• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حفظ اللسان وضوابط الكلام (خطبة)
    الشيخ أحمد إبراهيم الجوني
  •  
    بين "العلل الصغير" و"العلل الكبير" للإمام الترمذي
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    أبو عاصم البركاتي المصري
  •  
    بيتان شعريان في الحث على طلب العلم
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    من قال إنك لا تكسب (خطبة)
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    تفسير: (قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    آداب حملة القرآن: أهميتها وجهود العلماء فيها
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    السماحة بركة والجشع محق (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    الإمام محمد بن إدريس الشافعي (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    الله البصير (خطبة) - باللغة البنغالية
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    من ترك شيئا لله عوضه خيرا منه (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    بيع وشراء رباع مكة ودورها
    محمد علي عباد حميسان
  •  
    كيف يرضى الله عنك؟ (خطبة)
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    لطائف من القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    تفسير قوله تعالى: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    من أخطاء المصلين (4)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

كم في البلايا من العطايا (خطبة)

كم في البلايا من العطايا (خطبة)
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/1/2020 ميلادي - 30/5/1441 هجري

الزيارات: 31189

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كم في البلايا من العطايا

 

أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].


أَيُّهَا المُسلِمُونَ، نَحنُ في دَارٍ قَصِيرَةٍ، قَدَّرَ اللهُ أَن تَكُونَ دَارَ عَنَاءٍ وَامتِحَانٍ وَابتِلاءٍ، لا دَارَ رَاحَةٍ وَاستِقرَارٍ وَصَفَاءٍ، أَيَّامُ الفَرَحِ فِيهَا مَتلُوَّةٌ بِتَرَحٍ، وَرَخَاؤُهَا يَعقُبُهُ شِدَّةُ، وَسَاعَاتُ السُّرُورِ فِيهَا مَمزُوجَةٌ بِحُزنٍ، وَصَفوُهَا مَشُوبٌ بِكَدَرٍ، وَالمُرتَاحُ فِيهَا عَلَى وَجَلٍ مِنهَا، إِمَّا بِنِعمَةٍ يَخَافُ زَوَالَهَا، أَو بَلِيَّةٍ يَتَوَقَّعُ نُزُولَهَا، أَو مَرَضٍ مُقعِدٍ يَخشَى حُصُولَهُ، أَو كِبَرٍ مُفْنِدٍ يَخَافُ حُلُولَهُ، أَو مَوتٍ مُجهِزٍ يَقطَعُ لَذَّتَهُ...


أَلا إِنَّمَا الدُّنيَا نَضَارَةُ أَيكَةٍ
إِذَا اخضَرَّ مِنهَا جَانِبٌ جَفَّ جَانِبُ
هِيَ الدَّارُ مَا الآمَالُ إِلاَّ فَجَائِعٌ
عَلَيهَا وَمَا اللَّذَّاتُ إِلاَّ مَصَائِبُ
فَكَم سَخَنَت بِالأَمسِ عَينٌ قَرِيرَةٌ
وَقَرَّت عُيُونٌ دَمعُهَا الآنَ سَاكِبُ
فَلا تَكتَحِلْ عَينَاكَ مِنهَا بِعَبرَةٍ
عَلَى ذَاهِبٍ مِنهَا فَإِنَّكَ ذَاهِبُ


إِذَا عُلِمَت هَذِهِ الحَقِيقَةُ - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - وَتَيَقَّنَ العَاقِلُ أَنَّ الدُّنيَا مَرحَلَةُ ابتِلاءٍ وَاختِبَارٍ، وَأَنَّهَا دَارُ مَمَرٍّ وَلَيسَت بِدَارِ قَرارٍ، فَإِنَّهُ لا يَغتَرُّ بِهَا وَلا يَركَنُ إِلَيهَا، وَلَكِنَّهُ يَتَلَمَّسُ شَيئًا مِن أَسرَارِ بَلائِهَا؛ لِيَزدَادَ بِذَلِكَ يَقِينًا بِلِقَاءِ اللهِ الكَرِيمِ، وَتَعَلُّقًا بِدَارِ النَّعِيمِ المُقِيمِ، ذَلِكُم أَنَّ لِلمُؤمِنِ مَعَ رَبِّهِ عُبُودِيَّةً في الضَّرَّاءِ وَالعُسرِ، كَمَا أَنَّ لَهُ عُبُودِيَّةً في السَّرَّاءِ وَاليُسرِ، وَاللهُ - تَعَالى - لا يُقَدِّرُ شَرًّا مَحضًا، بَل مَا مِن شَرٍّ إِلا وَفِيهِ خَيرٌ، وَلا مَكرُوهٍ إِلاَّ وَفي ثَنَايَاهُ مَحبُوبٌ، قَالَ - تَعَالى
-: ﴿ وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216] وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ فَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللهُ فِيهِ خَيرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19] وَمِن ذَلِكَ البَلاءُ، فَإِنَّ اللهَ لم يُنزِلِهُ بِعِبَادِهِ إِلاَّ لِحِكمَةٍ بَل لِحِكَمٍ عَدِيدَةٍ، مَن غَفَلَ عَنهَا ضَلَّ وَهَلَكَ، وَمَن عَرَفَهَا وَوَطَّنَ نَفسَهُ عَلَيهَا وَاستَحضَرَهَا، هَانَ عَلَيهِ مَا يَلقَاهُ في دُنيَاهُ مِن بَلاءٍ، وَسَهُلَ عَلَيهِ مَا يَجِدُهُ فِيهَا مِن عَنَاءٍ، وَمِن ذَلِكَ أَنَّ في البِلاءِ استِخرَاجًا لأَنوَاعٍ مِنَ العُبُودِيَّةِ لم تَكُنْ لِتَخرُجَ لَولا البَلاءُ، فَلَولا النَّوَازِلُ وَالابتِلاءَاتُ، مَا رَجَعَ بَعضُ الشَّارِدِينَ إِلى رَبِّهِ، وَلَولا المَصَائِبُ وَالرَّزَايَا مَا تَابَ بَعضُ العَاصِينَ مِن ذَنبِهِ، وَلَولا المِحَنُ وَالمَكَارِهُ لاغتَرَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَتَكَبَّرَ، وَلَكِنَّ اللهَ يَبتَلِي العِبَادَ لِيَعُودُوا إِلى رُشدِهِم وَلا يَنحَرِفُوا عَن طَرِيقِهِم، وَلِئَلاَّ تَخفَى عَلَيهِم حَقِيقَةُ أَنفُسِهِم وَضَعفُ تَصَرُّفِهِم وَقِلَّةُ حِيلَتِهِم، وَلِيَلجَؤُوا بِذَلِكَ إِلَيهِ وَيَنطَرِحُوا بَينَ يَدَيهِ، وَيُفَوِّضُوا أُمُورَهُم إِلَيهِ وَيَتَوَكَّلُوا عَلَيهِ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ مَا أَصَابَ مِن مصِيبَةٍ في الأَرضِ وَلا في أَنفُسِكُم إِلاَّ في كِتَابٍ مِن قَبلِ أَن نَبرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيلا تَأسَوا عَلَى مَا فَاتَكُم وَلا تَفرَحُوا بِمَا آتَاكُم وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22، 23].

 

وَمِنَ الحِكَمِ في البَلاءِ، أَنَّ اللهَ - تَعَالى - حِينَ يَبتَلِي عَبدَهُ المُؤمِنَ، فَإِنَّمَا يَبتَلِيهِ لِيُهَذِّبَهُ لا لِيُعَذِّبَهُ، وَلِيُطَهِّرَهُ وَيُكَفِّرَ عَنهُ ذُنُوبَهُ، وَإِلاَّ فَلَو شَاءَ لَتَرَكَهُ دُونَ تَمحِيصٍ وَتَطهِيرٍ مِنهَا؛ لِيُوَافِيَ بِهَا يَومَ القِيَامَةِ وَيُعَذَّبَ بِسَبَبِهَا، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبدِهِ الخَيرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ في الدُّنيَا، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبدِهِ الشَّرَّ أَمسَكَ عَنهُ بِذَنبِهِ حَتى يُوَافِيَهُ بِهِ يَومَ القِيَامَةِ" رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.


وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَا يُصِيبُ المُسلِمَ مِن نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ وَلا حَزَنٍ، وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِن خَطَايَاهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "مَا يَزَالُ البَلاءُ بِالمُؤمِنِ وَالمُؤمِنَةِ في نَفسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ، حَتَّى يَلقَى اللهَ وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَةٌ" رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. بَل إِنَّ البَلاءَ عَلَى خِلافِ مَا يَظُنُّ بَعضُ النَّاسِ دَلِيلُ حُبِّ اللهِ لِلعَبدِ وَإِرَادَتِهِ لَهُ المَنزِلَةَ العَالِيَةَ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَومًا ابتَلاهُم، فَمَن رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَن سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ" رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ عِندَ اللهِ المَنزِلَةُ، فَمَا يَبلُغُهَا بِعَمَلٍ، فَمَا يَزَالُ يَبتَلِيهِ بِمَا يَكرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ إِيَّاهَا" رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَقَالَ الأَلبَانيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.


وَمَعَ هَذَا - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - فَإِنَّ ثَمَّةَ أُمُورًا كُلَّمَا ذَكَرَهَا المُبتَلَى سُرِّيَ عَنهُ وَخَفَّ عَلَيهِ البَلاءُ، مِن ذَلِكَ أَن يَعلَمَ أَنَّ الابتِلاءَ لا يَدَعُ أَحَدًا مِنَ الخَلقِ إِلاَّ أَصَابَهُ، وَلَو سَلِمَ مِنهُ أَحَدٌ لَسَلِمَ مِنهُ المُرسَلُونَ وَالأَنبِيَاءُ، وَلَكِنَّ اللهَ - تَعَالى - يُنَوِّعُهُ عَلَى عِبَادِهِ وَيَقسِمُ لِكُلٍّ مِنهُ نَصِيبًا، فَمِنهُم مَن يُبتَلَى بِالسَّرَّاءِ، وَمِنهُم مَن يُبتَلَى بِالضَّرَّاءِ، وَمِنهُم مَن يُبتَلَى بِالغِنى، وَمِنهُم مَن يُبتَلَى بِالفَقَرِ، وَمِنهُم مَن يُبتَلَى بِالصِّحَّةِ، وَمِنهُم مَن يُبتَلَى بِالمَرَضِ، وَآخَرُونَ بِفَقدِ الأَحِبَّةِ، وَغَيرُهُم بِالسِّجنِ أَوِ القَتلِ أَوِ الطَّردِ.


وَمِمَّا يُسَلِّي المُؤمِنَ عِندَ المَصَائِبِ، أَن يَتَذَكَّرَ كَم عَاشَ مِن عُمُرِهِ مِن أَيَّامٍ وَهُوَ في عَافِيَةٍ، وَكَم صُرِفَ عَنهُ مِنَ البَلاءِ والنِّقمِ، وَكَم للهِ عَلَيهِ مِنَ العَطَايَا وَالنِّعَمِ، وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَنهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنَّهُ قَالَ: "اُنظُرُوا إِلى مَن هُوَ أَسفَلَ مِنكُم، وَلا تَنظُرُوا إِلى مَن هُوَ فَوقَكُم، فَهُوَ أَجدَرُ أَلاَّ تَزدَرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم" وَيَا لَهُ مِن عِلاجٍ نَاجِعٍ وَدَوَاءٍ نَافِعٍ؛ فَإِنَّ المَرءَ مَهمَا بَلَغَت بِهِ الحَالُ مِن فَقرٍ أَو مَرَضٍ أَو عُسرٍ أَو بَلاءٍ، فَإِنَّ فِيمَن حَولَهُ مَن هُوَ أَفقَرُ مِنهُ وَأَشَدُّ عُسرًا وَأَكثَرُ بَلاءً وَأَقوَى مَرَضًا، وَكُلَّمَا طَالَ تَأَمُّلُهُ في نِعَمِ اللهِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، رَأَى رَبَّهُ قَد أَعطَاهُ خَيرًا كَثِيرًا، وَدَفَعَ عَنهُ شُرُورًا مُتَعَدِّدَةً، وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا يَدفَعُ عَنهُ جُزءًا مِنَ الهَمِّ والغمِّ، وَيُوجِبُ لَهُ شَيئًا مِنَ الفَرَحَ وَالسُّرورِ.


وَمِن أَعظَمِ مَا يُسَلِّي المُبتَلَى، أَن يَعلَمَ أَنَّ البَلاءَ لَهُ أَمَدٌ يَنتَهِي إِلَيهِ وَوَقتٌ يَنقَضِي عِندَهُ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ فَإِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا * إِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا ﴾ [الشرح: 5، 6].


وَلَرُبَّ نَازِلَةٍ يَضِيقُ بِهَا الفَتَى
ذَرعًا وَعِندَ اللهِ مِنهَا المَخرَجُ
ضَاقَت فَلَمَّا استَحكَمَت حَلَقَاتُهَا
فُرِجَت وَكَانَ يَظُنُّها لا تُفرَجُ

 

وَمِن أَعظَمِ مَا يُسَلِّي المُبتَلَى، أَن يَستَعِينَ بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ وَالدُّعَاءِ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153] وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 155، 156] وَمَن جَمَعَ هَذِهِ الأَنوَاعَ مِنَ العِلاجِ: العِلاجَ النَّفسِيَّ بِالتَّصبُّرِ، وَالعِلاجَ القَوليَّ بِالاستِرجَاعِ، وَالعِلاجَ البَدَنيَّ القَلبيَّ بِالصَّلاةِ، فَقَد جَمَعَ العِلاجَ الرَّبَّانيَّ كُلَّهُ، وَمَا أَحرَاهُ أَن يُسكَبَ في قَلبِهِ مِنَ اليَقِينِ وَالرِّضَا مَا لا يَخطُرُ لَهُ عَلَى بَالٍ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ مَا أَصَابَ مِن مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذنِ اللهِ وَمَن يُؤمِن بِاللهِ يَهدِ قَلبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11] اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ العَافِيَةَ في الدِّينِ وَالدُّنيَا وَالآخِرَةِ، وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ لي وَلَكُم فَاستَغفِرُوهُ، إنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفَّارًا...


الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - حَقَّ تَقوَاهُ، وَاصبِرُوا عَلَى أَقدَارِهِ وَارضَوا عَنهُ تَنَالُوا رِضَاهُ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ - تَعَالى - يُرَبِّي عَبدَهُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، ويُقَلِّبُهُ في العَافِيَةِ وَالبَلاءِ، وَيُنَوِّعَ لَهُ العَيشَ مَا بَينَ شِدَّةٍ وَرَخَاءٍ؛ لِيَستَخرِجَ مِنهُ عُبُودِيَّتَهُ في جَمِيعِ الأَحوَالِ، وَعَبدُاللهِ عَلَى الحَقِيقَةِ، مَن قَامَ بِعُبُودِيَّتِهِ - تَعَالى - عَلَى اختِلافِ الأَحوَالِ، وَالإِيمَانُ الصَّادِقُ النَّافِعُ، هُوَ الإِيمَانُ الَّذِي يَثبُتُ في حَالِ الابتِلاءِ كَمَا هُوَ في العَافِيَةِ، وَأَمَّا الإِيمَانُ الَّذِي لا يَكُونُ إِلاَّ في العَافِيَةِ، فَإِنَّهُ لا يَكَادُ يَصحَبُ العَبدَ وَلا يُبَلِّغُهُ مَنَازِلَ المُؤمِنِينَ الصَّادِقِينَ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلَى حَرفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيرٌ اطمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجهِهِ خَسِرَ الدُّنيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسرَانُ المُبِينُ ﴾ [الحج: 11] وَإِنَّهُ إِذَا سَلِمَ لِلعَبدِ دِينُهُ، وَثَبَتَ عَلَى أَمرِ رَبِّهِ وَنَهيِهِ، وَسَارَ عَلَى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ وَلم يَلتَفِتْ عَنهُ رَغبَةً عَنهُ، فَلا عَلَيهِ وَلَو نَزَلَت بِهِ ابتِلاءَاتُ الدُّنيَا كُلُّهَا، وَإِنَّمَا البَلاءُ الحَقِيقِيُّ مَا شَغَلَ العَبدَ عَن رَبِّهِ وَأَنسَاهُ لِقَاءَهُ، وَأَمَّا مَا أَقَامَهُ بَينَ يَدَيهِ وَرَدَّهُ إِلَيهِ، فَرَقَّ قَلبُهُ وَصَفَت نَفسُهُ وَدَمَعَت عَينُهُ، وَخَشَعَت جَوَارِحُهُ وَارتَفَعَ صَوتُهُ بِالدُّعَاءِ، وَتَوَاضَعَ وَتَطَامَنَ وَأَقلَعَ عَن كِبرِهِ، فَهَذَا غَايَةُ كَمَالِهِ وَمُنتَهَى جَمَالِهِ، وَاللهُ - تَعَالى - هُوَ اللَّطِيفُ، وَمِن لُطفِهِ بِعَبدِهِ أَن يَبتَلِيَهُ بِبَعضِ المَصَائِبِ، فَيُوَفِّقَهُ لِلصَّبرِ عَلَيهَا، فَيُنِيلَهُ بِذَلِكَ دَرَجَاتٍ عَالِيَةً مَا كَانَ لَهُ أَن يُدرِكَهَا بِعَمَلِهِ" وَ ﴿ إِنَّمَا يُوَفىَّ الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10] أَلا فَكُونُوا مَعَ اللهِ في كُلِّ حِينٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكُونُوا مَعَهُ في حَالِ العَافِيَةِ وَالسَّلامَةِ وَالرَّخَاءِ، يَكُنْ مَعَكُم عِندَ المُصِيبَةِ وَالشِّدَّةِ وَالبَلاءِ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "احفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ، احفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيهِ في الرَّخَاءِ يَعرِفْكَ في الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلتَ فَاسأَلِ اللهَ، وَإِذَا استَعَنتَ فَاستَعِنْ بِاللهِ، قَد جَفَّ القَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَو أَنَّ الخَلقَ كُلَّهُم جَمِيعًا أَرَادُوا أَن يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لم يَكتُبْهُ اللهُ عَلَيكَ لم يَقدِرُوا عَلَيهِ، وَإِن أَرَادُوا أَن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَكتُبْهُ اللهُ عَلَيكَ لم يَقدِرُوا عَلَيهِ، وَاعلَمْ أَنَّ في الصَّبرِ عَلَى مَا تَكرَهُ خَيرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا" رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بلاد العطايا والأوهام
  • تثبيت الناس في البلايا الست (خطبة)
  • خطبة البلايا والمرض
  • موت العلماء مصيبة للأمة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • ستندمل جراح الشام (قصيدة)(مقالة - موقع الدكتور وليد قصاب)
  • خطبة: القراءة بوابة العلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: يا شباب عليكم بالصديق الصالح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: أهمية مراقبة الله في حياة الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الوقت في حياة الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الوطن في قلوب الشباب والفتيات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: يا شباب احذروا من الغيبة والنميمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: علموا أولادكم الاستغفار والتوبة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: علموا أولادكم كيف نتعامل مع المعلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: كيف يوفق الشباب إلى البركة وحسن العمل؟(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • متطوعو أورورا المسلمون يتحركون لدعم مئات الأسر عبر مبادرة غذائية خيرية
  • قازان تحتضن أكبر مسابقة دولية للعلوم الإسلامية واللغة العربية في روسيا
  • 215 عاما من التاريخ.. مسجد غمباري النيجيري يعود للحياة بعد ترميم شامل
  • اثنا عشر فريقا يتنافسون في مسابقة القرآن بتتارستان للعام السادس تواليا
  • برنامج تدريبي للأئمة المسلمين في مدينة كارجلي
  • ندوة لأئمة زينيتسا تبحث أثر الذكاء الاصطناعي في تطوير رسالة الإمام
  • المؤتمر السنوي التاسع للصحة النفسية للمسلمين في أستراليا
  • علماء ومفكرون في مدينة بيهاتش يناقشون مناهج تفسير القرآن الكريم

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/5/1447هـ - الساعة: 14:53
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب