• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: العبرة من الحوادث وسرعة الفناء
    د. علي برك باجيدة
  •  
    خطبة: الجريمة وطرق علاجها
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    في الاستدلال لحجية السنة بقوله تعالى: {إن هو إلا ...
    الشيخ عايد بن محمد التميمي
  •  
    خطبة: تأملات في بشرى ثلاث تمرات - (باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    فاحشة قوم لوط عليه السلام (6) التحول الجنسي
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    من أسماء الله (الرحمن والرحيم)
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    ورزق ربك خير وأبقى (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    حديث: إنه يشب الوجه، فلا تجعليه إلا بالليل
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    تفسير قوله تعالى: {إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    القول الوجيز في حكم الدعوة إلى الله تعالى
    الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
  •  
    حركات القلب بحسب قوته وضعفه
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أفلا شققت عن قلبه
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    حقوق النفس
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    خطبة: ارحموا الأبناء أيها الآباء (خطبة)
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    السيرة النبوية: ما؟ ولم؟
    شوقي محمد البنا
  •  
    صفة اليدين
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع
علامة باركود

خطبة: الجريمة وطرق علاجها

خطبة: الجريمة وطرق علاجها
أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/12/2025 ميلادي - 20/6/1447 هجري

الزيارات: 78

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة: الجريمة وطرق علاجها

 

أيها المؤمنون، عباد الله، لقد تفشَّت ظاهرة غريبة في المجتمع المسلم، وانتشرت وأثَّرت في حياة المجتمع، فزعزَعت الأمن، وقلَّت بسببها البركات، وذهب بها كثيرٌ من الخيرات، وعاش بسببها كثيرٌ من الناس مطاردين!

 

إنها ظاهرة الجريمة، وما أدراك ما الجريمة! هي التي إن وُجدت في مجتمع فسَد، وإذا انتشرت فيه ذهبت خيراته وبركاتُه، وتمزَّقت أوصاله، وعاش الناس كأنهم في غابات، القوي فيها يأكل الضعيف.

 

أيها المؤمنون، عباد الله، لقد بُعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم في مجتمع انتشر فيه الفساد والظلم والبغي، فأتى بمنهج قويمٍ سليم عالَج ذلك الانحراف، وأخرَج من ذلك المجتمع مجتمعًا سليمًا يقود الأمة وينشر السلام في أرجاء الأرض، ولو تتبَّعنا حديث القرآن عن الإجرام والمجرمين، لوجدنا وصفًا كاملًا وعلاجًا ناجعًا.

 

لقد ذُكرت الجريمة ومفرداتها في القرآن الكريم في أكثر من ستين موضعًا، وهذه المواضع إما وصفًا لحال الإجرام والمجرمين، أو تحذيرًا من سلوك طريقهم، أو بيانًا لسِيماهم وصفاتهم، أو بيانًا لعقوبتهم في الدنيا وفي الآخرة.

 

والجريمة هي ما ارتكبه الإنسان مِن جُرم في حق نفسه، أو في حق غيره، أو في حق أُسرته، أو في حق مجتمعه ووطنه، والجريمة هي كل ما خالف أمر الله سبحانه وتعالى، إما بفعل محرَّم أو بترك واجبٍ، والإجرام له صورتان؛ إما إجرام الفرد، أو إجرام الجماعة.

 

والمشاهَد اليوم في حياة الناس وجودُ نوعَي الإجرام من خلال أفراد يقعون في الجريمة، أو عصابات وجماعات تتعاون على الجريمة وتنفِّذها.

 

أيها المؤمنون، وقد فصَّل القرآن الكريم الحديث عن هذه أيَّما تفصيل، وبيَّن كيف تُعالَج، سواء قبل وقوعها أو بعد وقوعها، وبيَّن - جل وعلا - أن حال المجرمين ليس كحال المسلمين؛ كما قال سبحانه: ﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [القلم: 35، 36].

 

وبيَّن جل وعلا أن الإجرام قد يكون في حقِّ الله سبحانه وتعالى، كمن يُشرك بالله أو يكفر بالله، فهذا إجرام من العبد في حق ربِّه سبحانه وتعالى، ولذلك قال الله: ﴿ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ﴾ [المعارج: 11-12].

 

وقد يكون الإجرام تركَ واجبٍ، أو فريضةً من فرائض الإسلام؛ كما قال الله - سبحانه -: ﴿ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾ [المدثر: 39 - 43]، فترك الصلاة جُرم عظيم يرتكبه العبد في حق ربه سبحانه، كما أن السحر والدجل والشعوذة، وخداع الناس بها وأذيَّتهم من خلالها جريمة، وشرب الخمر والمخدرات والمسكرات من الجرائم، بل من كبائر من الموبقات.

 

أما جرائم الاعتداء على الناس بالقتل وسفك الدماء، وقطع الطرقات، ونهب الأموال، وتخويف الآمنين، وأخذ الربا والاختلاس، وأكل أموال الناس بالباطل - فكلها جرائمُ متعدية من الفرد على حقوق غيره من المسلمين، وكذلك جرائم انتهاك الأعراض؛ كجريمة الزنا واللواط، والقذف والاغتصاب ونحوها، فهي من أقبح الجرائم، وهكذا كل المحرمات، فمن ارتَكبها فقد وقع في جريمة، وكذلك كل الواجبات والفرائض، فمن تركها فقد وقع أيضًا في جريمة.

 

أيها المؤمنون، عباد الله، وهذه الجرائم قد يفعلها الإنسان بذاته، أو يُساعده عليها غيرُه، وقد انتشر اليوم ما يسمى بـ"الجريمة المنظمة" التي تدعَمها دول ومنظمات، وهذه الجريمة لا شك أنها أخطرُ، وآثارها عظيمة على الفرد وعلى المجتمع.

 

فهذه الجرائم كلها تحتاج إلى بيانها، وإلى أن يُنبَّه الناس إلى خطورتها وآثارها عليهم، حتى يجتهدوا في محاربتها، فإن الإنسان إذا غفل عن خطر الجريمة، فربما سكَت عنها، أو تماهى مع من يفعلها، ولا شك أن هذا من آثار انتشار الجرائم في المجتمعات بدون نكيرٍ؛ كما قال الله سبحانه: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25].

 

وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبَر عن هلاك الناس، فقالت زوجاته له صلى الله عليه وسلم: ((أَنهلِك يا رسول الله وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا كثُر الخبث"))، ولا شك ولا ريب أن الجريمة والمجرمين هم نوعٌ من الخبث الذي يزداد في المجتمع شيئًا فشيئًا.

 

ومن الجرائم الإخلال بالأمن والاستقرار، وجعل الناس يعيشون في فوضى وفساد يُعدَّان أثرًا من آثار الجريمة، وانتشارها وعدم الوقوف ضدها؛ كما قال سبحانه: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ [الروم: 41].

 

والفساد الذي نشاهده اليوم هنا وهناك، هو ثمرة لعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو وُجد من ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف، ويأخذ على يد المجرمين والفاسدين، لَما ظهرت الجريمة ولما انتشرت!

 

ومن الآثار الخطيرة لانتشار الجريمة في المجتمع:

1- حصول العداوات بين الناس، فالعداوةُ تحصل حين تتباعد القلوب، وتمتلأ النفوس بالحقد والحسد والغل، فيؤدي ذلك إلى أن تتقاتل تبعًا لتلك العداوات؛ قال الله: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91].

 

2- الجريمة غالبًا ما تؤدي إلى ذهاب البركات وانهيار الاقتصاد، وإصابة الناس بالفقر والحاجة؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].

 

3- وما أصاب الناس اليوم في كثيرٍ من المجتمعات من الفقر والحاجة وانهيار الاقتصاد - هو أثر من آثار انتشار الفساد والجرائم في أوساطهم، دون نكيرٍ ولا أمرٍ بالمعروف، ولا نهي عن المنكر، حتى تفرَّق الناس، وتفكَّك المجتمع، وفسدت العلاقات الاجتماعية، وتحوَّل بعض الناس إلى مجموعة من الأسود المفترسة التي يأكل فيها القوي الضعيف.

 

4- كذلك من آثار الجرائم انتشار الأوجاع والأسقام والأمراض، وفي المجتمع إذا وقعوا في جرائم الأعراض؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((وما ظهرت الفاحشة في قومٍ، وجاهَروا بها، إلا ظهَرت فيهم الأوجاع والأسقام التي لم تكن في أسلافهم)).

 

5- من آثار ما يجده مَن يرتكب الجريمة ويقع فيها: ما يَجده من القلق والاضطراب؛ مما يؤدي به إلى مزيد من الجرائم وارتكاب الفساد في الأرض، بل بعضهم قد ينتحر بسبب شرب الخمر أو المخدرات، أو المسكرات، أو الاضطراب الذي أُصيبت به نفسُه، بسبب وقوعه فيما حرَّم الله سبحانه وتعالى، وهذه الآثار الدنيوية، أما الآثار الأخروية، فلا تسأل عن شدتها، ويكفينا أن المجرمين هم أصحاب النار، نسأل الله السلامة والعافية.

 

أيها المؤمنون، عباد الله، لذلك لا بد أن يتداعى المجتمع كله - دولًا وشعوبًا وأفرادًا - إلى محاربة الجريمة، وأن يأخذوا بمنهج الإسلام الصافي الذي امتثَله الناس في القرون الأولى، وأدَّى إلى انتهاء الجريمة وعدم وجودها بينهم.

 

فقد وُلِّيَ أبو بكر الخلافةَ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختار عمر بن الخطاب أن يكون قاضيًا ليتحاكم عنده الناس، فمكَث عمر عددًا من الأشهر لا يأتي إليه أحد؛ انظروا إلى هذا الوضع، وانظروا إلى أحوال الناس اليوم في أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم، ستجدون أنها هي أكثر الأماكن ازدحامًا وحضورًا لكثرة الجرائم والمشكلات بين الناس، ثم يأتي عمر رضي الله عنه إلى أبي بكر ويطلب منه أن يعفيَه من هذه المسؤولية؛ لأن القوم قد عرَفوا ما لهم وما عليهم، فلم يحتاجوا إلى من يحكم بينهم".

 

أيها المؤمنون، لقد جاء الإسلام بمنهج وسطي معتدل للقضاء على الجريمة، وفعلًا قضى عليها في سنوات معدودة، من خلال مرحلتين:

المرحلة الأولى: مرحلة التدابير الوقائية للجريمة قبل وقوعها.

 

وهذه المرحلة يَشترك فيها المجتمع كله، إنها مرحلة البناء والتزكية والتربية، مرحلة منع الناس من أن يقعوا في الجريمة، من خلال تزكية نفوسهم وتطهير قلوبهم.

 

وفي هذه المرحلة يتم البناء العميق للإيمان في النفوس، ومُراقبة الله سبحانه في السر والعلن، فالذي يخشى الله ويخافه، ويُراقبه في أحواله كلها، لا يمكن أن يقع في الجريمة، فالوقوع في الجريمة هو حالة ضعف لنفس ضعيفة الإيمان، قد اشتدَّت فيها وساوسُ الشيطان والهوى، وأوامر النفس الأمَّارة بالسوء، فدفَعتها إلى الجريمة، أما النفس الطيبة والقلب السليم الذي امتلأ إيمانًا وتقوى ومراقبةً في السر والعلن، فإنه يخاف أن يقع فيما حرَّم الله، فيُعاقبه الله سبحانه وتعالى، ثم إن بناء الضمائر وإحياء النفوس، وبناء الوازع الديني في النفوس، وتربيتها منذ طفولتها على مراقبة الله والخوف منه، يَمنعها بإذن الله سبحانه وتعالى من الوقوع في المعصية، فضلًا عن الجريمة، وكذلك المحافظة على العبادات وأداؤها كما أمر الله سبحانه وتعالى، يزكي النفس ويطهِّرها؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، وقال: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وهكذا في الحج والزكاة، وفي سائر العبادات، فكلها تؤدي إلى غرضٍ واحد، وهو بناء التقوى في النفوس وتطهيرها؛ حتى لا تقع فيما حرَّم الله سبحانه وتعالى، أو أن تعتدي على حقٍّ مِن حقوق عباد الله جل وعلا.

 

كذلك اهتمَّ الإسلام بمعالجة الأسباب التي تؤدي إلى الجريمة قبل أن تقع، ففي باب حماية النفس والأعراض، شرَع الله سبحانه وتعالى مجموعة من الأحكام الشرعية لإقامة الأخلاق والمحافظة على النفس من الوقوع في الرذيلة، ومن ذلك تحريم الزنا؛ قال: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾ [الإسراء: 32]، وقد شرع مجموعة من التشريعات للبُعد عن هذه الفاحشة؛ مثل: تحريم ما يدعو إلى الزنا؛ من التبرج والخلوة والنظر المحرم، وحث على الزواج وشجَّع عليه، وأمَر بالعفة، ونهى عن كشف العورات، وأمر بالحجاب، وغير ذلك من الأمور التي تُحفَظ بها الأعراضُ، وتكون سدًّا منيعًا أمام الوقوع في الفاحشة والزنا.

 

كذلك أمر الإسلام بتعزيز الأخلاق بإشاعة الفضائل والتربية عليها؛ كالصدق، والأمانة، والعفة، والشجاعة، والكرم، ونحوها من الأخلاق الحسنة؛ حتى تكون سدًّا منيعًا أمام الجريمة، ومن خان الأمانة أو أخلَف الوعد، أو تعوَّد على الكذب ونحوها من الأخلاق الفاسدة، فمن السهولة أن يقع في غيرها من الجرائم؛ كالغش والخداع وسرقة أموال الناس، ونحو ذلك من الجرائم المتعددة.

 

وقد جاء الإسلام لمحاربة أسباب الجريمة المتعلقة بالمال، وهو ما يسمى بمحاربة الفقر، والدعوة إلى التكافل الاجتماعي، ولو فحَصنا كثيرًا من أسباب الجرائم التي تقع من بعض الناس في هذه المجتمعات، لكان للفقر فيها نصيب الأسد؛ كما جاء في الحديث: ((كاد الفقر أن يكون كفرًا))، فمن الممكن أن يَكفُرَ الإنسان من أجل أن يحصل على المال، وقد يَبيع عرضه من أجل أن يحصل على المال، وقد يقتل ويسلب ويَنهب من أجل أن يحصل على المال.

 

لذلك اعتنى الإسلام بمعالجة قضية الفقر، وجعل توزيع الأموال إلى الله سبحانه وتعالى، وذكر في نهاية توزيع أموال الغنائم العلة من ذلك، فقال: ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ﴾ [الحشر: 7]، وأمر بإخراج الزكاة والصدقات، وغيرها من الأوامر التي تدعو إلى تخفيف مشكلة الفقر على المجتمع؛ حتى لا يتحول الفقراء إلى قنابلَ موقوتة في المجتمعات، يسرقون وينهبون، وربما يبيعون أعراضهم وأنفسهم من أجل الحصول على شيء من المال.

 

أيها المؤمنون، عباد الله، هذا جانبٌ مهم يجب على الجميع أن يشارك في علاجه، فيُسهم في ذلك الحكومات والعلماء والمربون والمرشدون، ووسائل الإعلام والتربية، وغيرها من وسائط التربية في المجتمع، من أجل الحيلولة دون وقوع الجرائم في المجتمع.

 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول، فيتَّبعون أحسنَه، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فعباد الله، أُوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي خير الزاد؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].

 

سبق أن ذكرنا أن الجريمة عالَجها الإسلام من خلال مرحلتين: المرحلة الأولى: التدابير الوقائية التي يقوم بها المجتمع كله، للحيلولة دون أن يقع الفرد أو المجتمع في الجريمة، وبقي أن نبيِّن المرحلة الثانية لذلك، وهي التدابير العلاجية، وهي التي تكون بعد وقوع الجريمة، فإذا لم يرتدع المجرم بالوعظ والإرشاد والتربية والنصيحة، ووقع في الجريمة، فإنه لا بد من علاجه بالعلاج الشرعي الذي جاء به القرآن والسنة، وطُبِّق في المجتمعات الأولى، فذهبت الجريمة إلى غير رجعة، وهذا الأمر يختص بالدول والحكومات بمساعدة المجتمع، وهو إقامة الحدود والقصاص والتعزيرات للقضاء على المجرمين.

 

وقد شرع الله سبحانه وتعالى العقوبات؛ لأن بعض الناس لا ينتهي عن الحرام بالوعظ والإرشاد، ولذا قيل: إن الله يزَع بالسلطان ما لا يزَع بالقرآن، فبعض الناس لا ينتهي إلا إذا أُدِّب، أو شعر أنه سيُؤدَّب لو خالف بإقامة الحدود أو القصاص، أو التعزيرات عليه.

 

فشرَع الله حدَّ الزنا للبكر رجلًا أو امرأة، وهو مائة جلدة، فإن كان مُحصنًا - أي متزوجًا أو سبق له الزواج الصحيح - فإنه يُرجَم بالحجارة حتى الموت؛ رجلًا كان أو امرأة.

 

وشرَع الله حد الرِّدة للمرتد الذي ترك دينه، وخرج عن الإسلام إلى الكفر، فإنه تقام عليه الحجة، ويُستتاب ثلاثًا، فإن تاب وإلا قُتِلَ حدًّا، وشرَع الله حد القذف، فمن قذف الناس بدون حجة ولا برهان، فإنه يُجلَد ثمانين جلدة.

 

وشرَع الله حدَّ السرقة وهو قطع اليد، فمن يسرق النصاب بشروطه المعروفة، فإنه تُقطع يده اليمنى، فإن عاد مرة ثانية، قُطعت يده اليسرى، وإن عاد الثالثة قطعت رجله اليُمنى، وإن عاد الرابعة قطعت رجله اليسرى، وشرع كذلك حد شارب الخمر، فإنه يُجلد ثمانين جلدة.

 

وشرَع حد الحرابة في حق الذي يُخيف الطريق، ويأخذ الأموال ويقتل الأنفس، فإنه يُقتل ويُصلب وتُقطَّع يداه ورجلاه من خلاف، وشرَع في حق المروِّجين للمخدرات والمسكرات أن يُقتلوا كذلك تعزيرًا لهم على فعلهم.

 

ومن وقع في فاحشة اللواط، فإنه يبحث عن أكبر عمارة في المدينة، ويُوضع في كيس، ثم يُرمى من أعلى هذه العمارة إلى أسفلها، حتى يموت بهذه الطريقة، قياسًا على هلاك قوم لوط الذين رفع جبريل قراهم حتى عنان السماء، ثم قلب عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل، وهكذا، فكل هؤلاء قد أصبحوا أعضاء فاسدين في المجتمع، يجب أن تقام عليهم الحدود؛ حتى لا ينتشر شرُّهم، ولا يعمَّ فسادُهم المجتمعَ.

 

أما القصاص، فهو قتلُ القاتل عمدًا جزاءَ قتْله نفسًا معصومة، وبإقامته تكون حياة باقي الناس؛ كما قال: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ [البقرة: 179].

 

أما التعزيرات، فهو حكم أعطى الله فيه الإذن للحاكم المسلم الثقة؛ ليختار عقوبةً مناسبة تردع المجرم، لم ترد في الحدود والقصاص، فقد تكون جلدًا، أو سجنًا، أو غرامة، ومن الممكن أن تصل إلى القتل تحت قاعدة التعزيرات التي تَمنع تَكرارَ الجريمة.

 

أيها المؤمنون، عباد الله، هذه الأحكام الشرعية لا يُقيمها الفرد، ولا يستطيع أن يفعلها أي إنسان إلا الدول والحكومات، والمتمثلة الآن في الشرطة والنيابات، والمحاكم الشرعية.

 

فإذا وُجِدَ الناس الصالحون الأوفياء الأُمناء على أخلاق الناس وأعراضهم وأموالهم في هذه الأماكن، وسعوا في تطبيقها كما أمر الله، فإن الجريمة ستنتهي بأقل تكلفة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشير إلى أهمية إقامة الحدود: ((حدٌّ يُقام في الأرض خيرٌ لأهله من أن يُمطروا أربعين صباحًا))، لماذا؟ لأن الحدود توقِف الجرائم، وتوقِف الفساد، فكل مَن لَم يرتدع بالموعظة والنصيحة والتربية، سيرتدع إذا رأى السيف فوق رأسه، أو رأى السوط على ظهره، أو رأى صديقه السارق قد قُطِعت يده، أما أن يُترك الناس بدون إقامة للحدود، أو يتحول بعض المتنفذين والعقلاء الذين يُناط بهم إقامة الحدود إلى أن يكونوا شفعاءَ أو معارضين لإقامة الحدود، فهذه واللهِ من المصائب التي أُصيب بها كثيرٌ من المجتمعات، فالأصل فيهم والواجب عليهم أن يُقيموا الحدود؛ لأن الله أعطاهم هذه السلطة ومكَّنهم منها، وسيَسألهم عنها حين يقفون بين يدي الله سبحانه وتعالى، فإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خِزي وندامة.

 

وقد وقعت حادثة سرقة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن امرأة من بني مخزوم، وكانت معروفة ولها مكانتها عند العرب، سرقت، فقام بعض أهلها يبحثون عن حلٍّ؛ ليُبعدوا عن أنفسهم هذه الوصمة، فطلبوا من أسامة بن زيد وهو حِبُّ رسول الله، وابنُ حِبِّه أن يشفَع لهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فلما جاء إليه قال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد: ((أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟))، حتى خاف وارتَجف، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا في الناس، وقال: ((أيها الناس، إنما أهلك من كان قبلكم أنه كان إذا سرَق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق فيهم الشريف ترَكوه، والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرَقت لقطَعت يدها)).

 

فهذا هو شعار العدل والمساواة في إقامة الحدود على كل الناس؛ سواء كانوا شرفاءَ أو وُضعاءَ، أغنياءَ أو فقراءَ، أما أن تُقام الحدود على الضعفاء والمساكين الذين لا يجدون أموالًا للمحامين، أو رِشوة للقضاة حتى يصلوا إلى مرادهم، أما الكُبراء والأغنياء والشرفاء، فهؤلاء يلعبون بالقضية هنا وهناك، وربما يخرجون أبرياءَ، وربما يرجع الحكم على المظلوم المسكين الذي ليس معه أحدٌ، فهذا بداية الهلاك للمجتمعات والفساد للأمم: ((إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا فيه الحد))، وليس المقصود السرقة فحسب، وإنما المقصود الحدود كلها، يُقتَلُ الضعيفُ، يُسجَن الضعيفُ، يُجلَد الضعيفُ، وهكذا؛ أما الكبراء والأغنياء، فهؤلاء أمورهم مقضية، وقضاياهم لا تقف في المحاكم كثيرًا، وربما لا تصل إلى المحكمة؛ لأن صاحبها فلان الكبير الذي لا يستطيع أحدٌ أن يحاكمه.

 

أيها المؤمنون، عباد الله، إننا بحاجة ماسَّة إلى إقامة الحدود حتى تنتهي الجرائم، ولو استمعتم أحاديث من يمارس التحقيق في النيابات، أو في أقسام الشرطة، أو في البحث الجنائي في مدينة من المدن، لرأيتُم عجبًا، فلا يَغرنَّكم أن يوجد في المساجد المصلون والصالحون، ويوجد في المجتمع الطيبون، لا يغرنَّكم هذا، بل ألْقُوا نظرة على السجون، وانظروا ما فيها، وفتِّشوا عن القضايا في المحاكم والبحث الجنائي وغيرها، ستجدون عجبًا، بل لقد وُجِدت هذه الأيام بعض الجرائم التي كنا لا نسمع بها في هذا البلد من قبلُ؛ مثل: الانتحار والمخدرات التي يتم توزيعها في المدارس والأسواق بأرخص الأسعار، حتى يدمن الناس عليها، ثم بعد ذلك ننتظر منهم الجرائم.

 

وهناك جرائمُ ربما تستغربون منها، كيف وُجدت في مجتمعنا، وهي زنا المحارم؛ نعوذ بالله أن تصل بعض شهوات بعض الناس إلى أن تكون أقبح من الكلاب والخنازير، أن يزني بأخته أو بأمه، أو بقريبته داخل بيته! إنها والله جرائم تَشيب لها الرؤوس، كيف وقعت في مجتمع من مجتمعات المسلمين، وما ذلك والله إلا بسبب عدم إقامة الحدود، ولو أُقيمت الحدود لارتعب المجرمون، وتركوا هذه الأعمال السيئة التي يذوق مرارتها الصالحون، ونرى ثمارها السيئة في الوقع من الغلاء والفتن والتفرق، واختلال السكينة، وذَهاب كثير من الهدوء والأمن في كثير من المناطق والمدن والمجتمعات.

 

أيها المؤمنون، ومع ذلك فإن الإسلام من منهجه العظيم لمن وقَع في جريمة أو ذنب أو معصيةٍ - أن فتح له باب التوبة والاستغفار والصلاح، حتى لو قتَل، حتى لو شرِب الخمر، حتى لو زنى، فقط يعود إلى الله تائبًا صادقًا، فإن الله قد فتَح له بابَ التوبة؛ كما في الحديث: ((إن الله يَبسط يدَه بالنهار ليتوب مُسيءُ الليل، ويبسط يدَه بالليل ليتوب مُسيءُ النهار)).

 

كما أننا نحتاج أيضًا إلى جوار إقامة الحدود، وتذكير الناس بالتوبة والعودة إلى الله، وعدم تقنيطهم من رحمة الله، نحتاج أيضًا إلى برامج إصلاحية للسجون التي يوجد فيها هؤلاء المجرمون؛ حتى تُعيد لهم الحياة والصلاح إلى أنفسهم، وتدمجهم في المجتمع.

 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفِّق الجميع لما يحب ويرضى، وأن يطهِّر المجتمع من الإجرام والمجرمين، وأن يجعلنا وإياكم ممن يأمُرون بالمعروف وينهون عن المنكر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أسباب النصر وشرائطه (خطبة)
  • خطبة: مشكلة الفقر وحلولها في الإسلام
  • ظاهرة كسب المال الحرام (خطبة)
  • خطبة: فضل القرآن وطرائق تفسيره
  • خطبة: سوء الخلق (مظاهره، أسبابه، وعلاجه)
  • حديث القرآن عن عيسى عليه السلام وأمه (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • سلسلة آفات على الطريق (2): الإسراف في حياتنا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة آفات على الطريق (1): الفتور في الطاعة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العجز والكسل: معناهما، وحكمهما، وأسبابهما، وعلاجهما (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • الهم والغم والحزن: أسبابها وأضرارها وعلاجها في ضوء الكتاب والسنة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • مفهوم الإسراف والتبذير وصورهما ومظاهرهما وآثارهما وأسبابهما وعلاجهما (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • خطبة: العبرة من الحوادث وسرعة الفناء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: تأملات في بشرى ثلاث تمرات - (باللغة البنغالية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ورزق ربك خير وأبقى (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • خطبة: ارحموا الأبناء أيها الآباء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السوق بين ضوابط الشرع ومزالق الواقع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مبادرة إسلامية خيرية في مدينة برمنغهام الأمريكية تجهز 42 ألف وجبة للمحتاجين
  • أكثر من 40 مسجدا يشاركون في حملة التبرع بالدم في أستراليا
  • 150 مشاركا ينالون شهادات دورة مكثفة في أصول الإسلام بقازان
  • فاريش تستضيف ندوة نسائية بعنوان: "طريق الفتنة - الإيمان سندا وأملا وقوة"
  • بحث مخاطر المهدئات وسوء استخدامها في ضوء الطب النفسي والشريعة الإسلامية
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة
  • مؤتمر علمي يناقش تحديات الجيل المسلم لشباب أستراليا ونيوزيلندا
  • القرم تشهد انطلاق بناء مسجد جديد وتحضيرًا لفعالية "زهرة الرحمة" الخيرية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/6/1447هـ - الساعة: 17:3
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب