• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: التدافع سنة ربانية وحكمة إلهية
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: حر الصيف عبر وعظات
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    شذا الريحان من مزاح سيد ولد عدنان صلى الله عليه ...
    السيد مراد سلامة
  •  
    التحذير من الافتتان والاغترار بالدنيا الفانية ...
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    وقفات مع اسم الله العليم (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    مقاربات بيانية إيمانية لسورة الفجر
    د. بن يحيى الطاهر ناعوس
  •  
    تخريج حديث: من أتى الغائط فليستتر
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    من أقوال السلف في معاني أسماء الله الحسنى: ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الحديث الأول: تصحيح النية وإرادة وجه الله بالعمل ...
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    الاتحاد والاعتصام من أخلاق الإسلام
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    الثبات عند الابتلاء بالمعصية (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    اللسان بين النعمة والنقمة (خطبة)
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    فخ استعجال النتائج
    سمر سمير
  •  
    من مائدة الحديث: خيرية المؤمن القوي
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    وفاء القرآن الكريم بقواعد الأخلاق والآداب
    عمرو عبدالله ناصر
  •  
    خطبة: كيف أتعامل مع ولدي المعاق؟
    عدنان بن سلمان الدريويش
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع / في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
علامة باركود

الحدود الشرعية عدل ورحمة (خطبة)

الحدود الشرعية عدل ورحمة (خطبة)
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/1/2016 ميلادي - 29/3/1437 هجري

الزيارات: 19353

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحدود الشرعية عدل ورحمة


أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].


أَيُّهَا المُسلِمُونَ، شَرِيعَةُ الإِسلامِ هِيَ أَكمَلُ الشَّرَائِعِ وَأَيسَرُهَا، رُفِعَتِ عَنَّا فِيهَا الآصَارُ وَالأَغلالُ الَّتي كَانَت عَلَى مَن قَبلَنَا، وَلَم يَجعَلِ اللهُ عَلَينَا فِيهَا حَرَجًا بِوَجهٍ مِن الوُجُوهِ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ ﴾ وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286] وَقَد أَتَمَّهَا - سُبحَانَهُ - لِتَشمَلَ شُؤُونَ حَيَاتِنَا كُلَّهَا، فَلا نَحتَاجُ مَعَهَا إِلى غَيرِهَا، وَلا نَضطَرُّ إِلى مَزِيدٍ عَلَيهَا، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا ﴾ وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النحل: 89] وَإِنَّهُ كُلَّمَا أَمسَتِ الأُمَّةُ عَاضَّةً عَلَى هَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِنَوَاجِذِهَا، آخِذَةً بِأَحكَامِهَا في كُلِّ شُؤُونِهَا، غَدَت ظَافِرَةً غَالِبَةً، مَهِيبًا جَنَابُهَا، مَحفُوظَةً حُقُوقُ أَفرَادِهَا، وَافِرًا حَظُّهَا مِنَ الهُدَى وَالسَّعَادَةِ وَالرَّحمَةِ، وَالمَتَاعِ الحَسَنِ وَالسَّعَةِ وَالبَرَكَةِ، وَكُلَّمَا ضَعُفَت في عَصرٍ أَو مِصرٍ أَو جَانِبٍ، فَأَخَذَت بِالشَّرَائِعِ البَاطِلَةِ وَرَكَنَت إِلى القَوَانِينِ الوَضعِيَّةِ، وَتَحَاكَمَت إِلى الطَّاغُوتِ وَرَضِيَت حُكمَهُ، أَصَابَهَا الذُّلُّ وَمُنِيَت بِالهَزِيمَةِ، وَعُوقِبَت بِضَعفِ الحَالِ وَفَسَادِ المَعَايِشِ وَضَيَاعِ الحُقُوقِ، وَرَتَعَت في مَهَاوِي الضَّلالِ وَالشَّقَاءِ وَالضَّنكِ ثم العَذَابِ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123، 124] وَقَالَ - تَعَالى - عَن أَهلِ الكِتَابِ: ﴿ وَلَو أَنَّهُم أَقَامُوا التَّورَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم لأَكَلُوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم ﴾  وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ [هود: 1 - 3].

 

أَجَلْ - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - إِنَّ شَرِيعَةَ اللهِ الَّتِي أَنزَلَهَا عَلَى عِبَادِهِ مِن لَدُنْ آدَمَ وَمَن بَعدَهُ، إِنَّهَا لَهِيَ العَاصِمَةُ لِلأُمَمِ وَالمُجتَمَعَاتِ مِنَ الضَّلالِ في الدُّنيَا وَالشَّقَاءِ في الآخِرَةِ، إِذْ إِنَّهَا لم تَقتَصِرْ عَلَى مَا يُؤَدِّيهِ العِبَادُ مِن فُرُوضٍ تَعَبُّدِيَّةٍ كَمَا يُرِيدُ أَن يَفهَمَهَا مُدمِنُو الشَّهَوَاتِ، أَو عَلَى الأَحوَالِ الشَّخصِيَّةِ كَمَا يَتَعَمَّدُ أَن يَقصُرَهَا قَاصِرُو العُقُولِ، وَلَكِنَّهَا مَعَ تَقوِيَةِ العَلائِقِ بِرَبِّ الخَلائِقِ، شَمِلَت عِلاقَةَ النَّاسِ فِيمَا بَينَهُم، وَتَنَاوَلَت تَنظِيمَ حَيَاتِهِم وَتَرتِيبَ شُؤُونِ مَعِيشَتِهِم، مِن زَوَاجٍ وَطَلاقٍ وَمِيرَاثٍ، وَمعَامَلاتٍ مَالِيَةٍ وَاجتِمَاعِيَّةٍ، وَشُؤُونٍ اقتِصَادِيَّةٍ وَعَسكَرِيَّةٍ، وَنُظُمٍ سِيَاسِيَّةٍ وَحُدُودٍ وَتَعزِيرَاتٍ، بَل وَكُلِّ مَا يَحتَاجُونَهُ لِيُؤَسِّسُوا لأَنفُسِهِم حَيَاةً طَيِّبَةً عَلَى هَذِهِ الأَرضِ، الَّتي جُعِلَ لَهُم فِيهَا مُستَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلى حِينٍ.

 

وَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الإِنسَانُ بِطَبعِهِ ظَلُومًا جَهُولاً، لم يُترَكْ لَهُ الخِيَارُ في العَمَلِ بِالشَّرِيعَةِ أَو إِلغَائِهَا، وَإِنَّمَا أُوجِبَ عَلَيهِ ذَلِكَ إِيجَابًا وَفُرِضَ فَرضًا، قَالَ - تَعَالى - في مَطلَعِ سُورَةِ النُّورِ: ﴿ سُورَةٌ أَنزَلنَاهَا وَفَرَضنَاهَا وَأَنزَلنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ ﴾  إِعلانٌ بِفَرَضِيَّةِ هَذِهِ السُّورَةِ الَّتي أُنزِلَت مِن رَبِّ العَالمِينَ، وَشُرِعَ فِيهَا حَدُّ الزِّنَا وَالقَذفِ وَضَوَابِطَ اللِّعَانِ، وَذُكِرَ فِيهَا كَثِيرٌ مِن آدَابِ الإِسلامِ كَالحِجَابِ وَالاستِئذَانِ وَطَاعَةِ الرَّسُولِ. وَقَالَ - سُبحَانَهُ - في أَوَّلِ سُورَةِ المَائِدَةِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1] ثم ذَكَرَ كَثِيرًا مِنَ العُقُودِ وَالحُدُودِ، كَتَحرِيمِ أَنوَاعٍ مِنَ الأَطعِمَةِ، وَوُجُوبِ العَدلِ مَعَ الأَعدَاءِ، وَفُرُوضِ الوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ، وَأَحكَامِ القِتَالِ وَالقِصَاصِ وَالسَّرِقَةِ، ثُمَّ قَالَ - سُبحَانَهُ - بَعدَ ذِكرِ طَائِفَةٍ مِن هَذِهِ العُقُودِ وَالحُدُودِ: ﴿ وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الكِتَابِ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لما بَينَ يَدَيهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيمِنًا عَلَيهِ فَاحكُمْ بَينَهُم بما أَنزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهوَاءَهُم عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ ﴾ وَفِيهَا قَالَ أَيضًا: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 49، 50] وَفي هَذِهِ السُّورَةِ يُحَذِّرُنَا - سُبحَانَهُ - مِن أَن يَحِلَّ بِنَا مَا حَلَّ بِاليَهُودِ وَالنَّصَارَى، الَّذِينَ بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا وَحَرَّفُوا، وَتَرَكُوا مَا أَنزَلَهُ اللهُ عَلَيهِم مِنَ التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ، فَكَفَّرَهُم - سُبحَانَهُ - بِذَلِكَ وَفَسَّقَهُم، وَحَكَمَ عَلَيهِم بِأَنَّهُم ظَالِمُونَ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ * وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 44، 47] وَفي سُورَةِ الأَعرَافِ وَبَعدَ أَن ذَكَرَ - تَعَالى - اعتِدَاءَ اليَهُودِ في السَّبتِ بِصَيِد السَّمَكِ في يَومٍ حُرِّمَ عَلَيهِمُ العَمَلُ فِيهِ، ثم تَركِ بَعضِهِم لِلأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبعَثَنَّ عَلَيهِم إِلى يَومِ القِيَامَةِ مَن يَسُومُهُم سُوءَ العَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَطَّعنَاهُم في الأَرضِ أُمَمًا ﴾ وَبِمِثلِ هَذَا العَذَابِ قَرَّعَ - جَلَّ وَعَلا - النَّصَارَى حِينَ تَرَكُوا بَعضَ مَا أُنزِلَ عَلَيهِم، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [المائدة: 14] وَتِلكَ سُنَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ مَاضِيَةٌ، وَقَضَاءٌ مِنَ الحَكَمِ العَدلِ - سُبحَانَهُ - أَنَّ كُلَّ مَا هُدِّدَ بِهِ السَّابِقُونَ وَعُذِّبُوا بِهِ، فَسَيَقَعُ مِثلُهُ لِمَن فَعَلَ فِعلَهُم وَسَارَ عَلَى نَهجِهِم مِن هَذِهِ الأُمَّةِ إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ لَيسَ بِأَمَانِيِّكُم وَلا أَمَانيِّ أَهلِ الكِتَابِ مَن يَعمَلْ سُوءًا يُجزَ بِهِ ﴾ وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ﴾ [يونس: 102] وَمَا هَذَا الَّذِي نَرَاهُ وَاقِعًا أَمَامَنَا وَنُشَاهِدُهُ عِيَانًا، مِن ضَعفِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَذِلَّتِهَا وَتَشرِيدِ أَبنَائِهَا، وَخُنُوعِهَا أَمَامَ الأَعدَاءِ ثم فُرقَتِهَا وَتَمَزُّقِهَا، إِلاَّ شَاهِدٌ وَاضِحٌ عَلَى صِدقِ وَعدِ اللهِ بِتَمزِيقِ شَملِ مَن خَالَفَ أَمرَهُ وَتَرَكَ حُكمَهُ وَرَاءَ ظَهرِهِ، وَمَا أَمرُ العَربِ وَخَاصَّةً في هَذِهِ الجَزِيرَةِ بِخَافٍ عَلَى مَن قَرَأَ التَّأرِيخَ، فَقَد ثَبَتَ أَنَّهُم لم يَجتَمِعُوا يَومًا إِلاَّ عَلَى سُلطَانِ الدِّينِ وَتحتَ لِوَاءِ الشَّرعِ، حَيثَ أَلَّفَ اللهُ بِهِ بَينَ قُلُوبِهِم، وَوَحَّدَ بِبَرَكَتِهِ كَلِمَتَهُم، وَرَدَعَ بِسُلطَانِهِ أَهلَ الشَّرِّ مِنهُم وَالفَسَادِ عَن شَرِّهِم وَفَسَادِهِم، وَلا يَكَادُ يَضعُفُ هَذَا الدِّينُ في أَوسَاطِهِم في فَترَةٍ أَو زَمَانٍ، إِلاَّ عَادُوا إِلى مِثلِ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى شَرًّا وَفَسَادًا وَفُرقَةً وَشَتَاتًا، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَحمَدِ اللهَ الَّذِي وَفَّقَ وُلاتَنَا في هَذِهِ البِلادِ إِلى تَحكِيمِ شَرعِ اللهِ وَتَنفِيذِ أَحكَامِهِ العَادِلَةِ، وَلْنَرضَ بِذَلِكَ وَلْنُسَلِّمْ ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

♦♦♦♦♦


أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوا أَمرَهُ وَاجتَنِبُوا نَهيَهُ ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 51، 52]


أَيُّهَا المُسلِمُونَ، العُقُوبَاتُ في الإِسلامِ وَالحُدُودُ وَالتَّعزِيرَاتُ لَيسَت تَعذِيبًا وَلا تَشَفِّيًا، وَلا رَدًّا لِلكَيلِ صَاعًا بِصَاعٍ وَلا انتِقَامًا، وَلَكِنَّ لها أَهدَافًا سَامِيَةً وَغَايَاتٍ حَمِيدَةً وَحِكَمًا بَالِغَةً، فَفِيهَا التَّطهِيرُ وَالتَّكفِيرُ، وَفِيهَا القِصَاصُ وَالتَّعوِيضُ، وَفِيهَا الزَّجرُ وَالرَّدعُ، فَعَن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَحَولَهُ عِصَابَةٌ مِن أَصحَابِهِ: " بَايَعُوني عَلَى أَن لا تُشرِكُوا بِاللَّهِ شَيئًا وَلا تَسرِقُوا وَلا تَزنُوا وَلا تَقتُلُوا أَولادَكُم وَلا تَأتُوا بِبُهتَانٍ تَفتَرُونَهُ بَينَ أَيدِيكُم وَأَرجُلِكُم وَلا تَعصُوا فِي مَعرُوفٍ، فَمَن وَفَى مِنكُم فَأَجرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَن أَصَابَ مِن ذَلِكَ شَيئًا فَعُوقِبَ بِهِ في الدُّنيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَن أَصَابَ مِن ذَلِكَ شَيئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيهِ في الدُّنيَا فَهُوَ إِلى اللَّهِ: إِن شَاءَ عَفَا عَنهُ وَإِن شَاءَ عَاقَبَهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَأَمَّا حِكمَةُ القِصَاصِ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُؤخَذُ مِنَ الجَاني بِقَدرِ جِنَايَتِهِ، فَالنَّفسُ بِالنَّفسِ، وَالعَينُ بِالعَينِ، وَالأَنفُ بِالأَنفِ، وَالأُذُنُ بِالأُذُنِ، وَالسِّنُّ بِالسِّنِّ؛ فَلَيسَت نَفسُ الجَاني وَلا شَيءٌ مِن جَوَارِحِهِ بِأَعزَّ وَلا أَغلَى مِن نَفسِ المَجنِيِّ عَلَيهِ أَو جَوَارِحِهِ، وَمِثلُ ذَلِكَ التَّعوِيضُ أَو أَرشُ الجِنايَاتِ، كَالدِّيَةِ وَتَغرِيمِ أَثمَانِ المُتلَفَاتِ، حَيثُ يُعَوَّضُ المَجنِيُّ عَلَيهِ مَالاً بِقَدرِ مَا فُقِدَ مِنهُ، نَفسًا كَانَت أَو عُضوًا أَو مُمتَلَكًا، فَذَلِكَ يَشفِي صَدرَهُ إِن كَانَ حَيًّا، وَإِلاَّ كَانَ تَعوِيضًا لِوَرَثَتِهِ وَتَطيِيبًا لِخَوَاطِرِهِم وَشِفَاءً لِصُدُورِهِم. وَحِينَمَا يُقَامُ الحَدُّ عَلَى مُجرِمٍ أَمَامَ النَّاسِ وَعَلَى مَشهَدٍ مِنهُم، فَإِنَّ ذَلِكَ رَدعٌ لَهُ عَن مُعَاوَدَةِ الجُرمِ، وَكَفٌّ لِغَيرِهِ إِذَا رَأَى العُقُوبَةَ وَعَايَنَ الجَزَاءَ، وَلِذَلِكَ فَرَضَ اللهُ في عُقُوبَةِ الزِّنَا أَن يَشهَدَهَا طَائِفَةٌ مِنَ المُؤمِنِينَ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 2] وَقَد ثَبَتَ بِاستِقرَاءِ الأَحوَالِ أَنَّ الحُدُودَ الشَّرعِيَّةَ مَا طُبِّقَت في مَكَانٍ إِلاَّ وَوُئِدَت فيه الجَرِيمَةُ في مَهدِهَا، وَأَمِنَ النَّاسُ عَلَى أَنفُسِهِم وَعُقُولِهِم وَأَموَالِهِم وَأَعرَاضِهِم؛ فَبِتَنفِيذِ حَدِّ الزِّنَا يُقطَعُ دَابِرُ البِغَاءَ وَيَقِلُّ أَولادُ السِّفَاحِ، وَبِتَنفِيذِ حَدِّ شُربِ المُسكِرَاتِ تُصَانُ العُقُولُ، وَبِقَطعِ يَدِ السَّارِقِ وَقَتلِ القَاتِلِ وَالمُرتَدِّ، وَإِقَامَةِ حَدِّ الحِرَابَةِ عَلَى البَاغِي، تَأمَنُ السُّبُلُ وَالمَسَالِكُ، وَتُسَدُّ الثُّغُورُ وَتُحمَى المُمتَلَكَاتُ، وَتُحفَظُ الأَموَالُ وَتُصَانُ النُّفُوسُ، وَتُحقَنُ الدِّمَاءُ وَيُرتَدَعُ عَن إِزهَاقِهَا، وَمِن ثَمَّ يَنتَشِرُ النَّاسُ في الأَرضِ لِيَبتَغُوا مِن فَضلِ اللهِ، وَتَزدَهِرُ التِّجَارَةُ وَالزِّرَاعَةُ وَتَنمُو الصِّنَاعَةُ، وَيَصِيرُ المُجتَمَعُ مُجتَمَعَ خَيرٍ وَبَرَكَةٍ وَنَمَاءٍ وَرَخَاءٍ، وَيَطِيبُ العَيشُ وَتَنتَظِمُ أَسبَابُ الحَيَاةِ، وَصَدَقَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إِذْ قَالَ: " إِقَامَةُ حُدٍّ في الأَرضِ خَيرٌ لأَهلِهَا مِن أَن يُمطَرُوا أَربَعِينَ لَيلَةً " رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحكمة في القصاص والحدود
  • تحريف آيات الحدود عن مواضعها
  • تنفيذ الحدود وأثره في الحفاظ على الأمن
  • لا إله إلا الله: منهج حياة (خطبة)
  • أثر تطبيق الحدود الشرعية في حفظ الأمن (خطبة)
  • أسباب علاجية للغضب المذموم (خطبة)
  • خطبة عن إقامة الحدود

مختارات من الشبكة

  • الذكاء الاصطناعي بين نعمة الشكر وخطر التزوير: وقفة شرعية (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • دور السنة النبوية في وحدة الأمة وتماسكها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس (75)(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس (74)(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • نجاح القاري شرح صحيح البخاري للشيخ يوسف أفندي زاده رحمه الله (ت 1167هـ) (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس (73)(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس (72)(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح الأصول الثلاثة: للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • {فبما رحمة من الله لنت لهم}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس (71)(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • نواكشوط تشهد تخرج نخبة جديدة من حفظة كتاب الله
  • مخيمات صيفية تعليمية لأطفال المسلمين في مساجد بختشيساراي
  • المؤتمر السنوي الرابع للرابطة العالمية للمدارس الإسلامية
  • التخطيط لإنشاء مسجد جديد في مدينة أيلزبري الإنجليزية
  • مسجد جديد يزين بوسانسكا كروبا بعد 3 سنوات من العمل
  • تيوتشاك تحتضن ندوة شاملة عن الدين والدنيا والبيت
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/2/1447هـ - الساعة: 12:20
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب