• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهلا ومرحبا برمضان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر
    السيد مراد سلامة
  •  
    الموعظة الأولى: لا تر الناس أنك تخشى الله وقلبك ...
    السيد مراد سلامة
  •  
    الصيام وأقسامه
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    أعظم سورة في القرآن
    محمد بن سند الزهراني
  •  
    أحكام الدية (خطبة)
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    من صفات عباد الرحمن: قيام الليل (خطبة)
    محمد بن أحمد زراك
  •  
    من فضائل شهر رمضان ووجوب صيامه (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    منهج الإمام يحيى بن سعيد القطان في توثيق الرواة ...
    أ. د. طالب حماد أبوشعر
  •  
    جذور طرائق التدريس الحديثة في الهدي النبوي ...
    هبة أحمد مصطفى
  •  
    حديث: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    { أياما معدودات }
    د. خالد النجار
  •  
    أنواع الصبر
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    تفسير: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    سورة البقرة (9) آيات الصيام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العبادات / الصيام ورمضان وما يتعلق بهما
علامة باركود

رمضان ولذة العبادة

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/8/2011 ميلادي - 13/9/1432 هجري

الزيارات: 32810

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رمضان ولذة العبادة

 

أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ﴾.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

شَهرُ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، الَّذِي كَانَ وَمَا زَالَ لَدَى الصَّالحِينَ فُرصَةً ثَمِينَةً لِلتَعَامُلِ مَعَ اللهِ، وَسُوقًا رَابِحَةً لِلمُتَاجَرَةِ مَعَ الغَنيِّ الكَرِيمِ- سُبحَانَهُ- أَصبَحَ لَدَى بَعضِ المُسلِمِينَ اليَومَ كَغَيرِهِ مِن أَيَّامِ العَامِ، يَمُرُّ مُرُورَ الكِرَامِ وَلم يَتَزَوَّدُوا مِنهُ لآخِرَتِهِم شَيئًا، وَتَتَصَرَّمُ أَيَّامُهُ وَلَيَالِيهِ وَهُم في لَهوٍ وَسَهوٍ وَغَفلَةٍ.

 

عِندَمَا يَدخُلُ رَمَضَانُ يَتَبَادَلُ النَّاسُ المُكَالَمَاتِ وَالرَّسَائِلَ مُهَنِّئِينَ بَعضَهُم بِدُخُولِهِ، وَلا تَمَلُّ أَلسِنَتُهُم مِنَ اللَّهَجِ بِالشُّكرِ لِلمَولى إِذْ بَلَّغَهُم إِيَّاهُ، فَإِذَا تَأَمَّلتَ الوَاقِعَ لم تَجِدْ لِذَاكَ الشُّكرِ القَوليِّ مِنَ الشُّكرِ العَمَليِّ نَصِيبًا كَافِيًا، إِذْ تَرَى نَومًا عَنِ الصَّلَوَاتِ المَكتُوبَةِ، وَتَركًا لِلسُّنَّنِ الرَّوَاتِبِ وَزُهدًا في النَّوَافِلِ، وَإِحجَامًا عَنِ القِيَامِ مَعَ المُسلِمِينَ في صَلاةِ التَّرَاوِيحِ، وَغَفلَةً شَنِيعَةً عَنِ الدُّعَاءِ وَهَجرًا طَوِيلاً لِلقُرآنِ، وَقَبضًا لِلأَيدِي عَنِ الإِنفَاقِ في سَبِيلِ اللهِ، وَغَفلَةً عَن قَضَاءِ الحَاجَاتِ وَتَفرِيجِ الكُرُبَاتِ.

 

فَهَل هَذِهِ هِيَ حَالُ الشَّاكِرِينَ المُدرِكِينَ لأَهَمِّيَّةِ بُلُوغِ هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ؟

تَعَالَوا لِنَقرَأَ مَا رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ عَنِ المُغِيرَةِ بنِ شُعبَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: قَامَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تَوَرَّمَت قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تَصنَعُ هَذَا وَقَد غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: " أَفَلا أَكُونُ عَبدًا شَكُورًا؟ " أَرَأَيتُم كَيفِيَّةَ الشُّكرِ الحَقِيقِيِّ؟ أَعَرَفتُم حَقِيقَتَهُ لَدَى مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللهِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - إِنَّهَا لَيسَت مُجَرَّدَ دَعَاوَى لِسَانٍ أَو حُرُوفٍ تُرَدِّدُهَا شَفَتَانِ، بَل قِيَامٌ طَوِيلٌ وَقُنُوتٌ، وَتَبَتُّلٌ وَرُكُوعٌ وَسُجُودٌ، وَقِرَاءَةٌ وَذِكرٌ وَدُعَاءٌ، وَتَعَبٌ في طَاعَةِ اللهِ وَنَصَبٌ، يَصِفُ تِلكَ العِبَادَةَ الثَّقِيلَةَ حُذَيفَةُ بنُ اليَمَانِ  - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - فَيَقُولُ: صَلَّيتُ مَعَ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيلَةٍ فَافتَتَحَ البَقَرَةَ، فَقُلتُ يَركَعُ عِندَ المِئَةِ ثُمَّ مَضَى، فَقُلتُ يُصَلِّي بها في رَكعَةٍ فَمَضَى، فَقُلتُ يَركَعُ بها، ثُمَّ افتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افتَتَحَ آلَ عِمرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقرَأُ مُتَرَسِّلاً، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ، فَكَانَ رُكُوُعُهُ نَحوًا مِن قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَهُ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلاً قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: سُبحَانَ رَبِّيَ الأَعلَى، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِن قِيَامِهِ. رَوَاهُ مُسلِمٌ.

 

وَعَنِ ابنِ مَسعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: صَلَّيتُ مَعَ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لَيلَةً، فَلَم يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى هَمَمتُ بِأَمرِ سُوءٍ. قُلنَا: وَمَا هَمَمتَ؟ قَالَ: هَمَمتُ أَن أَقعُدَ وَأَذَرَ النَّبيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ البُخَارِيُّ. هَكَذَا كَانَ حَالُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في شُكرِهِ لِرَبِّهِ:

يَبِيتُ يُجَافي جَنبَهُ عَن فِرَاشِهِ ♦♦♦ إِذَا استَثقَلَت بِالمُشرِكِينَ المَضَاجِعُ

فَمَا الَّذِي وَجَدَهُ رَسُولُ اللهِ- عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - حَتَّى بَلَغَ بِهِ طُولُ القِيَامِ ذَلِكَ المَبلَغَ، وَفَقَدنَاهُ نَحنُ حَتَّى لا يَكَادُ بَعضُنَا يُصَلِّي الفَرِيضَةَ، وَحَتَّى صَارَ هَمُّنَا التَّسَابُقَ في تَخفِيفِ صَلاةِ التَّرَاوِيحِ وَالخُرُوجَ مِنَ المَسَاجِدِ قَبلَ غَيرِنَا؟! لَقَدِ افتَقَدنَا لَذَّةَ الطَّاعَةِ وَلم نَجِدْ حَلاوَةَ المُنَاجَاةِ، وَحُرِمنَا أُنسَ الخَلوَةِ بِاللهِ وَلم نَذُقْ سَعَادَةَ العَيشِ في مَرضَاتِهِ، وَهِيَ الأُمُورُ الَّتي وَجَدَهَا مُحَمَّدُ بنُ عَبدِاللهِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - وَذَاقَهَا سَائِرُ العَابِدِينَ الزَّاهِدِينَ، فَصَارُوا لا يَألُونَ جُهدًا في عِبَادَةِ رَبِّهِم وَلا يَمَلُّونَ مِن طَاعَتِهِ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

إِنَّ لِلعِبَادَةِ لَذَّةً لا تَعدِلُهَا لَذَّةٌ، وَإِنَّ لِلطَّاعَةِ حَلاوَةً لا تُشبِهُهَا حَلاوَةٌ، مَن وَجَدَهُمَا وَجَدَ في نَفسِهِ سَكِينَةً وَأَحَسَّ في قَلبِهِ بِطُمَأنِينَةٍ، وَلَقِيَ في رُوحِهِ خِفَّةً وَشَعَرَ في صَدرِهِ بِسَعَادَةٍ، إِنَّهَا لَذَّةٌ تَفِيضُ عَلَى النَّفسِ فَتَزدَادُ مَحَبَّةً لِلعِبَادَةِ، وَحَلاوَةٌ تَغمُرُ القَلبَ فَيَمتَلِئُ فَرَحًا بِالطَّاعَةِ وَطَرَبًا لها، ثُمَّ لا يَزَالُ المَرءُ يَزدَادُ مِنهُمَا حَتَّى لا يَرَى لِعَينِهِ قُرَّةً وَلا لِنَفسِهِ رَاحَةً وَلا لِقَلبِهِ هُدُوءًا إِلاَّ فِيهَا، كَمَا قَالَ إِمَامُ المُتَعَبِّدِينَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " حُبِّبَ إِليَّ مِن دُنيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَت قُرَّةُ عَيني في الصَّلاةِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. نَعَم- أَيُّهَا المُسلِمَونُ- لَقَد كَانَتِ العِبَادَةُ هِيَ مُنتَهَى سَعَادَتِهِ- عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - وَغَايَةَ لَذَّتِهِ، فِيهَا يَجِدُ رَاحَةَ نَفسِهِ، وَبهَا يَطمَئِنُّ قَلبُهُ، فَكَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمرٌ أَو أَصَابَهُ ضِيقٌ أَو أَرهَقَهُ عَمَلٌ، نَادَى بِلالاً فَقَالَ: ((يَا بِلالُ، أَقِمِ الَّصَلاةَ أَرِحْنَا بها))؛ رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

لَقَد جَاهَدَ المُوَفَّقُونَ أَنفُسَهُم عَلَى العِبَادَاتِ، وَصَبَرُوا وَصَابَرُوا في مَيَادِينِ الطَّاعَاتِ، وَرَابَطُوا وَثَابَرُوا عَلَى القُرُبَاتِ، حَتَّى ذَاقُوا حَلاوَتَهَا وَوَجَدُوا لَذَّتَهَا، فَمَا زَالُوا بَعدَ ذَلِكَ يَطلُبُونَ المَزِيدَ مِنَ اللَّذَّةِ بِزِيَادَةِ الطَّاعَةِ، وَكُلَّمَا ازدَادَت عِبَادَتُهُم زَادَت لَذَّتُهُم، فَاجتَهَدُوا في العِبَادَةِ لِيَزدَادُوا لَذَّةً إِلى لَذَّتِهِم. قَالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ- رَحِمَهُ اللهُ -: إِنَّ في الدُّنيَا جَنَّةً مَن لم يَدخُلْهَا لم يَدخُلْ جَنَّةَ الآخِرَةِ. إِنَّهَا الجَنَّةُ الَّتي تُنسِي صَاحِبَهَا هُمُومَ الحَيَاةِ وَمَشَاقَّهَا، بَل تُنسِيهِ تَعَبَ العِبَادَةِ وَنَصَبَهَا، وَتُذهِبُ عَنهُ الكَلالَةَ وَالمَلَلَ، بَلْ وَتُنسِيهِ الجُوعَ وَالظَّمَأَ، فَتُغنِيهِ عَنِ الطَّعَامِ وَتُعَوِّضُهُ عَنِ الشَّرَابِ، لَقَد ذَاقَهَا مُحَمَّدٌ- عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- فَجَعَلَ يُوَاصِلُ صِيَامَ اليَومَينِ وَالثَّلاثَةِ في رَمَضَانَ، لا يَأكُلُ طَعَامًا وَلا يَشتَهِي شَرَابًا، وَلَمَّا قِيَلَ لَهُ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: ((إِنِّي أَبِيتُ يُطعِمُني رَبِّي وَيَسقِيني))؛ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. قَالَ ابنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ -: المُرَادُ مَا يُغَذِّيهِ اللهَ بِهِ مِن مَعَارِفِهِ، وَمَا يَفِيضُ عَلَى قَلبِهِ مِن لَذَّةِ مُنَاجَاتِهِ وَقُرَّةِ عَينِهِ بِقُربِهِ، وَتَنَعُّمُهُ بِحُبِّهِ وَالشَّوقِ إِلَيهِ، وَتَوَابِعُ ذَلِكَ مِنَ الأَحوَالِ الَّتي هِيَ غِذَاءُ القُلُوبِ وَنَعِيمُ الأَروَاحِ، وَقُرَّةُ العَينِ وَبَهجَةُ النُّفُوسِ وَالرُّوحِ وَالقَلبِ، بما هُوَ أَعظَمُ غِذَاءٍ وَأَجوَدُهُ وَأَنفَعُهُ، وَقَد يَقوَى هَذَا الغِذَاءُ حَتَّى يُغنيَ عَن غِذَاءِ الأَجسَامِ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ. انتَهَى كَلامُهُ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

هَل وَجَدَ لَذَّةَ العِبَادَةِ مَن نَامَ عَنِ الصَّلاةِ المَكتُوبَةِ في رَمَضَانَ؟ هَل وَجَدَ لَذَّةَ الطَّاعَةِ مَن لا يَقُومُ حَتَّى يَسمَعَ الإِقَامَةَ لِلِصَّلاةِ؟ هَل وَجَدَهَا مَن يَتَمَلمَلُ في المَسجِدِ وَكَأَنَّهُ عُصفُورٌ في قَفَصٍ؟ هَل وَجَدَهَا مَن إِذَا زَادَ الإِمَامُ في صَلاةِ التَّرَاوِيحِ دَقَائِقَ عَنِ المَسَاجِدِ الأُخرَى انسَحَبَ وَخَرَجَ؟ هَل وَجَدَ لَذَّةَ المُنَاجَاةِ مَن يَستَثقِلُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ هَل أَحَسَّ بِطَعمِ العِبَادَةِ مَن لا يَختِمُ كِتَابَ اللهِ في شَهرِ رَمَضَانَ وَلَو مَرَّةً وَاحِدَةً؟ إِنَّ الجَنَّةَ غَالِيَةُ الثَّمَنِ، وَطَرِيقُهَا مَحفُوفَةٌ بِمَكَارِهِ النُّفُوسِ، قَالَ- عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((مَن خَافَ أَدلَجَ، وَمَن أَدلَجَ بَلَغَ المَنزِلَ، أَلا إِنَّ سِلعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلا إِنَّ سِلعَةَ اللهِ الجَنَّةُ))؛ رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

 

وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: ((حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ))؛ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَهَذَا لَفظُ البُخَارِيِّ.

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ- أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَاسلُكُوا سَبِيلَ المُوَفَّقِينَ، وَابذُلُوا الأَسبَابَ الَّتي تُكسِبُكُم لَذَّةَ العِبَادَةِ، جَاهِدُوا النُّفُوسَ وَعَوِّدُوهَا الطَّاعَةَ ؛ فَقَد قَالَ رَبُّكُم - تَعَالى -: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ ﴾.

تَدَرَّجُوا في الطَّاعَةِ شَيئًا فَشَيئًا حَتَّى تَألَفُوهَا وَتُحِبُّوهَا، اِصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا، فَإِنَّ هَذِهِ سَبِيلُ الفَلاحِ، وَقَد قَالَ مَولاكُم - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ ﴾.

 

وَاعلَمُوا أَنَّ التَّعَبَ وَمَا قَد يَعتَرِي العَابِدَ مِن مَلَلٍ وَكَلالَةٍ، إِنَّمَا يَكُونُ في البِدَايَةِ، ثُمَّ تَأتي اللَّذَّةُ بَعدَ ذَلِكَ، قَالَ ابنُ القَيِّمِ- رَحِمَهُ اللهُ-: السَّالِكُ في أَوَّلِ الأَمرِ يَجِدُ تَعَبَ التَّكَالِيفِ وَمَشَقَّةَ العَمَلِ لِعَدَمِ أُنسِ قَلبِهِ بِمَعبُودِهِ، فَإِذَا حَصَلَ لِلقَلبِ رُوحُ الأُنسِ زَالَت عَنهُ تِلكَ التَّكَالِيَفُ وَالمَشَاقُّ، فَصَارَت قُرَّةَ عَينٍ لَهُ وَقُوَّةً وَلَذَّةً. انتَهَى كَلامُهُ.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلاَّ وُسعَهَا أُولَئِكَ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعنَا مَا في صُدُورِهِم مِن غِلٍّ تَجرِي مِن تَحتِهِمُ الأَنهَارُ وَقَالُوا الحَمدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَنْ هَدَانَا اللهُ لَقَد جَاءَت رُسُلُ رَبِّنَا بِالحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلكُمُ الجَنَّةُ أُورِثتُمُوهَا بما كُنتُم تَعمَلُونَ ﴾.

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - حَقَّ تَقوَاهُ، وَاستَعِدُّوا بِالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ لِيَومِ لِقَاهُ ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا ﴾.

 

ثُمَّ اعلَمُوا- رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ مِمَّا يُعِينُ عَلَى مَحَبَّةِ العَبدِ لِلعِبَادَةِ وَاستِكثَارِهِ مِنَ الطَّاعَةِ حَتَّى يَجِدَ لَذَّتَهَا، أَن يَأخُذَ بِحَقِّهِ مِنَ النَّوَافِلِ بِكُلِّ أَنوَاعِهَا، وَأَن يَكُونَ لَهُ حَظٌّ مِنَ السُّنَنِ عَلَى اختِلافِ صِفَاتِهَا وَأَحوَالِهَا، وَالمُؤمِنُ كَالنَّحلَةِ، يَتَنَقَّلُ في بَسَاتِينِ العِبَادَةِ وَبينَ زُهُورِ الطَّاعَةِ، فَتَارَةً تَرَاهُ مُصَلِّيًا، وَتَارَةً تَجِدُهُ لِلقُرآنِ تَالِيًا، وَحِينًا يُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ، وَحِينًا يُهَلِّلُ وَيَستَغفِرُ، وَلَهُ في الصَّدَقَةِ يَدٌ نَدِيَّةٌ، وَهُوَ مَعَ أَهلِ البِرِّ وَالإِحسَانِ ضَارِبٌ بِسَهمٍ، وَمَعَ الدُّعَاةِ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ آخِذٌ بِنَصِيبٍ، إِنْ طَلَبتَهُ مَعَ القَائِمِينَ وَجَدتَهُ، وَإِنِ التَمَستَهُ مَعَ الذَّاكِرِينَ وَقَعتَ عَلَيهِ، وَهَكَذَا لا يَزَالُ يُكثِرُ مِنَ الطَّاعَاتِ وَيُنَوِّعُ النَّوَافِلَ، وَيَتَقَرَّبُ إِلى رَبِّهِ حَتَّى يُحِبَّهُ- سُبحَانَهُ- فَإِذَا أَحَبَّهُ وَهَبَهُ أَجزَلَ الهِبَاتِ وَمَنَحَهُ أَكمَلَ الأُعطِيَاتِ، في الحَدِيثِ القُدسِيِّ: "وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بها وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بها، وَإِنْ سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ، وَإِنِ استَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَمِمَّا يُورِثُ لَذَّةَ العِبَادَةِ وَيُحَبِّبُ المَرءَ في الطَّاعَةِ: أَن يَقتَدِيَ بِالصَّالِحِينَ المُجتَهِدِينَ، وَيَتَشَبَّهَ بِالمُسَابِقِينَ وَالمُفلِحِينَ، وَأَن يَحذَرَ صُحبَةَ الكُسَالى وَالبَطَّالِينَ، فَإِنَّ مِن بَرَكَةِ صُحبَةِ أَهلِ الصَّلاحِ الاقتِدَاءَ بهم وَالتَّأَسِّيَ بِحَالِهِم، وَالانتِفَاعَ بِكَلامِهِم وَالتَّشَبُّهَ بِعَمَلِهِم.

 

وَمِمَّا يَجلِبُ لَذَّةَ العِبَادَةِ وَيُهَوِّنُ طَرِيقَ الطَّاعَةِ: تَركُ المَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، فَكَم مِن شَهوَةِ سَاعَةٍ أَورَثَت ذُلاًّ طَوِيلاً، وَكَم مِن ذَنبٍ حَرَمَ عَبدًا قِيَامًا بَينَ يَدَي رَبِّهِ، وَكَم مِن نَظرَةٍ حَرَمَت صَاحِبَهَا نُورَ البَصِيرَةِ، وَهَذَا مَا نَرَاهَ اليَومَ في أَنفُسِنَا وَنَلمَسُهُ في مَسِيرِنَا، فَقَد فَقَدنَا لَذَّةَ العِبَادَةِ وَاستَثقَلنَا الطَّاعَةَ، وَكَثُرَ فِينَا التَّقَاعُسُ وَظَهَرَ مِنَّا التَّكَاسُلُ، وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ لأَنَّنَا تَسَاهَلنَا بِالذُّنُوبِ وَتَهَاوَنَّا بِالصَّغَائِرِ، وَاعتَدنَا مُوَاقَعَةَ المَعَاصِي وَمُشَاهَدَةَ المُحَرَّمَاتِ وَاستِمَاعَهَا، مِمَّا أَدَّى إِلى قَسوَةِ القُلُوبِ وَانتِكَاسِهَا، وَتَقَاعُسِهَا عَنِ الطَّاعَاتِ وَمِيلِهَا إِلى الشَّهَوَاتِ، وَفَقدِهَا لَذَّةَ الطَّاعَةِ وَعَدَمِ تَذَوُّقِهَا حَلاوَتَهَا، قَالَ تَعَالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ ﴾، وَرَحِمَ اللهُ القَائِلَ:

رَأَيتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ القُلُوُبَ
وَقَد يُورِثُ الذُّلَّ إدمَانُهَا
وَتَركُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ القُلُوُبِ
وَخَيرٌ لِنَفسِكَ عِصيَانُهَا

 

اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَينَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ في قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَينَا الكُفرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصيَانَ، وَاجعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • رمضان والتسابق إلى الخيرات
  • رمضان شهر السلام
  • رمضانُ.. شهرُ الغفران
  • رمضان فرصة الفرص
  • رمضان شهر البركة والأرباح
  • رمضان شهر الخير.. فهل أنت مستعد؟!
  • رمضان شهر التجارة الرابحة
  • هلال خير وبركة
  • رمضان بين الإفراط والتفريط
  • أصحاب العبادة الضائعة
  • رمضان أقبل فأقبلوا (خطبة)
  • من التعبد المؤقت إلى العبادة الدائمة
  • رمضان دورة تعبدية لتجديد طاقة الإيمان
  • كم من الناس قد حرم لذة العبادة
  • رمضان بين فرص التعبد وسبل التزهيد

مختارات من الشبكة

  • صيام التطوع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أجوبة مختصرة حول أحكام صيام التطوع(مقالة - ملفات خاصة)
  • منزلة الصيام في الإسلام(مقالة - ملفات خاصة)
  • فضل صيام ستة أيام من شوال - بعدة لغات(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • درجات الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • صيام الجوارح صيام لا ينتهي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الشجرة الرمضانية: الورقة الثانية: هل هلاله(مقالة - ملفات خاصة)
  • وجوب صيام رمضان ومكانته(مقالة - ملفات خاصة)
  • شرح متن الدرر البهية: كتاب الصيام(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • مراحل تشريع صيام شهر رمضان(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ورشة عمل ترفيهية للأطفال استقبالا لرمضان في أونتاريو
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي
  • إفطار جماعي على أرضية ملعب ستامفورد بريدج
  • 3 دورات للغة العربية والتربية الإسلامية بمدينة أليكانتي الإسبانية
  • بنك الطعام الإسلامي يلبي احتياجات الآلاف بمدينة سوري الكندية

  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/9/1444هـ - الساعة: 9:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب