توجيهات تربوية عامة

توجيهات تربوية عامة

نتحدث في هذه المقالة عن أربعة توجيهات تربوية مهمة، هي: وما أكثر الناس ولو حرصتَ بمؤمنين، والعناية بتربية الناشئة والشباب، وإعداد برامج تأهيلية للكبار، والحذر من المفسدين في الأرض، وفيما يلي عرض لهذه التوجيهات:

أولًا: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين:

اقتضت سنة الله تعالى في خلقه أن الناس مختلفون في قبولهم للهداية؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [يونس: 99، 100].

يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: أي: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ) يا محمد - صلى الله عليه سلم - لأذِن لأهل الأرض كلهم في الإيمان بما جئتهم به، فآمنوا كلُّهم، ولكن له حكمة فيما يفعله، ثم أورد رحمه الله الكثير من الآيات المتشابهة في هذا المعنى التي تؤكد أن الله تعالى هو الفَعَّال لما يريد، الهادي من يشاء، المضل لمن يشاء؛ لعِلمه وحكمته وعدله، ولهذا قـال: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ ﴾، وهو الخبـال والضلال، ﴿ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ﴾؛ أي: حُجج الله وأدلته، وهو العادل في كل ذلك، في هداية من هدى، وإضلال من ضل.

والناظر في أخبار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، يجد أنهم عانوا من أقوامهم في عدم تقبُّلهم للهداية، وغالبية المهتدين مع الأنبياء كانوا من الشباب، وصغار السن، فهؤلاء عاطفتهم الدينية قوية جدًّا، ولم تتلوث فطرُهم بكثير من أنواع الظلم والمعاصي والذنوب، ولديهم قَبول سريع للحق بتوفيق الله تعالى، على عكس الشيوخ ممن ترسَّخ في أذهانهم وفي قلوبهم الكفر والعقائد الفاسدة المنحرفة، فقبولهم الهداية في غاية من الصعوبة؛ لأنهم يستنكرون تغيير ما ألفوه، وما وجدوا عليه آباءهم وأجدادهم.

ويعلق الشيخ السعدي رحمه الله تعالى على قضية إيمان الشباب مع موسى عليه السلام بخلاف الشيوخ، فيقول: "والحكمة والله أعلم بكونه ما آمن لموسى إلا ذرية من قومه - أن الذرية والشباب أقبل للحق وأسرع له انقيادًا، بخلاف الشيوخ ونحوهم، ممن تربَّى على الكفر، فإنهم بسبب ما مكث في قلوبهم من العقائد الفاسدة، أبعدُ من الحق من غيرهم".

ثانيًا: العناية بتربية الناشئة والشباب:

إن مما ينبغي أن يركز عليه المربون: العناية التامة بصغار السن والشباب، وإعداد برامج هادفة مدروسة بعناية فائقة، تهدف إلى تنمية أفكارهم، وغرس المعتقدات السليمة في عقولهم ووجدانهم، فالأسرة والمدرسة والإعلام والمسجد، كلٌّ عليه مسؤولية عظيمة في هذا الجانب، ولا بد من التنسيق وتوحيد الجهود لبناء النشء المسلم بناءً متوازنًا عقديًّا وعقليًّا وجسديًّا، ولا تترك هذه الجوانب للأهواء والاجتهادات الفردية. ومما هو جدير بالذكر أهمية الاستعانة بأصحاب الرأي والحكمة، والمشورة كل في مجال اختصاصه هذا من جهة، ومن جهة ثانية لا يمكن إغفال الاستفادة من الخبرات الأجنبية، وخصوصًا في الجوانب الإدارية، فالحكمة ضالة المؤمن، فحيثما وجدها فهو أحقُّ بها.

ثالثًا: إعداد برامج تأهيلية للكبار:

إذا كان التركيز على تربية الناشئة والشباب مطلبًا ملـحًّا، فـإن وضع برامج تأهيلية، وتوعوية للكبار، مطلب مهم جدًّا لتوجيههم، وإرشادهم لاستصلاح ما فسد من أفكارهم، وتعديل بعض سلوكياتهم، لعل الله تعالى يختم لهم بأعمال صالحة موفقة، فالعبرة بالخواتيم.

ولا شك أن هذا العمل يحتاج إلى تضافر كل المؤسسات التربوية المختلفة الرسمية، وغير الرسمية؛ لإعداد خطط وورش عمل ودراسات، لوضع إستراتيجيَّات يتم تنفيذها وفق مراحل ومُدَد واضحة محددة.

رابعًا: الحيطة والحذر من المفسدين في الأرض:

إن أخذ الحذر من العدو مطلب شرعي؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴾ [النساء: 71]، وإن كانت الآية الكريمة جاءت في معرض إعداد العدة للعدو في الحرب؛ حيث يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: إنها أمر من الله لعباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوِّهم، وهذا يستلزم التأهب لهم..

ولا شك أن أعداء الإسلام اليوم أصبح لديهم من الوسائل المدمرة لعقول ناشئتنا وشبابنا، بل ربما شيوخنا ما هو أشد خطرًا وفتكًا بالمسلمين من الحروب، وإن أخذ الحيطة والحذر هنا ينبغي أن يكون أشد وأعظم.

ومما ينبغي أن يتنبه له المعنيون بالتربية: الحذر من المسرفين والمفسدين، والمنحرفين فكريًّا وخُلقيًّا وسلوكيًّا أيًّا كانوا، والذين يلوثون الحياة بفكرهم الفاسد وسلوكهم المنحرف، ويسعى بعضهم بقصد، وآخرون بغير قصد إلى إفساد ناشئة المسلمين، وزعزعة معتقداتهم، وهدم مبادئهم وقِيَمهم، وعاداتهم وتقاليدهم المحافظة.

ولعل من أخطر ما نلحَظه في أيامنا هذه، تفشي القنوات الفضائية الهابطة، ومواقع الإنترنت المنحرفة، وبعض الكتابات الهابطة، والروايات الماجنة، والمجلات التي لا همَّ لها إلا تشويه صورة الإسلام، والنيل من علماء الأمة الإسلامية، والتشكيك في الكثير من ثوابت الأمة الإسلامية التي نشأت عليها، وتربَّت وَفْقها، وسارت عليها أجيال القرون الثلاثة المفضلةأت.

كل ذلك يجعل المسؤولية كبيرة جدًّا على المؤسسات التربوية بمختلف فئاتها، ومستوياتها لتنبيه ناشئة المسلمين وشبابهم إلى الضرر الكبير والخطر العظيم الذي يحدِّق بهم بسبب ما يبث ويُعرَض من فكر هابط وسلوكيات منحرفة، تخدش الحياء، وتهدم الفضيلة، وتقضي على العفاف، وتُبعدهم عن دينهم وأصالتهم التي فيها عزُّهم ومجدهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة.