كيف تكتب بحثا في الحديث الموضوعي؟

كيف تكتب بحثًا في الحديث الموضوعي؟

مع وجود الأقسام المتخصصة في الحديث الشريف في جامعات العالم العربي والإسلامي، كان لزامًا على مدرسي هذا التخصص إبراز مظاهر القوة والتجديد في السنة النبوية الشريفة في العصر الحاضر، خصوصًا مع وجود تكنولوجيا الاتصال الحديثة التي وفرت الكثير من الجهد والوقت وذلك لربط المعارف والعلوم الإنسانية والاجتماعية بالسنة النبوية وإبراز دورها في معالجة مشكلات الأمة.

وتصنيف الحديث حسب الموضوعات أمر في غاية الأهمية، لأنه يجعلنا نتعايش مع الهدي النبوي حسب واقعنا الحالي بالشروط العلمية عند المحدثين في نقل كلامه صلى الله عليه وسلم، ويمنح فرصة التأصيل الشرعي للعلوم الجديدة، كعلم النفس الإسلامي، والاقتصاد الإسلامي، والإعلام الإسلامي وغير ذلك من العلوم.

فإذا كنت من طلبة السنة الأخيرة في جامعتك، وطلب منك إعداد وكتابة بحث تخرج، أو كنت من طلبة الدراسات العليا، وأردت كتابة بحث في الحديث الموضوعي تعالج فيه أمراض الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يجب الانتباه إلى مجموعةٍ من الخطوات العلمية العملية؛ حتى تحقِّقَ بحثًا علميًا قويًا منضبطًا في هذا النوع من علوم الحديث، ومن أهمِّ تلك الخطوات:

1- تحديد فكرة البحث بحيث يكون بحثًا مستحقًّا للعمل عليه والبحث فيه مما يتعلق بالدراسات الاجتماعية والإنسانية مما له صلة بالواقع وقضاياه ومشاكله المعاصرة.

2- الفهم الدقيق للموضوع المطروح.

3- صياغة العنوان بعد استشارة أكثر من باحث مختص بهذا الشأن.

4- تحديد الأهمية والهدف من الموضوع عبر إبراز حقائق السنة النبوية، وعرضها بشكل يلفت نظر القارئ مع ذكر حكمة التشريع النبوي وجماله ووفائه بحاجات البشر، مع عرض تلك الحقائق بأسلوب جميل عذب بذكر الأفكار الواردة مبتعدًا عن الألفاظ الغريبة والصعبة الفهم.

5- صياغة مشكلة البحث صياغة أكاديمية.

6- وضع أسئلة البحث بتسلسل منطقي تؤدي الإجابة عليها إلى تحرير الغموض في مشكلة البحث.

7- رصد الدراسات السابقة المتعلقة بالموضوع بشكل عام أو بأحد جزئياته بشكل خاص.

8- جمع الأحاديث المتعلقة بالموضوع من كتب الحديث الصحيحة المعتمدة، كجامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لابن الأثير المتوفى سنة (ت 606 هـ) والجمع بين الصحيحين للحافظ الحميدي (ت 488هـ) والمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف للمستشرق الهولندي فنسنك بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، وكذلك كتاب الرسالة المستطرفة لبيان كتب السنة المشرفة لأبي عبد الله محمد بن جعفر الكتاني (ت 1345هـ)، وإذا أردت البحث في موضوع معين فعليك بكتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة (ت 1067هـ) إلى غير ذلك من الكتب الحديثية.

9- جمع روايات الحديث وزياداته اللفظية والمقارنة الموضوعية بينها؛ وبذلك يحصل للباحث الإلمام والإحاطة بموضوع الحديث بكافة تفاصيله.

10- تصنيف الأحاديث النبوية التي تم جمعُها باعتبار صحتها ودرجة قبولها وحكمها.

11- فهم الأحاديث النبوية، عبر فهم المقصد النبوي بالرجوع إلى كتب شروح الأحاديث التي تمكِّننا من شرحِ ألفاظه، ومعرفة معانيها بحسَب مواضعها، والوقوف على سبب الورود إن وجد وآثار الصحابة والتابعين وأقوال العلماء مع إسقاط على الواقع ما أمكن على ذلك سبيلًا وهذا يحتاج إلى قراءة واعية لمتن الحديث، وفهم الدلالة الموضوعية له، واستنباط تفاصيله، وعند الحاجة إلى شرح كلمة غريبة يرجع الباحث إلى كتب غريب الحديث ولا يجتهد من تلقاء نفسه في الشرح حيث يجعل ذلك تعليقًا في الحاشية من غير استطراد يخل بتسلسل الأفكار وتعانق الفقرات وسلاسة الأسلوب وإشراقة البيان.

12- دراسة ما يستنبط من هذه الأحاديث مما يتعلق بالموضوع مع ذكر ما يؤيده من شواهد من كتاب الله عز وجل وأقوال أهل العلم ويتبع ذلك ذكر المسائل الخلافية إذا كان الموضوع مثلًا في أحاديث الأحكام ما يحتاج إلى تفصيل ونحو ذلك مثل: صلاة الوتر.

13- تقسيم موضوع البحث إلى عناصرَ مرتبطةِ الأجزاء، ولا بد أن تكون هذه العناصر مرتبطةً بينها برباط علميٍّ يجعل من الموضوع وَحدةً أو سلسلةً منتظمة، ثم وضعُ الأحاديث المناسبةِ تحت العنصر المناسب لها، وشرحها بما يناسب العُنصر الذي تم إدراجُها تحتها، مع الاقتصار على محل الشاهد من الحديث خاصةً.

14- أما بالنسبة إلى موضوع منهج دراسة الحديث الموضوعي فلقد قسمه د. خالد الشرمان في كتابه (الحديث الموضوعي دراسة تأصيلية تطبيقية) إلى خمسة أنواع هي الآتي:

أ‌- المنهج الذي يقف عند جمع الأحاديث والحكم عليها والترجمة لها مع التعليق اليسير.

ب‌- المنهج الذي يعتمد مفردة أو مصطلحًا نبويًّا في الدراسة الموضوعية.

ت‌- المنهج الذي يعتمد على أحاديث في مصادر محددة.

ث‌- المنهج الذي يعتمد حديثًا واحدًا للدراسة الموضوعية.

ج‌- المنهج الذي يعتمد على عدة أحاديث دون استقصاء ودون تحديد للمصادر.

15- الرجوع إلى كتاب الله عز وجل والبحث في الآيات القرآنية ذات العلاقة بموضوع الحديث، وأقوال المفسرين؛ للربط بين الحديث والقرآن في فهم الموضوع، ويفضل الرجوع في هذا إلى كتاب (التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم) بإشراف د. مصطفى مسلم.

16- الرجوع إلى كتب العلوم المعاصرة، فإذا كان الموضوع متعلقًا بالإعلام الإسلامي؛ فيمكن الرجوع إلى كتب الإعلام، وإن كان الموضوع متعلقًا بالاقتصاد الإسلامي؛ فيمكن الاستفادة من كتب الاقتصاد.... وهكذا، وذلك من أجل زيادة الحجة والبرهان والتوضيح.

17- ومن أجل مراعاة المنهج النبوي في هذا الموضوع ينبغي دراسة الموضوع المطروح على الواقع وفي ضوء مقاصد الشريعة.

18- ولنعلم أن النتائج التي يصل إليها الباحث في نهاية بحثه هي نتائج اجتهادية مهما كانت قوة هذا الباحث ومكنته العلمية.

وأخيرًا إن هذا النوع من الدراسات يتَّفِق مع روح العصر الحاضر الذي تتجدَّد فيه حاجات المجتمعات، وتَبرُز فيه أفكار ونظريات جديدة مع التقدم العلمي والتقني لذلك لا بد من المعنيين في التعليم العالي والبحث العلمي من الاهتمام به وحث الطلبة على الكتابة فيه.