أيها الخطيب!

أيها الخطيب

وأنت تخطب في الناس فإنك تُخاطِبُ عقولًا مختلفة، وفئات متعددة، وأعمارًا متفاوتة، تخاطب التاجر، والخَضَّار، والجزَّار، والشاب، والشيخَ، والتلميذ والطالب، والغنيَّ والفقير، وهلمَّ جرًّا من فئات المجتمع المختلفة؛ فيلزمك إذًا أن تضعَ قواعدَ وضوابط وأصولًا لهذه الخطبة التي تُعتبَرُ وسيلة من وسائل الدعوة، وهي موعظةٌ من المواعظ التي يُمكِنُ أن تُغيِّر بها فكرًا لشاب، أو تصحيحًا لمفهوم التبس لشيخٍ في فهمه، وليس مجردَ إلقاء وتلاوة لآيات قرآنية وأحاديث نبوية وكلماتٍ أثريَّة، فما هي الخطواتُ التي يمكن اتِّباعُها لخطبة انتفاعية عملية؟

أوَّلُ ما ستَبدَأُ به خُطبتك وأنت تُخطِّط لها، وتضع لها اللَّبِنات الأساسية هو:

الأمر الأول: أن تختارَ عُنوانًا مناسبًا جامعًا مانعًا لخطبة الجمعة.

الأمر الثاني: أن تُحدِّد للخطبة خطة ومنهجًا لإلقائها.

الأمر الثالث: لا بد أن تُسطِّر الأهدافَ والمقاصد المرجوَّة من خلال عنوان خطبة الجمعة، وأن يكون محتوى الخطبةِ مرتبطًا بأهدافها، وأن تجعلها في ثلاثة أهداف أو أربعة حسب ما يقتضيه المقام؛ بمعنى: أن تجعل عنوانَ الخطبة وأهدافها في نَسَقٍ كلي يَجمَعُ بينهما.

الأمر الرابع: بعدها يجبُ عليك أن تشرَحَ بعضَ المفردات الغامضة والصعبة من القرآن الكريم والحديث النبوي، فلا يكفي أن تستدلَّ بآيات وأحاديث دون شرح المفردات الصعبة، ثم مِن اللازمِ عليك أن تستعملَ وتستدلَّ وتَسُوق أمثلةً وقصصًا وأحداثًا واقعيَّة تُعزِّز بها موضوعَ خطبتك، وأن تبحث عنها حتى تُلصَقَ بوعيِّ عامة المستهدفين، على نهج "سيروا على سير عقلائكم"، وقد قيل "خاطبوا الناس بما يفهمون".

الأمر الخامس: أن تُنزِلَ المعرفة من مستواها العلمي إلى مستواها التعليميِّ؛ لتُحقِّق الأهدافَ والمقاصد المرجوَّة من خطبة الجمعة؛ أي: ضرورة الربط بين المَقْصد والمضمون، معنى هذا: لا بأس أن يشرحَ الخطيب خطبتَه بلغة البلد الموجود فيها (كأن تُترجَم باللغة الأمازيغية، أو الدارجة، فلا بأس بها بما يُحقِّقُ المقصود والضرورة) هذا كلُّه من أجل تبسيط المعرفة وفهم الدين فهمًا صحيحًا.

الأمر السادس: أن تُوازِنَ بين الخطبة الأولى والثانية؛ فلا بد أن يكون هناك توازن واضح وبيِّن بين الخطبة الأولى والثانية؛ إذ كيف لك - مثلًا - أن تلقي الخطبة الأولى في أربعين دقيقة، والثانية في دقيقتين؟! فلا بد من تقسيمها بعدلٍ حتى لا يملَّ المستمع من ذلك.

الأمر السابع: أن تُعطِيَ خُلاصةً للخطبة ومعناها: قبلَ الدعاء الأخير لا بد أن تذكِّر بأهمِّ المحاور التي سبق عرضُها؛ حتى تبقى في ذهن الناس، ومن ثم يسهل عليهم فهمُ محتواها شكلًا ومضمونًا.

فبهذه الخطوات ستكونُ قد نجحتَ بإذن الله في ربط عنوان الخطبة بأهدافها ومقاصدها؛ حتى تكون متكاملةً شكلًا ومضمونًا.

وحتى نُنزِلَ مضمونَ هذه الوصيَّة المتواضعة، سنقومُ بتنزيل ذلك على موضوع من المواضيع التي سَمعتُها في خطبة الجمعة.

1- عنوان الخطبة "الزواج في الإسلام":

فلا بد للخطيب أن يذكر عنوانًا متكاملًا؛ حتى يُعرَف بدايته ونهايته، كأن يأخذ – مثلًا - "الزواج في الإسلام أحكامه ومقاصده"، فبعدَ العنوان حدِّدْ لنفسك منهجًا واحدًا أو متعدِّدًا لخطبتك، على سبيل المثال المنهج الاستقرائي، وهو أن يبدأ من العام إلى الخاص، أو الاستنباطي كأن يبدأَ من الخاص إلى العام وغيره من المناهج المعروفة، ويراجع في هذا الباب كتاب :"أبجديَّات البحث في العلوم الشرعية"؛ للدكتور فريد الأنصاري رحمه الله.

2- من الأهداف التي يُمكِنُ أن يُسطِّرَها - وكلٌّ على حسب تفكيره واجتهاده - وله أن يَجتَهِدَ في تسطير أهداف خطبته:

• التعرُّف على الزواج لغة واصطلاحًا.

• التعرُّف على أحكام الزواج.

• التعرُّف على مقاصد الزواج.

من خلال هذه الأهداف لا بد إذًا أن يَعرِفَ أغلب الناس أن الخطبة ستتمحْوَرُ حول هذه النقط؛ ليكونَ ذهنُه مُركَّزًا معك.

3- شرح المفردات؛ فعلى سبيل المثال إذا ذكرتَ مجموعةً من الآيات أو الأحاديث لا بد أن تشرحَ معها المصطلحات والمفاهيم الغامضة فيها، وعلى سبيل المثال:

قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاءكم مَن ترضَوْن دينَه وخلقَه، فزوِّجُوه، إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض، وفساد كبير)).

وقوله تعالى: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187]، وقوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

فمن خلال إيرادِك واستدلالك بالآيات والأحاديث، لا بد من شرح المفاهيم المركزيَّة، والتعليق عليها بما تيسَّر، وإن زدتَ وأوردتَ معارفَ ومعلوماتٍ تصبُّ في الموضوع ذاته، فذاك أفضل، وأحسن، وأجود.

أما باقي الخطوات المتبقية فهي متكاملة فيما بينها؛ كالشرح، والتيسير بلغة بسيطة سهلة الفهم وبعيدة عن التعقيد، ولا بأس أن تُبسِّط المعرفة باللغة الأمازيغيَّة أو الدارجة؛ لأن أغلبية المسنِّين مثلًا (فئة من الفئة المستهدفة) لا يفهمون اللغةَ العربية، أَضِفْ إلى ذلك أنه لا بد من أن يكون لديك ميزانٌ منطقي تُوازن فيه بين الخطبة الأولى والثانية، وألَّا يكونَ بينهم فرقٌ وبَوْنٌ كما ذكرت في المثال السابق، وإن كان فرقٌ ميسر فلا بأس.

فهذه الوصية التي حاولت أن أُقارِبَ فيها خطبةَ الجمعة بما هو تربوي ديداكتيكي، آملًا أن أكون عند حسن ظنِّ الجميع، فما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان.