• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تذكرة النبلاء بحياء سيد الأتقياء صلى الله عليه ...
    السيد مراد سلامة
  •  
    تخريج حديث: «لا يبول في مستحمه، فإن عامة الوسواس ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    وقفات تربوية مع سورة الكافرون (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    وقفات ودروس من سورة آل عمران (5)
    ميسون عبدالرحمن النحلاوي
  •  
    خطبة: احتساب الثواب والتقرب لله عز وجل (باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    البحوث القرآنية في مجلة كلية الدراسات الإسلامية ...
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    الابتسامة (خطبة)
    د. خالد بن حسن المالكي
  •  
    کشف الغطاء عن حال عشرة أحادیث باطلة في ذم النساء ...
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    الأحكام الفقهية للممارسات الجنسية الممنوعة في ...
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اللغة من أدلة إثبات وجود الخالق جل وعلا
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    الفتور داء خطير (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    "المعوقين"
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    ثاني اثنين (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    الخلاف شر
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    بم تدرك الصلاة: الفرع الثالث: كيفية وجوب القضاء
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: مصادر التلقي
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

وقفات ودروس من سورة آل عمران (5)

وقفات ودروس من سورة آل عمران (5)
ميسون عبدالرحمن النحلاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/10/2025 ميلادي - 27/4/1447 هجري

الزيارات: 85

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وقفات ودروس من سورة آل عمران (5)

وقفات في قلب سورة آل عمران (2)

 

معالم في سياق السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين؛ أما بعد:

فقد كنا قد أنهينا في الحلقة السابقة الوقفةَ الأولى في قلب السورة وتناولنا فيها قصة آل عمران، وما تنطوي عليه من عبر وعظات ودروس إلهية في صلب عقيدة التوحيد، ونتناول في هذه الحلقة الوقفتين الثانية والثالثة.

 

الوقفة الثانية: مباهلة وفد نصارى نجران... دروس في الثبات العقائدي:

أولًا: حقيقة خلق عيسى عليه السلام:

يوجز لنا الله عز وجل في هذه الوقفة أهم أساس عقائدي في قصة سيدنا عيسى عليه السلام، في الرد على نصارى نجران الذين احتجوا على ألوهية سيدنا عيسى – والعياذ بالله - بأنه لا يمكن أن يوجد إنسان بلا أب؛ فأنزل الله تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [آل عمران: 59، 60].

 

يقول ابن كثير: نزلت هذه الآية في وفد نجران وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك تشتم صاحبنا؟ قال: وما أقول؟ قالوا: تقول إنه عبدالله، قال: أجَل، هو عبدالله ورسوله وكلمته، ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فغضِبوا وقالوا: هل رأيت إنسانًا قط من غير أب؟ فأنزل الله تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 59] في قدرة الله تعالى حيث خلقه من غير أبٍ، ﴿ كَمَثَلِ آدَمَ ﴾ [آل عمران: 59]، فإن الله تعالى خلقه من غير أب ولا أم، بل ﴿ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59]، والذي خلق آدم قادر على خلق عيسى بطريق الأولى والأحرى، وإن جاز ادعاء البنوة في عيسى بكونه مخلوقًا من غير أب، فجواز ذلك في آدم بالطريق الأولى، ومعلوم بالاتفاق أن ذلك باطل، فدعواها في عيسى أشد بطلانًا وأظهر فسادًا، ولكن الرب عز وجل أراد أن يُظهر قدرته لخلقه، حين خلق آدم لا من ذكَر ولا من أنثى، وخلق حوَّاء من ذكَر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكَر، كما خلق بقية البرية من ذكر وأنثى؛ ولهذا قال تعالى في سورة مريم 21: ﴿ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ﴾ [مريم: 21]؛ [تفسير البغوي/ ابن كثير].

 

ثانيًا: مباهلة وفد نجران:

المباهلة هي الملاعنة، والدعاء على الطرف الآخر بالدمار والهلاك، والمقصود منها أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء، فيقولوا: لعنة الله على الظالم منا.

 

صفة قدوم وفد نجران:

وكان سبب نزول هذه المباهلة وما قبلها من أول السورة إلى هنا، أن النصارى حين قدموا فجعلوا يحاجُّون في عيسى، ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة والإلهية، فأنزل الله صدر هذه السورة إلى بضع وثمانين آية منها؛ ردًّا عليهم؛ كما ذكره الإمام محمد بن إسحاق بن يسار وغيره.

 

قال ابن إسحاق: "وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، قال: قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة (أي وفد نجران)، فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات؛ جُبَب وأردية، في جمال رجال بني الحارث بن كعب، قال: يقول بعض من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ما رأينا بعدهم وفدًا مثلهم، وقد حانت صلاتهم، فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوهم فصلوا إلى المشرق، قال: فكلَّم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة، والعاقب عبدالمسيح، أو السيد الأيهم، وهم من النصرانية على دين الملِك، مع اختلاف أمرهم، يقولون: هو الله، ويقولون: هو ولد الله، ويقولون: هو ثالث ثلاثة، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، وكذلك قول النصرانية، فهم يحتجون في قولهم: هو الله بأنه كان يحيي الموتى، ويبرئ الأسقام، ويُخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طيرًا، وذلك كله بأمر الله، وليجعله آية للناس، ويحتجون في قولهم بأنه ابن الله، يقولون: لم يكن له أب يُعلم، وقد تكلم في المهد بشيء لم يصنعه أحد من بني آدم قبله، ويحتجون في قولهم بأنه ثالث ثلاثة، بقول الله تعالى: فعلنا، وأمرنا، وخلقنا، وقضينا، فيقولون: لو كان واحدًا ما قال إلا: فعلت وقضيت وأمرت وخلقت، ولكنه هو وعيسى ومريم وفي كل ذلك من قولهم قد نزل القرآن، فلما كلمه الحَبْرَان قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلِما، قالا: قد أسلمنا، قال: إنكما لم تسلما فأسلِما، قالا: بلى، قد أسلمنا قبلك، قال: كذبتما، يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولدًا، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير، قالا: فمن أبوه يا محمد؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فلم يُجبهما، فأنزل الله في ذلك من قولهم، واختلاف أمرهم، صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها"؛ [انتهى].

 

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم عرض المباهلة على القوم، فهل قبلوا بها؟

 

الأمر بالمباهلة:

﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ [آل عمران: 61].

 

ثم أنزل الله تعالى هذه الآية آمرًا رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يباهل من عاند الحق في أمر عيسى بعد ظهور البيان، فقال: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ﴾ [آل عمران: 61]؛ أي: نحضرهم في حال المباهلة، ﴿ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ [آل عمران: 61]؛ أي: نلتعن فنجعل لعنة الله على الكاذبين؛ أي: منا أو منكم.

 

وكان أن أحضر الرسول صلى الله عليه وسلم سيدنا عليًّا وسيدتنا فاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهما إلى المباهلة؛ كما جاء في حديث مسلم؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أما أخذه عليًّا وفاطمة والحسن والحسين في المباهلة، فحديث صحيح رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص، قال في حديث طويل: لما نزلت هذه الآية: ﴿ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ﴾ [آل عمران: 61]، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا وفاطمة وحسنًا وحسينًا، فقال: اللهم هؤلاء أهلي"؛ [انتهى].

 

رفض وفد النصارى الدخول في المباهلة:

ويتابع ابن إسحاق في التفسير: "فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من الله، والفصل من القضاء بينه وبينهم، وأمر بما أمر به من ملاعنتهم إن ردوا ذلك عليه، دعاهم إلى ذلك، فقالوا: يا أبا القاسم، دعنا ننظر في أمرنا، ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه، فانصرفوا عنه، ثم خلَوا بالعاقب، وكان ذا رأيهم، فقالوا: يا عبدالمسيح، ماذا ترى؟ فقال: والله يا معشر النصارى، لقد عرَفتم أن محمدًا لَنبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم أنه ما لاعن قومٌ نبيًّا قط فبقيَ كبيرهم، ولا نبت صغيرهم، وإنه لَلاستئصالُ منكم إن فعلتم، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلفَ دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم، فوادِعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم، فأتَوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم، قد رأينا ألَّا نلاعنك، ونتركك على دينك، ونرجع على ديننا، ولكن ابعث معنا رجلًا من أصحابك ترضاه لنا، يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها من أموالنا، فإنكم عندنا رضًا، قال محمد بن جعفر: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتوني العشية أبعث معكم القوي الأمين، فكان عمر بن الخطاب يقول: ما أحببتُ الإمارة قط حبي إياها يومئذٍ، رجاء أن أكون صاحبها، فرحت إلى الظهر مهجرًا، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سلَّم، ثم نظر عن يمينه وعن يساره، فجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح، فدعاه: اخرج معهم، فاقضِ بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه، قال عمر: فذهب بها أبو عبيدة رضي الله عنه"؛ [تفسير ابن كثير].

 

خلاصة الحدث: جِلاء الحق وسطوعه: ﴿ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 62]:

﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ ﴾ [آل عمران: 62، 63].

 

فهذا الذي قصصناه عليك يا محمدُ في شأن عيسى هو الحق الذي لا معدل عنه ولا محيد، فالله واحد لا ثاني له ولا ثالث، ولا والد له ولا ولد، فمن تولى عن هذا إلى غيره فإن الله عليم بالمفسدين؛ أي: من عدل عن هذا الحق إلى الباطل فهو المفسد، والله عليم به، وسيجزيه على ذلك شر الجزاء، وهو القادر، الذي لا يفوته شيء، سبحانه وتعالى عما يشركون.

 

ثالثًا: دروس في الثبات العقائدي:

ركائز في المواجهة الفكرية:

مجادلة النصارى واليهود والمشركين قديمة قدم رسل الله عليهم السلام، وما نواجهه اليوم من هذه الجدالات التي أصبح لها طابع تنظيمي أُطلق عليه حوار الأديان، هو شكل من أشكالها.

 

في سورة آل عمران، وفي مفصلية محاورة سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لوفد نجران تحديدًا، نجد تلخيصًا للركائز الأساسية التي تقوم عليها الحوارات العقائدية؛ وهي كما استخلصناها أربعة:

 

أولًا: تحديد المنطلق والمنتهى في المواجهة الحوارية:

المنطلق: طرح العقيدة التي نؤمن بها بوضوح وثبات، والدعوة إليها.

 

المنتهى: ويكون في إعلان الثبات على العقيدة، في حال فضِّ الحوار على غير اتفاق.

 

ثانيًا: تفنيد أغاليط المجادلين بالباطل، ورد حجتهم الواهية بحجة دامغة.


ثالثًا: إقرار ما هو حقٌّ، وإثباته بعد أن تُقام الحجة فتبطل باطل المجادلين في الله بغير حق.


رابعًا: تقصِّي هدف المحاورين، أو المجادلين من وراء جدالهم.

 

عرض الآيات الكريمة لهذه الركائز:

أولًا: المنطلق والمنتهى في المواجهة الحوارية:

المنطلق: طرح العقيدة التي نؤمن بها بوضوح وثبات، والدعوة إليها.


المنتهى: ويكون في إعلان الثبات على العقيدة، في حال فض الحوار على غير اتفاق.


﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64].

 

من المفسرين من قال: إن هذه الدعوة كانت لنصارى نجران، ومنهم من قال: إنها عامة في اليهود والنصارى على حد سواء، وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، كما أورده البخاري عن ابن عباس، عن أبي سفيان، في قصته حين دخل على قيصر، فسألهم عن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صفته ونعته، وما يدعو إليه، فأخبره بجميع ذلك على الجلية، مع أن أبا سفيان كان إذ ذاك مشركًا لم يسلم بعدُ، وكان ذلك بعد صلح الحديبية وقبل الفتح، كما هو مصرح به في الحديث، ولأنه لما قال: هل يغدر؟ قال: فقلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها، قال: ولم يمكني كلمة أزيد فيها شيئًا سوى هذه، والغرض أنه قال: ثم جيء بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه، فإذا فيه: ((بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلامٌ على من اتبع الهدى؛ أما بعد: فأسلم تسلم، وأسلم يؤتِك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثمَ الأريسيين، و﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64]))؛ [تفسير ابن كثير].

 

فالمنطلق هنا هو كلمة "سواء"، وكلمة "سواء" تعني عدل وإنصاف، نستوي نحن وأنتم فيها، وهذه الكلمة هي التي تفصل الخلاف بيننا وبين أصحاب العقائد المشوهة، وتقوم هذه الكلمة على أسسٍ ثلاث؛ هي:

• ﴿ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ [آل عمران: 64]، فنفرده بالعبادة جل شأنه.

 

• ﴿ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: 64]، ولا نعبد معه لا صنمًا ولا طاغوتًا ولا مقدسًا، ولا بشرًا ولا حجرًا ولا شمسًا ولا قمرًا...

 

• ﴿ وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 64]، فلا يؤله بعضنا بعضًا، فلا أعبدك ولا تعبدني، ولا أتبع شريعتك البشرية، ولا تتبع شريعتي البشرية، بل يتوجه كلانا إلى الأخذ بشريعة واحدة؛ هي شريعة الله الواحد الأحد.

 

وبذلك تكون الكلمة السواء هي: شهادة لا إله إلا الله بتطبيقها الكامل.


والمنتهى هنا إعلانُ الثبات على دين الحق: ﴿ اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64]، فبعد الدعوة، إما أن يقبل المحاورون الدخول في دين الحق أو يرفضوا؛ أي: يتولَّوا عن الدعوة ويديروا ظهرهم لها، فإن رضوا فبها ونعمت، وإن تولوا: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64]، فإن تولوا عن هذه الدعوة، عندها تقولون كلمة الفصل دون مواربة ولا مداهنة، ولا يحتاج الأمر إلى ميوعة الدبلوماسية، بل شهادة قاطعة باتَّة: ﴿ اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64]؛ قائمون على إسلامنا الذي شرعه الله لنا وارتضاه.

 

ثانيًا: تفنيد أغاليط المجادلين بالباطل، ورد حجتهم الواهية بحجة دامغة:

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عمران: 65 - 67].

 

من المطبَّات التي يقع فيها المجادلون في دين الله بالباطل، استطرادهم في المجادلة ليصلوا إلى مسائلَ ليس لهم بها من العلم ما يبرر مجادلتهم فيها، وإنما هو الجدل من أجل الجدل والانتصار للهوى، والعياذ بالله.

 

ومثال هذا ما حدث عندما اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديًّا، وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيًّا، فأنزل الله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 65]؛ أي: كيف تدَّعون، أيها اليهود، أنه كان يهوديًّا، وقد كان زمنه قبل أن ينزل الله التوراة على موسى؟ وكيف تدَّعون، أيها النصارى، أنه كان نصرانيًّا، وإنما حدثت النصرانية بعد زمنه بدهرٍ؟ ولهذا قال: ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 65]، ثم يا هؤلاء أنتم جادلتم فيما لكم به علم؛ يعني في أمر موسى وعيسى، وادَّعيتم أنكم على دينهما وقد أُنزلت التوراة والإنجيل عليكم، فلِم تحاجون فيما ليس لكم به علم، وليس في كتابكم أنه كان يهوديًّا أو نصرانيًّا، وقيل: ﴿ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [آل عمران: 66]؛ يعني في أمر محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم وجدوا نعته في كتابهم، فجادلوا فيه بالباطل، فلمَ تحاجون في إبراهيم وليس في كتابكم، ولا علم لكم به؟ ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 66]؛ [ابن كثير عن ابن عباس].

 

ثالثًا: إقرار ما هو حق وإثباته بعد أن تُقام الحجة، فتُبطل باطل المجادلين في الله بغير حق:

﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 68].

 

فبعد أن فنَّد لهم الله جل في علاه بطلان جدالهم في إبراهيم عليه السلام، وتجاذبهم له بين نصراني ويهودي، بيَّن لهم ما هو الحق بشأنه، فليس اليهود هم أتباعه، ولا النصارى، وإنما المسلمون ونبيهم الذين اتبعوه على دين التوحيد، واتخذوا من دينه دينًا لهم: ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 68].

 

رابعًا: تقصي هدف المحاورين، أو المجادلين من وراء جدالهم:

أهل الكتاب لا يحاورون ويجادلون إلا بغرض الإضلال ورد المسلمين عن دينهم، ومن النادر، إن لم يكن معدومًا، أن تجد منهم من يجادل في سبيل الوصول إلى الحقيقة، وهذا ما يخبرنا به الله عز وجل، في قوله:

﴿ وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [آل عمران: 69].

 

يقول السعدي في تفسيره: "يحذر تعالى عباده المؤمنين عن مكر هذه الطائفة الخبيثة من أهل الكتاب، وأنهم يودُّون أن يضلوكم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا ﴾ [البقرة: 109]، ومن المعلوم أن من ود شيئًا سعى بجهده على تحصيل مراده، فهذه الطائفة تسعى وتبذل جهدها في رد المؤمنين، وإدخال الشُّبَه عليهم بكل طريق يقدرون عليه، ولكن من لطف الله أنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله؛ فلهذا قال تعالى: ﴿ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ﴾ [آل عمران: 69]، فسعيُهم في إضلال المؤمنين زيادة في ضلال أنفسهم وزيادة عذاب لهم؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ ﴾ [النحل: 88]، ﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [آل عمران: 69] بذلك أنهم يسعون في ضرر أنفسهم وأنهم لا يضرونكم شيئًا؛ [انتهى].

 

وقد جاء في تفسير القرطبي أن هذه الآية نزلت في معاذ بن جبل وعمار بن ياسر؛ يقول القرطبي: "نزلت في معاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر، حين دعاهم اليهود من بني النضير وقريظة وبني قينقاع إلى دينهم، وهذه الآية نظير قوله تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا ﴾ [البقرة: 109]، و(مِن) على هذا القول للتبعيض، وقيل: جميع أهل الكتاب، فتكون (مِن) لبيان الجنس"؛ [انتهى].

 

وتذكرنا هذه الآية بالتحذير الإلهي الذي ورد في سورة البقرة من هؤلاء القوم وأهدافهم الخبيثة؛ في قوله تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109]، فأخبرنا أنهم قوم يحكمهم الغل والحسد، لا يمكن أن يتمنوا الخير للمسلمين أبدًا، لا يمكن، بل إن كثيرًا منهم همتهم في جعل المسلمين يرتدون كفارًا، والدافع: الحقد والحسد، خاصة بعد أن علموا أن المسلمين على حقٍّ، وأن دينهم هو الدين الذي تحيا به البشرية، وسيبقى هذا دأبهم إلى أن تقوم الساعة.

 

الوقفة الثالثة: بسط في عقائد وسلوكيات أهل الكتاب وموقفهم الأزلي من المسلمين:

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ * وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 70 - 78].

 

 

هم قوم مغالطون مكذِّبون بالحق، وإن كان لديهم واضحًا كوضوح الشمس:

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾ [آل عمران: 70]، فيخاطبهم به سبحانه منكرًا عليهم كفرهم: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾ [آل عمران: 70]؛ أي: بصحة الآيات التي عندكم في كتبكم؛ عن قتادة والسدي، وقيل: المعنى: وأنتم تشهدون بمثلها من آيات الأنبياء التي أنتم مقرون بها؛ [القرطبي].

 

مهنتهم تلبيس الحق بالباطل على علمٍ:

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 71]، وهذا ما نهاهم عنه الله عنهم في سورة البقرة: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 42].

 

بارعون في الخداع المُمنهج لزرع الشك في قلوب المسلمين بدينهم: ﴿ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [آل عمران: 72]؛ وهذا الأسلوب الماكر يتبعه أعداء الإسلام على مر الزمان، وقد سنَّ سنته بني يهود، وملخصه أن تخدع الطرف الآخر فتوهمه أنك صدقته في دعوته، وتتبعه شيئًا من الزمن، ثم ترتد عنه، وتعود إلى طريقتك، لينتشر بين الناس أن هذا العالِم أو المتحضِّر الذي له السبق في العلم والحضارة، لا بد أنه وجد نقصًا في الطريقة الجديدة التي اتبعها شيئًا من الزمن، ولذلك ارتدَّ عنها، فيزرع الشك في قلوب المتبعين للطريقة الجديدة من جهة، ولمن يفكر في اتباعهم من جهة أخرى.

 

المكر، والحسد من خصائصهم المتجذرة في قلوبهم:

﴿ وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [آل عمران: 73، 74]، واليهود يتواصَون بكتمان ما جاءهم من العلم، وبما يعلمون من أمور الدين الصحيح الذي أنزله الله عليهم، فلا يُظهروه للمسلمين حتى لا يؤمنوا به ويحتجوا به عليهم، ويرتفع قدرهم عند الله.

 

يقول ابن كثير: "وقوله: ﴿ وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ﴾ [آل عمران: 73]؛ أي: لا تطمئنوا وتُظهروا سركم وما عندكم إلا لمن تبع دينكم، ولا تظهروا ما بأيديكم إلى المسلمين، فيؤمنوا به ويحتجوا به عليكم، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 73]؛ أي: هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتم الإيمان، بما ينزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات، والدلائل القاطعات، والحُجج الواضحات، وإن كتمتم - أيها اليهود - ما بأيديكم من صفة محمد في كُتُبكم التي نقلتموها عن الأنبياء الأقدمين، وقوله: ﴿ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ ﴾ [آل عمران: 73]؛ يقولون: لا تُظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين، فيتعلموه منكم، ويساووكم فيه، ويمتازوا به عليكم لشدة الإيمان به، أو يحاجوكم به عند الله؛ أي: يتخذوه حجة عليكم مما بأيديكم، فتقوم به عليكم الدلالة، وتتركب الحُجة في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [آل عمران: 73]؛ أي: الأمور كلها تحت تصريفه، وهو المعطي المانع، يمُن على من يشاء بالإيمان والعلم والتصور التام، ويضل من يشاء ويعمي بصره وبصيرته، ويختم على سمعه وقلبه، ويجعل على بصره غشاوة، وله الحجة والحكمة، ﴿ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 73]"؛ [انتهى].

 

ومن خِصالهم استحلال سرقة أموال المسلمين:

﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 75].

 

وهذا إخبار من الله عز وجل عن اليهود بأن فيهم الخونة، وتحذير المؤمنين من الاغترار بهم، فإن منهم ﴿ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ ﴾ [آل عمران: 75] من المال ﴿ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ﴾ [آل عمران: 75]، وما دونه بطريق أولى أن يؤديه إليك، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ﴾ [آل عمران: 75]، فلا يؤده إلا بالمطالبة والملازمة والإلحاح في استخلاص حقك، وإذا كان هذا صنيعه في الدينار، فما فوقه أولى ألَّا يؤديه.

 

وسبب ذلك أنهم يقولون: ليس علينا في ديننا حرجٌ في أكل أموال الأميين؛ وهم العرب، فإن الله قد أحلها لنا؛ فكذبهم الله تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 75]؛ أي: وقد اختلقوا هذه المقالة، وائتفكوا بهذه الضلالة، فإن الله حرَّم عليهم أكل الأموال إلا بحقها، وإنما هم قوم بُهتٌ.

 

عن سعيد بن جبير قال: "لما قال أهل الكتاب: ﴿ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ﴾ [آل عمران: 75]، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: كذب أعداء الله، ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدميَّ هاتين إلا الأمانة، فإنها مؤدَّاة إلى البَر والفاجر"؛ [تفسير ابن كثير].

 

ويرد الله عز وجل عليهم قولهم؛ فيقول جل في علاه: ﴿ بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 76، 77].

 

فالأمر ليس كما تزعمون أنه ليس عليكم في الأميين حرج، بل عليكم في ذلك أعظم الحرج وأشد الإثم، فمن أوفى بعهده واتقى، والعهد يشمل العهد الذي بين العبد وبين ربه، وهو جميع ما أوجبه الله على العبد من حقه، ويشمل العهد الذي بينه وبين العباد، والتقوى تكون في هذا الموضع، ترجع إلى اتقاء المعاصي التي بين العبد وبين ربه، وبينه وبين الخَلق، فمن كان كذلك فإنه من المتقين الذين يحبهم الله تعالى، سواء كانوا من الأميين أو غيرهم، فمن قال ليس علينا في الأميين سبيل، فلم يوفِّ بعهده ولم يتَّقِ الله، فلم يكن ممن يحبه الله، بل ممن يبغضه الله، وإذا كان الأميُّون قد عُرفوا بوفاء العهود وبتقوى الله، وعدم التجرئ على الأموال المحترمة، كانوا هم المحبوبين لله، المتقين الذين أُعدت لهم الجنة، وكانوا أفضل خلق الله وأجلَّهم، بخلاف الذين يقولون: ليس علينا في الأميين سبيل، فإنهم داخلون في قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾ [آل عمران: 77]، ويدخل في ذلك كل من أخذ شيئًا من الدنيا في مقابلة ما تركه من حق الله أو حق عباده، وكذلك من حلف على يمين يقتطع بها مالَ معصومٍ، فهو داخل في هذه الآية، فهؤلاء ﴿ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ﴾ [آل عمران: 77]؛ أي: لا نصيب لهم من الخير، ولا يكلمهم الله يوم القيامة؛ غضبًا عليهم وسخطًا؛ لتقديمهم هوى أنفسهم على رضا ربهم، ﴿ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ﴾ [آل عمران: 77]؛ أي: يطهرهم من ذنوبهم، ولا يزيل عيوبهم، ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 77]؛ أي: موجِع للقلوب والأبدان، وهو عذاب السخط والحجاب، وعذاب جهنم، نسأل الله العافية"؛ [تفسير السعدي].

 

الخداع في نقل العلم:

﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 78].

 

وتبديل كلام الله عز وجل وتحريفه وتأويله على غير المعنى والمقصد الحقيقي له، كانت صنعة اليهود التي برعوا فيها، فجعلوا من التوراة ألعوبةً تعصف بها أهواؤهم، فما كان موافقًا لهواهم ومصلحتهم، أقرُّوه، وما كان في تحريفه الفائدة والنصرة لهم، عمِلوا عليه.

 

واليوم، وللأسف نجد هذه الصنعة وقد امتهنها كثير من مدَّعي العلم من المسلمين في هذه الأيام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

روى البخاري عن ابن عباس: أنهم يحرفون ويزيدون وليس أحد من خلق الله يزيل لفظ كتاب من كتب الله، لكنهم يحرفونه: يتأولونه على غير تأويله.

 

وقال وهب بن منبه: إن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله لم يُغيَّر منهما حرف، ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل، وكُتُبٍ كانوا يكتبونها من عند أنفسهم، ﴿ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 78]، فأما كتب الله فإنها محفوظة ولا تُحوَّل، والله أعلم؛ [تفسير ابن كثير].

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

يتبع...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (1)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (2)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (3)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (4)

مختارات من الشبكة

  • وقفات تربوية مع سورة الكافرون (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة الكوثر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة قريش (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة الماعون (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة الفيل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة العصر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة الهمزة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة التكاثر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع اسم الله الستير (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع قوله تعالى: (فصل لربك وانحر)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح بمسجد بلدة بالوس الأمريكية
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد
  • اختتام مؤتمر دولي لتعزيز القيم الأخلاقية في مواجهة التحديات العالمية في بلقاريا
  • الدورة العلمية الثانية لتأهيل الشباب لبناء أسر مسلمة في قازان
  • آلاف المسلمين يشاركون في إعادة افتتاح أقدم مسجد بمدينة جراداتشاتس
  • تكريم طلاب الدراسات الإسلامية جنوب غرب صربيا
  • ختام الندوة التربوية لمعلمي رياض الأطفال المسلمين في البوسنة
  • انطلاق سلسلة محاضرات "ثمار الإيمان" لتعزيز القيم الدينية في ألبانيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 26/4/1447هـ - الساعة: 15:0
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب