• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    واختار النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة
    السيد مراد سلامة
  •  
    من سلسلة دروس أحاديث رمضان حديث: اللهم اغفر ...
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    من آداب الصيام: تعجيل الإفطار
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    مسائل متفرقة في أحكام الصيام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    عدد الركعات في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ...
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    خطبة: أحسنوا جوار النعم
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    {تلك أمانيهم}
    د. خالد النجار
  •  
    اللهم وفقنا في رمضان
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    مسائل حول الزكاة (خطبة)
    خالد سعد الشهري
  •  
    الوصية بالمراقبة
    السيد مراد سلامة
  •  
    الخلاف في الأفضل في مكان قيام رمضان
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    الفاتحة والصراط المستقيم
    محمد بن سند الزهراني
  •  
    الوصية بالإكثار من الاستغفار
    السيد مراد سلامة
  •  
    الوقت في حياة الدعاة إلى الله تعالى
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    مبطلات الصيام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    من سلسلة أحاديث رمضان حديث: لا تزالون بخير ما دام ...
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العلم والدعوة
علامة باركود

زيغة الحكيم (خطبة)

زيغة الحكيم (خطبة)
إبراهيم الدميجي


تاريخ الإضافة: 6/10/2022 ميلادي - 10/3/1444 هجري

الزيارات: 3853

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

زيغةُ الحكيم

 

الحمد لله العليم الحكيم، الرحمن الرحيم، أمر بالاعتصام بحبله المتين والاجتماع، ونهى عن الفرقة والتنازع والضياع، جعل أُخُوَّةَ الدِّين من الدِّين، وأمر بالموالاة فيه كل حين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق وقدَّر، وملك ودبَّر، وشرع ويسَّر، فله جميل الحمد مقدمه والمؤخَّر، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، النبي الخاتم، والناصح المشفق، والمصطفى الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان؛ أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واحفظوا لأهل العلم أقدارهم؛ فإنهم ورثة الأنبياء، وإنَّ حاجة الناس للعلماء ضرورة كضرورة المريض للعافية، والمسافر للنجم الهادي، وسُئل أهل مكة: كيف كان عطاء فيكم؟ فقالوا: كان مثل العافية، لا نعرف فضلها حتى تُفقد.

 

ألا وإن كثيرًا من النزاع بين المسلمين والخصومات والبغيِ والفُرقة قد حدث حين تجاوز العلماء من ليس منهم، وأسقطهم من لم يعرف قدرهم.

 

عباد الرحمن: إن الفرض هو حفظُ قدر العالم مع عدم متابعته إن أخطأ، والله تعالى لا يُتقرَّب إليه بمعصيته، والعالم بَشَرٌ معرَّض للخطأ في فتواه، سواء من جهة عدم إدراك الصواب والتحرير، أو من جهة طريقة البيان والتقرير، أو حتى من جهة النية والتجريد، فيطير بذلك أهل الشهوات والشُّبُهات، فينشرون خطأ الفقيه، ويُطلقون ما قيَّده، ويُعمِّمون ما خصَّصه، ويقيسون على فتواه ما ليس منها، إذ همُّهم شهواتهم لا هداياتهم، وزلَّة العالِم زلَّة العالَم ومضروب لها الطبل، نعوذ بالله من فتنة القول والعمل.

 

أيها الناس: إن حملة العلم يصلون ما أمر الله به أن يُوصَل، ويحفظون أقدار أولي الفضل والعلم والسابقة، ولا يعرف الفضل لأولي الفضل سوى أهل الفضل، والعالم العامل في المحل رحمة من الله وبركة على أهله تمشي على قدمين؛ قال يوسف بن أسباط: "كان أبي قدريًّا، وأخوالي روافض، فأنقذني الله بسفيان"، وتأمل جميل ثناء ابن القيم على شيخه ابن تيمية لما كان سببًا - بإذن الله -للأخذ بيد ابن القيم للسنة المحضة، والموفَّقون هم من يحفظون قدر العالم حتى وإن تعثر ببعض الأخطاء أو الاجتهادات، التي لا تخرجه من أصول أهل السنة الكلية.

 

قال سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى: "ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تُذكَرَ عيوبه، ومن كان فضله أكثر من نقصه، وهب نقصه لفضله"[1]، وقال الحافظ الذهبي رحمه الله: "ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه وبدَّعناه، لقلَّ مَن يسلَم معنا من الأئمة"[2]، وقال: "ليس من شرط العالم ألَّا يخطئ"[3]، ألا ما أجمل الإنصاف وأعزه وأروعه وأورعه!

 

عباد الرحمن: ثمة خيطٌ رفيع بين تقدير العلماء وتقديسهم، فالأول واجب محمود، والثاني ممنوع، وبعض الناس فر من الثانية فألحق بها الأولى، وهذا خطأ، فالعلم رفعهم.

 

وكيف لا يكون ذلك لهم وهم مِلح الناس، وزينة الأرض، وحلى الدنيا، وهم نجوم لا يضل معها الساري، ومنهل يرتوي منه الصادي، ولا تزال قلوب العابدين بعلومهم معمورة، وصدورهم من وصاياهم مأهولة، والعلماء هم شُهُبُ الله على المبطلين، ورجومه على رؤوس المجرمين، وعلى امتداد تاريخ الأمة المجيد نجد أن الأمة قد مرت بمنعطفات صعبة للغاية، وكان فضل توجيهها - بعد الله - على أيدي علماء حفِظوا الأمانة فحفظتهم؟

 

ولنأخذ مثالين على بركة العالم وحسن أثره في الناس؛ خبر ابن عباس، وخبر جابر رضي الله عنهم: ففي خبر ابن عباس رضي الله عنهما مع أهل النهروان؛ وهم الخوارج المارقة: قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ودخلت عليهم نصف النهار، فدخلت على قوم لم أرَ قومًا قط أشد منهم اجتهادًا، جباههم قرَّحت من السجود، وأيديهم كأنها ثَفِنُ الأبل - أي: ركبها الغليظة، وهذا من طول السجود- وعليهم قُمُصٌ مرحَّضة - أي مغسولة - مشمِّرين، مسهمةً وجوههم من السهر"؛ أي: متغيرة ألوانها من الصيام والقيام، وهذا من إنصافه رضي الله عنه، فانظر عظيم فتنة إبليس بهم، كيف وهم مع هذا الحال من شديد العبادة، وابتغاء التقوى، ودقيق الورع، ﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الرعد: 33]، ولهم نصيب من قول الله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103، 104]، وما من أمر لله إلا وللشيطان فيه حظان لا يبالي بأيهما أسقط العباد: الزيادة، والنقصان.

 

وتأمل مدى ضلالهم في قصتهم مع التابعي الجليل عبدالله بن خباب وزوجه الحامل، فقد أسروه ومعه امرأته، فقالوا: من أنت؟ قال: أنا عبدالله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنكم قد روَّعتموني، فقالوا: لا بأس عليك، حدثنا ما سمعت من أبيك، فقال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي))[4]، فاقتادوه بيده، فبينما هو يسير معهم إذ لقي بعضهم خنزيرًا لبعض أهل الذمة فضربه بعضهم فشق جلده، فقال له آخر: لمَ فعلت هذا وهو لذميٍّ؟ فذهب إلى ذلك الذمي فاستحله وأرضاه، وبينا هو معهم إذ سقطت تمرة من نخلة فأخذها أحدهم فألقاها في فمه، فقال له آخر: بغير إذن ولا ثمن؟ فألقاها ذاك من فمه، ومع هذا قدَّموا عبدالله بن خباب فذبحوه، وجاؤوا إلى امرأته فقالت: إني امرأة حبلى، ألَا تتقون الله، فذبحوها وبقروا بطنها عن ولدها، عياذًا بالله من مضلات الفتن.

 

قال ابن عباس في سياق خبره الآنف: "فسلمت عليهم، فقالوا: مرحبًا يا ابن عباس، ما جاء بك؟ قال: قلت: أتيتكم من عند المهاجرين والأنصار، ومن عند صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليٍّ، وعليهم نزل القرآن، وهم أعلم بتأويله، فقالت طائفة منهم: لا تخاصموا قريشًا فإن الله قال: ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [الزخرف: 58]، فقال اثنان أو ثلاثة: لنكلمنَّه.

 

فقلت لهم: تُرى ما نقمتم على صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمهاجرين والأنصار، وعليهم نزل القرآن، وليس فيكم منهم أحد، وهم أعلم بتأويله منكم؟ قالوا: ثلاثًا[5]، قلت: ماذا؟ قالوا: أما إحداهن: فإنه حكَّم الرجال في أمر الله عز وجل، وقد قال الله عز وجل: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ [الأنعام: 57]، فما شأن الرجال والحكم بعد قول الله عز وجل؟ فقلت: هذه واحدة، وماذا؟ قالوا: وأما الثانية: فإنه قاتل ولم يسبِ ولم يغنم، فلئن كانوا مؤمنين ما حلَّ لنا قتالهم وسباهم، قلت: وماذا الثالثة؟ قالوا: إنه محا نفسه من أمير المؤمنين، إن لم يكن أمير المؤمنين، فإنه لأمير الكافرين، قلت: هل عندكم غير هذا؟ قالوا: كفانا هذا.

 

قلت لهم: أما قولكم: حكَّم الرجال في أمر الله عز وجل، أنا أقرأ عليكم في كتاب الله عز وجل ما ينقض قولكم، أفترجعون؟[6] قالوا: نعم، قلت: فإن الله عز وجل قد صيَّر من حكمه إلى الرجال في ربع درهمٍ ثمنِ أرنب؛ وتلا هذه الآية: ﴿ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ [المائدة: 95]، إلى آخر الآية، وفي المرأة وزوجها: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 35]، إلى آخر الآية، فنشدتكم بالله، هل تعلمون حكم الرجال في إصلاح ذات بينهم، وحقن دمائهم أفضل، أم حكمهم في أرنب وبَضْعِ امرأة؟ فأيهما ترون أفضل؟ قالوا: بل هذ، قال: خرجت من هذه؟ قالوا: نعم[7].

 

قلت: وأما قولكم: قاتل ولم يسبِ ولم يغنم، فتسْبُون أمكم عائشة؟ فوالله لئن قلتم: ليست بأمِّنا، لقد خرجتم من الإسلام، ووالله لئن قلتم: نسبيها نستحل منها ما نستحل من غيرها، لقد خرجتم من الإسلام، فأنتم بين الضلالتين؛ إن الله عز وجل قال: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، فإن قلتم: ليست بأمنا، لقد خرجتم من الإسلام، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.

 

وأما قولكم: محا نفسه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بمن ترضَون: يوم الحديبية، كاتب المشركين أبا سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو، فقال: ((يا علي، اكتب: هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله"، فقال المشركون: والله لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنك تعلم أني رسولك، امحُ يا علي، اكتب: هذا ما كاتب عليه محمد بن عبدالله))، فوالله لَرسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عليٍّ، فقد محا نفس، قال: فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم فقتلوا"[8].

 

أما خبر جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، فقد حدَّث به يزيد بن صهيب الفقير، قال: "كنت قد شغفني[9] رأي من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد، نريد أن نحج ثم نخرج على الناس[10]، قال: فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبدالله جالس إلى سارية يحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا هو قد ذكر الجهنميين[11]، فقلت: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم[12]، ما هذا الذي تحدثوننا؟ ثم ذكر شبهة الخوارج، فقال: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: فاقرأ ما قبله[13]، إنه في الكفار، ثم قال: فهل سمعت بمقام محمد الذي يبعثه الله فيه؟ ثم حدَّثَهم بحديث الشفاعة، قال: فرجعنا، قلنا: ويحكم، أترون هذا الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فرجعنا، فلا والله ما خرج غير رجل واحد، أو كما قال"[14].

 

بارك الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

إن الحمد لله؛ أما بعد:

فاتقوا الله تعالى معشر المؤمنين، وتفقَّهوا في الدين، واعملوا بما علمتم يعلمكم الله ما جهلتم، ولله معاذ ما أفقهه! فعن يزيد بن عميرة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ((تكون فتنة يكثر فيها المال، ويُفتح فيها القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق، والصغير والكبير، والرجل والمرأة، يقرأه الرجل سرًّا فلا يتبع عليها، فيقول: والله لأقرأنه علانية، ثم يقرأه علانية فلا يتبع عليها، فيتخذ مسجدًا ويبتدع كلامًا ليس في كتاب الله، ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإياكم وإياه فإن كل ما ابتُدع ضلالة)).

 

قال يزيد: ولما مرِض معاذ بن جبل مرضه الذي قُبض فيه كان يُغشى عليه أحيانًا ويفيق أحيانًا، حتى غُشِيَ عليه غشيةً ظننا أنه قد قُبض، ثم أفاق وأنا مقابله أبكي، فقال: ما يبكيك؟ قلت: والله لا أبكي على دنيا كنت أنالها منك، ولا على نسب بيني وبينك، ولكن أبكي على العلم والإيمان الذي أسمع منك يذهب.

 

قال: فلا تبكِ؛ فإن العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، فابْتَغِهِ حيث ابتغاه إبراهيم عليه الصلاة السلام، فإنه سأل الله تعالى وهو لا يعلم؛ وتلا: ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الصافات: 99]، وابْتَغِهِ بعدي عند أربعة نفر، وإن لم تجده عند واحد منهم، فسَلْ عن الناس أعيانه؛ عبدالله بن مسعود، وعبدالله بن سَلَام، وسلمان، وعويمر أبي الدرداء، وإياك وزَيغةَ الحكيم، وحكم المنافق"[15].

 

وفي رواية له عن معاذ وفيها: "وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق، قال: قلت لمعاذ: وما تدري - رحمك الله - أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق يقول كلمة الحق؟ قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال: ما هذه؟ ولا يثنينَّك ذلك عنه فإنه لعله يراجع، وتلقَّ الحق إذا سمعته، فإن على الحق نورًا"[16].

 

فرضيَ الله عن معاذ إذ أعطانا معيارًا ومنهاجًا في التعامل مع أهل العلم ومن تشبه بهم ممن ليس منهم، حالَ صواب الجميع أو خطئهم.

 

فاحذر - يا طالب العلم - أن تبتغي العلو في الأرض على أقرانك وعلى الناس، وابتغِ سمو السماء بتقواك، وارغب إلى منازل الآخرة بنصحك وتواضعك؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83].

 

وتأمل فقه معاذ رضي الله عنه في تحذيره من زيغة الحكيم؛ لذلك فلا تنعق فرحًا بكل نكتة علمية انقدحت لك، فما كل ما يلمع ذهبًا ولا كل بيضاء شحمة، وكم من قدحة قاتل! وكم من دهليز جهل على باب فكرة! وكم أعرض الراسخون عن مسائل صانوا بها صفاء علومهم!

 

وبالجملة: لا تفرح بالطارف على التليد، واجتنب في العلم الغرائبَ، فالغريب مريب، وعليك بجادة السالفين الأُوَلِ، ذوي الأمر الأوَّل، والنمط الأوسط، الذين وقفوا عن علم، وكفُّوا عن ورع.

 

ولله درُّ ابن مسعود ما أحكمه حين قال: "إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم، فإذا كان العلم في صغاركم، سفَّه الصغير الكبير"[17].

 

ولقد مر الإمام أبو حنيفة رحمه الله على جماعة يتفقهون، فقال: ألهم رأس؟ قالوا: لا، قال: إذًا لا يفلحون أبدًا[18]، ومن بديع شعر عبدالوهاب بن علي المالكي رحمه الله:

متى يصل العِطاش إلى ارتواء
إذا استقت البحار من الركايا
ومن يثني الأصاغر عن مرادٍ
إذا جلس الأكابرُ في الزوايا
إذا استوت الأسافل والأعالي
فقد طابت منادمةُ المنايا

اللهم صلِّ على محمد...



[1] التمهيد (11/ 170)، الكفاية (79).

[2] السير (14/ 374).

[3] السير (14/ 339).

[4] رواه أحمد (1446).

[5] وفي هذا التثبت من استدلال المخالف، فقد تكون حجة عليك قبولها والإذعان والتسليم لها، وقد تكون شبهة عليك أن تكشفها له وتبطلها من عينيه.

[6] وفي هذا إلزام الخصم بالرجوع عن قوله إن تبين له بطلانه، وقد كانت هذه طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود وغيرهم.

[7] وتأمل حسن السياق والترتيب والإلزام، وإخلاء شبهة الخصم من مضمونها ومبررها.

[8] عبدالرزاق في المصنف (18678)، والطبراني (10598)، والحاكم (2/ 150)، وغيرهم، وذكر أحمد في المسند (3187) طرفًا من القصة بسند جيد، وقد رُويت قصةُ أمر النبي صلى الله عليه بمحو "محمد رسول الله" في البخاري (2731) و(2732)، ومسلم (1784).

[9] أي: تملَّكني بأن دخل شَغاف قلبي، والشَّغاف: غِلاف القلب.

[10] ولا أعلم أن الخوارج جالدوا المشركين يومًا، وتأمل الحال مع الغلاة في هذا الزمان كيف يقتلون المسلمين ويَدَعون المشركين، متذرعين بأن القريب مرتدٌّ، والمرتد يُقتل قبل الكافر الأصلي، هكذا بلا إقامة حجة ولا إبانة محجة، كيف والحجة عليهم لا لهم؟ ﴿ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف: 17]، وهذه خصلة الخوارج؛ فقد وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرُقون من الإسلام مُروقَ السهم من الرميَّة، يقتلون أهل الإسلام ويَدَعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنَّهم قتلَ عاد"؛ [البخاري (7432)، ومسلم (1064)]، فمشكلتهم في ضلال العلم لا نقص التعبد وقوة الإرادة، ﴿ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 41]، فمن هذا الوجه فيهم شَبَهٌ من النصارى الضالين، وقد روى عبدالرزاق في تفسيره (2/ 299)، والحاكم في المستدرك (2/ 522) عن أبي عمران الجوني قال: ((مرَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بديرِ راهب، فناداه: يا راهبُ، يا راهب، فأشْرَفَ، قال: فجعل عمر ينظر إليه ويبكي، فقيل له: يا أمير المؤمنين، ما يبكيك من هذا؟ قال: ذكرت قول الله عز وجل في كتابه: ﴿ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ﴾ [الغاشية: 3، 4]، فذاك الذي أبكاني))، وإن كان هذا الخبر لا يثبت؛ لأن أبا عمران لم يدرك زمان عمر، إنما المراد مغزى القصة لا حقيقتها، ففيها قرع لفؤاد المؤمن؛ تنبيهًا لعِظَمِ شأن هدايته للإسلام والإيمان؛ ﴿ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ﴾ [الحجرات: 17]، فلا نعمة تضارعها، واعلم أن كثيرًا من أهل الضلال من الملل والنِّحَلِ هم أذكى منك عقولًا، لكن الله تعالى لم يشأ لهم الهدى، فالهدى محضُ توفيقِ الله وحده، واعتبر ذلك بحال ذلك المنصِّر الأمريكي الضال المضل إذ يقول: يعز عليَّ حرص المسلمين على ارتياد المسجد خمس مرات ودينهم باطل؛ ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [البقرة: 135].

[11] وهم الذين يخرجهم الله تعالى من النار فيدخلهم الجنة، وهم من أهل الكبائر من الموحدين، وهذا ينقض أصل الخوارج الأعظم بقولهم بتكفير مرتكب الكبيرة مطلقًا؛ فحديث الشفاعة ثابت في الصحيحين، وفيه ذكر الجهنميين.

لذلك أوصى عليٌّ ابنَ عباس رضي الله عنهم أن يُحاجِجَ الخوارج بالسُّنَّة، وقال له: "لا تجادلهم بالقرآن؛ فإن القرآن حمَّال وجوه، ولكن جادلهم بالسنة، قال ابن عباس: يا أمير المؤمنين فأنا أعلم بكتاب الله منهم، في بيوتنا نزل، قال: صدقت، ولكن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن خاصمهم بالسنن، فإنهم لن يجدوا عنها محيصًا"؛ وقد عَزَاه السيوطي في الإتقان (2/ 122) إلى ابن سعد، كذلك نُقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لا تجادلوهم بالقرآن فإنه حمال وجوه ولكن حاججوهم بالرواية"؛ أي: بالسنة المروية.

لذلك فالخوارج لا يعدون السنة من مصادر التلقي لديهم، ولو علموا تأويل القرآن ما فعلوا؛ فالسنة شارحة القرآن؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44]، فالمبيِّن هو رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وقد أمر الله تعالى في القرآن أكثر من أربعين مرة بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد حدَّث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمِّصات، والمتفلِّجات للحسن، المغيِّرات خلقَ الله، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد، يقال لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته، فقالت: ما حديث بلغني عنك: أنك قلت: كذا وكذا، وذكرته؟ فقال عبدالله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله؟ فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف، فما وجدته، قال: إن كنت قرأتِهِ لقد وجدتِهِ؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، قالت: إني أرى شيئًا من هذا على امرأتك الآن؟ قال: اذهبي فانظري، فذهبت فلم تَرَ شيئًا، فجاءت، فقالت: ما رأيت شيئًا، فقال: أمَا لو كان ذلك لم نجامعها))؛ [رواه البخاري (6/ 184)، ومسلم (6/ 166)]، ومعنى المتنمِّصات: من النمص؛ وهو ترقيق الحواجب وتدقيقها بالموسى ونحوه؛ طلبًا للحسن، والنامصة التي تصنع ذلك بالمرأة، والمتنمصة التي تطلبه، والمتفلجات: هن اللاتي يطلبن الفلج بصناعة وهو تباعد ما بين الثنايا، ومعنى لم نجامعها: أي لم أجتمع معها، كناية عن طلاقها إن هي فعلت.

[12] ففي يزيدَ خيرٌ بتوقيره للصحابة، لذلك يسر الله تعالى له الهدى على أيديهم رضي الله عنهم.

[13] أي: اقرأ سياق الآية وسباقها، فلا تكن كمن قرأ ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾ [الماعون: 4] دون ما بعدها، وأمثال ذلك في القرآن العزيز؛ كقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الأحزاب: 12]، فيبتدئ من قوله: ﴿ مَا وَعَدَنَا ﴾، ومثل أن يبتدئ بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ ﴾ في قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ﴾ [آل عمران: 181]، وقوله: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ [المائدة: 17]، ونحو ذلك، ومراد جابر التنبيه للسياق العام لخبر الآيات، وأنها ليست كما فهمها الخوارج؛ لأنهم اقتصروا على جملة دون سياقها.

[14] مسلم (1/ 123).

[15] المستدرك (4 / 465) (8440).

[16] أبو داود (4611) بسند حسن.

[17] ابن عبدالبر في جامع العلم (1/ 159).

[18] الفقيه والمتفقه للخطيب (790).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات


مختارات من الشبكة

  • سفينة العطش (مسرحية للأطفال)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • جزيرة الفئران (مسرحية للأطفال)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • لقمان الحكيم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أوصاف القرآن الكريم (14): ﴿ تلك آيات الكتاب الحكيم ﴾ (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • اسم الله الحكيم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة الدر النظيم في فضائل القرآن العظيم والآيات والذكر الحكيم (النسخة 4)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الدر النظيم في فضائل القرآن العظيم والآيات والذكر الحكيم (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الدر النظيم في فضائل القرآن العظيم والآيات والذكر الحكيم (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • النورس الحكيم(مقالة - حضارة الكلمة)
  • قصص القرآن والسنة دروس وعبر: لقمان الحكيم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسلمو بروكلين يطعمون المحتاجين خلال شهر رمضان
  • أول إفطار جماعي في رمضان في هونغ كونغ منذ 2019
  • مسلمو مدينة سينسيناتي يوزعون 30 ألف وجبة إفطار خلال رمضان
  • افتتاح أكبر مسجد بجنوب داغستان
  • مؤتمر عن "أثر الصيام في حياة الإنسان" في ألبانيا
  • ورشة عمل ترفيهية للأطفال استقبالا لرمضان في أونتاريو
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية

  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/9/1444هـ - الساعة: 14:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب