• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    بيع فضل الماء
    محمد علي عباد حميسان
  •  
    بين هيبة الذنب وهلاك استصغاره
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    ثواب التسبيح خير من الدنيا وما فيها
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    كلام الرب سبحانه وتعالى (1) الأوامر الكونية.. ...
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    القواعد الأصولية المؤثرة في اللقاحات الطبية (PDF)
    د. إسماعيل السلفي
  •  
    صفة الصلاة
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير قوله تعالى: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    خطبة: التوحيد عليه نحيا ونموت
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    من درر العلامة ابن القيم عن الفراسة
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات تربوية مع سورة النصر (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    خطبة: استشعار التعبد وحضور القلب (باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    وقفات ودروس من سورة آل عمران (6)
    ميسون عبدالرحمن النحلاوي
  •  
    ﴿ أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ﴾
    بدر شاشا
  •  
    الابتهاج في شرح المنهاج للإمام تقي الدين أبي ...
    أ. د. عبدالمجيد بن محمد بن عبدالله ...
  •  
    العفاف حصن المرأة وسياج المجتمع
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    حقوق الطفل العقدية في ضوء الكتاب والسنة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / التوحيد
علامة باركود

خطبة: التوحيد عليه نحيا ونموت

خطبة: التوحيد عليه نحيا ونموت
الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/10/2025 ميلادي - 1/5/1447 هجري

الزيارات: 512

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خُطْبَة: التَّوْحِيدُ عَلَيْهِ نَحْيَا وَنَمُوتُ


الْخُطْبَةُ الأُولَى

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْيَتَامَى، وَوَعَدَ عَلَى ذَلِكَ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ وَالْفَضْلَ الْجَزِيلَ، وَتَوَعَّدَ مَن ظَلَمَهُمْ أَوْ قَهَرَهُمْ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ... فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

1- عِبَادَ اللهِ: لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ أَعْظَمُ مِنَ التَّوْحِيدِ، وَلِمَ لَا وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5]، فَالتَّوْحِيدُ هُوَ الْمَدْخَلُ الرَّئِيسِيُّ لِتَحْقِيقِ الْحِكْمَةِ مِنَ الْخَلْقِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]. فَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ مِنَ الْآثَارِ الْحَسَنَةِ، وَالْفَضَائِلِ الْمُتَنَوِّعَةِ، مِثْلُ التَّوْحِيدِ وَكَلِمَتِهِ الْعَظِيمَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19]، وَقَالَ -تَعَالَى-: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]. فَإِنَّ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مِنْ ثَمَرَاتِ هَذَا التَّوْحِيدِ وَفَضَائِلِهِ. فَفِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (يَا ابْنَ آدَمَ! لَوْ أَنَّكَ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا، لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

إذا انتسبتَ فقلتَ إني واحدٌ
مِن خَلقِه فكفى بذاك تنسُّبَا

2- عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَجَلِّ فَوَائِدِ التَّوْحِيدِ أَنَّهُ يَمْنَعُ الْخُلُودَ فِي النَّارِ؛ مَتَى كَانَ فِي الْقَلْبِ مِنْهُ أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ؛ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ -تَعَالَى-: أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ؛ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً؟" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

 

3- فَالتَّوْحِيدُ إِذَا كَمُلَ فِي القَلْبِ يُنْجي صَاحِبَهُ مِنْ دُخُولِ النَّارِ، وَيَحْصُلُ لِصَاحِبِ التَّوْحِيدِ الهُدَى الكَامِلُ، وَالأَمْنُ التَّامُّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قَالَ اللّهُ -تعالى-: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].

 

4- وَهُوَ السَّبَبُ الرَّئِيسُ لِنَيْلِ رِضَا اللهِ وَثَوَابِهِ، وَأَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَةِ نَبِيِّهُ مُحَمَّدٍ -صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- هُمْ أَهْلُ التَّوْحِيدِ، الَّذِينَ قَالُوا: (لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ) خَالِصَةً مِنْ قُلُوبِهِمْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ -صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

5- وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

 

6- وَمِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ: أَنَّ جَمِيعَ الأَعْمَالِ وَالأَقْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ مُتَوَقِّفَةٌ فِي قبُولِهَا وَفِي كَمَالِهَا وَفِي تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَيْهَا عَلَى الإِتْيَانِ بِهِ، فَكُلَّمَا قَوِيَ التَّوْحِيدُ وَالإِخْلَاصُ لِلهِ؛ كَمُلَتْ هَذِهِ الأُمُورُ وَتَمَّتْ.

 

7- وَمِنْ فَضَائِلِهِ: أَنَّ اللهَ يُيَسِّرُ وَيُسَهِّلُ عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي حَقَّقَهُ، فِعْلَ الْـخَيْـرَاتِ، ويُعينه عَلى تَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ، فَالْـمُخْلِصُ لِلهِ فِي إِيمَانِهِ وَتَوْحِيدِهِ تَخِفّ عَلَيْهِ الطَّاعَاتُ؛ لِمَا يَرْجُو مِنْ ثَوَابِ رَبِّهِ وَرُضْوَانِهِ، وَيَهُونُ عَلَيْهِ تَرْكُ مَا تَهْوَاهُ النَّفْسُ مِنْ المَعَاصِي، لِمَا يَخْشَى مِنْ سَخَطِهِ وَعِقَابِهِ.

 

8- وَالتَّوْحِيدُ إِذَا كَمُلَ فِي القَلْبِ حَبَّبَ اللهُ لِصَاحِبِهِ الإِيمَانَ. قَالَ اللّهُ -تعالى-: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الحجرات: 7، 8].

 

9- وَمَنْ حَقَّقَ التَّوْحِيدَ يُسَلِّيهِ رَبُّهُ عِنْدَ الْمُصِيبَاتِ، وَيُنَجِّيهِ مِنَ الْهُمُومِ، وَالْغُمُومِ، وَالْكُرُوبَاتِ. فَالْمَكْرُوبُ يَقُولُ فِي كَرْبِهِ كَمَا قَالَ - صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ -: "لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

10- وَبِكَلِمَةِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) وَبِالتَّسْبِيحِ؛ أَنْـجَى اللهُ ذَا النُّونِ حِينَمَا الْتَقَمَهُ الحُوتُ، كَمَا قَالَ -تعالى-: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، وَقَالَ -تعالى-: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144]. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، إِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ بِهَا" رَوَاهُ أَحْـمَدُ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وقال تعالى: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88].

 

11- وَاللّهُ يَدْفَعُ عَنْ الْمُوَحِّدِينَ شُرُورَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَيَمُنُّ عَلَيْهِمْ بِالحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ وَالطَّمَأْنِينَةِ إِلَيْهِ وَالطَّمَأْنِينَةِ بِذِكْرِهِ، وَشَواهِدُ ذَلِكَ مِن الكتابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ.

 

12- وَالتَّوْحِيدُ يُحَرِّرُ العَبْدَ مِنْ رقِّ المخْلُوقيْنِ وَالتَّعَلُّقِ بِهِمْ وَخَوْفِهِمْ وَرَجَائِهِمْ وَالعَمَلِ لِأَجْلِهِمْ، وَهَذَا هُوَ العِزُّ الحَقِيقِيُّ وَالشَّرَفُ العَالِ، فَهَا هُوَ بِلَالُ بِنُ رَبَاحٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، يُعَذِّبُهُ أُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ عَلَى إِسْلَامِهِ؛ فَلَمْ يذِلَّ أَوْ يَخْضَعْ لَهُ، بَلْ كَانَ عَزِيزًا قَوِيًّا شَرِيفًا عَلَى أَسْيَادِهِ، وَهُمْ يُعَذِّبُونَهُ كَيْ يَكْفُرَ بِدِينِ الإِسْلَامِ الَّذِي بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٍ -صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، وَلَكِنَّهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَ يُلْقِي كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ فِي وُجُوهِهِمْ فِي عِزَّةٍ وَإِبَاءٍ، وَجَاءَ فِي الأَثَرِ: (أَنَّ بِلَالًا هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ؛ فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الوِلْدَانَ، فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمَا بِسَنَدٍ لَا يَقِلُّ عَنِ الحَسَنِ.

 

13- فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُذِلُّوهُ، بَلْ صَمَدَ أَمَامَهُمْ حَتَّى أَكْرَمَهُ اللهُ بِالصّدِّيقِ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَأَعْتَقَهُ؛ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. فَالمُوَحِّدُ مُتَعَبِّدٌ لِلهِ، لَا يَرْجُو سِوَاهُ، وَلَا يَخْشَى إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَا يُنِيبُ إِلَّا إِلَيْهِ، وَبِذَلِكَ يَتِمُّ فَلَاحُهُ، وَيَتَحَقَّقُ نَجَاحُهُ.

 

14- وَالتَّوْحِيدُ إِذَا تَمَّ وَكَمُلَ فِي القَلْبِ، وَتَحَقَّقَ تَحَقُّقًا كَامِلًا بِالإِخْلَاصِ التَّامِّ؛ فَإِنَّهُ يُصَيِّـرُ القَلِيلَ مِنَ العَمَلِ كَثِيرًا، وَتُضَاعَفُ أَعْمَالُ وَأَقْوَالُ المُوَحِّدِ بِغَيْرِ حَصْرٍ وَلَا حِسَابٍ.

 

15- وَكَلِمَةُ الإِخْلَاصِ فِي مِيزَانِ العَبْدِ لَا تُقَابِلُهَا بِالوَزْنِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِ اللهِ كَمَا فِي حَدِيثِ البِطَاقَةِ، قَالَ -صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُؤوسِ الخَلَائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُر عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ"، قَالَ: "فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ" رَوَاهُ التِّـرْمِذِيُّ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

 

16- لَقَدْ بَلَغَتْ هَذِهِ البِطَاقَةُ ذَلِكَ الوَزْنَ العَظيِّم؛ لِكَمَالِ إِخْلَاصِ قَائِلِهَا، وَإِنْ تَعَاظَمَتْ ذُنُوبُهُ لِعَوَارِضِ الضَّعْفِ البَشَرِيِّ لَكِنَّهُ كَانَ بَعِيدًا عَنْ الكُفْرِ وَالشّركِ وَالنِّفَاقِ الأَكْبَرِ الْمُخْرِجِ مِنَ الْمِلَّةِ، وَإِلَّا فَإِنَّ عَبْدَ اللهِ بِنَ أُبي بن سَلُولٍ وأتباعه، كَانَوا يَقُولُون: (لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ)، لَا تَنْفَعُ صَاحِبَهَا، إِذَا لَمْ يَعْتَقِدْهَا فِي قَلْبِهِ، وَيَعْمَلْ بِهَا فِي جَوَارِحِهِ، فَأَهْلُ النِّفَاقِ الَّذِينَ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ يَقُولُونَ ظَاهِرِيًّا: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)؟ فلم تنفعهم مَعَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ظاهريًا: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)؟ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 145]؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَهَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَلَا يَعْمَلُونَ بِمُقْتَضَاهَا بِجَوَارِحِهِمْ.

 

17- وكَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، مَعَ عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ، لَا تَنْفَعُ صَاحِبَهَا، وَلَا تُنْجِيهِ مِنَ النَّارِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65].

 

18- فَمَهْمَا قَالَهَا عُبَّادُ الأَضْرِحَةِ وَالْقُبُورِ، وَمَا يُسَمَّوْنَ بِالْأَوْلِيَاءِ، دُونَ تَوْحِيدٍ حَقِيقِيٍّ فَلَنْ تَنْفَعَهُمْ، فَشَتَّانَ بَيْنَ قَلْبَيْنِ: قَلْبٍ مُلِئَ بِالتَّوْحِيدِ وَالإِخْلَاصِ، وَقَلْبٍ مَنْكُوسٍ مَطْمُوسٍ، مُلِئَ إِمَّا بِالنِّفَاقِ وَإِمَّا بِالشِّرْكِ، الْقَدِيمِ أَوِ الْحَدِيثِ.

 

19- وَمَا نَراه في زماننا مِنْ دُعَاءِ الْمَقْبُورِ، وَالاسْتِغَاثَةِ وَالاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَطَلَبِ النَّصْرِ وَالْمَدَدِ مِنْهُ، وَالطَّوَافِ وَالْعُكُوفِ حَوْلَ قَبْرِهِ، وَالسُّجُودِ عِنْدَ ضَرِيحِهِ، وَدَفْعِ النُّذُورِ لَهُ؛ فَمَا هُوَ إِلَّا شِرْكٌ جَدِيدٌ، امْتِدَادٌ لِلشِّرْكِ الْقَدِيمِ. فَتَغْيِيرُ الأَسْمَاءِ وَالْمُسَمَّيَاتِ لَا يُغَيِّرُ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ. وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ فِي كِتَابِهِ عِظَمَ ضَرَرِ الشِّرْكِ عَلَى الْمُوَحِّدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾. وَمَا يُفْعَلُ عِنْدَ بَعْضِ الأَضْرِحَةِ وَالْقُبُورِ مِنْ عِبَادَاتٍ تُقَدَّمُ لِلْمَقْبُورِ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الشِّرْكِ الأَكْبَرِ، وَمَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِهِ، وَكُلُّ مَظْهَرٍ مِنْ مَظَاهِرِ الشِّرْكِ أَمْرٌ يُدْمِي الْقَلْبَ وَيُحْزِنُهُ.

لِمِثْلِ هذا يذوبُ القلبُ من كَمَدٍ
إنْ كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ

20- فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّ الشِّرْكَ الْحَدِيثَ امْتِدَادٌ لِلشِّرْكِ الْقَدِيمِ، وَمَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ الْوَثَنِيَّةِ، لَا تَنْفَعُ مَعَهُ الْأَعْذَارُ وَلَا الْـمُبَرِّرَاتُ، وَلِمَ لَا وَقَدْ:

أَعَادُوا بِهَا مَعْنَى سُوَاعٍ وَمِثْلِهِ
يَغُوثُ وَوَدٌّ بِئْسَ ذَاكَ مِنْ وُدِّ
وَقَدْ هَتَفُوا عِندَ الشَّدَائِدِ بِاسْمِهَا
كَمَا يَهْتِفُ الْمُضْطَرُّ بِالصَّمَدِ الْفَرْدِ
وَكَمْ عَقَرُوا فِي سُوحِهَا مِنْ عَقِيرَةٍ
أُهِلَّتْ لِغَيْرِ اللَّهِ جَهْلًا عَلَى عَمْدِ
وَكَمْ طَائِفٍ حَوْلَ الْقُبُورِ مُقَبِّلٍ
وَيَلْتَمِسُ الأَرْكَانَ مِنْهُنَّ بِالأَيْدِي

 

21- وَعَلَيْنَا أَنْ نُنْكِرَ أَيَّ مَعْبُودٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ، لَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، وَلَا مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الأعراف: 194]. فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ، وَيَدْعُونَ أَنَّهُمْ وَسِيلَةٌ إِلَى اللهِ، هُمْ بِأَنْفُسِهِمْ يَبْتَغُونَ إِلَى اللهِ الْوَسِيلَةَ وَالْمَرْتَبَةَ الْعَالِيَةَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ [الإسراء: 57]. فَكَيْفَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ، وَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا؟ أَيَعْقِلُ أَنْ يُصَدَّقَ أَنَّ مَقْبُورًا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَحْمِيَ نَفْسَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَأَنْ لَا يُغَادِرَ أَهْلَهُ وَمُحِبِّيهِ، فَيَنْتَقِلَ مِنْ أَهْلِهِ وَبَيْتِهِ وَمَالِهِ، إِلَى حُفْرَةٍ فِي أَعْمَاقِ الْأَرْضِ ضَيِّقَةٍ؟ فَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ نَفْعًا لِأَحَدٍ لَكَانَ نَفْعُهُ لِنَفْسِهِ أَوْلَى، أَوْ لَمْ يَقُلِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ حَيٌّ كَمَا ذَكَرَ اللهُ لَنَا فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 188]. فَإِذَا كَانَ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَمْلِكْهَا فِي حَيَاتِهِ فَكَيْفَ يَمْلِكُهَا أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ بَعْدَ مَمَاتِهِ؟ وَصَدَقَ اللهُ تَعَالَى إذْ قَالَ: ﴿ ) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10، 11]. فَاشْكُرُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ عَلَى نِعْمَةِ التَّوْحِيدِ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].

 

22- وَلَا يَفْهَمُ مُوَحِّدٌ عِنْدَهُ بَصَرٌ وَبَصِيرَةٌ، وَعِلْمٌ، وَجَمْعٌ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، مِنْ حَدِيثِ صَاحِبِ الْبِطَاقَةِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْقَوْلِ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ مِنْ دُونِ عَمَلٍ وَاعْتِقَادٍ يَكْفِي لِلنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ هُوَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَاعْتِقَادٌ بِالْجِنَانِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ وَالْأَرْكَانِ. فَقَوْلُهُ "لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ" لَيْسَ نَفْيًا لِلْعَمَلِ عَلَى الإِطْلَاقِ، بَلْ نَفْيًا لِلْإِتْيَانِ بِالْعَمَلِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُطْلُوبِ، وَعِنْدَهُ نَقْصٌ وَخَلَلٌ. فَقَوْلُ "لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ" سَائِغٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، جَائِزٌ فِي لُغَتِهَا أَنْ يُؤْتَى بِاللَّفْظِ الْكُلِّ وَالْمُرَادِ الْبَعْضُ، وَلِذَلِكَ عِنْدَمَا تَطَلَّبَ مِنْ إِنْسَانٍ عَمَلًا، ثُمَّ لَا يُحَقِّقُهُ وَفْقَ الْمَطْلُوبِ، فَتَقُولُ لَهُ: لَمْ تَعْمَلْ شَيْئًا، مَعَ أَنَّهُ قَدْ قَامَ بِالْعَمَلِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتْقِنْهُ، أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُطْلُوبِ؛ فَهَذَا أَسْلُوبٌ عِنْدَ الْعَرَبِ مَعْرُوفٌ بِالْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي قُتِلَ مِئَةَ نَفْسٍ، وَلَمَّا قُبِضَتْ رُوحُهُ قَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ تَائِبًا مِنْ ذَنْبِهِ، وَالتَّوْبَةُ عَمَلٌ، وَهي غَيْرُ قَوْلِهِ لِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ. وَكَذَلِكَ هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْهِجْرَةُ عَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَمَّا تَابَ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى يَقِينٍ، لأَنَّهُ بَحَثَ عَنِ التَّوْبَةِ، وَتَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُهَا وَأَرْكَانُهَا، وَلَكِن لَمْ تَكْتَمِلْ أَعْمَالُهُ كَمَا يَنْبَغِي، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَهُوَ مَا بَحَثَ عَنِ التَّوْبَةِ وَالْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ إِلَّا مِنَ الْخَوْفِ مِنَ اللهِ وَخَشْيَتِهِ، وَالْخَشْيَةُ عِبودِيَّةٌ لِلَّهِ، وَمِنْ أَشَدِّ النَّاسِ خَشْيَةً: الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ وَأَصْحَابُهُمْ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ مِنْهُمْ. قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28]. وَهَذِهِ الْخَشْيَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِمُؤْمِنٍ مُصَدِّقٍ بِقَلْبِهِ، نَاطِقٍ بِلِسَانِهِ، عَامِلٍ بِجَوَارِحِهِ وَأَرْكَانِهِ. فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ مَنْهَجُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَضَرْبُ الْأَدِلَّةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مَنْهَجُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الْمُنْحَرِفَةِ. رَزَقَنَا اللهُ الْهُدَى وَالصَّلاَحَ، وَوَقَانَا شَرَّ الْبِدَعِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْـخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ - عِبَادَ اللَّهِ - حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 

1- عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَرْشَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الأُمَّةَ إِلَى التَّوْحِيدِ، بقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، جَفَّتِ الأَقْلَامُ وَرُفِعَتِ الصُّحُفُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَرَادَتِ الأُمَّةُ أَنْ تَنْفَعَكَ مَا نَفَعَتْكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَضُرَّكَ مَا ضَرَّتْكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُمَا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

 

2- فَاللَّهَ اللَّهَ يَا عِبَادَ اللهِ فِي التَّوْحِيدِ! فَعَلَيْهِ نَحْيَا، وَعَلَيْهِ نَمُوتُ، وَعَلَيْهِ نُبْعَثُ. فَعَلَيْنَا أَنْ نُرَبِّيَ أَنْفُسَنَا وَأَوْلَادَنَا وَأَهْلِينَا عَلَى التَّوْحِيدِ، وَأَنْ نَجْعَلَ حَيَاتَنَا كُلَّهَا قَائِمَةً عَلَى التَّوْحِيدِ، وَمَنْهَجَنَا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].

 

3- وَصَدَقَ القاضي عِيَاض – رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاهُ – حَيْثُ قَالَ:

وَمِمَّا زَادَنِي شَرَفًا وَتِيهًا
وَكِدْتُ بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا
دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ: يَا عِبَادِي
وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيًّا

 

اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتَيْهِمَا لِلْبَرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ احْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ وَأَحِطْهُم بِعِنَايَتِكَ، وَاجْعَلْهُم هُدَاةً مُهْتَدِينَ، غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ. وَأَصْلِحْ بِهِمَا الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ. اللَّهُمَّ انْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا. اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ المُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ. اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَأَكْلَأْنَا بِرِعَايَتِكَ، وَاحْطِنَا بِعِنَايَتِكَ، اللَّهُمَّ يَسِّرْنَا لِلْيُسْرَى، وَجَنِّبْنَا الْعُسْرَى. وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَامْدُدْ عَلَيْنَا سِتْرَكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَأَصْلِحْ لَنَا النِّيَّةَ وَالذُّرِّيَّةَ وَالْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ. ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]. اللَّهُمَّ احْفَظِ الأَبْنَاءَ وَالْبَنَاتَ، وَاجْعَلْهُمْ قُرَّةَ أَعْيُنٍ لِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَاحْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ وَأَحِطْهُمْ بِعِنَايَتِكَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا وَإِيَّاهُمْ مِنْ مُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمُؤَدِّي الزَّكَاةِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. هَذَا فَصَلُّوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ عَلَى مَن أُمِرْتُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، تَسْلِيمًا كَثِيرًا؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

أَلَا وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ، يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة: العناية بالوالدين وبرهما
  • خطبة: فضل العناية باليتيم
  • خطبة: حقوق كبار السن في الإسلام
  • خطبة: فضيلة الصف الأول والآثار السيئة لعدم إتمامه
  • خطبة: وحدة الكلمة واجتماع الصف
  • خطبة: من تلعنهم الملائكة

مختارات من الشبكة

  • خطبة: ثمرات التوحيد على الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوحيد: روح العبادة وأساس قبولها (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • من وحي عاشوراء: ثبات الإيمان في مواجهة الطغيان وانتصار التوحيد على الباطل الرعديد (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بشارة القرآن لأهل التوحيد (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • آثارك بعد موتك (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آداب النعمة وواجبنا نحوها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رفقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الذب عن نبينا صلى الله عليه وسلم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فيح الأزهار من كرم النبي المختار صلى الله عليه وسلم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين
  • يوم مفتوح للمسجد للتعرف على الإسلام غرب ماريلاند
  • ندوة مهنية تبحث دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الإسلامي
  • مسلمو ألميتيفسك يحتفون بافتتاح مسجد "تاسكيريا" بعد أعوام من البناء
  • يوم مفتوح بمسجد بلدة بالوس الأمريكية
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد
  • اختتام مؤتمر دولي لتعزيز القيم الأخلاقية في مواجهة التحديات العالمية في بلقاريا
  • الدورة العلمية الثانية لتأهيل الشباب لبناء أسر مسلمة في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/5/1447هـ - الساعة: 11:7
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب