• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    الضحك والبكاء في الكتاب والسنة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    رسول الشيب
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    من مفاسد التصوير (خطبة)
    خالد سعد الشهري
  •  
    محمد بن إسماعيل البخاري وإجماع الأمة على تلقي ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ضيافة الصديق سعة بعد ضيق (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    مشاهد من همة الصحابة في القيام بحق القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    طلب العلم وتعليمه فضائل وغنائم (خطبة)
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    يا معشر الشباب... تزوجوا
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    خلاف العلماء في طرق تطهير الماء المتنجس
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    إدمان التسوق
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    المزابنة والمحاقلة
    عبدالرحمن بن يوسف اللحيدان
  •  
    زاد الداعية (11) {واصبر على ما أصابك}
    صلاح صبري الشرقاوي
  •  
    تحريم إنكار إرادة الله تبارك وتعالى أو إرادة ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة: عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    القواعد الشرعية المستنبطة من النصوص الواردة في ...
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع
علامة باركود

حق اليتيم (خطبة)

حق اليتيم (خطبة)
أحمد بن عبدالله الحزيمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/1/2017 ميلادي - 4/4/1438 هجري

الزيارات: 189389

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حق اليتيم


الْحَمْدُ للهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ، كَتبَ الإِحْسَانَ علَى كُلِّ شَيْءٍ، وأَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، بِعَدْلِهِ وِحِكْمَتِهِ، فَاسْتَقَامَتْ أَحْوَالُ الْخَلْقِ، واسْتَنَارَ لَهُمْ طَرِيقَ الْحَقِّ، وأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِفَضْلِهِ وَمَنِّهِ فَلَهُ الْحَمْدُ.

 

وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ... أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ، وَصِيَّتِي هِي وَصِيَّةُ رَبِّكُمْ لَكُمْ وَلِمَنْ قَبْلَكُمْ ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].

 

عِبَادَ اللهِ... اسْتُشْهِدَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ وَتَرَكَ أَطْفَالًا أَيْتَامًا فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَاهَدُهُمْ وَيَمْسَحُ رُؤوسَهُمْ وَيَدْعُو لَهُمْ؛ شَفَقَةً بِالْيَتِيمِ وَرَحْمَةً بِهِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، قَالَ: مَرَّ بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دَابَّةٍ وَنَحْنُ صِبْيَانٌ نَلْعَبُ، فَقَالَ: "ارْفَعُوا هَذَا إِلَيَّ" قَالَ: فَحَمَلَنِي أَمَامَهُ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى رَأْسِي ثَلاثًا، وَقَالَ كُلَّمَا مَسَحَ: "اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي وَلَدِهِ".

 

عِبَادَ اللَّهِ... مِنَ الْقِيَمِ الْجَلِيلَةِ لِهَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ: رِعايَتُهُ لِلْيَتِيمِ وَحَثُّهُ الشَّدِيدُ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ دِينٌ وَلَا مَنْهَجٌ وَلَا دُسْتُورٌ، يَدْعُو وَيَحُثُّ عَلَى رِعَايَةِ الْيَتِيمِ مِثْلُ هَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ. فَلَقَدْ حَثَّ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ عَلَى إكْرَامِ الْيَتِيمِ وَرِعايَتِهِ وَالْعِنَايَةِ بِهِ، وَرَتَّبَ أَعْظَمَ الْجَزَاءِ وَأَوْفَرَهُ لِمَنْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، نَعَمْ جَعَلَ مِنْ وَراءِ ذَلِكَ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ. الْجَنَّةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي طَالَمَا كَانَتْ حَافِزَةً لِكُلِّ عَمَلٍ صَعْبٍ وَشَاقٍّ. تَأَمَّلُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8] فَكَانَ الْجَزَاءُ الْعَظِيمُ ﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 11، 12].

 

وَلِحَقِّ الْيَتِيمِ وَأَهَمِّيَّتِهِ تَنَزَّلَتِ الآيَاتُ فِي حَقِّهِ فِي أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي مَكَّةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾ [الضحى: 9] وكَقَوْلِهِ: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ [الماعون: 1، 2] وكَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾ [الفجر: 17] وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وابْنُ مَاجَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ". وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا" وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ الْإمَامُ ابْنُ بَطَّالٍ: "حَقُّ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ يَسْمَعُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَرْغَبَ فِي العَمَلِ بِهِ؛ لِيَكُونَ فِي الْجَنَّةِ رَفِيقًا لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلِجَمَاعَةِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمِ أَجْمَعِينَ، وَلَا مَنْزِلَةَ عِنْدَ اللهِ فِي الآخِرَةِ أَفْضَلُ مِنْ مُرَافَقَةِ الأَنْبِيَاءِ". انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللهُ وفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ - كَمَا قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُفْتَحُ لَهُ بَابُ الْجَنَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ تَأْتِي امْرَأَةٌ تُبَادِرُنِي - أَيْ تُسَابِقُنِي - فَأَقُولُ لَهَا: مَا لَكِ؟ وَمَا أَنْتِ؟ فَتَقُولُ: أَنَا امْرَأَةٌ قَعَدْتُ عَلَى أَيْتَامٍ لِي"، وفي لفظ: "فَتَقُولُ: أَنَا امْرَأَةٌ مَاتَ زَوْجِي وَتَرَكَ عَلَيَّ أَوْلَادًا فَقَعَدْتُ أُرَبِّيهِمْ"... امْرَأَةٌ مَاتَ زَوْجُهَا وَتَرَكَ لَهَا أَطْفَالًا فَقَامَتْ عَلَى تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ بِعِفَّةٍ، وَطَهَارَةٍ وَصِدْقٍ، فَنَالَت هَذَا الشَّرَفَ الْعَظِيمَ.

 

مَعْشَرَ الْكِرَام... الْيَتِيمُ مَشْرُوعُ حَسَنَاتٍ، وَبَابُ خَيْرَاتٍ، فَمَنْ يَنْهَلُ وَمَنْ يُرَابِحُ مَعَ اللهِ فِي الْأَيْتَامِ؟! وَكَمْ مِنْ أَقْوَامٍ كُتِبَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الْجَنَّاتِ لأَجْلِ يَتِيمٍ أَوْ يَتِيمَةٍ، فإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكْفُلَ يَتِيمًا بِمَالِكَ فِي الدَّاخِلِ أَوِ الْخَارِجِ عَبْرِ جِهَةٍ مَوْثُوقَةٍ فَلَا تَتَوَانَ وَلا تَحْرِمْ نَفْسَكَ الْخَيْرَ.

 

عِبَادَ اللَّهِ... عَبْرَ التَّارِيخِ بَرَزَ أَيْتَامٌ كَانَ لَهُمْ شَأْنٌ عَظِيمٌ فلَمْ يَكُنْ لِلْيُتْمِ وَلَمْ يَكُنْ لِفَقْدِ الْأَبِ الرَّحِيمِ الْمُشْفِقِ وَالْمُوَجِّهِ النَّاصِحِ مَانِعًا لَهُمْ مِنَ النُّبُوغِ وَالْبُرُوزِ وَتَحْصِيلِ أَعَلَى الْمَرَاتِبِ. عُلَمَاءٌ وَأَعْلاَمٌ، شُعرَاءُ وَعَبَاقِرَةٌ، وَشَخْصِيَّاتٌ شَهِيرَةٌ، بَلْ مِنْهُمْ قَادَةُ الْعَالَمِ وَعُظَمَائِهِ وَخُبَرَائِهِ، وكُلُّ هَؤُلَاءِ عَاشُوا أَيْتَاماً، فَغَيَّرُوا مَجْرَى التَّارِيخِ بِعَزْمِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ.

 

فَهَذَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نَشَأَ يَتِيمًا، وَكَانَ يَرْعَى لِقَوْمِهِ الْغَنَمَ، ثُمَّ لَازَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ رَاوِيَةَ الْإِسْلامِ.

وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الَّذِي عَدَّهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِألْفِ فَارِسٍ، كَانَ نِتَاجُ تَرْبِيَةِ أُمِّهِ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بَعْدَ أَنَّ مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ.

 

وإِمَامُ الدُّنْيَا فِي الْفِقْهِ الْإمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، فَقَدَ أَبَاهُ وَهُوَ دُونَ الْعَامَيْنِ، فَنَشَأَ فِي حَجْرِ أُمِّهِ فِي قِلَّةٍ مِنَ الْعَيْشِ وَضِيقٍ مِنَ الْحَالِ، فَحَفِظَ الْقُرْآنَ وَجَالَسَ فِي صَبَاهُ الْعُلَمَاءَ حَتَّى سَادَ أَهْلَ زَمَانِهِ.

 

وَكَذَا تِلْمِيذُ الشَّافِعِيِّ: الْإمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ مَاتَ وَالِدُهُ وَهُوَ حَمْلٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَعَاشَ حَيَاةَ فَقْرٍ وَفَاقَةٍ، فَحَضَنَتْهُ أُمُّهُ وَأَدَّبَتْهُ وَأَحْسَنَتْ تَرْبِيَتَهُ، حَتَّى أَخْرَجَتْ عَالِمًا فَذًّا، وَإِمَامًا وَرِعًا حَفِظَ اللهُ بِهِ الدِّينَ والْعِبَادَ فِي الْفِتْنَةِ.

 

وَمَنْ مِنْكُمْ لَا يَعْرِفُ إِمَامَ الدُّنْيَا فِي الْحَدِيثِ والأَثَرِ. الْإمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ صَاحِبُ "الصَّحِيحِ" كَانَ يَتِيمًا، وَقَرَأَ عَلَى أَلْفِ شَيْخٍ، فَصَنَّفَ كِتَابَهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي هُوَ أَصَحُّ كِتَابٍ بَعْدَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، فَكَانَ هَذَا الْيَتِيمُ نِعْمَةً عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ.

 

وَالْإمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيُّ رَحِمَهُ اللهُ نَشَأَ يَتِيمًا عَلَى الْعَفَافِ وَالصَّلاَحِ فِي حِضْنِ عَمَّتِهِ، فَحَمَلَتْهُ إِلَى الْعُلَمَاءِ، فَصَنَّفَ وَوَعَظَ، قَالَ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ نَفْسِهِ: "أَسْلَمَ عَلَى يَدِيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْ أَلْفٍ". قَالَ شَيْخُ الْإِسْلامِ رَحِمَهُ اللهُ: "وَلَا أَعْلَمُ أحَدًا صَنَّفَ فِي الْإِسْلامِ أَكْثَرَ مِنْ تَصَانِيفِهِ"... وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ كَثِيرٌ، كَانُوا أَيْتَامًا وَصَارُوا أَعْلَامًا، كَالأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ حَجَرٍ، وَالسُّيُوطِيِّ.

 

وَإِذَا أَرَدْتَ أَمْثِلَةً حَاضِرَةً قَرِيبَةً فَهِي غَيْرُ قَلِيلَةٍ أَيْضًا، فَمِنْهُمْ: َعَبْدُالرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيُّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ بَازٍ - رَحِمَهُمُ اللهُ- وَغَيْرُهُمْ كَثِيرٌ وَكَثِيرٌ عَاشُوا الْيُتْمَ، لَكِنَّهُمْ أَنَارُوا الدُّنْيا بِالْعِلْمِ وَالْفَهْمِ، وَلَمْ يَكُنِ الْيُتْمُ عَائِقًا لَهُمْ عَنِ النُّهُوضِ، بَلْ رُبَّما كَانَ دَافِعًا لَهُمْ.

 

وَخَيْرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَشَدُّ مِنْهُمْ يُتْمًا: خَيْرُ الْبَشَرِ، وَسَيِّدُ الْأَيْتَامِ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تُوُفِّيَ وَالِدُهُ وَأُمُّهُ حَامِلٌ بِهِ، ثُمَّ اجْتَمَعَ عَلَيْهَ بَعْدَ فَقْدِ أَبِيهِ مَوْتُ أُمِّهِ وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ، ثُمَّ تَقَلَّبَ فِي أَحْضَانٍ مُتَوَالِيَةٍ مَنْ أُمِّهِ إِلَى جَدِّهِ ثُمَّ إِلَى عَمِّهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴾ [الضحى: 6].

قَالُوا: (الْيَتِيمُ) فَمَاجَ عِطْرُ قَصِيدَتِي
وَتَلَفَّتَتْ كَلِمَاتُهَا تَعْظِيمًا
وَسَمِعْتُ مِنْهَا حِكْمَةً أَزَلِيَّةً
أَهْدَتْ إليَّ كِتَابَهَا الْمَرْقُومَا
حَسْبُ الْيَتِيمِ سَعَادَةً أَنَّ الَّذِي
نَشَرَ الْهُدى فِي النَّاسِ عَاشَ يَتِيمًا

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

عِبَادَ اللَّهِ... كَفَالَةُ الْيَتِيمِ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى تَوْفِيرِ الْأَكْلِ وَالْمَشْرَب وَالْمَلْبَسِ فَقَط، بَلْ يَتَّسِعُ مَعَنَاهَا لِيَشْمَلَ احْتِضَانَهُ وَتَعْلِيمَهُ وَالْاِهْتِمَامَ بِصِحَّتِهِ وَإِعْدَادَهِ نَفْسِيًّا وَإِيمَانِيًّا وَتَرْبَوِيًّا لِمُوَاجَهَةِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْأَخْذَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْفَضِيلَةِ، وَتَقْوِيَةَ رُوحِهِ وَعَقْلِهِ، وَزَرْعَ الْأَمَلِ فِي نَفْسِهِ، ومُعَامَلَتَهُ بِصِدْقٍ وَإِخْلاَصٍ، وَالْحِرْصَ عَلَى مُسْتَقْبَلِهِ وَسُلُوكِهِ تَمَامًا كَمَا يَكُونُ حِرْصُ الْأَبِ عَلَى مُسْتَقْبَلِ أَبْنَائِهِ وَسُلُوكِهِمْ.

 

وَإِلَى رِجَالِ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ نَقُولُ: "اللهَ اللهَ بِالْأَيْتَامِ فِي مَدَارِسِكُمْ"، إِنَّ بَيْتَ الْيَتِيمِ يَظُنُّ فِيكَ خَيْرًا، وَيَأْمُلُ مِنْكَ كَثِيرًا وَيُعَلِّقُ عَلَيكَ آمَالًا وَاسِعَةً بَعْدَ اللهِ سُبْحَانَهُ. فَهَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ رِعايَةً خَاصَّةً خُصُوصًا عِنْدَمَا تَرَى مِنْهُمْ ضَعْفًا دِرَاسِيًّا أَوْ جُنُوحًا إِلَى اقْتِرَافِ الْفَوَاحِشِ أَوِ الْجَرَائِمِ، أَوِ التَّأَثُّرِ بِبَعْضِ الْأَفْكَارِ الْمُنْحَرِفَةِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينَ يَعْتَبِرُهُمُ الْمُجْرِمُونَ لُقْمَةً سَائِغَةً.

 

رِعَايَةُ الْيَتِيمِ تَكُونُ بِدِلَالَتِهِ إِلَى الْخَيْرِ وَالْفَضِيلَةِ وَمَعَالِي الْأُمُورِ. تَكُونُ بِحَفْزِهِ لِلصَّلاَةِ، وَبِحَثِّهِ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَحِفْظِهِ فِي حِلَقِ الذِّكْرِ. رِعَايَةُ الْيَتِيمِ تَكُونُ بِحَفْزِهِ لِلْاِهْتِمَامِ بِدِرَاسَتِهِ وَمُسْتَقْبَلِهِ الدِّرَاسِيِّ.

 

أَمَّا أكْبَرُ دَعْمٍ يُقَدَّمُ لِلْيَتِيمِ فَهُوَ وَضْعُهُ عَلَى طَرِيقِ الصُحْبَةِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تُعِينُهُ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ. فَلَا تَبْخَلْ عَبْدَ اللهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ. لَا تَقُلْ إِنَّ كَلاَمِي لَنْ يَنْفَعَ، أَوْ لَنْ يُؤَثِّرَ، فَمَا تَدْرِي رُبَّ كَلِمَةٍ نُقِشَتْ فِي قَلْبِ أَحَدِهِمْ فَأَحْدَثَتْ أثَرًا عَظِيمًا فِي حَيَاتِهِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الْمُتَّقِينَ، وَمِنْ حِزْبِكَ الْمُفْلِحِينَ، وَأَوْلِيَائِكَ الصَّالِحِينَ... بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، إِلَهِ الْأَوَّلِينَ والآخِرِينَ، قَيُّومِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهِ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ.

 

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الصَّادِقُ الْأَمِينُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا... أَمَّا بَعْدُ:

فِيَا أَيُّهَا الْيَتِيمُ، يَا مَنْ ذُقْتَ مَرَارَةَ الْفَقْدِ، وَاشْتَكَيْتَ لَوْعَةَ فُرَاقِ الْأَبِ، يَا مَنْ وَدِدْتَ لَوْ مُتِّعْتَ بِأَبِيكَ وَلِسَانُ حَالِكَ يقول:

أَنَا يَا أَبِي مُذْ أَنْ فَقَدتُكَ لَمْ أَزَلْ
أَحْيَا عَلَى مُرِّ الزَّمَانِ بِمَأْتَمِ
وَكَأَنَّكَ الصِّدْقُ الْوَحِيدُ بِعَالَمِي
وَالْكُلُّ يَا أَبَتَاهُ مَحْضُ تَوَهُّمِ
وَكَأَنَّنِي مَا زِلْتُ أَحْيَا يَا أَبِي
فِي حِضْنِكَ الْحَانِي أَرُوحُ وَأَرْتَمِ
وَكَأَنَّ كَفَّكَ لَا تَزَالُ تَمُدُّهَا نَحْوِي
وَتُمْسِكُ فِي حَنَانٍ مِعْصَمِي

 

نَقُولُ لَكَ أَيُّهَا الْيَتِيمُ: لَا تَحَزْنَ فَاللهُ قَدِ ادَّخَرَ لَكَ خَيْرًا وَفِيرًا، وَمَيْدَانُ الْحَيَاةِ أَمَامُكَ، فَأَرِ اللهَ مِنْ نَفْسِكَ خَيْرًا، وَاجْعَلْ نَفْعَكَ يَطَالُ وَالِدَكَ فِي قَبْرِهِ، وَلْيَكُنْ دُعَائُكَ وَعَمَلُكَ نُورًا لَهُ فِي قَبْرِهِ.

 

أَيُّهَا المُسْلِمونَ... رِعايَةُ الْيَتِيمِ لَيْسَتْ سَهْلَةً وَلَا هَيِّنَةً وَلَا يَسِيرَةً فَهِي سَنَوَاتٌ طَوِيلَةٌ وَشَاقَّهٌ وَعُمْرٌ مَدِيدٌ مِنَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَالنَّصِيحَةِ وَالتَّوْجِيهِ وَالصَّبْرِ عَلَى مَا يَبْدُرُ مِنْ ذَلِكَ الْيَتِيمِ. وَمِمَّا جَاءَ بِهِ الدِّينُ، وَحَذَّرَ مِنْهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ: التَّعَرُّضُ لِلْيَتِيمِ بِالْأَذَى مَهْمَا كَانَ نَوْعُهُ، سَواءٌ كَانَ ضَرْبًا أَوْ شَتْمًا أَوْ إهَانَةً أَوْ إِذْلاَلًا أَوْ تَسَلُّطًا، فَلْيَنْتَبِهْ بَعْضُ النَّاسِ لِهَذَا الْأَمْرِ الْمُحَرَّمِ، وَلْيَحْذَرُوا هَذِهِ الْكَبِيرَةَ الْعَظِيمَةَ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتُعَالَى: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾ [الضحى: 9].

 

أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ أَيْضًا: التَّفْرِيطُ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَالتَّسَبُّبُ فِي ضَيَاعِهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِعَدَمِ حِفْظِهَا أَمْ بِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ بِهَا، أَمْ بِأَكْلِ إِرْثِهِمْ وَمَا تُرِكَ لَهُمْ أَوْ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، مُسْتَغِلاًّ ضَعْفَهُمْ؛ يَقُولُ سُبْحَانَهُ مُحَذِّرًا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10].

 

أَخِيرًا.. عِنْدَمَا يَمُوتُ الْوَالِدُ أَوِ الْوَالِدَةُ فَإِنَّ نَقْصًا حَادًّا يَقَعُ فِي حَيَاةِ الْيَتِيمِ فِي أَمْرٍ غَايَةً فِي الْأهَمِّيَّةِ أَلَا وَهُوَ الدُّعَاءُ، فإِنَّ كَثِيرًا مِمَّا نَرَاهُ فِي حَيَاتِنَا مِنَ التَّوْفِيقِ وَالتَّيْسِيرِ وَالنَّجَاحِ يَعُودُ بَعْدَ تَوْفِيقِ اللهِ وَكَرَمِهِ وَإِنْعَامِهِ إِلَى دُعَاءِ الْوَالِدَيْنِ وَإلْحَاحِهِمَا عَلَى اللهِ. والْيَتِيمُ انْقَطَعَتْ عَنْهُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ فَكُنْ شَرِيكًا فِي سَدِّ هَذِهِ الثُّلْمَةِ عَبْرَ دُعَاءِكَ الْمُتَوَاصِلِ لِهَؤُلَاءِ الْأَيْتَامِ بِأعْيَانِهِمْ. وَتَذَكَّرُوا أَنَّ مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَ لَهُ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: "آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ" كَمَا فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ".

 

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ قَلُوبَنَا وَيَهْدِي نُفُوسَنَا وَأَنْ يُعِينَنَا عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ. صُلُّوا يَا عِبَادَ اللَّهِ وَسَلِّمُوا...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عزاء اليتيم
  • كفالة اليتيم - قصيدة
  • من أحكام اليتيم
  • اليتيم (قصة قصيرة)
  • حق الطفل اللقيط واليتيم
  • الإسلام وعنايته باليتيم
  • حافظوا على كرامة اليتيم وأنتم تعطونه
  • الإسلام يراعي حق اليتيم والمسكين والأرملة

مختارات من الشبكة

  • خطبة: التعامل مع الشاب اليتيم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: فضل العناية باليتيم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حق الكبير في البر والإكرام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التبيان في بيان حقوق القرآن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المسلم الإيجابي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الضحك والبكاء في الكتاب والسنة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • من مفاسد التصوير (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ضيافة الصديق سعة بعد ضيق (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • طلب العلم وتعليمه فضائل وغنائم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام الندوة التربوية لمعلمي رياض الأطفال المسلمين في البوسنة
  • انطلاق سلسلة محاضرات "ثمار الإيمان" لتعزيز القيم الدينية في ألبانيا
  • أكثر من 150 مشاركا يتعلمون مبادئ الإسلام في دورة مكثفة بمدينة قازان
  • انطلاق فعاليات شهر التاريخ الإسلامي 2025 في كندا بمشاركة واسعة
  • أطباء مسلمون يقودون تدريبا جماعيا على الإنعاش القلبي الرئوي في سيدني
  • منح دراسية للطلاب المسلمين في بلغاريا تشمل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه
  • مبادرة "زوروا مسجدي 2025" تجمع أكثر من 150 مسجدا بمختلف أنحاء بريطانيا
  • متطوعو كواد سيتيز المسلمون يدعمون آلاف المحتاجين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/4/1447هـ - الساعة: 17:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب