• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    كسب القلوب مقدم على كسب المواقف (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    الإمداد بالنهي عن الفساد (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    سورة البقرة: مفتاح البركة ومنهاج السيادة
    د. مصطفى يعقوب
  •  
    لطائف من القرآن (3)
    قاسم عاشور
  •  
    المشتاقون إلى لقاء الله (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    من صفات الرجولة في القرآن الكريم
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    إنسانية النبي صلى الله عليه وسلم
    محمد عبدالعاطي محمد عطية
  •  
    الكشف الصوفي
    إبراهيم الدميجي
  •  
    تفسير: ( وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    إشراقة آية {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ...
    علي بن حسين بن أحمد فقيهي
  •  
    تفسير قوله تعالى: { ولا يحزنك الذين يسارعون في ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    حديث القرآن عن عيسى عليه السلام وأمه (خطبة)
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    الله الخالق الخلاق (خطبة) – باللعة النيبالية
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    الوصف بالجاهلية (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    منهج الاستدلال بين القرآن والسنة: دراسة نقدية ...
    محمد بن عبدالله العبدلي
  •  
    تلك نتائج السرائر!
    عبدالرحيم بن عادل الوادعي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

المشتاقون إلى لقاء الله (خطبة)

المشتاقون إلى لقاء الله (خطبة)
د. عبد الرقيب الراشدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/12/2025 ميلادي - 13/6/1447 هجري

الزيارات: 34

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المشتاقون إلى لقاء الله

 

الخطبة الأولى

الحمد لله منشئ الموجودات، وباعث الأموات، وسامع الأصوات، ومجيب الدعوات، وكاشف الكربات، وعالم الأسرار والخفيات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ربنا الله ورب جميع الكائنات، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبدُ الله ورسوله وصفيُّه من خلقه وحبيبه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه، وتمسَّك بسُنَّته، واقتدى بهديه إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين... ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

 

أما بعد:

أيها المؤمنون، روى الإمام الحاكم في مستدركه بسند صحيح ووافقه عليه الذهبي، وقال عنه الألباني: "إنه حسن" عن السائب بن مالك قال: كنا جلوسًا في المسجد، فدخل عمار بن ياسر فصلَّى صلاة أخفها، فمر بنا فقيل له: يا أبا اليقظان، خففت الصلاة، فقال: أوَ خَفيفةً رأيتموها؟ قلنا: نعم. قال: أما إني قد دعوت فيها بدعاء قد سمعته من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم مضى، فاتبعه السائب، فسأله عن الدعاء، ثم رجع فأخبرهم بالدعاء: ((اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْينِي مَا عَلِمْتَ الْحَياةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ وَأَسْألُكَ خَشْيَتَكَ فِي الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ المَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَأَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غيرِ ضَرَّاءٍ مُضرةٍ، وَلا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإيِمَانِ، وَاجْعَلنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ)).

 

أيها المؤمنون، شاهدنا من هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء: ((وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَأَسْأَلكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غيرِ ضَرَّاءٍ مُضرةٍ ولا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ))، قال العلَّامة ابن القيم رحمه الله: "هذا الدعاء جمع أصول نعيم الدنيا والآخرة، وهو أكمل ما يكون من الدعاء، فجمع فيه بين لذة النظر إلى وجه الله تعالى، والشوق إلى لقائه، وهذا غاية الفوز؛ فإن من أُذِن له في النظر إلى وجهه، فقد فاز، ومن اشتاق إلى لقائه فاز بحياة القلوب، وبرؤيتها له، وبالقرب منه؛ قال الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾ [العنكبوت: 5]؛ أي: أنا أعلم أنَّ من كان يرجو لقائي، فهو مشتاق إليَّ، فقد أجلت له أجلًا يكون عن قريب، فإنه آتٍ لا محالة، وفي هذا تعزية للمشتاقين، وتسلية لهم".

 

أيها المؤمنون، خلقنا الله تعالى لعبادته وطاعته، ونهانا عن الكفر به ومعصيته، وأخبرنا أن نهاية كدحنا وعملنا في هذه الحياة الدنيا ستكون بالرجوع إلى الله تعالى ومُلاقاته، وأنه سيُجازينا بحسب ما عملنا في دنيانا، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق: 6]، كما أمرنا ربنا بتقواه بأن نفعل ما أمرنا به، واجتناب ما نهانا عنه؛ لأننا سنُلاقيه في يوم القيامة، وأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يُبشِّر عباده المشتاقين إلى لقائه بالفوز العظيم في الآخرة، قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 223]، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لأمته صورة مصغرة من صور لقاء العبد لربه يوم القيامة؛ ففي الصحيحين عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: قال رسول الله: "ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ، ليسَ بيْنَهُ وبيْنَهُ تُرْجُمانٌ، فَيَنْظُرُ أيْمَنَ منه فلا يَرى إلَّا ما قَدَّمَ، ويَنْظُرُ أشْأَمَ منه فلا يَرى إلَّا ما قَدَّمَ، ويَنْظُرُ بيْنَ يَدَيْهِ فلا يَرى إلَّا النَّارَ تِلقاءَ وجْهِهِ، فاتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ".

 

أيها المؤمنون، محبة الله تعالى والشوق إلى لقائه إذا وجدتا في قلب عبد مؤمن دفعته إلى كل خير، ونهته عن كل شرٍّ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لا سعادة للعباد، ولا صلاح لهم، ولا نعيم إلا بأن يعرفوا ربهم، ويكون وحده غاية مطلوبهم، والله سبحانه وتعالى يتعرف إلى العبد بصفات إلهيته تارة، وبصفات ربوبيته تارة، فيوجب له المحبة الخاصة، والشوق إلى لقائه، والأنس والفرح به، والسرور بخدمته، والمنافسة في قربه، والتودُّد إليه بطاعته، واللهج بذكره، والفرار من الخلق إليه، ويصير هو وحده همه دون ما سواه، ويوجب له شهود صفات الربوبية: التوكل عليه، والافتقار إليه، والاستعانة به، والذل والخضوع والانكسار له، وكمال ذلك أن يشهد حكمته ونعمته في أمره ونهيه، وعزه في رضاه وغضبه، وحلمه في إمهاله، وكرمه في إقباله، وغناه في إعراضه.

 

أيها المؤمنون، وقد أخبر الله تعالى في كتابه الكريم أن المكذبين بلقائه في اليوم الآخر ستطول حسرتهم، وتعظم خسارتهم يوم تقوم الساعة، حين يقفون بين يدي الله للحساب والعقاب، وهم يحملون على ظهورهم أوزارًا كثيرةً، ما ظنوا أنهم سيلقون الله تعالى في اليوم الآخر، ولا أنه سيحاسبهم عليها، فيندمون في وقت لا ينفع فيه الندم، قال تعالى: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [الأنعام: 31].

 

وإنما كذب هؤلاء المكذبون بلقاء الله بسبب غفلتهم عن لقاء الله تعالى، ولأنهم غرتهم حياتهم الدنيا، واطمأنوا إلى ما فيها من مُتَع زائفة، وشهوات زائلة؛ فاستحقوا بسبب ذلك بأن يكون مصيره في الآخرة نار جهنم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يونس: 7 - 8].

 

أيها المؤمنون، ولما كان لقاء الله من أعظم نِعَم الله على العبد في دنياه، فقد كان أنبياء الله ورسله أشدَّ الخلق شوقًا إلى لقاء الله تعالى، وما من نبي إلا وقد خيَّره الله قبل وفاته بين الخلد في الدنيا وبين لقاء الله تعالى، فاختاروا لقاء الله تعالى، روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن نبيٍّ إلَّا وقد خُيِّرَ بينَ الدُّنيا وبينَ ما عِندَ اللَّهِ، فاختارَ ما عِندَ اللَّهِ))، فهذا نبي الله موسى عليه السلام لما أغرق الله فرعون وجنوده ونجَّاه ومن آمن معه، أمره الله تعالى أن يختار من قومه سبعين رجلًا، وأن يذهب بهم إلى جبل الطور لمناجاة الله تعالى، وبعد أن اختارهم موسى عليه السلام، وأخبرهم بالمهمة المطلوبة منهم، سبقهم موسى إلى الطور شوقًا إلى لقاء الله، قال الله تعالى لموسى: ﴿وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ [طه: 83، 84]، وقد فسَّر الإمام القرطبي وابن كثير العَجَلة في قوله تعالى: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ [طه: 84] بأنها الشوق إلى لقاء الله تعالى.

 

وكان نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم أشدَّ الخلق شوقًا إلى لقاء الله تعالى، وقد خيَّره الله تعالى بين الخلد في الدنيا وخزائنها ثم الجنة وبين الموت ولقائه سبحانه وتعالى، فاختار الموت، وله في ذلك مواقف كثيرة تدل على ذلك؛ روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح، ورواه أيضًا البيهقي في دلائل النبوة. عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي على أهل البقيع، فصلَّى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، وخُيِّرت بين ذلك وبين لقاء ربي عز وجل والجنة". قال قلت: بأبي وأمي، فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، قال: لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي عز وجل والجنة"، وفي صحيح البخاري من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة كان بين يديه ركوة فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء ويمسح بهما وجهه ويقول: ((لا إله إلا الله))، ثم يقول: ((بل الرفيق الأعلى))، فقالت عائشة: فقلت: إذًا لا يختارنا؟ فقالت: لقد سبقتهما إلى ذلك، وعندما خير الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم بين البقاء في الدنيا وبين لقاء الله، فاختار لقاء الله، فقال أبو بكر: "فديناك بآبائنا وأمهاتنا"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ عبدًا خيَّره الله بين الدُّنيا وبين ما عِندَهُ فاختار ما عندَهُ)).

 

أيها المؤمنون، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل على إثارة الشوق إلى لقاء الله تعالى في نفوس أصحابه رضي الله عنهم، فكان هذا الشوق يدفعهم إلى الجهاد في سبيل الله تعالى، وتقديم أنفسهم رخيصةً ابتغاء مرضاة الله، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صاح في أصحابه في معركة بَدْر قائلًا: ((قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر؛ إلا أدخله الله الجنة))، فحركت هذه الكلمات كوامن الشوق إلى لقاء الله عند عمير بن الحمام، فألقى تمرات كانت في يده، وقال: "والله إنها لحياة طويلة حتى آكل هذه التمرات"، فقاتل حتى استشهد. والشوق إلى لقاء الله وجنته هو الذي جعل أهل غزة الأبطال يثبتون على مدار عامين كاملين أمام آلة القتل الصهيونية الظالمة، وما وهن لهم عزم، وما لانت لهم قناة، رغم خذلان القريب وتآمُر البعيد، ورغم قلة العدة والعتاد، ولسان حالهم كما قال الله تعالى عن المؤمنين: ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249].

 

أيها المؤمنون، وعلى طريق الشوق إلى لقاء الله تعالى سار الصالحون من هذه الأمة، فلما حضرت بلالَ بنَ أبي رباحٍ رضي الله عنه الوفاةُ وغشيته سكرات الموت، قالت امرأته: واكرباه! فقال لها بلال: بل وافرحاه! غدًا ألقى الأحِبَّة محمدًا وحزبه. وكان أبو الدرداء- رضي الله عنه- يقول: "أحب الموت اشتياقًا لربي". وقال الحسن البصري- رحمه الله تعالى-: "فروا إلى ربكم وافزعوا إليه؛ فإنه ليس لمؤمن راحة دون لقائه". وقال عبدالله بن زكريا: "لو خيرت بين أن أعيش مائة سنة في طاعة الله أو أقبض في يومي هذا أو في ساعتي هذه؛ لاخترت أن أقبض في يومي هذا وساعتي هذه؛ شوقًا إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلى الصالحين من عباده، وقال عبدالواحد بن زيد: "يا أخوتاه، ألا تبكون شوقًا إلى الله؟ ألا مَنْ بكى شوقًا إلى سيده لم يحرمه النظر إليه"، وكان الحارث بن عمير يقول إذا أصبح: "أصبحت ونفسي وقلبي مصر على حبك ومشتاق إلى لقائك، فعجل بذلك قبل أن يأتيني سواد الليل". فإذا أمسى قال مثل ذلك، فلم يزل على مثل هذه الحال ستين سنة!

 

وقال يحيى بن معاذ: "يخرج العارف من الدنيا ولا يقضي وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه، وشوقه إلى ربه". وكان أبو عبيدة الخواص يمشي في الأسواق ويقول: "واشوقاه إلى من يراني ولا أراه". وكان يَحيى بن معاذ- رحمه الله- يقول: يَخْرُج المُحِبُّ مِنَ الدُّنيا وَمَا قَضَى وَطرَهُ من شيئين: بُكَاؤه عَلى ذنوبه، وَشَوقه إلى ربِّه ومَحْبوبه.

 

اللهم اعمر قلوبنا بمحبتك والشوق إلى لقائك. قلت ما قد سمعتم، فاستغفروا الله يا فوز المستغفرين!

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

أيها المؤمنون، ليس في قلوب المشتاقين إلى لقاء الله تعالى محبة أعظم من محبة الله تعالى، فمحبة الله تعالى فوق كل محبة؛ كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة: 165]، وفي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ الله لِقَاءَه)). فقالت بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: "إنا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ" قال: ((ليس ذاك، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إذا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إليه مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ الله لِقَاءَهُ)).

 

أيها المؤمنون، إن الشوق إلى لقاء الله تعالى ليس مجرد دعوى يدعيها أي إنسان؛ بل إن هذه الدعوى ينبغي أن يصحبها التقرب إلى الله بالطاعات، وعمل الصالحات، مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110]، فمن اشتاق إلى الله تعالى اشتاق إلى عبادته وطاعته، فحافظ على فرائض العبادات والطاعات، وأتبعها بكثرة النوافل والقربات، وللأسف الشديد نجد اليوم كثيرًا من المسلمين يتهاونون بعبادة الله وطاعته، ونجد البعض منهم يتكاسلون عن أداء الصلوات في وقتها، ومنهم من ينام عن صلاة الفجر، ومنهم من تأتي عليه صلاة العصر وهو في مجلسه ومقيله ولا يقوم لأدائها في وقتها، وانظروا إلى حال كثير من المسلمين مع صلاة الجمعة، الكثير منهم لا يحضر إليها إلا في وقت متأخر، ويفوته أن يقدم قربانًا إلى ربه لا بدنة ولا بقرة ولا شاة، ويفوته تسجيل الملائكة له في سجل من حضر الجمعة قبل صعود الخطيب إلى منبر الجمعة، كل هذه المظاهر تدل على أن شوق كثير من المسلمين إلى لقاء الله تعالى مجرد ادعاء، فمن لمن يحب لقاء الله تعالى في الدنيا بعبادته وطاعته، لن يحب لقاء الله تعالى بعد موته وفي آخرته.

 

أيها المؤمنون، ومن اشتاق إلى الله تعالى اشتاق إلى ذكر الله تعالى في دنياه، وداوم على كثرة ذكره والثناء عليه في كل وقت وحين، وما من أحد يشتاق إلى أحد إلا ويكثر ذكره والثناء عليه، كيف لا يشتاق المسلم إلى ذكر الله تعالى؟! وقد أمره الله بذكره ووعد من ذكره بأن يذكره الله تعالى في الملأ الأعلى؛ قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152]. ومن اشتاق إلى الله تعالى اشتاق إلى تلاوة كتابه الكريم، فهو يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، ويعمل بما فيه من الأوامر والنواهي والأحكام، والمشتاق إلى الله تعالى يوقن أن تلاوته لكتاب الله تعالى تجارة مضمونة أرباحها ولا خسارة فيها، وصدق الله تعالى حين قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: 29، 30].

 

أيها المؤمنون، مما سبق يتبين لنا أن لقاء المؤمن لربِّه تعالى لا يقتصر على لقائه له بعد الموت، بل هناك لقاءات للمؤمن مع ربه في الدنيا، فمن اشتاق إلى لقاء ربه في الدنيا، سارع إلى طاعة ربه، وأقبل عليها بكل شوق ومحبة، وابتعد عمَّا حرَّمه الله، ونهى عنه وزجر، من كان هذا حاله في الدنيا أكرمه الله بالشوق إلى لقائه في الآخرة، وأحل عليه رضوانه في جنته، وكان أهلًا لرؤية الله في الآخرة، والذي هو أعظم نعيم أهل الجنة، روى الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ، نادى منادٍ: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يثقِّل موازيننا، ويبيِّض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا من النار؟ قال: فيُكشف الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم من النظر إليه، ولا لأقر لأعينهم منه)).

 

أيها المؤمنون، ترجموا محبتكم لربكم، وشوقكم إلى لقائه إلى أعمال صالحة في دنياكم؛ تنالوا رضى ربكم عنكم، في دنياكم وأخراكم، وتكونوا من السعداء في الدنيا والأخرى.

 

أسأل الله بمنِّه وكرمه أن يرزقنا وإياكم لذة النظر إلى وجهه والشوق إلى لقائه من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، إنه أرحم الراحمين.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا- رعاكم الله- على محمد بن عبدالله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.

 

وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمِ حوزة الدين.

 

اللهم بارك لمن حَضَرَ معنا صلاتنا هذه في علمه وعمره وعمله، وبارك له في بدنه وصحته وعافيته، وبارك له في أهله وولده، وبارك له في ماله ورزقه، واجعله يا ربنا مباركًا موفقًا مسددًا أينما حَلَّ أو ارتحل.

 

اللَّهم آتِ نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.

 

اللَّهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.

 

اللَّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المشتاقون إلى الموت
  • المشتاقون للعبادة (خطبة)
  • دم المسلم بين شريعة الرحمن وشريعة الشيطان (خطبة)
  • أقنعة الزيف.. حين يصبح الخداع طبعا (خطبة)
  • حين تمطر السماء.. دروس من قطرات الماء! (خطبة)
  • الأعمار تفنى والآثار تبقى (خطبة)
  • خطر التبرج: رسالة للأولياء والتجار (خطبة)
  • أمنا أم المؤمنين الطاهرة عائشة رضي الله عنها (خطبة)
  • ملاذ الضعفاء: حقيقة اللجوء (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • إلى كل مشتاق لتحسين الأخلاق (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • لقاء مفتوح (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لقاء حول ثقافة الشاب وتوجهه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لقاء حول المساجد (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لقاء حول الفتوى والاجتهاد (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لقاء حول العلم والعلماء (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لقاء حول البنوك (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • لقاء بعنوان: من أحكام الفتوى (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فضل من أحب لقاء الله ورقية المريض نفسه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كسب القلوب مقدم على كسب المواقف (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة
  • مؤتمر علمي يناقش تحديات الجيل المسلم لشباب أستراليا ونيوزيلندا
  • القرم تشهد انطلاق بناء مسجد جديد وتحضيرًا لفعالية "زهرة الرحمة" الخيرية
  • اختتام دورة علمية لتأهيل الشباب لبناء أسر إسلامية قوية في قازان
  • تكريم 540 خريجا من مسار تعليمي امتد من الطفولة حتى الشباب في سنغافورة
  • ولاية بارانا تشهد افتتاح مسجد كاسكافيل الجديد في البرازيل
  • الشباب المسلم والذكاء الاصطناعي محور المؤتمر الدولي الـ38 لمسلمي أمريكا اللاتينية
  • مدينة كارجلي تحتفل بافتتاح أحد أكبر مساجد البلقان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/6/1447هـ - الساعة: 11:2
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب