خدمة التيس المستعار

اضغط على أيقونة الرجولة، وقمْ بعمل (delete) لجاهليةٍ تستغرق البعض منَّا، حتى تكاد تبتلعه في دوامة الجهل لمن لا يعلم، والتعتيم على الضمير لمن يعلم، ولكنه يهوى ويرغب، ووجد الباب مفتوحًا فدخل، وَلَم يأبَه إن كان باب لعنة وخسارة.

"خدمة التيس المستعار"، خدمة انتشرتْ في المجتمع، لا أنصحك بها، وضيعة المستوى، متردية الأداء، سيئة العاقبة.

والبداية كانتْ في بيت مسلم، أطاحتْ به المشاكل الأسريَّة، فاهتزتْ جدرانُه بسبب عدم صبر الشريكين، أحدهما على الآخر، والتماس الأعذار، والحرص على بقاء ذلك البيت، ثم انهدمت الجدران بالطلاق، ثم ندما، وحاولا ترميم هذا الصدع، واستمرت الحياة إلى ما شاء الله، حتى انقلبا على أعقابهما مرة أخرى، وتصدَّع البيت، وحدث الطلاق للمرة الثانية، ثم نظرا إلى أطفالهما نظرة رحمة وشفقة أن يُصيبهم تشتُّت وضياع من جراء هذا الحال، فتأسَّفا وندما وتراجعا، حتى نزغ الشيطان بينهما للمرة الثالثة، وكان فراق ليس بعده رجعة، وأصبحت أجنبية عنه، لا تحل له إلا أن يتزوجها رجلٌ غيره؛ كما جاء في كتاب الله.

ولكن الكثير - إلا ما رحم ربي - يجتزئ كلمات ربنا، يأخذ جزءًا، ويترك الآخر، فضلاً عن الفحوى والمعنى، إما عن جهل، أو لهوى في نفسه، أو لحاجة، والأسوأ مَن تسمعه يقول: إنما أفعلها خدمة لصديقي ولأخي؛ حتى لا ينهار بيته، ويلتئم شمل الأسرة، وأيًّا كانت الأسباب، فلن يُقام الحلال على أساس من الحرَام.

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سُئل رسولُ الله عن المحلِّل، فقال: ((لا، إلا نكاح رغبة، لا نكاح دُلْسة، ولا استهزاء بكتاب الله - عز وجل - حتى يذوق العُسَيْلة))، ورواه أبو إسحاق.

وعن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله: ((ألا أخبركم بالتيس المستعار؟))، قالوا: "بلى يا رسول الله"، قال: ((هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له))، رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.

وعن ابن عمر، أن رجلاً سأله، فقال: "ما تقول في امرأة تزوجتُها أحلها لزوجِها، لم يأمرني ولم يعلم"، فقال له ابن عمر: "لا، إلا نكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكتها، وإن كرهتها فارقتها، وإنا كنَّا نعد هذا سفاحًا على عهْد رسول الله".

وأما الآثار عن الصحابة والتابعين:
فقد روى الأثرم، وابن المُنذر، عن عُمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما".

وسُئل عُمر بن الخطاب عن تحليل المرأة لزوجها، فقال: "ذلك السِّفاح".

وعن عبدالله بن شريك العامري، قال: سمعتُ ابن عمر - رضي الله عنهما - وقد سُئِل عن رجلٍ طلق ابنة عم له، ثم ندم، ورغب فيها، فأراد رجلٌ أن يتزوجَها ليحلها له، فقال ابن عمر: "كلاهما زانٍ، وإن مكثا عشرين سنة أو نحو ذلك، إذا كان يعلم أنه يريد أن يحللها".

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سأله رجل، فقال: ابن عمي طلَّق امرأته ثلاثًا، ثم ندم، فقال: "ابن عمك عصى ربَّه فأندمه، وأطاع الشيطان، فلم يجعل له مخرجًا"، فقال: كيف ترى في رجل يحلها له؟ فقال: "مَن يخادع الله يخدعه".

وقال إبراهيم النخَعي: "إذا كان نية أحد الثلاثة - الزوج الأول، أو الزوج الآخر، أو المرأة - التحليل، فنكاحُ الآخر باطل، ولا تحل للأول".
وقال الحسَن البصري: "إذا همَّ أحدُ الثلاثة بالتحليل، فقد أفسد".
وقال سعيد بن المسيب إمام التابعين في رجلٍ تزوَّجَ امرأة ليحلها لزوجها الأول، فقال: "لا تحل"، وممَّن قال بذلك: مالك بن أنس، والليث بن سعد، وسُفيان الثوري، والإمام أحمد.

وسُئل شيخُ الإسلام أحمد بن تيميَّة عن التحليل الذي يفعله بعضُ الناس، هل هو صحيح أم لا؟
فأجاب: التحليلُ الذي يتواطؤون فيه مع الزوج - لفظًا أو عُرفًا - على أن يُطلقَ المرأة، أو ينوي الزوج ذلك – مُحرم؛ لعن النبي - صلّى الله عليه وسلم - فاعلَه في أحاديثَ متعددةٍ، وسماه: ((التيس المستعار))، وقال: ((لعن الله المحلل والمحلل له))، وكذلك مثل عمر وعثمان وعلي وابن عمر - رضي الله عنهم - وغيرهم، لهم آثار مشهورة، يصرِّحون فيها بأن مَن قصد التحليل بقلبه فهو مُحلل، وإن لم يشترطه في العقد، وسموه: سفاحًا، ولا تحل لمطلقها الأول بمثل هذا العقد، وقال: وما كان يحل للأول وطْؤها، وإذا وطئها فهو زانٍ عاهر.

أيها الزوج:
لَم تستطع الإمساك بزمام نفسك، وإلجام غضبك وشيطانك، أرجولة أن تُفرط في زوجتك وهي خالصة لك، وتحرص عليها وهي لغيرك ولَم تتفكر في عاقبة الأمور، ولم تُقم وزنًا لأحكام الدين؟! فجاءك الجوابُ شديدًا قاسيًا على نفسك؛ حتى لا تكون كلمة الطلاق سهلةً على لسانك؛ تأديبًا وترهيبًا؛ لتحرصَ على بيتك وعلى أسرتك، وتُفكِّر في بدائل أخرى لعلاج المشكلات.

فأسوأ منَ الطلاق اللَّعن، وهو: الطرْد والإبعاد من رحمة الله، وأنت تبحث لزوجتك عن محلل، هذا الذي يُشبه التيس المستعار، فأي خيرٍ تنتظره في حياتِك بعد هذا، إلا مَن تاب وآمَن وعمل عملاً صالحًا، فأولئك يُبدِّل الله سيئاتهم حسنات، فاحرص على ألا تكونَ تيسًا مستعارًا، وألا تجعل غيرك يكون كذلك تيسًا مستعارًا.