذباً بارداً وقال لهم: لا تشربوا، إنه امتحان نفسي، إنهم قوم سفر شعث غبر نالوا من مشقة السفر ما نالوا، فكيف يعترضهم نهر عذب بارد ويقال لهم لا تشربوا؟!!

 

حقّاً، إنه الامتحان النفسي للجهاد الخارجي، ولكن ماذا كان مصيرهم في هذا الجهاد؟

 

أكثرهم هزمته نفسه وصرعته أهواؤه، فخارت عزيمته وانهارت معنويته، قال الله عنهم: ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ ماذا كان مصيرهم؟

 

إن المجاهدين يحتاجون إلى قوة كامنة في النفوس، قوة لا تزعزعها الأهوال ولا تفتها المصاعب والمتاعب، قوة جبارة لا يقف أمامها شيء من المغريات ولا يصمد أمامها قوة، إنها قوة الإرادة التي تضبط الشهوات وتصمد للمشاق والحرمان، قوة هادفة لا يصدها عن هدفها أعظم الصعوبات والعقبات.

 

هذه القوة فقدها أكثر جيش طالوت الذين ﴿ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ فأصبحوا لا يصلحون للمهمة الملقاة على عاتقهم، فلا بد أن ينفصلوا عن الفئة القليلة فلا يبقى معه من تلك الكثرة الكاثرة إلا القليل، إنهم بعدما جاوزوا النهر وشاهدوا عدوهم على بعد انهزموا وانفصلوا قائلين: ﴿ لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ﴾.

 

عجيب أمركم، ألم تعرفوا حال عدكم وكثرته؟ ألم تطلبوا الجهاد؟ ألم تلحوا في الطلب لتأسيس القيادة بقولكم لنبيكم: ﴿ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾.

 

كل هذا جرى منهم ولم يجهلوا حال عدوهم وقوته وكثرته، ولكنها الهزيمة النفسية، إنهم مهزومون عند النهر، إنهم فاقدو الإرادة التي هي القوة الكامنة في النفوس، لهذا أصبحوا لا يصلحون للجهاد الخارجي بعد هزيمتهم النفسية في الجهاد الداخلي. وهناك ظهرت حقيقة الجهاد والصمود من الفئة القليلة التي صبرت نفسها على طاعة الله وصبرتها على أقدار الله وأوقفتها عند حدود الله، فلم تشرب من النهر وقت العطش سوى الغرفة.

 

هذه الفئة القليلة هي التي ثبتت وصمدت، وكثيراً ما يكتب الله الخير في القليل الصالح، لأن الجيش ليس بضخامة العدد وإنما هو بقوة القلوب التي تحمل إرادة جازمة وإيماناً كاملاً، لهذا كان منطق هذه الفئة القليلة ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾.

 

هكذا منطق المؤمنين ﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ ﴾ فالظن هنا بمعنى اليقين كما سبق له نظائر، ثم إنهم استمطروا مدد الله ضارعين إليه بالدعاء كما حكى الله عنهم في الآية (250).

 

قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 250].

 

وهذا من كمال صدقهم في الجهاد، فإنهم ضرعوا إلى الله بعدما برزوا لعدوهم، فضراعتهم ليست الضراعة العاجزة أو الجبان المستكين عن الجهاد، ولكنها ضراعة الأبرار الصادقين الذين برزوا لعدوهم ابتغاء مرضاة ربهم، لقد برزوا لعدوهم واضعين أرواحهم على أكفهم فكانوا جديرين بالإجابة. فليمعن المؤمن النظر في دعاء هؤلاء وضراعتهم لله.

 

إنهم لم يطلبوا النصر البادئ ذي بدء، إنما طلبوا من ربهم أن يفرغ على قلوبهم صبراً يملأها ويغمرها. هذا أول مطلب، ثم طلبوا من الله تثبيت أقدامهم بالطمأنينة واليقين حتى تصمد أمام هذه القوة الجبارة، سألوا الله ما يثبتهم على الجهاد ويقوي عزائمهم عليه، ليرى منهم حسن البلاء فيه، ثم ختموا دعاءهم بقوله: ﴿ وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾.

 

هكذا الفئة المؤمنة الواثقة بالله التي تجدد عهدها مع الله وتتجه بقلوبها إليه. إنها الفئة التي تعتز بالله وتثق بنصره صامدة صابرة محتسبة، فيجعل الله مصير المعركة على يديها بإذنه سبحانه، حيث استجاب لها ضراعتها الصادقة.

 

قال تعالى: ﴿ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251].

 

فأخبرنا الله عن حسن مصيرهم من ظفرهم بالنصر وهزيمتهم لعدوهم الكثير العدد، لأن الصابرين في معية الله، وظهر في هذه الآية اسم نبيهم الذي أبهمه أول السياق وأنه داود الذي انفرد بمبارزة جالوت ـ طاغوت الفلسطينيين ـ فقتله واحتز رأسه وألقاه إلى طالوت، فكان له الشأن الذي ورث به ملك بني إسرائيل كما قال تعالى: ﴿ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ﴾.

 

وقد فسروا الحكمة بالنبوة وهي حاصلة والأولى أن تكون هي الزبور الذي أوحاه الله إليه كما قال في الآية (163) من سورة النساء: ﴿ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ [النساء: 163].

 

وأما تعليمه إياه مما يشاء فهي صنعة الدروع كما قال سبحانه في الآية (80) من سورة الأنبياء: ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 80].

 

وتنتهي قصة طالوت بتقرير أمرين عظيمين:

أحدهما: إن النصر للقوة الروحية لا للقوة المادية، وإنما هو للقوة المستعلية على جميع الشهوات والأنانيات، لا للقوة الكثيرة العدد، فليعتبر كل مسلم بحال الذين هزمتهم أنفسهم عند شربة ماء كيف أصبحوا لا يصلحون للجهاد الخارجي، فكيف بالذين تهزمهم أنفسهم في شرب الخمور واقتراف الفواحش؟!!

 

ليعلم أن التربية الماسونية المسماة بالتربية الحديثة ليست لصالحنا وإنما هي لصالح أعدائنا، فلا يجوز للمسئولين التمادي فيها، بل يجب عليهم العودة الصحيحة إلى التربية المحمدية، تلك التربية التي صنعت الأعاجيب وحولت مجرى التاريخ وغيرت خارطة العالم تغييراً وصفياً.

 

ثانيهما: تقرير الله للحكمة من الجهاد والقتال أن مشروعيته ليست للسلب والمغنم ولا للزهو والاستعلاء، وبناء مجد أمة على ذل أمة أخرى، ولكن مشروعيته لإصلاح أهل الأرض، حيث يسيطر عليهم دين واحد، وتحكمهم شريعة السماء لا شرائع الأهواء الديوثية، ويخضعون لسلطان واحد هو سلطان الله لا أن يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله.

 

لهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ وقرأ نافع: (ولولا دفاع الله). وقرأ الباقون: (ولولا دفع). والمعنى: ولولا أن الله سبحانه وتعالى يدفع أهل الباطل بأهل الحق وأهل الفساد بأهل الإصلاح فيها، لغلب أهل الباطل والإفساد في الأرض وطغوا على الصالحين، وإذا كان السلطان لهؤلاء وحدهم فسدت الأرض، فكان من فضل الله على عباده وإحسانه إلى جميع الناس أن شرع الجهاد وشدد في أمره تشديداً قاطعاً، وربط الحياة به، وجعل التهلكة في تركه ليقوم الصالحون للجهاد بمقارعة المفسدين وقمع المتسلطين ممن اتخذوا لأنفسهم حقّاً أو حقوقاً في الألوهية. فهؤلاء من أوجب الواجب جهادهم حتى يكون الحكم لله وحده، ولا يبقى للطاغوت قيمة. فالناكص عن الجهاد مسيء إلى نفسه وإلى غيره يستحق ما يشاؤه الله من عقوباته القدرية الهائلة المتنوعة.

 

وما هذه الدعوات الكاذبة للسلم إلا لتخبيط الأدمغة وتغفيل الناشئة عن حقيقة الجهاد وحتمية وجوبه، وإلا فأهل الحق يجب أن يكونوا حرباً لأهل الباطل، ولا مسالمة معهم، ولا التقاء على حساب العقيدة والأخلاق أبداً.

 

وإذ أقام أهل الحق راية الجهاد بصدق وإخلاص بعد نجاحهم في الجهاد النفسي فالله مؤيدهم وناصرهم بما شاء من أنواع نصره، كما قال تعالى في الآية (4) من سورة القتال سورة محمد: ﴿ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 4]. وكما قال تعالى في الآية (7) ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 7، 8] وكما قال في الآية (22، 23) من سورة الفتح: ﴿ وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [الفتح: 22، 23].

 

فهذه الآيات فيها ضمان من الله لنصر المؤمنين الصادقين المخلصين مقاصدهم لله، والمطهرين جوارحهم من معصية الله، والمنفذين شريعة الله الملتزمين لحدود الله، كما قال تعالى في الآية (41) من سورة الحج: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 40، 41].

 

فهؤلاء وحدهم هم المستحقون للنصر لمخالفتهم طريقة أعداء الله بخلاف الذين يسيرون عليها لو انتصروا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (240 – 245)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (246 – 247)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (252 - 254)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (255)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المصادر الأولية لتفسير كلام رب البرية: المحاضرة الثانية (تفسير الآيات الناسخة للآيات المنسوخة)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير سورة الإخلاص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب