إجراءات الجلسات (1)

برنامج فقه التقاضي

الحلقة التاسعة والثلاثون

إجراءات الجلسات (1)

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

أما بعدُ:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله - مستمعي الأفاضل - في برنامجكم: "فقه التقاضي"، وقد ذكرتُ في الحلقتين الماضيتين ما يتعلق بالحضور والتوكيل في الخصومة، وما يتعلق بغياب الخصوم أو أحدهم في محاكم المملكة العربية السعودية، وفق ما ورد في الباب الرابع من نظام المرافعات الشرعية السعودي الصادر عام 1421هـ.

وفي هذه الحلقة نشرع في الحديث عن إجراءات الجلسات ونظامها الذي تسير عليه المحكمة، خلال نظر القضية بحضور أطراف القضية.

مستمعي الأفاضل:

خصص نظام المرافعات الباب الخامس للحديث عن الجلسات ونظامها، وقد تضمن هذا الباب فصلين؛ تناول في الفصل الأول: إجراءات الجلسات في عشر مواد، وفي الفصل الثاني: تناول نظام الجلسة في مادتين فقط.

ويمكن تلخيص ما ورد في هذا الباب حول الجلسات وإجراءات ونظامها في النقاط الآتية:

أولًا: جاء في المادة التاسعة والخمسين: (على كاتب الضبط أن يعد لكل يوم قائمة بالدعاوى التي تعرض فيه، مرتبة بحسب الساعة المعينة لنظرها، وبعد عرض القائمة على القاضي تعلق صورتها في اللوحة المعدة لذلك على باب قاعة المحكمة قبل بدء الدوام).

وأوضحت اللائحة التنفيذية لهذه المادة أنَّ عدد الجلَسات يكون ستًّا في كل يوم على الأقل.

وأنه تُعلق صورة قائمة الدعاوى في المكان المعَدِّ لجلوس الخصوم التابع للمكتب القضائي.

وتشمل قائمة الدعاوى:

اسم المدعي والمدعى عليه كاملًا، ووقت الجلسة، وللقاضي عدم ذكر الاسم كاملًا إذا اقتضت المصلحة ذلك، بمعنى أنَّ للقاضي مثلًا أن يذكر في القائمة المعلقة دعوى محمد بن عبدالله ضد أحمد بن علي... وهكذا؛ مراعاة لبعض الاعتبارات التي يقدرها القاضي في بعض الأحوال.

وأوضحت المادة الستون أنه ينادَى على الخصوم في الساعة المعينة لنظر قضيتهم.

ثانيًا: لما كان هدفُ القضاء تحقيقَ العدل والإنصاف، فإنه مبني على توخي الصِّدْق والوضوح واستيفاء ما لدى الخصوم من أقوال وبينات ودفوعات، ولا مجال في القضاء للتخفِّي والاستتار، ولذا كان منَ المبادئ القضائية العلنية في المرافعات، وهو مبدأ مهم درجتْ على تفعيله وتأكيده كثير من الأنظمة القضائية.

والمراد بمبدأ علانية جلسات التقاضي: نظر القضيَّة في جلساتٍ علنيَّة، وذلك يقتضي الإذن منَ القاضي لغير المتخاصمين بحضور مجلس القضاء، وسماع ومشاهدة كل ما يدور فيه، من دعوى، ودفاع، وسماع شهود، ونحو ذلك مما يلزم لنظر الدعوى والفصل فيها.

وفي هذه العلانية تأمين نزاهة القضاة باطلاع الخصوم وغيرهم على إجراءات التقاضي وسماع الدعاوى والبينات والدفوع، وبعث الطمأنينة في نفوس المتخاصمين، وتؤدي إلى مزيد الثقة في العدالة والحياد، كما أنها تجعل القضاة يحرصون على العناية بإجراءاتهم في سير القضية، ويزِنون أقوالهم ومناقشاتهم وزنًا دقيقًا، كي لا يُنقل عنهم ما يشين.

ومع أهمية العلانية في الجلسات، إلا أن المصلحة قد تقتضي أحيانًا قصرها على المترافعين في حالات محددة؛ مراعاة لطبيعة الخصومة أو محافظة على أسرار الطرفين ونحو ذلك.

جاء في المادة الحادية والستين من نظام المرافعات: (تكون المرافعة علنية إلا إذا رأى القاضي من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب أحد الخصوم إجراءها سرًّا محافظة على النظام، أو مراعاة للآداب العامة، أو لحرمة الأسرة).

كما أنَّ نظام الإجراءات الجزائيَّة قد أخذ بهذا المبدأ، كما نصَّت عليه المادة الخامسة والخمسون بعد المائة، ونصها: (جلسات المحاكم علنية، ويجوز للمحكمة - استثناء - أن تنظر الدعوى كلها أو بعضها في جلسات سريَّة، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها، مراعاة للأمن، أو محافظة على الآداب العامة، أو إذا كان ذلك ضروريًّا لظهور الحقيقة).

ثالثًا: سبق التذكير مرارًا بأن القضاء في الإسلام مبنيٌّ على التيسير وتسهيل إجراءات التقاضي والبُعد عن التعقيد أو الإيغال في الشكليات التي قد يجهلها كثيرٌ من عامَّة الناس، مما يضطرهم إلى الاستعانة في كلِّ قضية بمحامٍ يأخُذ أجرته ممن ترافع عنه، ولذا كان مِن صور التيسير والتسهيل على الناس في التقاضي في المرافعات السعودية تقرير أصلٍ مهم له أثره الإيجابي على المتخاصمين، وهو أنَّ الأصل في المرافعات أن تكون شفوية؛ أي: أن تُتاح الفرصة للمدعي والمدعى عليه بأن يعبِّرا عما لديهما من دعاوى وأجوبة مشافهة، دون إلزامهما بالمحررات والسندات في كل قول أو دفعٍ، ومع ذلك لا يُمنع من أراد حصر دعواه أو جوابِه في محررات مكتوبة.

ولذا جاء في المادة الثانية والستين: (تكون المرافعة شفوية، على أن ذلك لا يمنع من تقديم الأقوال أو الدفوع في مذكرات مكتوبة تتبادل صورها بين الخصوم، ويحفظ أصلها في ملفِّ القضية مع الإشارة إليها في الضبط، وعلى المحكمة أن تعطي الخصوم المهلة المناسبة للاطلاع على المستندات والرد عليها، كلما اقتضت الحال ذلك).

ورعايةً لهذا الأصل، وسعيًا في حفظ حق المتخاصمين، أوجبت اللائحة التنفيذية للمادة ضبط كلِّ ما يدلي به الخصوم شفويًّا مما له علاقة بالدعوى؛ أي: أن يأمر القاضي الكاتب بتدوين ما أدلى به الطرفان في القضية في الضبط المخصص للقضية، وفي ذلك ضمان لحقهما، وتيسيرٌ للمحكمة بالبت في القضية، وفق ما دُوِّن في ضبطها من دعاوى ودفوعات وبيِّنات.

وإذا أراد الخصمان التعامل بالمذكرات فيما بينهما خلال نظر القضية، فإنه يجب أن تكون المذكرات المقدَّمة أثناء الترافع بخط واضح، وأن تكون مؤرَّخة وموقَّعة مِن مقدمها.

ويجب أن يُرصد في ضبط القضية ما اشتملتْ عليه المذكرات مِن أقوال أو دفوع مؤثِّرة في القضية.

مستمعي الأفاضل:

كانت هذه النتَف جزءًا مما تضمنه نظام المرافعات الشرعية السعودي الصادر عام 1421هـ حول الجلسات القضائيَّة وإجراءاتها ونظامها، وفي الحلقة القادمة - بإذن الله تعالى - نواصِل الحديث في هذا الجانب المهم المتعلق بسير القاضي في القضيَّة وآلية سماع الدَّعاوى والإجابات.

أسأل الله تعالى أن يمدني وإياكم بعونه وتوفيقه، والحمد لله رب العالمين.

المرجع:

• نظام المرافعات ولائحته.