• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الأدلة العقلية على وجود الخالق جل وعلا
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    الإيمان بالرسل وثمراته (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    فتنة المال وأسباب الكسب الحرام (خطبة)
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    الحلال بركة والحرام هلكة (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    استعجال العذاب
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    صلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    النكاح أركانه وشروطه (خطبة)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تحريم قول ما شاء الله وشئت أو ما شاء الله وشاء ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    بيع التلجئة
    عبدالرحمن بن يوسف اللحيدان
  •  
    خلاف الفقهاء في حكم الاستنجاء وهل يصح فعله بعد ...
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    التزهيد في الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه ...
    عمرو عبدالله ناصر
  •  
    الإعجاز العلمي في القرآن بين الإفراط والتفريط
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الأحكام الفقهية والقضائية للذكاء الصناعي (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    لطائف دلالات القرآن في خواتم سرد القصص
    بشير شعيب
  •  
    فضل التعوذ بكلمات الله التامات
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حقوق الوطن (1)
    د. أمير بن محمد المدري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

كيف نتعامل مع أذى الآخرين؟

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/10/2011 ميلادي - 8/11/1432 هجري

الزيارات: 180585

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كيف نتعامل مع أذى الآخرين؟

 

أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ﴿ إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ ﴾.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

مِمَّا لا بُدَّ مِنهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ، حُصُولُ الأَذَى لِلمَرءِ مِن غَيرِهِ، وَوُقُوعُ الظُّلمِ عَلَيهِ مِنَ الآخَرِينَ، وَتَعَدِّيهِم عَلَيهِ في نَفسِهِ أَو مَالِهِ أَو عِرضِهِ، وَهُوَ الأَمرُ الَّذِي لا يَسلَمُ مِنهُ أَحَدٌ مَهمَا بَلَغَ مِن قُوَّةٍ في دِينِهِ، أَو أُعطِيَ مِن رَجَاحَةِ العَقلِ أَو حُسنِ الخُلُقِ، غَيرَ أَنَّ تَحَمُّلَ النَّاسِ لِهَذَا الأَمرِ وَاختِلافَ رُدُودِ أَفعَالِهِم تِجَاهَهُ، هُوَ الَّذِي يُحَدِّدُ مَن كَانَ مِنهُم ذَا حَظٍّ عَظِيمٍ مِمَّن هُوَ دُونَ ذَلِكَ، أَلا وَإِنَّ أَعظَمَ النَّاسِ في هَذَا الشَّأنِ حَظًّا وَأَعلاهُم قَدرًا وَأَكثَرَهُم أَجرًا، هُم المُوَفَّقُونَ الَّذِينَ يَدفَعُونَ السَّيِّئَ بِالحَسَنِ، وَيَرُدُّونَ الظُّلمَ بِالعَفوِ، وَيُقَابِلُونَ الخَطَأَ بِالصَّفحِ، جَاعِلِينَ نِبرَاسَهُم في ذَلِكَ قَولَ الحَقِّ - تَبَارَكَ وَتَعَالى -: ﴿ وَلا تَستَوِي الحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزغٌ فَاستَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ﴾ إِنَّ المُؤمِنَ الَّذِي وَفَّقَهُ اللهُ وَأَعظَمَ حَظَّهُ وَأَعلَى نَصِيبَهُ، لَيَجعَلُ مِن هَذِهِ الآيَاتِ نُورًا لَهُ يَسِيرُ عَلَيهِ في حَيَاتِهِ، وَقَاعِدَةً يَنطَلِقُ مِنهَا في تَعَامُلِهِ مَعَ المُسِيئِينَ إِلَيهِ، فَيَتَحَمَّلُ الأَذَى وَيَصبِرُ عَلَى الخَطَأِ، وَيَتَجَاوَزُ عَن كُلِّ تَجَاوُزٍ وَيَقصُرُ نَظرَهُ عَن كُلِّ تَقصِيرٍ، مُتَدَرِّعًا بِالصَّبرِ مُتَجَرِّعًا لِلغَيظِ، مُستَعِينًا بِاللهِ - تَعَالى - مُستَعِيذًا مِنَ الشَّيطَانِ، إِذْ إِنَّ رَبَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - يَسمَعُ وَيَعلَمُ وَيَرَى، وَهُوَ خَالِقُ أَفعَالِ العِبَادِ خَيرِهَا وَشَرِّهَا، وَمَا يَكُنْ مِن تَسلِيطِ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّمَا هُوَ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَلَو شَاءَ - سُبحَانَهُ - أَلاَّ يَقَعَ أَمرٌ لما وَقَعَ، وَلَولا تَقدِيرُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَن يُؤذِيَ العَبدَ مَن آذَاهُ لَمَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الأَذَى، وَإِنَّهُ مَتى نَظَرَ العَبَدُ بهَذَا المِنظَارِ وَلم يَأبَهْ بِأَفعَالِ أُولَئِكَ المُخطِئِينَ، استَرَاحَ مِنَ الهَمِّ وَالغَمِّ، وَحَمِدَ اللهَ عَلَى الضَّرَّاءِ كَمَا يَحمَدُهُ عَلَى السَّرَّاءِ، وَأَورَثَهُ ذَلِكَ لَذَّةً يَجِدُهَا في قَلبِهِ وَرَاحَةً تَملأُ نَفسَهُ. وَأَمرٌ آخَرُ يَقَعُ في نَفسِ المُؤمِنِ بَعدَ كُلِّ أَذًى يَحصُلُ لَهُ أَو ظُلمٍ يَقَعُ عَلَيهِ، أَلا وَهُوَ يَقِينُهُ أَنَّهُ لم يُسَلَّطْ عَلَيهِ مَن سُلِّطَ في الغَالِبِ إِلاَّ بِذَنبٍ مِنهُ وَتَقصِيرٍ في جَنبِ اللهِ، وَإِذَا رَأَيتَ المَرءَ يَقَعُ في النَّاسِ إِذَا آذَوهُ وَلا يُفَكِّرُ وَلَو قَلِيلاً أَنَّ إِيَذَاءَهُم قَد يَكُونُ بِسَبَبٍ مِنهُ فَيَلُومُ نَفسَهُ عَلَى خَطَئِهَا وَيُحَاوِلُ تَطهِيرَهَا بِالتَّوبَةِ وَكَثرَةِ الاستِغفَارِ، فَاعلَمْ أَنَّ مُصِيبَتَهُ عَظِيمَةٌ وَمُضَاعَفَةٌ، إِذِ اجتَمَعَ عَلَيهِ مَعَ أَذَى النَّاسِ لَهُ غَفلَتُهُ عَن نَفسِهِ، وَأَمَّا إِذَا أَكثَرَ الاستِغفَارَ وَاتَّهَمَ ذُنُوبَهُ بأنَّهَا السَّبَبُ فِيمَا حَصَلَ لَهُ من أَذًى، فَإِنَّ الأَذَى حِينَهَا يَتَحَوَّلُ في حَقِّهِ إِلى نَوعٍ مِنَ النِّعمَةِ، إِذْ يَصقُلُ بِهِ نَفسَهُ وَيُطَهِّرُهَا مِنَ الذُّنُوبِ، وَيَرجِعُ إِلى رَبِّهِ وَيُنِيبُ إِلَيهِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ، وَهُوَ - سُبحَانَهُ - نَصِيرُهُ وظَهِيرُهُ.

 

وَقَد يَقُولُ قَائِلٌ: إِنَّ هَذَا الأَمرَ لَيسَ عَلَى إِطلاقِهِ وَعُمُومِهِ، وَلَيسَ كُلُّ مَن حَصَلَ لَهُ مِنَ النَّاسِ أَذًى فَهُوَ بِسَبَبِ تَقصِيرِهِ أو بما اكتَسَبَ مِنَ الذُّنُوبِ، كَيفَ وَقَد حَصَلَ الأَذَى لِخَيرِ الخَلقِ مِنَ الأَنبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، وَخَيرُ الوَرَى وَأَفضَلُهُم مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ قَد أُوذِيَ في اللهِ مَا لم يُؤذَ غَيرُهُ، وَهُوَ الَّذِي قَد غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيُقَالُ: نَعَم، إِنَّهُ حِينَ لا يَكُونُ أَذَى النَّاسِ لِعَبدٍ مَاحِيًا لِذُنُوبِهِ طَارِحًا لِسَيِّئَاتِهِ، فَإِنَّهُ في المُقَابِلِ رَافِعٌ لِدَرَجَاتِهِ زَائِدٌ في حَسَنَاتِهِ، وَقَد وَعَدَ اللهُ مَن عَفَا وَصَبَرَ أَن يَكُونَ عَلَيهِ - تَعَالى - أَجرُهُ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثلُهَا فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالمِينَ ﴾ نَعَم، فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللهِ، عَلَى اللهِ وَحدَهُ لا عَلَى غَيرِهِ، فَمَا ظَنُّ عَبدٍ يَكُونُ عَلَى اللهِ أَجرُهُ ؟! هَنِيئًا لَهُ ثُمَّ هَنِيئًا ثُمَّ هَنِيئًا، فَإِنَّمَا يَتَعَامَلُ مَعَ أَكرَمِ الأَكرَمِينَ وَيَرجُو أَجزَلَ المُعطِينَ، وَمَن كَانَ في اللهِ تَلَفُهُ، كَانَ عَلَى اللهِ خَلَفُهُ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَمِمَّا يُعِينُ المُؤمِنَ عَلَى تَحَمُّلِ الأَذَى وَالصَّبرِ عَلَيهِ، أَن يَعلَمَ أَنَّهُ مَا انتَقَمَ أَحَدٌ قَطُّ لِنَفسِهِ، إِلاَّ أَورَثَهُ ذَلِكَ الانتِقَامُ ذُلاًّ يَجِدُهُ وَلَو بَعدَ حِينٍ، وَأَمَّا مَن عَفَا فَقَد سَلَكَ سَبِيلَ العِزَّةِ وَلا بُدَّ، وَإِذَا كَانَ المُنتَقِمُ مِمَّن آذَاهُ وَظَلَمَهُ يَظُنُّ أَنَّ في انتِقَامِهِ عِزًّا لَهُ وَحِفظًّا لِحَقِّهِ أَمَامَ النَّاسِ وَإِبقَاءً عَلَى كَرَامَتِهِ، فَقَدِ اختَلَطَت عَلَيهِ الأُمُورُ وَاشتَبَهَت، إِذِ العِزُّ الحَاصِلُ بِالعَفوِ أَنفَعُ لِصَاحِبِهِ مِنَ العِزِّ الحَاصِلِ لَهُ بِالانتِقَامِ، فَإِنَّ عِزَّ الانتِقَامِ دُنيَوِيٌّ عَاجِلٌ ظَاهِرٌ، وَهُوَ في النِّهَايَةِ يُورِثُ في البَاطِنِ ذُلاًّ وَلَو بَعدَ حِينٍ، وَأَمَّا العَفوُ فَمَعَ أَنَّهُ قَد يُعَدُّ في الظَّاهِرِ ذُلاًّ، إِلاَّ أَنَّهُ يُورِثُ عِزًّا بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَلَو بَعدَ أَمَدٍ، وَهَذَا هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ أَصدَقُ القَائِلِينَ - سُبحَانَهُ - في كِتَابِهِ، وَهُوَ - تَعَالى - الخَالِقُ لِلنُّفُوسِ العَالِمُ بِحَقِيقَةِ مَا فِيهَا، قَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ اِدفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ ﴾، وَبِهَذَا أَخبَرَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - حَيثُ قَالَ: " وَمَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ. وَقَالَ: " وَلا ظُلِمَ عَبدٌ مَظلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيهَا إِلاَّ زَادَهُ اللهُ عِزًّا " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَإِذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اليَومَ حَتَّى مِنَ الصَّالِحِينَ وَالمُثَقَّفِينَ، قَدِ اتَّخَذَ لِنَفسِهِ قَاعِدَةً في التَّعَامُلِ مَعَ الآخَرِينَ يَرَى أَنَّهَا غَايَةُ الأَدَبِ وَقِمَّةُ الخُلُقِ وَطَرِيقُ التَّعَامُلِ الصَّحِيحِ، وَهِيَ أَن يُعَامِلَ الآخَرِينَ بما يُحِبُّ أَن يُعَامِلُوهُ بِهِ، وَأَن يَصنَعَ مَعَهُم كَمَا صَنَعُوهُ مَعَهُ، وَأَن يُكَافِئَهُم عَلَى تَصَرُّفِهِمِ مِثلاً بِمِثلٍ، فَإِنَّ لِلمُؤمِنِ الَّذِي يَنظُرُ بِنُورِ اللهِ وَيَتَعَامَلُ في حَيَاتِهِ مَعَ رَبِّهِ وَيَرجُو مَا عِندَهُ لَشَأنًا آخَرَ، نَعَم، إِنَّ لَهُ لَشَأنًا آخَرَ وَنَظَرًا أَدَقَّ وَتَفكِيرًا أَعمَقَ، إِنَّهُ لَيَرَى أَنَّ المُعَامَلَةَ الصَّحِيحَةَ لِلآخَرِينَ، هِيَ أَن يَعلَمَ أَنَّ الجَزَاءَ مِن جِنسِ العَمَلِ، وَأَنَّهُ بِنَفسِهِ ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ مُذنِبٌ مُقَصِّرٌ، وَأَنَّهُ بِقَدرِ مَا يَعفُو عَنِ النَّاسِ يَعفُو اللهُ عَنهُ، وَأَنَّهُ إِنْ يَغفِرْ لَهُم يَغفِرِ اللهُ لَهُ، وَرَضِيَ اللهُ عَن أَبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ وَأَعلَى دَرَجَتَهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا حَلَفَ أَلاَّ يُنفِقَ عَلَى ابنِ عَمِّهِ مِسطَحٍ حِينَ خَاضَ مَعَ الخَائِضِينَ في عِرضِ ابنَتِهِ أُمِّ المُؤمِنِينَ، فَأَنزَلَ اللهُ - تَعَالى - قَولَهُ: ﴿ وَلا يَأتَلِ أُولُو الفَضلِ مِنكُم وَالسَّعَةِ أَن يُؤتُوا أُولي القُربى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ في سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعفُوا وَلْيَصفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ عِندَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكرٍ: بَلَى وَاللهِ يَا رَبَّنَا، إِنَّا لَنُحِبُّ أَن تَغفِرَ لَنَا، وَعَادَ لابنِ عَمِّهِ مِسَطَحٍ بما كَانَ يَصنَعُ إِلَيهِ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيهِ وَالإِحسَانِ إِلَيهِ، كُلُّ ذَلِكَ مَحَبَّةً في أَن يَغفِرَ اللهُ لَهُ وَيَعفُوَ عَنهُ، وَيُعَامِلَهُ بما فَعَلَهُ مِن إِحسَانٍ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

إِنَّ مِمَّا يُعِينُ عَلَى تَحَمُّلِ الأَذَى وَتَركِ الانتِقَامِ، أَن يَعلَمَ الصَّابِرُ أَنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِ وَيُحِبُّهُ، وَمَن كَانَ اللهُ مَعَهُ وَيُحِبُّهُ، دَفَعَ عَنهُ أَنوَاعَ الأَذَى وَالمَضَرَّاتِ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا في اللهِ مِن بَعدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُم في الدُّنيَا حَسَنَةً وَلأَجرُ الآخِرَةِ أَكبرُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ. الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ ﴾ وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ وَاصبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ وَأَمَّا مَنِ انتَصَرَ لِنَفسِهِ فَقَد وَكَلَهُ اللهُ إِلَيهَا فَكَانَ هُوَ النَّاصِرَ لَهَا، وَأَينَ يَكُونُ مَن نَاصِرُهُ اللهُ خَيرُ النَّاصِرِينَ إِلى جَنبِ مَن نَاصِرُهُ نَفسُهُ أَعجَزُ النَّاصِرِينَ وَأَضعَفُهُم ؟!

 

وَمِمَّا يُكَرِّهُ المُؤمِنَ في الانتِقَامِ وَيُزَهِّدُهُ فِيهِ وَيَمنَعُهُ مِنهُ، أَنَّ مَن اعتَادَ الانتِقَامَ وَلم يَصبِرْ، فَإِنَّهُ لا بُدَّ أَن يَقَعَ في ظُلمِ الآخَرِينَ يَوَمًا مَا، ذَلِكَ أَنَّ النَّفسَ لا تَقتَصِرُ في كَثِيرٍ مِن مَوَاقِفِ الانتِقَامِ عَلَى قَدرِ العَدلِ الوَاجِبِ لها، بَل كَثِيرًا مَا تَعجَزُ عَنِ الاقتِصَارِ عَلَى قَدرِ الحَقِّ، وَلا تَقنَعُ حَتَّى تَرَى أَنْ قَد رَدَّتِ الكَيلَ بِكَيلَينِ وَجَزَت عَلَى الصَّاعِ بِصَاعَينِ ؛ وَقَد يَخرُجُ الغَضَبُ بِصَاحِبِهِ إِلى حَدٍّ لا يَعقِلُ مَعَهُ مَا يَقُولُ وَلا مَا يَفعَلُ، فَبَينَمَا هُوَ مَظلُومٌ مَهضُومٌ يَنتَظِرُ النَّصرَ مِن رَبِّهِ وَالعِزَّ بِصَبرِهِ، إِذِ انقَلَبَ بِانتِقَامِهِ ظَالِمًا مُعتَدِيًا، يَنتَظِرُ مِن رَبِّهِ المَقتَ وَالعُقُوبَةَ جَزَاءَ مَا وَقَعَ فِيهِ. أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أُمَّةَ الإِسلامِ - وَإِيَّاكُم وَالانتِقَامَ، وَاصبِرُوا تُؤجَرُوا وَتُنصَرُوا.

 

وَلا يَغُرَّنُّكُم مَن قَد يُغرُونَ المَرءَ بِمَدحِهِم لَهُ بِأَنَّهُ لا يُؤخَذُ لَهُ حَقٌّ وَلا يُهضَمُ، في حِينِ أَنَّهُ قَد يَكُونُ مِن أَظلَمِ خَلقِ اللهِ بِأَخذِهِ أَكثَرَ مِن حَقِّهِ، فَيَصدُقُ عَلَيهِ مَا رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ أَنَّهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - قَالَ: " إِنَّ المُفلِسَ مَن أُمَّتي مَن يَأتي يَومَ القِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيأتي قَد شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعطَى هَذَا مِن حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِن حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَت حَسَنَاتُهُ قَبلَ أَن يُقضَى مَا عَلَيهِ أُخِذَ مِن خَطَايَاهُم فَطُرِحَت عَلَيهِ، ثم طُرِحَ في النَّارِ " جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُم مِمَّن يَنتَفِعُونَ بِآيَاتِ كِتَابِهِ وَيَهتَدُونَ بِهَديِ نَبِيِّهِ، وَأَقُولُ مَا تَسمَعُونَ وَأَستَغفِرُ اللهَ.

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ:

اتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوا أَمرَهُ وَاجتَنِبُوا نَهيَهُ، وَكُونُوا مَعَهُ يَكُنْ مَعَكُم ﴿ وَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ * إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدعُو حِزبَهُ لِيَكُونُوا مِن أَصحَابِ السَّعِيرِ ﴾.

 

وَلْيَعلَمِ المُؤمِنُ أَنَّهُ إِذَا شَغَلَ نَفسَهُ بِالانتِقَامِ وَطَلَبِ مُقَابَلَةِ كُلِّ سَيِّئَةٍ بِمِثلِهَا، ضَاعَ عَلَيهِ بِذَلِكَ زَمَانُهُ، وَتَفَرَّقَ عَلَيهِ قَلبُهُ وَضَاقَ صَدرُهُ، وَتَوَازَعَتهُ الهُمُومُ في كُلِّ وَادٍ وَصَارَ أَمرُهُ إِلى شَتَاتٍ، وَفَاتَهُ مِن مَصَالِحِهِ مَا لا يُمكِنُهُ استِدرَاكُهُ، وَبِهَذَا يَجمَعُ عَلَى نَفسِهِ مَصَائِبَ مُتَعَدِّدَةً، تُضَافُ إِلى المُصِيبَةِ الَّتي نَالَتهُ مِن جِهَةِ النَّاسِ، فَيُصبِحُ غَرَضًا لِلمَصَائِبِ وَالمِحَنِ مِن جِهَاتٍ عَدِيدَةٍ، وَأَمَّا إِذَا عَفَا وَصَفَحَ ؛ فَإِنَّهُ يُفَرِّغَ قَلبَهُ وَجِسمَهُ لِمَصَالِحِهِ الَّتي هِيَ أَهَمُّ عِندَهُ مِنَ الانتِقَامِ، سَوَاءٌ في ذَلِكَ مَصَالِحُهُ الدُّنيَوِيَّةُ مِن طَلَبِ مَعَاشٍ وَتَربِيَةِ أَبنَاءٍ، وَرِعَايَةِ حَرثٍ وَزَرعٍ وَتَنمِيَةِ تِجَارَةٍ، أَو مَصَالِحُهُ الأُخرَوِيَّةُ وَهِيَ الأَهَمُّ، مِن تَزكِيَةٍ لِلنَّفسِ بِالطَّاعَاتِ، وَطَلَبٍ لأَعلَى المَنَازِلِ وَأَرفَعِ الدَّرَجَاتِ، وَسَعيٍ لِصُحبَةِ مُحَمَّدٍ وَصَحبِهِ في أَعلَى عِلِّيِّينَ.

 

لَقَد أَضَاعَ الانتِقَامُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَوقَاتَهُم وَأَذهَبَ أَعمَارَهُم، وَفَوَّتَ عَلَيهِم مَصَالِحَهُم، وَبَغَّضَهُم إِلى الخَلقِ وَبَغَّضَ الخَلقَ إِلَيهِم، وَجَعَلَ لَهُم شَيئًا مِمَّا لَيسَ بِشَيءٍ، فَشَهرٌ يَضِيعُ في مَركَزِ الشُّرطَةِ، وَآخَرُ في المَحكَمَةِ، وَثَالِثٌ في دِيوَانِ المَظَالِمِ، وَضَغطُ قَلبٍ مُرتَفِعٌ، وَسُكَّرُ دَمٍ زَائِدٌ، وَأَلَمٌ يَعتَصِرُ القَلبَ وَهَمٌّ يَملأُ الصَدرَ، وَضِيقٌ في النَّفَسِ وَانسِدَادٌ في الشَّرَايِينِ، وَنَومٌ مُتَكَدِّرٌ وَتَفكِيرٌ مُتَشَتِّتٌ، وَمُعَامَلاتٌ تَصدُرُ وَأُخرَى تَرِدُ، وَأَموَالٌ تُعطَى مُحَامِينَ وَهَدَايَا تُمَدُّ لِمُستَشَارِينَ، وَقَد يَصِلُ حُبُّ الانتِقَامِ وَمُحَاوَلَةُ دَفعِ الأَذَى إِلى دَفعِ رَشَاوَى وَاستِشهَادِ مُزَوِّرِينَ أَو إِيقَادِ حَمِيَّاتٍ جَاهِلِيَّةٍ، أَو يَبلُغُ الجَزَعُ بِالمَرءِ إِلى التَّهَوُّرِ بِضَربِ مُؤذِيهِ أَو قَتلِهِ أَو إِفسَادِ شَيءٍ مِمَّا لَهُ، وَكُلٌّ مِمَّا ذُكِرَ ضَيَاعٌ لِلدِّينِ وَذَهَابٌ لِلعَقلِ، وَفَسَادٌ لِلصِحَّةِ وَخَسَارَةٌ لِلرَّاحَةِ، وَقَد يَكُونُ نَدَمًا في الدُّنيَا وَنَدَامَةً يَومَ القِيَامَةِ، فَرَحِمَ اللهُ امرَأً جَعَلَ طَلَبَ الأَجرِ بَينَ عَينَيهِ، وَالتَمَسَ عَظِيمَ الثَّوَابِ وَرَفِيعَ الدَّرَجَةِ عِندَ رَبِّهِ، وَأَيقَنَ بِقُربِ المَوتِ وَسُرعَةِ انقِضَاءِ العُمُرِ، وَعَلِمَ أَنَّ بَعدَ الرَّحِيلِ ذِكرًا حَسَنًا أَو سَيِّئًا، وَسُمعَةً طَيِّبَةً أَو خَبِيثَةً، وَمَدحًا أَو ذَمًّا، وَدُعَاءً لَهُ أَو عَلَيهِ، وَالنَّاسُ شُهَدَاءُ اللهِ في الأَرضِ، مَن أَثنَوا عَلَيهِ خَيرًا وَجَبَت لَهُ الجَنَّةُ، وَمَن أَثنَوا عَلَيهِ شَرًّا وَجَبَت لَهُ النَّارُ، بِذَلِكَ صَحَّ الخَبَرُ عَنِ الحَبِيبِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - في الصَّحِيحَينِ وَغَيرِهِمَا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كيف تكسبين حب واحترام الآخرين
  • مهارات إدارة الآخرين
  • فهم الآخرين وقيمة الشكر
  • مساعدة الآخرين، فن له أصوله
  • ابعد عن أذى الناس
  • لا تؤذوا المسلمين

مختارات من الشبكة

  • خطبة: كيف نتعامل مع الشخصية الغامضة؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: كيف أتعامل مع ولدي المعاق؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدرس الرابع عشر: كيف نتعامل مع التوراة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف نتعامل مع الابتلاء؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف بكتاب مظلة في معترك العواصف - كيف نتعامل مع موجة الشبهات المعاصرة؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • كيف نتعامل مع مصاعب الحياة؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كيف نتعامل مع هذا الأب؟(استشارة - الاستشارات)
  • كيف نتعامل مع الفتن؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف نتعامل مع أخي ؟(استشارة - الاستشارات)
  • كيف نتعامل مع أختي ؟(استشارة - الاستشارات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أطباء مسلمون يقودون تدريبا جماعيا على الإنعاش القلبي الرئوي في سيدني
  • منح دراسية للطلاب المسلمين في بلغاريا تشمل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه
  • مبادرة "زوروا مسجدي 2025" تجمع أكثر من 150 مسجدا بمختلف أنحاء بريطانيا
  • متطوعو كواد سيتيز المسلمون يدعمون آلاف المحتاجين
  • مسلمون يخططون لتشييد مسجد حديث الطراز شمال سان أنطونيو
  • شبكة الألوكة تعزي المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا في وفاة سماحة مفتي عام المملكة
  • برنامج تعليمي إسلامي شامل لمدة ثلاث سنوات في مساجد تتارستان
  • اختتام الدورة العلمية الشرعية الثالثة للأئمة والخطباء بعاصمة ألبانيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 10/4/1447هـ - الساعة: 13:17
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب