• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الابتهاج في شرح المنهاج للإمام تقي الدين أبي ...
    أ. د. عبدالمجيد بن محمد بن عبدالله ...
  •  
    العفاف حصن المرأة وسياج المجتمع
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    حقوق الطفل العقدية في ضوء الكتاب والسنة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    سبيل الإفلاس التجسس على الناس (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الدعوة إلى العمل الصالح (خطبة)
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    الله لطيف بعباده
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    بيع التورق
    عبدالرحمن بن يوسف اللحيدان
  •  
    تميز منهج الصحابة رضي الله عنهم في تلقي القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    خطبة: مشكلة الفقر وحلولها في الإسلام
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    من مائدة الفقه: المسح على الـخفين
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    منهج أهل السنة والجماعة في تقرير مسائل الاعتقاد ...
    إيلاف بنت فهد البشر
  •  
    أثر البركة والبركات محقها بالسيئات وللحصول عليها ...
    الشيخ الحسين أشقرا
  •  
    التسبيح مكفر للخطايا
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    دعاء الأنبياء عليهم السلام على الكفار
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    وعد الآخرة
    محمد حباش
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

الله لطيف بعباده

الله لطيف بعباده
د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/10/2025 ميلادي - 29/4/1447 هجري

الزيارات: 173

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ﴾[1]


تمهيد:

﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ﴾ [الشورى: 19] جُمْلَة قرآنية في غاية البيان والتأثير من سمعها بحضور قلب تَسْكُن سُوَيْدَاء قلبه من أول وهلة، وتَبعث فيه الراحة والاطمئنان، وتُعطيه مِساحة لا حدود لها من الآمال واللطف الحاني من ربٍ رحيمٍ، لطيفٍ، ودودٍ، كريمٍ، يتودد لعباده رحمةً بهم، فكيف بمن تأمل وتدبر كلماتها الثلاث؛ فإنه بكل تأكيد سيجد دلالاتٍ ومعانٍ لا حصر لها؛ كبحر لا ساحل له، فهذا كلام الله تعالى تَقْصُر أفهامُ البشرِ عن الإحاطة بعلمه ودلالاته، إلا علم يقذفه الله تعالى في قلب متعلمه فيجلي بعضًا من أسراره، وصدق الله العظيم: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾[2]. قال ابن كثير رحمه الله: "أي: لا يطّلع أحدٌ من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه، ويحتمل أن يكون المراد لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته إلا بما أطلعهم الله عليه كقوله: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾[3]"[4]. وقال ابن عثيمين رحمه الله: "فما شاء الله عز وجل أن يُعْلِمه الخلق أعلمهم إياه سواء كان ذلك فيما يتعلق بذاته، أو بأسمائه، أو أفعاله، أو مخلوقاته التي هي المفعولات، أو مشروعاته التي أوحاها الله تعالى إلى رسله"[5].

 

ورد اسم الله اللَّطيف في القرآن الكريم سبع مرات في سياقات مختلفة، وهي:

الأول: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾[6].


الثاني: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾[7].

 

الثالث: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾[8].

 

الرابع: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾[9].


الخامس: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾[10].


السادس: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾[11].

 

السابع: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾[12].


لما كان محور الآية موضوع المقال: اسم الله "اللَّطِيف"، وورد بعض أسماء الله الحسنى في الآيات السبع السابقة، ولما لأسماء الله الحسنى من أهمية بالغة وتأثير عظيم في ترسيخ العقيدة الصافية، وتقوية الإيمان؛ رأيت من المناسب التعريف بهذه الأسماء، وهي: (الله - اللطيف - الخبير - العليم - الحكيم - القوي - العزيز)؛ على النحو الآتي:

• لفظ الجلالة: "‌الله": ورد ‌لفظ ‌الجلالة "‌الله" جل جلاله، في القرآن الكريم: "2724" مرة، وهو أكثر أسماء الله الحسنى ورودًا فيه، ويتضمن معنيان عظيمان متلازمان؛ المعنى الأول: هو: الإله؛ أي: الجامع لجميع صفات الألوهية. قال ابن القيم رحمه الله: "الإله هو المستحق لصفات الكمال المنعوت بنعوت الجلال، وهو الذي تؤلهه القلوب، وتصمد إليه بالحب والخوف والرجاء"[13]. المعنى الثاني: هو: المألوه؛ أي: المعبود الذي لا يستحق العبادة أحد سواه. قال ابن تيمية رحمه الله: "الإله هو المألوه؛ أي: المستحق لأن يؤله، أي: يُعْبد، ولا يستحق أن يؤله ويعبد إلا الله وحده"[14]. وقيل: أن لفظ الجلالة "‌الله"؛ هو: اسم الله الأعظم، قاله أكثر أهل العلم رحمهم الله، منهم: أبو حنيفة، والطحاوي، وابن مَنده، والرازي، واستدلوا: بما خص الله به هذا الاسم من خصائص منها: أنه الأصل لجميع أسماء الله الحسنى، أنه مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، أنه اسم خاص بالله عز وجل، لم يتسم به أحد سواه، أنه مقترن بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله، أنه أكثر الأسماء دعاء به[15].

 

• اسم الله: "العليم" "الخبير": ورد اسم الله: "الخبير"، في القرآن الكريم خمسًا وأربعين مرةً. وعن معنى الخبير؛ قال الغزالي رحمه الله: "هو: بمعنى العليم، لكن العليم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة سُمي؛ خبرة، وسمي؛ صاحبها خبيراً"[16]. وعَرّف السعدي رحمه الله اسم الخبير مضافًا للعليم، قال: " "العليم" "الخبير"، هو: الذي أحاط علمِه بالظواهر والبواطن، والإسرار والإعلان، وبالواجبات والمستحيلات، والممكنات، وبالعالم العلوي والسفلي، وبالماضي والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء"[17].

 

• اسم الله: "الحكيم": ورد اسم ‌الله "الحكيم"؛ في القرآن الكريم أربعًا وتسعين مرة. قال السعدي رحمه الله: " "الحكيم"؛ هو: الذي له الحكمة العليا في خلقه وأمره، الذي أحسن كل شيء خلقه ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾[18]. فلا يَخْلُقُ شيئًا عبثاً، ولا يشرع شيئًا سُدى، الذي له الحكم في الأولى والآخرة، وله الأحكام الثلاثة لا يشاركه فيها مشارك، فيحكم بين عباده، في شرعه، وفي قدره، وجزائه"[19].

 

• اسم الله "القوي" "العزيز": ورد اسم ‌الله "القوي" في القرآن الكريم تسع مرات، قال الطبري رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾[20]: "لا يَغْلِبه غالب، ولا يَرُد قضاءَه راد، يَنْفُذ أمره ويمضي قضاؤه في خلقه، شديد عقابه لمن كفر بآياته وجحد حججه"[21]. وورد ‌اسم ‌الله "العَزيزُ" في كتاب الله اثنتين وتسعين مرة. قال ابن كثير رحمه الله: " "العَزيزُ": الذي عزّ كل شيء فقهره، وغلب الأشياء فلا ينال جنابه لعزته، وعظمته، وجبروته، وكبريائه"[22]. وقال السعدي رحمه الله: "هذه الأسماء العظيمة: "العَزيزُ، القَدِيرُ، القَادِرُ، المُقتَدِرُ، القوِيُّ، المَتِينُ" معانيها متقاربة، فهو تعالى كامل القوة، عظيم القدرة، شامل العزّة ﴿ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾[23]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾[24]. فمعاني العزة الثلاثة كلها كاملة للَّه العظيم: عزّة القوة الدالّ عليها من أسمائه: القوي، المتين، ‌وهي: ‌وصفه ‌العظيم ‌الذي ‌لا ‌تُنسَب ‌إليه ‌قوة ‌المخلوقات ‌وإنْ ‌عَظُمَتْ، وعزة الامتناع؛ فإنه هو: الغنيّ بذاته، فلا يحتاج إلى أحد، ولا يبلغ العبادُ ضرّه فيضرونه، ولا نفعه فينفعونه، بل هو الضار النافع المعطي المانع، وعزة القهر والغلبة لكل الكائنات، فهي كلها مقهورة للَّه خاضعة لعظمته منقادة لإرادته"[25].

 

والمتأمل للآيات السابقة التي ورد فيها اسم الله: "اللَّطِيف" يلحظ اقتران اسم الله: "الخبير" معه خمس مرات، وتقديم اللطيف على الخبير؛ لعل من حكمة ذلك؛ قال الماوردي رحمه الله: "يحتمل وجهان من التأويل: أحدهما: لطيف بعباده في الإِنعام عليهم، خبير بمصالحهم، والثاني: لطيف في التدبير خبير بالحكمة"[26]. وقد يكون من الحكمة: "أن الله تعالى يطلِّع على بواطن الأمور ويلطف بعباده، فلا يُقدِّر لهم إلا ما فيه الخير، وقد يخفى على العبد هذا الخير، فيُقابل قضاء الله بالاعتراض، فلا يلطف بك إلا من عرفك وكان خبيرًا بمواطن ضعفك وقوتك وبكل أحوالك"[27]. ولعلي أضيف أن اسمًا واحدًا من أسماء الله تعالى عندما يُختم به الآية يكون له المعاني والفتوحات والدلالات الواسعة ما الله به عليم، فكيف إذا خُتمت الآية باسمين؛ فلا شك أن المعانيَ والفتوحات والدلالات تكون أعم أشمل.

 

أقوال العلماء في تفسير الآية موضوع المقال:

أورد القرطبي رحمه الله: عدة أقوال لمعنى اللطيف عند قوله الله تعالى: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ﴾؛ وهي: "حَفِيٌ بهم، بار بهم، رفيق بهم، لطيف بالبر والفاجر؛ لم يقتلهم جوعًا بمعاصيهم، لطيف بهم في العرض والمحاسبة، يلطف بهم في الرزق من وجهين: أحدهما: أنه جعل رزقهم من الطيبات، والثاني: أنه لم يدفعه إليهم مرة واحدة فيبذوه، لطيف بهم في القرآن وتفصيله وتفسيره، لطيف بأوليائه حتى عرفوه، ولو لطف بأعدائه لما جحدوه، ينشر من عباده المناقب ويستر عليهم المثالب، يقبل القليل ويبذل الجزيل، يجبر الكسير وييسر العسير، لا يُخاف إلا عدله ولا يُرجى إلا فضله، يبذل لعبده النعمة فوق الهمة ويكلفه الطاعة فوق الطاقة، قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾[28]، وقال سيحانه: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ﴾[29]، يُعين على الخدمة ويُكثر المِدْحة، لا يعاجل من عصاه، ولا يخيب من رجاه، لا يرد سائله، ولا يُوئس آمله، يعفو عمن يهفو، يرحم من لا يرحم نفسه، أوقد في أسرار العارفين من المشاهدة سراجاً، وجعل الصراط المستقيم لهم منهاجاً، وأجزل لهم من سحائب بره ماء ثجاجاً"[30].

 

وقد لخص البيضاوي رحمه الله معنى "اللَّطِيف"؛ قال: "﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ﴾ أي: بًرٌ بهم بصنوف من الْبِر لا تبْلُغها الأفهام"[31].

 

الملامح التربوية المستنبطة من الآية موضوع المقال:

أولاً: تضمنتِ الآية موضوع المقال، أن الله لطيف بعباده، وصفة العبودية إكرام وتشريف للناس ورفعة لهم؛ قال ابن تيمية رحمه الله: "فكمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله، وكلما ازداد العبد تحقيقًا للعبودية ازداد كماله وعلت درجته، ومن توهم أن المخلوقَ يخرج من العبودية بوجه من الوجوه، أو أن الخروج عنها أكمل فهو من أجهل الخلق، بل من أضلهم؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾[32]"[33]. وينبغي على المؤمن الموفق أن يعتنيَ بعبودية الله تعالى ويخلص لها لينال شرفها، ويعطيها جل اهتمامه؛ علماً، وفهماً، وتطبيقاً، وقولاً، وفعلاً. قال ابن القيم رحمه الله عن العناية بالعبودية والإخلاص لها: "أنها الغاية التي شَمَّر إليها السالكون، وأمَّهَا القاصدون، ولحظ إليها العاملون، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه يقول: من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية"[34].

 

ثانياً: يوجد تلازم وتوافق وعلاقة قوية بين اسم الله اللطيف وبين رحمة الله بعباده. قال السعدي رحمه الله: "اعلم أن اللطفَ الذي يطلبه العباد من الله بلسان المقال، ولسان الحال هو من الرحمة، بل هو رحمة خاصة، فالرحمة التي تصل العبد من حيث لا يشعر بها، أو لا يشعر بأسبابها هي اللطف، فإذا قال العبد: يا لطيف الطف بي، أو لي، وأسألك لطفك فمعناه تولني ولاية خاصة بها تُصلح أحوالي الظاهرة، والباطنة وبها تندفع عني جميع المكروهات من الأمور الداخلية والأمور الخارجية"[35].

 

ثالثاً: الآيةُ الكريمة موضوع المقال فيها شُحْنَات إيمانية لا حصر لها، وعلى قدر حضور القلب وخشوعه وتدبره للقرآن الكريم يزداد من هذه الشُحْنَات، ولا شك أن الحياةَ المعاصرة فيها من الضغوط في مجالات شتى ما الله بها عليم، فهو بحاجة ماسة إلى هذه الشحنات الإيمانية، وموضعها الطبيعي؛ كلام الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾[36]. قال محمد رشيد رضا رحمه الله: " ﴿ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ "أي: يقينًا في الإذعان، وقوة في الاطمئنان، وسعة في العرفان، ونشاطًا في الأعمال"[37]. وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾[38]. قال ابن كثير رحمه الله: "أي: هذه صفة الأبرار، عند سماع كلام الجبار، المهيمن العزيز الغفار، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف، ﴿ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه"[39].

 

رابعاً: إن حضورَ القلب عند سماع، أو قراءة الآية موضوع المقال وتدبر ما تضمنته من أسماء الله الحسنى: "‌الله" "اللطيف"، فإنه يجد معها كمًا وافرًا من الراحة والاطمئنان وسكون القلب والهمة والنشاط، فكيف إذا أعادها مرارًا وتكرارً في قيام الليل وقت النزول الإلهي – نزولًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه - ووقت الهدوء والسكينة وغفلة الناس إما بنومٍ، أو لهوٍ، فإنه بدون شك سيكون التأثير أعظم والاطمئنان أقوى، والهمة أعلى، ومثلها من الآيات: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [40]، وقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴾[41]. وتأكيدًا لهذا المعنى فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه يقوم الليل بآية واحدة يرددها، والآية قوله تعالى: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾[42]. وهناك أخبار عن السلف رحمهم الله مثل ذلك لا يتسع المجال لذكرها. وسُئل ابن عثيمين رحمه الله عن حكم تكرار الآية في الصلاة، فقال: "ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلاة الليل ما لم يثبت في صلاة الفرض، فمن ذلك أنه كرر قول الله تعالى: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ كررها إلى الصباح، وهو يصلي، وكذلك كان لا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا آية تسبيح إلا سبح، ولا آية وعيد إلا تعوذ، ففي صلاة الليل أشياء مشروعة لا تُشرع في الفريضة، مثل هذه، فنحن نكرر هذا لعل قلوبنا تلين وتخشع وتذكر الإيمان بالله"[43].

 

خامساً: إن العلمَ بأسماء الله الحسنى له أهميةٌ بالغة في معرفة الله تعالى، وأثر قوي في ترسيخ العقيدة، وتقوية الإيمان. قال ابن القيم رحمه الله: "وليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة باريها وفاطرها، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلَمَ، كان بالله أعرف، وله أطلب، وإليه أقرب، وكلما كان لها أنكر، كان بالله أجهل، وإليه أكره، ومنه أبعد"[44].

 

سادساً: لُحِظ في الآيات السبع التي ورد فيها اسم الله "اللَّطِيف"، أن خواتيمها اقترنت باسمين من أسماء الله الحسنى؛ خمس آيات ارتبط فيها اسم الخبير باللطيف، وواحدة العليم الحكيم، والأخرى القوي العزيز، ولا شك أن من تأمل وتدبر بعقله ووجدانه خواتيم جميع الآيات في القرآن الكريم المختتمة بأسماء الله الحسنى امتلأ قلبه إيمانًا ويقينًا وفهمًا لمعاني الآيات. قال السعدي رحمه الله: "وهذا بابٌ عظيم في معرفة الله ومعرفة أحكامه، وهو من أجلّ المعارف وأشرف العلوم، فتجد آية الرحمة مختومةً بصفات الرحمة، وآيات العقوبة والعذاب مختومة بأسماء العزة والقدرة والحكمة والعلم والقهر، ومن الأمثلة؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾[45]، فخلقه للمخلوقات وتسويتها على ما هي عليه من إنسان وحيوان ونبات وجماد: من أكبر الأدلة العقلية على علمه، فكيف يخلقها وهو لا يعلمها؟"[46].



[1] الشورى: 19.

[2] البقرة: 255.

[3] طه:110.

[4] تفسير ابن كثير (1/ 519).

[5] تفسير العثيمين (البقرة، آية: 255).

[6] الأنعام:103.

[7] يوسف:100.

[8] الحج:63.

[9] لقمان:16.

[10] الأحزاب:34.

[11] الشورى: 19.

[12] الملك:14.

[13] شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، (ص: 139).

[14] مجموع الفتاوى، (13/ 202).

[15] انظر: العيد، موسوعة شرح أسماء الله الحسنى، (ص 305-311).

[16] المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، (ص 63).

[17] خاتمة التفسير: أصول وكليات من أصول التفسير وكلياته، (ص 945).

[18] المائدة: 50.

[19] خاتمة التفسير: أصول وكليات من أصول التفسير وكلياته، (ص 945).

[20] الأنفال: 52.

[21] تفسير الطبري (13/ 19).

[22] تفسير ابن كثير (8/ 108).

[23] يونس:65.

[24] هود:66.

[25] تفسير أسماء الله الحسنى، (ص: 94-95).

[26] الماوردي، النكت والعيون، (2/ 135).

[27] شرح وأسرار الأسماء الحسنى للشيخ هانى حلمي.

[28] الحج: 78.

[29] النساء: 28.

[30] تفسير القرطبي (16/ 16)، بتصرف.

[31] تفسير البيضاوي (5/ 79).

[32] الأنبياء: 26-27.

[33] العبودية، (ص 75).

[34] مدراج السالكين، (ص 430).

[35] تفسير أسماء الله الحسنى، (ص 226).

[36] الأنفال:2.

[37] تفسير المنار (9/ 492).

[38] الزمر:23.

[39] تفسير ابن كثير (7/ 84).

[40] الزمر: 36.

[41] النجم:58.

[42] المائدة:118. الألباني، صحيح ابن ماجه، رقم: (1118).

[43] جلسات رمضانية (4/ 32).

[44] الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية، (1/ 6-7).

[45] الملك: 14.

[46] انظر: القواعد الحسان لتفسير القرآن، (ص: 53).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الله لطيف بعباده.. عبادة الشكوى وماذا يخبئ لنا القدر!
  • أخي المبتلى .. الله لطيف بعباده
  • الله لطيف بعباده (خطبة)
  • الله لطيف بعباده

مختارات من الشبكة

  • من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (اللطيف، الخبير)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شكر الله بعد كل عبادة، عبادة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اسم الله اللطيف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في أفياء قوله تعالى (الله لطيف بعباده)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الله لطيف بعباده(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المزيد في شرح كتاب التوحيد لخالد بن عبدالله المصلح(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • اكتشف أبناءك كما اكتشف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إزالة الغفلة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • الدعوة الاسلامية في كوريا الجنوبية لوون سوكيم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العلم عبادة ورسالة لبناء الإنسان والمجتمع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة مهنية تبحث دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الإسلامي
  • مسلمو ألميتيفسك يحتفون بافتتاح مسجد "تاسكيريا" بعد أعوام من البناء
  • يوم مفتوح بمسجد بلدة بالوس الأمريكية
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد
  • اختتام مؤتمر دولي لتعزيز القيم الأخلاقية في مواجهة التحديات العالمية في بلقاريا
  • الدورة العلمية الثانية لتأهيل الشباب لبناء أسر مسلمة في قازان
  • آلاف المسلمين يشاركون في إعادة افتتاح أقدم مسجد بمدينة جراداتشاتس
  • تكريم طلاب الدراسات الإسلامية جنوب غرب صربيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 28/4/1447هـ - الساعة: 15:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب