• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    كن بلسما (خطبة)
    سامي بن عيضه المالكي
  •  
    خطبة: أهمية مراقبة الله في حياة الشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    أخلاق البائع المسلم (خطبة)
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    منهج القرآن الكريم في تنمية التفكير العلمي: كيف ...
    محمد نواف الضعيفي
  •  
    أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    الله لطيف بعباده
    محمد بن عبدالله العبدلي
  •  
    خطبة (إنكم تشركون)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لطائف من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية
    سائد بن جمال دياربكرلي
  •  
    فصل آخر: في معنى قوله تعالى: {فإذا سويته ونفخت ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    علة حديث: ((لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    التذكير بأيام الله (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    طعام وشراب النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    التسبيح سبب للحصول على ألف حسنة في لحظات
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    التحذير من الكسل (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    حين يتجلى لطف الله
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: الحذر من الظلم
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

أخلاق البائع المسلم (خطبة)

أخلاق البائع المسلم (خطبة)
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/10/2025 ميلادي - 10/5/1447 هجري

الزيارات: 599

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أخلاق البائع المسلم[1]

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد أيها المسلمون:

فإن العيش الإنسانيَّ في هذه الأرض قائم على المنافع المتبادلة، التي لا يستطيع الإنسان وحده توفيرها لنفسه، بل يحتاج فيها إلى آخرين من بني جنسه، فمن تلك المنافع: البيع والشراء.

 

فالحياة الإنسانية المشتركة لا بد أن يكون فيها بيع وشراء، وبائعون ومشترون، ولما كان دين الإسلام دينًا شاملًا لشؤون الحياة؛ فإنه قد أولَى قضيةَ البيع والشراء عنايةً كبيرة ببيان الحلال والحرام فيها، وسنِّ الأحكام والآداب، والأخلاق التي يكون عليها المسلم في هذه المسألة الحياتية المهمة.

 

عباد الله؛ إن البيع وممارسة التجارة طريق من طرق الرزق، غير أن بعض من يعمل في هذا المجال قد يقع في محرَّماتٍ عن جهلٍ، أو عن علمٍ مصحوب بطمع، وقد يتعرض لبعض الفتن التي ربما تعصف به، إلى ركوب المآثم التي تجرُّ عليه عواقب وخيمة في دينه ودنياه؛ لهذا سيكون حديثنا اليوم إليكم عن أخلاق البائع المسلم، التي إذا تمسك بها سعِد وربِح، فاسمعوها وَعُوها، ومن كان يزاول مهنة البيع فليحرص عليها، وليدْعُ غيرَه من زملاء مهنته إلى التحلي بها.

 

فمن تلك الأخلاق التي ينبغي أن يتمسك بها البائع المسلم: الحرص على الكسب الحلال.

فاحرص - أيها البائع - على أن يكون كسبك طيبًا نظيفًا لا يتنجس بشيء من الحرام؛ فقد جاء عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، أي الكسب أطيبُ؟ قال: «عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور»[2].

 

والبيع المبرور هو: البيع الذي ليس فيه حرام.

 

ولا يغريك في الكسب الحرام طمع ماليٌّ تريد به كثرة الربح؛ فإن المال الحرام لا خير فيه ولا بركة، بل هو طريق إلى النار إذا مات الإنسان ولم يتُب منه؛ فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل جسدٍ نبت من سُحت، فالنار أولى به»[3].

 

وإن المرء لَيعجب - معشر المسلمين - حين يرى بعض البائعين لا يبالي في كسبه، فهِمَّته الكبرى هي تحصيل المال فقط، دون أن يبالي أهو من الحلال أم من الحرام، فما أسوأ زمانًا وصل فيه بعض المسلمين إلى هذه الحال!

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لَيأتينَّ على الناس زمان، لا يبالي المرء بما أخذ المال؛ أمن حلال أم من حرام»[4].

 

وقد ورد في شرعنا الحنيف تحريم بيع الخمر والمخدِّرات، والكلب، والخنزير، والميتة، والدم، وآلات اللهو.

 

وجاء أيضًا تحريم الربا بجميع صوره، وتحريم احتكار ما يحتاجه الناس، وما فيه خداع للمشتري وأخذ لماله بالباطل؛ وقد قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 188].

 

وجاء تحريم التطفيف في الكيل والميزان؛ قال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [الإسراء: 35].

 

ومقتضى الشرع الشريف - أيها الكرام - تحريم بيع المواد الضارة أو المؤذية للناس، ومنها المواد المنتهية الصلاحية من غذاء أو دواء، التي قد يتساهل بعض البائعين في بيعها دون خوف من الله تعالى، ولا وازع من ضمير إنسانيٍّ حيٍّ.

 

أيها المؤمنون؛ ومن أخلاق البائع المسلم: التفقُّه في البيع والشراء؛ لأن هذا الخُلق هو الطريق إلى معرفة ما يحل بيعه وشراؤه، وما يحرم.

 

إن عليك – أيها البائع الكريم - أن تتعلم ما يحل لك وما يحرم عليك في بيعك، وهذا من العلم الواجب عليك، والأمر سهل بحمد الله؛ إذ يمكنك الرجوع إلى أهل العلم، أو استماع ما يتعلق بذلك عن طريق الجوَّال، أو قراءة ذلك في الكتب.

 

وقد نُقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: «لا يبيع في سوقنا إلا من يفقه، وإلا أكل الربا، شاء أم أبى».

 

فكم من البائعين من يعرف كل صغيرة وكبيرة عن المواد التي يبيعها، لكنه يجهل الأحكام الشرعية الظاهرة في تلك المَبيعات!

 

ومن أخلاق البائع المسلم: الصدق.

فيكون البائع صادقًا مع المشترين في وصف سلعته، فلا يروِّجها ويغرِ المشترين بها بالأوصاف الكاذبة عن جودتها، وبلد صنعها أو زراعتها، وطول بقائها، وغير ذلك مما يدعو المشتري إلى شرائها منه.

 

فعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع فقال: يا معشر التجار حتى اشرَأبُّوا، قال: إن التجار يُحشرون يوم القيامة فجَّارًا، إلا من اتقى وبرَّ وصدق))[5].

 

ومن أخلاق البائع المسلم أيضًا: الأمانة.

فالبائع الأمين لا يأكل أموال الناس بالباطل، فلا يخدع إنسانًا في بيعةٍ باعها، ولا يخون شريكًا له في تجارة بينهما، ولا يأخذ ما ليس له منها، وإن كان للمشتري حقٌّ أعطاه إياه، وإن كان عليه دَين لمن يستورد منه، وفَّاه وأدَّاه، وإذا اشترى سلعة ليبيعها، لم يبخس صاحبها.

 

قال مليح بن وكيع: "كان أبو حنيفة عظيم الأمانة، وكان بعضهم يشبِّهه في تجارته بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد مات وعنده من الودائع ما لا يُحصى، وقد أتته امرأة بثوب خزٍّ فقالت له: بِعه لي، فقال: بكم قيل لك تبيعينه؟ قالت: بمائة، قال: هو خير من مائة، حتى قال: كم تقولين؟ فزادت مائة، حتى قالت: أربعمائة، قال: هو خير، قالت: تهزأ بي؟! قال: هاتِ رجلًا، فجاءت برجل فاشتراه بخمسمائة درهم"[6].

 

ألَا وإن من الأمانة: بيانَ عيب السلعة، فإذا كانت هناك سلعة فيها عيوب، بيَّنها البائع للمشتري من غير كتمان، وهذا من حق المسلم على المسلم؛ فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلمٍ باع من أخيه بيعًا فيه عيب إلا بيَّنه له))[7].

 

وفي رواية لأحمد: ((لا يحل لامرئٍ مسلم أن يغيِّب ما بسلعته عن أخيه، إن علِم بها، تركها)).

 

وهذا الخُلق الكريم يجعل المشتري يثق بالبائع المتصف به، ويطمع في استمرار الشراء منه، ويدعو غيره إلى ذلك، وينال به البركة في رزقه، ومن ترك شيئًا لله، عوَّضه الله خيرًا منه.

 

قيل لعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: ما سبب كثرة مالك؟ قال: "ما كتمت عيبًا، ولا رددت ربحًا"[8].

 

ومن الأمانة كذلك: ترك الغش للمشتري.

ومن الغش له: بيعُ سلعة معيبة، أو نصحه بشراء شيء معيب، أو الذهاب إلى تاجر معين، والغرض من هذا النصح: خداعه، وإيصال الضرر إليه بذلك.

 

والغشُّ ليس من أخلاق المسلمين؛ فقد ((مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على صُبرة طعامٍ، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟! قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس؟ من غشَّ فليس منا))[9].

 

أيها الإخوة الفُضلاء، ومن أخلاق البائع المسلم: السماحة في البيع والشراء، ومعنى السماحة في ذلك: السهولة والتيسير، والبعد عن المخاصمة وسوء المعاملة.

 

فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رحِم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى))[10].

 

ومن السماحة: إنظار المَدين المُعسِرَ، وعدم الإلحاح عليه بالقضاء ما دام عاجزًا عنه.

 

فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه؛ لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه))[11].

 

ومن السماحة: طلاقة الوجه، وحسن الابتسام في وجه المشتري، وحسن الترحيب به، وهذا مع أنه عبادة في حد ذاته؛ فهو أيضًا يُحبب المشترين في الشراء ممن يتصف بهذا الخلق؛ فقد قيل في حكمة تجارية: "إذا لم تُحسن الابتسامة، فلا تفتح دكانًا".

 

ومن أخلاق البائع المسلم: سلامة اللسان من الألفاظ السيئة؛ كالسِّباب والبذاء، واللعن والازدراء؛ فكم نسمع في الأسواق من الكلمات المشينة، الخارجة عن حسن الأدب، وطهارة النفس، وحسن الخلق!

 

والمسلم - أيًّا كان عمله ومكانه - طَهورُ اللسان، بعيدٌ عن العبارات المقيتة؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83].

 

وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده))[12].

 

وكم من مشكلات تحصل بين الباعة والمشترين سببُها عَثَرات اللسان! قال الشاعر:

احفظ لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنَّك إنه ثعبانُ
كم في المقابر من قتيل لسانه
قد كان هاب لقاءه الشجعانُ![13]

 

أيها الأحباب الكرام، ومن أخلاق البائع المسلم: حسن الجِوار.

فالأمر الشرعي بحسن الجوار ليس مقصورًا على الجوار في البيوت فحسب، بل هو يشمل كلَّ تجاور إنساني، فعلى البائع أن يحسن الجوار مع جيرانه من البائعين؛ فيؤدي إليهم حقوقهم، ويكُفَّ أذاه عنهم، ويصبر على ما يكره منهم، ويُكرمهم بما يقدر عليه من وجوه الإكرام؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره))[14].

 

وليس من حسن الجوار بين البائعين: التحاسد بينهم، والسعي في إدخال بعضهم الضررَ على غيره، بالتحريش والوشايات، والتحذير للمشترين بألَّا يشتروا من جارهم؛ ظلمًا وعدوانًا.

 

قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))[15].

 

ومن أخلاق البائع المسلم: القناعة.

فالقناعة بالرزق المقسوم، والرضا به من أعظم الأخلاق التي يحتاجها التاجر المسلم؛ لأنها تصونه عن طرق الكسب الحرام.

 

فالتاجر المتحلِّي بالقناعة تُغنَى نفسه، ويرتاح باله، ويكثر محبُّوه من جيرانه التجار، ويزداد معامِلوه من المشترين.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه))[16].

 

ومما يعين البائع على التحلي بالقناعة: أن ينظر إلى البائعين والتجار الأقل منه بيعًا ومالًا، ولا ينظر إلى من هو أعلى منه في ذلك؛ حتى لا يجحد نعمة الله عليه، ولا يحمله طمعه على سلوك السُّبل المحرَّمة لكسب المال.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انظروا إلى من أسفلَ منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألَّا تزدروا نعمة الله عليكم))[17].

 

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الرزق الحلال المبارك، وأن يجعل أسواقنا معمورة بالأخلاق الكريمة، والأحوال المستقيمة.

 

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد أيها المسلمون:

فمن أخلاق البائع المسلم أيضًا: تقوى الله في السر والعلن، ومن تقوى الله: إقامة الصلاة في أوقاتها، وألَّا تكون التجارة والبيع سببًا لتأخير الصلاة، أو تركها؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [الجمعة: 9 - 11].

 

ومن تقوى الله: ترك الإكثار من الحلف في البيع، وتجنُّب اليمين الكاذبة فيه، فكم نسمع من أيمان في الأسواق! وكم نكتشف من حلف كاذب من بعض البائعين!

 

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم وكثرةَ الحَلِف في البيع؛ فإن الحلف مَنفقة للسلعة، ممحقة للبركة))، وفي رواية: ((ممحقة للربح))[18].

 

وقال أيضًا: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرارٍ، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: المُسبل، والمنَّان، والمُنفق سلعته بالحلف الكاذب))[19].

 

ومن أخلاق البائع المسلم كذلك: أن يكون عفيفًا، بعيدًا عن الفاحشة، وهتك الأعراض، والتعدي على الحُرمات.

 

فإن الأسواق مظِنَّة للفتنة، ولا سيما في عصرنا الحاضر، الذي كثُر فيه خروج عدد من النساء إلى الأسواق متبرِّجات متزيِّنات، أو يخرجن من غير حجاب شرعي كافٍ، فيكثر إطلاق البصر، وتحصل الخلوة المحرَّمة، والحديث غير البريء، وتبادل الأرقام، وربما وقع البائع بعد ذلك في الحرام الكبير.

 

ومن العِفة: بُعد البائع عن التلفُّظ بالألفاظ المليئة بقلة الأدب مع النساء، والتحرش بهن بالأفعال والحركات الدالة على الفحش.

 

فعلى البائع أن يتقيَ الله ويراقبه، ويتحصَّن بحصن العفاف والصيانة، حتى ولو راودته بعض النساء عن نفسه وأغرته بنفسها، فليكن يُوسُفِيَّ الخُلق، طاهرَ الثوب، ساميَ المنال؛ قائلًا لها: ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [يوسف: 23]، وقائلًا لها كما في حديث السبعة: ((إني أخاف الله))[20].

 

وليتذكر قول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن))[21].

 

وليعلم – وخير العلم ما نفع - أن سلوك طريق الفاحشة خسارة في الدين، وخسارة في التجارة، وخسارة في السمعة الطيبة، وخسارة في الحياة الزوجية السعيدة، ومن يرضى لنفسه هذه الخسارات؟!

 

عباد الله، إن البائع المسلم إذا تحلَّى بهذه الأخلاق الحسنة وأمثالها ربِح ربحًا وفيرًا، وكسب خيرًا كثيرًا، فمن ذلك الربح الوفير: طيب الكسب، وحلول البركة في المال؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير الكسب كسبُ يدِ العامل إذا نصح))[22].

 

وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البيِّعان بالخِيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا، بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما، مُحق بركة بيعهما))[23].

 

قال الشاعر:

أدِّ الأمانة والخيانة فاجتنب
واعدِل ولا تظلم يطِب لك مكسبُ

ومن الربح الوفير للتاجر ذي الأخلاق الحميدة: صلاح قلبه؛ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مُشبَّهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعِرضه، ومن وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحِمى، يُوشِك أن يُواقعه، ألَا وإن لكل ملك حِمًى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمُه، ألا وإن في الجسد مضغةً؛ إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألَا وهي القلب))[24].

 

قال ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث: "وفيه تنبيه على تعظيم قدر القلب، والحث على صلاحه، والإشارة إلى أن لطيب الكسب أثرًا فيه"[25].

 

ومن الربح الوفير للتاجر ذي الأخلاق الحسنة: ثقة الناس به، ومحبتهم له، وكثرة إقبالهم على الشراء منه.

 

قال الشاعر:

ولقد شهدت التاجر الأ
مان مورودًا شرابه

ويكفي من الأرباح: النجاة من تبِعات السؤال يوم القيامة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبدٍ يومَ القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس... ومنها: وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟))[26].

 

وعندما يكثر البائعون المتصفون بهذه الأخلاق السامية، يتلاشى التنازع والاختلاف المُفضي إلى الشـر، بل العجيب في المجتمع المتحلي بهذه الأخلاق أن يحدث الاختلاف لا لأجل التعدي على حقوق الآخرين، بل يحصل التنازع ليتبرأ المرء من أخذ شيء فيه شبهة حقٍّ لغيره، ولو من مكان بعيد، واسمعوا هذه القصة التي رواها الشيخان عليهما رحمة الله في صحيحيهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اشترى رجلٌ من رجلٍ عقارًا له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرةً فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض، ولم أبتَع منك الذهب، فقال الذي شرى الأرض: إنما بِعتُك الأرض، وما فيها، قال: فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلامَ الجاريةَ، وأنفقوا على أنفسكما منه وتصدَّقا)).

 

ألَا فليتحلَّ كلُّ تاجر مسلم بهذه الأخلاق الحميدة؛ فإنها ربح في الدنيا والآخرة، وليحذر أن يتخلى عنها، فمن تخلى عنها خسر وخاب، وربح الإثم وفاته عظيم الثواب.

 

نسأل الله أن يرزقنا الأخلاق الكريمة، ويسلك بنا سبيله المستقيمة.

 

هذا، وصلوا وسلموا على خير البرية...

 


[1] ألقيت في جامع الشوكاني في: 11 /4 /1447هـ، 3 /10 /2025م.

[2] رواه أحمد، والحاكم، والطبراني، والبيهقي، وإسناده حسن.

[3] رواه البيهقي، وأبو نعيم، وإسناده صحيح، والسُّحت: الحرام الذي لا يحل كسبه؛ لأنه يُسحت البركة: أي: يُذهبها؛ [النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 345)].

[4] متفق عليه.

[5] رواه البيهقي، والطحاوي، والطبراني، وهو صحيح؛ "يعني: التجار فجَّار بكثرة حلفهم اليمينَ الكاذبة، وكثرة تكلمهم بالكذب؛ ليروِّجوا متاعهم، وكثرة غفلتهم عن ذكر الله وعن الصلاة، واشتغالهم بالمعاملة، وكثرة جريان الهذيان والفحش واللهو بينهم، وهذه الأشياء فجور، وصاحبها فاجر، إلا من احترز من هذه الأشياء، قوله: (إلا من اتقى)؛ أي: من خاف الله، فلا يترك ذكر الله وأوامره، ولا يفعل المناهي، (وبَرَّ)؛ أي: أحسن؛ فلا يؤذي أحدًا ولا يوصل ضررًا إلى أحد في بيع وشراء، و(صدق) في ثمن المتاع"؛ [المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 405)].

[6] أخبار أبي حنيفة للصيمري (36).

[7] رواه أحمد، والبيهقي، وابن ماجه، وسنده صحيح.

[8] النجم الوهاج (4/177).

[9] رواه مسلم والترمذي.

[10] رواه البخاري.

[11] رواه البخاري.

[12] متفق عليه.

[13] الأذكار النووية للإمام النووي (1/ 424).

[14] متفق عليه.

[15] متفق عليه.

[16] رواه مسلم.

[17] رواه مسلم.

[18] رواه البخاري ومسلم والنسائي.

[19] رواه مسلم.

[20] متفق عليه.

[21] متفق عليه.

[22] رواه أحمد، والبيهقي بإسناد حسن.

[23] متفق عليه.

[24] متفق عليه.

[25] فتح الباري لابن حجر (1/ 128).

[26] رواه الترمذي، والدارمي، والبيهقي بإسناد حسن.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • البائع

مختارات من الشبكة

  • هل تصح الاستخارة قبل معرفة أخلاق الخاطب؟(استشارة - الاستشارات)
  • حسن الظن بالله من أخلاق المؤمنين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان كريم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مما لا يحيط به وصف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاتحاد والاعتصام من أخلاق الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أخلاق وفضائل أخرى في الدعوة القرآنية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أخلاق النبي محمد صلى الله عليه وسلم(مقالة - ملفات خاصة)
  • بأخلاقنا.. لا بأخلاقهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • علة حديث: ((خلق الله التربة يوم السبت))(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منزلة الأخلاق في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مكارم الأخلاق على ضوء الكتاب والسنة الصحيحة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • للسنة الخامسة على التوالي برنامج تعليمي نسائي يعزز الإيمان والتعلم في سراييفو
  • ندوة إسلامية للشباب تبرز القيم النبوية التربوية في مدينة زغرب
  • برنامج شبابي في توزلا يجمع بين الإيمان والمعرفة والتطوير الذاتي
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين
  • يوم مفتوح للمسجد للتعرف على الإسلام غرب ماريلاند
  • ندوة مهنية تبحث دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الإسلامي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 10/5/1447هـ - الساعة: 9:27
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب