• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    رحلة على مركب الأمنيات (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    سجين بلا قيود
    أ. محاسن إدريس الهادي
  •  
    الفضول وحب الاستطلاع
    أ. محاسن إدريس الهادي
  •  
    لمحة في بيان ما ذكر في القرآن في علو منزلة الخليل ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    الجنة... النعيم الآخر (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    شفاء الصدور بحرمة تعظيم القبور (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    كفى بالموت واعظا (خطبة)
    خالد سعد الشهري
  •  
    سورة ق في خطبة الجمعة وأبرز سننها الكونية ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    علة حديث: ((خلق الله التربة يوم السبت))
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    فصل آخر في معنى قوله تعالى: (وأيدهم بروح منه)
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    التسبيح فرصة للحصول على ثواب الصدقات بدون إنفاق
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    إضاءة: تساؤلات محيرة، وأجوبة واعية
    د. عوض بن حمد الحسني
  •  
    أقوال العلماء فيما يعفى عنه من النجاسات
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الفقه الميسر (كتاب الطهارة - ما يستحب ويندب له ...
    علي بن حسين بن أحمد فقيهي
  •  
    خير الناس أنفعهم للناس (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

رحلة على مركب الأمنيات (خطبة)

رحلة على مركب الأمنيات (خطبة)
د. عبدالرزاق السيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/10/2025 ميلادي - 6/5/1447 هجري

الزيارات: 366

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رحلة على مركب الأمنيات

 

الحمدُ لله المطَّلِع على الضمائر والنيَّات، أَنْعَمَ علينا بجميل الأمنيات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبد يرجو المكرمات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، تمنَّى للحق أنصارًا، فحقق الله له ما تمنى، من مهاجرين وأنصار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أهمية الحديث عن الأمنيات:

أيها المسلمون، للمرء مع نفسه أسرار وأمنيات، وتطلُّعات وطموحات، فما من عبد إلا وقد طاف في هاجسه ألوان من الأماني، تختلف صورها باختلاف أهلها وأحوالهم، فالفقير في الدنيا يتمنَّى الغنى، والغنِيُّ يتمنَّى من المال مزيدًا، والغريب يتمنَّى العودةَ إلى أهله، والمريض يتمنَّى الشفاءَ والعافيةَ، والعقيم يتمنَّى الولدَ، والأعزبُ يتمنَّى الزواجَ بزوجة جميلة، والأماني لا تنقطع.


والتمنِّي مأخوذٌ من الأمنية، وجمعها أماني، وقد عرَّفه أهلُه على أنه إرادة تتعلق بالمستقبل، ومستودعها القلوب، فبسلامتها أو مرضها تصلح الأماني أو تفسد، وهي سلاح ذو حَدَّين، فإن تمنَّى العبد الخير والمعروف، فهي حسنات صالحات، وإن لم تعملها جوارحه، وإن تمنَّى الإثم والسوء فهي أوزار في صحيفته وشقاء لم يعملها.


والحديث عن الأمنيات هو في الحقيقة حديث عن الحياة، حديث عن واقع ليس بخيال، والأماني لا تنقطع عن أهلها، وهم فيها ما بين مستقلٍّ ومستكثر؛ مستقل لا يقنع، ومستكثر لا يشبع، والإسلام وضَّح الطريق الصحيحة التي ينبغي أن يسلكها المرء لتحقيق أمنياته وربطها بالغايات السامية والقيم النبيلة التي تعمر الدنيا وتبني الآخرة، وينال بها العبد رضوان الله ومغفرته وجنته.

 

القرآن والسُّنَّة يحدثاننا عن الأمنيات:

أيها المسلمون، حين نتأمل في القرآن الكريم، والسُّنَّة النبوية المطهرة، وهي تحدثنا عن الأمنيات في هذه الحياة أن العاقل ينسج أمنياته، دون حسد لإخوانه، أو تمني ما في أيديهم، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء: 32]، وحدثنا القرآن أن تحقُّق الأمنيات يرجع إلى مشيئة الله وحده، فلا يتضجَّر الإنسان، ولا يحزن لعدم تحقيق الأماني التي يتمنَّاها، والخير فيما اختاره الله، ويشكر العبد ربَّه في كل أحواله، قال الله تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، وبيَّن لنا القرآن أن إبليس هو مصدر الأمنيات الواهية، وقد تعهَّد بالسعي لإغراق عباد الله في بحار الأماني الكاذبة؛ من لذة عاجلة، وسعادة موهومة، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [النساء: 119، 120]، وحذرنا القرآن من اقتصار أمنيات الإنسان على ظاهر الدنيا، من دون الآخرة، قال الله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 18، 19]،وفي السنة النبوية المطهرة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تمنَّى أحدُكم فلينظُرْ ما يتمنَّاه، فإنَّه لا يدري ما يُكْتَبُ له مِن أمنيَّتِه))؛ أحمد. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.‏‏

 

أمنيات يسعى المسلم لتحقيقها:

أيها المسلمون، الأماني الإيجابية هي بذور صادقة ومشاعر جيَّاشة إذا سُقيت بالجد والمتابعة والعزيمة الصادقة، مع إخلاص وهمة لا تفتر، فسوف تؤتي أكلها عاجلًا لا آجلًا، وكل أمنية يسلك صاحبها بها طريق الخير فهي محمودة، ففي الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي كبشة الأنصاري- رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ((إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ....))؛ الحديث.


إنها الأمنية الشريفة تمنِّي الرجل أن يرزقه الله تعالى المال لكي يؤدي حق الله تعالى وحقوق البشر، فكانت هذه الأمنية الطيبة سببًا لنيله أجر المنفقين رغم أنه لم يملك المال ولم ينفق شيئًا؛ لأنه لا يملك مالًا، فقط أمنيته الطيبة ونيته الصالحة رفعته إلى مصاف المنفقين.


ويتمنى المرءُ أن يكون من أهلِ القرآنِ ليحيا به آناءَ الليل والنهار، أو يكون من أهلِ الثراء، ليبذلَ نعمةَ المالِ في وجوه البرِّ والإحسان، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُل آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُل آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ))؛ متفق عليه.


وقد يتمنى المسلمُ الغنى فرارًا من الفقر، ويتمنى الصدقة فتكون أمنيته مشروعة، فمع الغنى تكون الصدقة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقالَ: ((أَما وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأنَّهُ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ البَقَاءَ، وَلَا تُمْهِلَ حتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كانَ لِفُلَانٍ)). [وفي رواية]: ((غيرَ أنَّهُ قالَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ))؛ البخاري ومسلم.


وهذه أمنيات تتحقق لأصحابها؛ هذا عمر بن عبدالعزيز الخليفة الذي حكم الدنيا، يقول لوزيره رجاء بن حيوة: "يا رجاء، إن لي نفسًا توَّاقة؛ تاقت إلى فاطمة بنت عبدالملك فتزوَّجتها، وتاقت إلى الإمارة فوليتها، وتاقت إلى الخلافة فأدركتها، وقد تاقت إلى الجنة، فأرجو أن أدركها؛ إن شاء الله عز وجل"؛ وفيات الأعيان.


إننا نريد من أبنائنا أن تكون أمنياتهم عظيمة تحقق نفعًا لدينهم ولأنفسهم وللناس جميعًا، فإذا مرَّ أحدهم بمستشفى تمنَّى أن يكون طبيبًا فيه، أو مرَّ على صرح كبير من وزارة أو شركة تمنَّى أن يكون وزيرًا بها أو مديرًا لها، يوم أن ترى عالمًا في الطب أو الهندسة أو أي تخصص من التخصصات تمنَّ أن تكون أفضل منه، يوم أن ترى تاجرًا يمتلك تجارة ضخمة في بلادك أو في غير بلادك تمنَّ أن تكون أفضل منه.


إننا اليوم أمام صراع، هذا الصراع، القوة للقوي، ليس في بدنه وإنما في عقله وتفكيره وطموحه وأمنياته وإبداعه.


عندما يتمنى المتمني لا بد أن يكون جادًّا فِي تَحْقِيقِ مَا تَمَنَّى، عَازِمًا لِلْوُصُولِ إِلَى هَدَفِهِ، فصاحب الهمة العالية والنفس الشريفة التوَّاقة لا يرضى بالأشياء الدنية الفانية؛ وإنما همته المسابقة إلى الدرجات العالية، لقد سمع الفاروق- رضي الله تعالى عنه- قومًا من أهل اليمن يتمنون المال وهم قاعدون بالمسجد، فعلاهم بدِرَّتِه، وقال: "لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني! وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وإن الله يقول: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 10]".

 

التحسر يقتل الأمنيات:

أيها المسلمون، إن من أهم عوامل قتل الأمنيات، التحسُّر والقلق الذي يفقد الإنسان سكينة النفس وأمنها ورضاها؛ فيتحسر على الماضي، ويسخط على الحاضر، ويخاف من المستقبل.


فإذا لم تتحقق له أمنيته ونزلت به نازلة من مصائب الدهر، يظل آلامها شهورًا وأعوامًا، يتذكرها ويستعيد ذكرياتها القاتمة، متحسرًا تارةً، ومتمنيًا أخرى، شعاره: ليتني فعلت، وليتني تركت، وأني لو فعلت كذا لكان كذا! قال أستاذ لطلبته حين سألهم يومًا: كم منكم مارس نشر الخشب؟ فرفع كثير من الطلبة أصابعهم، فعاد يسألهم: وكم منكم مارس نشر نشارة الخشب؟ فلم يرفع أحد منهم إصبعه، وعندئذٍ قال الأستاذ: بالطبع لا يمكن لأحد أن ينشر نشارة الخشب، فهي منشورة فعلًا، وكذلك الحال مع الماضي: فعندما ينتابكم القلق لأمور حدثت في الماضي، فاعلموا أنكم تمارسون نشر النشارة!


وقال صاحب كتاب «دع القلق وابدأ الحياة»، كما نقل قول بعضهم: لقد وجدت أن القلق على الماضي لا يجدي شيئًا تمامًا، كما لا يجديك أن تطحن الطحين، ولا أن تنشر النشارة، وكل ما يجديك إياه القلق هو: أن يرسم التجاعيد على وجهك، أو يصيبك بقرحة في المعدة.


وعلاج التحسر على أمنيات لم تتحقق هو أن يكون شعارك دائمًا: «قدر الله، وما شاء فعل، الحمد لله على كل حال»، وبهذا لا ييأس على ما فات، ولا يحيا في خضمّ أليم من الذكريات، وحسبه أن يتلو قوله تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ))؛ مسلم.


هذه الوصية النبوية للمسلم ألَّا يسلم نفسه للتحسُّر والأسى على ما فاته، فيصبح ويمسي، وهو يمضغ كلمات الأسى والأسف، والتحسر والتمني، ويجترُّ الذكريات الحزينة، بل يحرص على ما ينفعه سواء في دينه أو دنياه، والاستعانة بالله على ذلك؛ فهو الذي يهيئ له الأسباب، ويزيل من طريقه العوائق، كما قال تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]؛لأنالإنسان الذي لا يربط سلوكه وأعماله وأمنياته بما يحبه الله ويرضاه، ويقصد من ذلك إقامة الحق وعمارة الأرض وإصلاح النفس.. الذي لا يعمل ذلك لا يمكن أن تشبع نفسه، ولا يمكن أن يجد الراحة حتى وإن وصل إلى مبتغاه، ولا يهمه أي طريق يسلك، حق أم باطل، خير أم شر، حلال أم حرام.. فيرتكب الآثام وتتضاعف الأوزار عليه، ويحرم الأجر ورضا ربه وتوفيقه سبحانه وتعالى؛ ولذلك عندما أعطى الله سبحانه وتعالى قارون تلك الأموال والكنوز العظيمة انقسم الناس في أمنياتهم ورغباتهم وهم ينظرون إلى هذه الأموال والكنوز التي تبهر العقول؛ قال الله تعالى عن قارون ومن تمنَّى أن يكون مثله ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [القصص: 79 - 82].

 

كيف يتعامل المسلم مع الأمنيات؟

أيها المسلمون، إن على المسلم أن يكون عنده من العلم والمعرفة ما يتعرف به على التعامل الإيجابي مع الأمنيات؛ لأن الأمنيات مغروسة في القلوب ولا يستطيع أحد من الناس أن ينكرها، لكن السؤال: كيف يتعامل المسلم معها؟

 

أولًا: كل ما كان للمسلم هدف في حياته وسعى نحو هدفه: تبقى الأمنية حية، وقد تجد طريقها إلى أرض الواقع يومًا ما، إذا كان قويًّا عازمًا على تحقيقها قال الله عن يحيى عليه السلام: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 12]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ، وفي كُلٍّ خيرٌ))؛ مسلم.

 

ثانيًا: العمل وبذل الجهد: للوصول إلى الأمنيات الكبيرة، فهذا ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه تمنَّى أمنية كبيرة، يتمنى أن يرافق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فيوجِّهه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بذل الجهد والعمل لهذه الغاية الكبرى ويقول له: ((أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ))؛ مسلم.

 

ثالثًا: الرضا بالقضاء والتطلُّع إلى ما عند الله:

انظروا إلى أمنية امرأة كانت ملكة تعيش في قصور مختلفة، فابتُلِيت، فصبرت ورضيت بقدر الله، وتمنت جوار ربها، وطمعت بما عنده من أجر وثواب، وجنة عرضها السماوات والأرض، إنها آسية زوجة فرعون، قال الله تعالى عنها: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11].

 

رابعًا: يتمنى المسلم الخير للمسلمين ويتحسر على واقعهم:

يتمنى الإنسان نصرة الإسلام والفرح بما ينال المسلمين من الخير والرفعة والتمكين، ويحزن ويتحسر لما يصيبهم من البلاء والظلم والقتل والتشريد، وهو يُقلب كفَّيْه، لا يدري ما يفعل، وقد حزن النبي صلى الله عليه وسلم لمصاب بعض المسلمين، قال أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: "بعث النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَدَارَسُونَ بِاللَّيْلِ، وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لِأَهْلِ الصُّفَّةِ وَلِلْفُقَرَاءِ، فَقُتِلوا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ، فَقَالُوا: اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا، قال أنس رضي الله عنه: قَنَتَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَهْرًا حِينَ قُتِلَ القُرَّاءُ، فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَزِنَ حُزْنًا قَطُّ أَشَدَّ منه"؛ أخرجه البخاري.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فقه الرشد في زمن الفتن (خطبة)
  • الإسراء والمعراج: دروس ومقاصد (خطبة)
  • المنهج التربوي القلبي الصحيح وأثره (خطبة)
  • سنة المغالبة وفقهها (خطبة)
  • فقه السير إلى الله تعالى (خطبة)
  • عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (خطبة)
  • العطايا والمنح بعد المحن (خطبة)
  • أولادنا بين التعليم والشركاء المتشاكسين (خطبة)
  • روضة المسبحين لله رب العالمين (خطبة)
  • المسلم بين النضوج والإهمال (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • أيام في ألمانيا: رحلة بين الخطوط والمخطوط(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أسرار الكون بين العلم والقدرة الإلهية: رحلة في الغموض والدينامية البيئية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • رحلة التعافي مع اسم الله الشافي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رحلة في محراب التأمل والتفكر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • رحلة القلب بين الضياع واليقين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رحلة دلالية في المعجمات اللغوية مع كلمة القهوة وتغير دلالتها بين القدامى والمحدثين(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة رحلة العبدري (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • سلسلة دروب النجاح (9) الإبداع.. مهارة لا غنى عنها في رحلة النجاح(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الكاتب الأديب أيمن ذو الغنى في رحلته الأدبية والعلمية والعملية (PDF)(كتاب - موقع أ. أيمن بن أحمد ذوالغنى)
  • من مائدة السيرة: إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين
  • يوم مفتوح للمسجد للتعرف على الإسلام غرب ماريلاند
  • ندوة مهنية تبحث دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الإسلامي
  • مسلمو ألميتيفسك يحتفون بافتتاح مسجد "تاسكيريا" بعد أعوام من البناء
  • يوم مفتوح بمسجد بلدة بالوس الأمريكية
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 5/5/1447هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب