• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (40) «كن في ...
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    آية الكرسي
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    أسباب النصر وشرائطه (خطبة)
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    حسن الخلق (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    تعظيم قدر الصلاة (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    تعظيم الله وتقديره
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    فضل التيسير على الناس وذم الجشع (خطبة)
    خالد سعد الشهري
  •  
    معرفة الصحابة لمنزلة القرآن وإدراكهم لمقاصده ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    من مائدة الحديث: الأعمال التي يجري نفعها بعد
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    إلى ماذا ندفع أبناءنا؟ - قصة واقعية
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    هل أنا من المنافقين؟
    فارس محمد علي محمد
  •  
    السماحة في التعاملات المالية في الإسلام (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    بيع العربون
    عبدالرحمن بن يوسف اللحيدان
  •  
    لماذا ينتشر الإلحاد؟؟..
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    النهي عن حصر أسماء الله تعالى وصفاته بعددٍ معين
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

تعظيم الله وتقديره

تعظيم الله وتقديره
د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/10/2025 ميلادي - 22/4/1447 هجري

الزيارات: 140

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تعظيم الله وتقديره

 

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾[1].

 

تمهيد:

إن الحديثَ عن تعظيم الله تعالى حق تعظيمه، وتقديره حق قدره بحرٌ لا ساحل له، وخطى في طريق لا منتهى لمداه، ولا يساورني أدنى شك البتة أني لن أوفي الموضوع حقه من عرض وبيان الملامح التربوية المستنبطة من الآية موضوع المقال، وشرف لي وفخر لا يدانيه فخر أن قدحَ في ذهني البدء في كتابة هذا المقال، ووجدت معونة منه سبحانه وعزمًا وتوفيقًا في الكتابة فيه، فاللهم لك الحمد كما تحب وترضى، وأسأله بمنه وكرمه وإحسانه أن يسددني ويجعله خالصًا لوجهه وابتغاء مرضاته.

 

هناك آيتان أخريان تتشابهان مع موضوع آية المقال: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾، وهما:

الأولى: قال تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾[2].

 

قال ابن باز رحمه الله: والآية عامّة، تَعمّ قريشًا وغيرهم، كل مَن قال هذه المقالة ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 91] تَعمّ جميع الكفرة الذين قالوا هذه المقالة من قريشٍ وغيرهم، ما عظَّموا الله حقَّ تعظيمه، وما قدروه حقَّ قدره إذ اتَّهموه بأنَّه أهمل الناس، وترك الناسَ على ضلالهم وعماهم من غير رسلٍ ولا كتبٍ، بل هذا من ظن السّوء؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 91].

 

الثانية: قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِي ﴾[3].


قال البغوي رحمه الله: " ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ ما عظموه حق عظمته، وما عرفوه حق معرفته، ولا وصفوه حق صفته إن أشركوا به ما لا يمتنع من الذباب ولا ينتصف منه، ﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾"[4].

 

أقوال العلماء في تفسير الآية موضوع المقال:

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "قوله: "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ"؛ قال: هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم، فمن آمن أن الله على كل شيء قدير، فقد قدر الله حقّ قدره، ومن لم يؤمن بذلك، فلم يقدر الله حقّ قدره"[5].


وقال ابن كثير رحمه الله: "وما قدر المشركون الله حق قدره، حين عبدوا معه غيره، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، القادر على كل شيء، المالك لكل شيء، وكلُّ شيء تحت قهره وقدرته"[6].

 

وقال ابن باز رحمه الله: هذه الآية العظيمة تبين عِظَم قدرته، وأنه الخلاق العليم، وأنه يطوي السماوات ويقبض الأرض، فدل ذلك على عِظَم قدرته، ومن كان بهذه المثابة فهو حري بأن يُعْبَد ويطاع ويعظّم، وهو الذي له الكمال في أسمائه وصفاته وأفعاله، لا شبيه له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه، فالله جل وعلا له الصفات العليا والأسماء الحسنى، وهو سبحانه الخلاق الرزاق، وهو سبحانه أيضا المستحق للعبادة.

 

الملامح التربوية التي تُسهم بعون الله تعالى في تعظيم الله تعالى:

أولاً: الجهلُ بوحدانية الله عز وجل وقدرته وعظمته من أعظم الجهل، حتى لو كان أعلم أهل الأرض بعلوم الدنيا وفنونها، ولم يتعرف على الله تعالى، فلا ينفعه ذلك، فالإنسان بجهله لمعرفة الله يصبح تائهًاحائراً، وقد يجد الشيطان فرصةً سانحةً لإغوائه بالكلية، حتى يؤدي به للكفر والعياذ بالله، وهذا هو الهدف الأساس الذي يسعى إليه شياطين الجن والإنس، فالحذر ثم الحذر من الجهل بعظمة الله وقدرته، فهي طريق ممهد للضلال والإضلال، والبِدار ثم البِدار في العناية التامة بأخذ الوسائل المتاحة، وما أكثرها! لمعرفة عظمة الله تعالى وتقديره حقّ قدره من أهل العلم الثقات المعروفين بالصلاح والتقوى.

 

ولابن القيم رحمه الله كلامًامهمًاعن معرفة الله تعالى إذ قال: "فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب سبحانه في القلب، وأعرف الناس به أشدهم له تعظيمًا وإجلالًا، وقد ذمّ الله تعالى من لم يعظمه حقَّ عظمته، ولا عرفه حق معرفته، ولا وصفه حق صفته؛ قال تعالى: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾[7]. قال ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهم: لا ترجون لله عظمة. وقال سعيد بن جبير رحمه الله: ما لكم لا تُعظمون الله حقَّ عظمته. وروح العبادة هو الإجلال والمحبة، فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت"[8].

 

وهناك مثال واضح يردده الدعاة في محاضراتهم ودروسهم لأبيات شعرية منسوبة للشاعر: "إليا أبو ماضي" توضح مدى الضياع والحيرة التي عاشها، ولا شك أن مرد ذلك الجهل المطبق بمعرفة الله عز وجل، إذ قال:

جِئتُ لا أَعلَمُ مِن أَين وَلَكِنّي أَتَيتُ
وَلَقَد أَبصَرتُ قُدّامي طَريقًافَمَشَيتُ
وَسَأَبقى ماشِيًاإِن شِئتُ هَذا أَم أَبَيتُ
كَيفَ جِئتُ كَيفَ أَبصَرتُ طَريقي لَستُ أَدري[9]

 

وهذه الأبيات تصور مدى ضياع الإنسان عندما يجهل عظمة الله تعالى، فإنه يعيش حالة من التيه والشقاء، فمن لم يهتدِ بنور الله فماله من نور، وصدق الله العظيم: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾[10]. قال ابن كثير رحمه الله: "من لم يهده الله فهو هالك جاهل حائر بائر كافر، كما قال تعالى: ﴿ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾[11]"[12]. وجميل مقولة: "من وجد الله فماذا فقد، ومن فقد الله فماذا وجد". وكذلك مقولة: "من عرف الله تفانى في عبادته، ومن لم يعرف الله تفنن في عصيانه".


ثانياً: التعرف على الله من أقوى مداخل معرفة الله تعالى؛ التعرف على أسمائه الحسنى وصفاته العليا. قال ابن القيم رحمه الله: "وليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة باريها وفاطرها، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلَمَ، كان بالله أعرف، وله أطلب، وإليه أقرب، وكلما كان لها أنكر، كان بالله أجهل، وإليه أكره، ومنه أبعد"[13].


ثالثاً: توجد نصوص شرعية ثابتة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بما ورد من أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، وقد تناولها العلماء بالشرح والبيان، قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[14]، وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا مِئَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ"[15]. قال ابن باز رحمه الله: هذا من أحاديث الوعد، من أحاديث الفضائل، وفيه حث على العناية بأسماء الله، وتدبرها حفظًا وإحصاء؛ حتى يستفيد من هذه المعاني العظيمة، وحتى يكون هذا من أسباب خشوعه لله، وطاعته له، والقيام بحقه سبحانه وتعالى، وهي من أسباب دخول الجنة لمن حفظها، وأدى حق الله، ولم يغْشَ الكبائر، أما من غشي الكبائر من المعاصي؛ فهو معرضٌ لوعيد الله، وتحت مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة.

 

رابعاً: إن من توفيق الله تعالى للعبد دلالته للخير مطلقاً، ومن أعظم التوفيق دلالته على التعرف عليه جل جلاله؛ لأن ذلك مدعاةٌ للقرب منه ومناجاته في كل وقت وحين، وليعلم المسلم أنه كلما ازداد عناية ومعرفة بالله تعالى زاد إيمانه وارتقى، وكلما زاد إيمانه وارتقى زاد تعظيمه لله، وكلما زاد تعظيمه لله زادت عبوديته، وهذا هو الشرف الأعظم والمقصد الأسنى من خلق الإنسان، أن يوحده حق توحيده ويخلص العبادة له وحده سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾[16].


خامساً: إذا تمكن تعظيم الله تعالى في قلب العبد امتلأ قلبه خشية منه ومهابة له، فهناك تلازم قوي بين تعظيم الله تعالى وبين خشيته سبحانه، فمن عَظَّم الله حق عظمته كانت خشيته في السر كخشيته علانية، بل قد يكون في سره متذللًامنكسرًامن شدة خشيته ولا يُظهر ذلك أمام الناس خشية الرياء، ولذلك ذم الله تعالى الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون منه سبحانه عند ارتكاب المحرمات، فهم أشد خشية للناس من الله تعالى المطلع على سرائرهم وعلانيتهم، قال تعالى ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾[17].


قال السعدي رحمه الله: "وهذا من ضعف الإيمان، ونقصان اليقين، أن تكون مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم، وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم"[18].

 

سادساً: من فضل الله وكرمه وإحسانه بعباده أنهم إذا حققوا الخشية له سبحانه، فقد أعد لهم ما لا يُحصى من الخير والفضل العظيم. قال تعالى: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [19]. قال ابن عثيمين رحمه الله: "وقوله: ﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ [ق: 33]، ﴿ مَنْ ﴾ هذه بدل مما سبقها، ﴿ خَشِيَ الرَّحْمَنَ ﴾ أي: خَافَهُ عن علم وبصيرة؛ لأن الخشية لا تكون إلا بعلم، الدليل قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾[20]، فهي خشية، أي: خوف ورهبة وتعظيم لله عز وجل؛ لأنها صادرة عن علم، والخشية لها معنيان؛ المعنى الأول: أنه خشي الرحمن مع أنه لم يَرَهُ، لكن رأى آياته الدالة عليه، والمعنى الثاني: خَشِيَهُ بالغيب، أي: بغَيْبَتِه عن الناس، يخشى الله وهو غائب عن الناس؛ لأن من الناس مَن يخشى الله إذا كان بين الناس، وأما إذا انفرد فإنه لا يخشى الله"[21].

 

سابعاً: من مظاهر تعظيم الله تعالى؛ العناية التامة باتباع أوامره واجتناب نواهيه، وكلما كان الإنسان مُعَظِّمًالله تعالى زاد تعظيمًالأوامره وشعائره التعبدية، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾[22]. قال ابن كثير رحمه الله: "﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾، أي: أوامره، ﴿ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾"[23]. وقال السعدي رحمه الله: "تعظيمُ شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يُبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأن تعظيمَها، تابع لتعظيم الله وإجلاله"[24].

 

ثامناً: من أعظم العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه عز وجل ويحرص الشيطان على صده عنها؛ الصلاة، فهي الركن العملي لأركان الإسلام، وهي صلة بين العبد وخالقه جل جلاله، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾[25]. وقد جاء القرآن الكريم والسنة المطهرة ببيان الوسائل المناسبة لصد كيد الشيطان ووسوسته في سائر العبادات وفي الصلاة تحديداً، قال تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾[26]. قال البغوي رحمه الله: "وأصل الخشوع السكون قال الله تعالى: ﴿ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾[27]"[28]. فالخاشع ساكن إلى طاعة الله تعالى. وقال السعدي رحمه الله: "إن الخشوع، وخشيةَ الله ورجاء ما عنده يوجب له فعلها منشرحًاصدره لترقبه للثواب، وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك، فإنه لا داعي له يدعوه إليها، وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه"[29].

 

وكلما زاد الإنسان تعظيمًالله تعالى زاد خشوعًافي صلاته وانصرف الشيطان عنه، وكانت له نورًافي حياته كلها، وعاش معها وبها راحة واطمئناناً، وصدق الله العظيم: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾[30]. قال الشنقيطي رحمه الله: "ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الشيطان لما توعد بأنه سيضل أكثر بني آدم، استثنى من ذلك عباد الله المخلصين، معترفًابأنه لا قدرة له على إضلالهم"[31].

 

تاسعًا: توجد علاقة قوية للغاية بين القرآن الكريم وتعظيم الله تعالى حق عظمته وتقديره حق قدره، فالقرآن الكريم كلام الله تعالى، وأعظم كتبه، وفيه من الفضائل ما لا يحصى، بل هو مَعين لا ينضب من الغنائم والخيرات في كل مجال واتجاه، قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾[32]. قال الشنقيطي رحمه الله: "ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة: أن هذا القرآن العظيم الذي هو أعظم الكتب السماوية، وأجمعها لجميع العلوم، وآخرها عهدًابرب العالمين جلَّ وعلا يهدي للتي هي أقوم، أي: الطريق التي هي أسد وأعدل وأصوب، وأقوم الحالات، وهي توحيد الله والإيمان برسله. وهذه الآية الكريمة أجمل الله جلَّ وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها، لو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم، لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة[33].

 

عاشراً: إن هدايةَ القرآن الكريم والانتفاع بما فيه من خير عظيم لا يحصل لكل أحد، فقد خص الله تعالى الانتفاع به لعباده المتقين وحدهم دون غيرهم، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾[34]. قال الطبري رحمه الله: "والقرآنُ هدًى للمتقين، وشفاءٌ لما في صدور المؤمنين، وَوَقْرٌ في آذان المكذبين، وعَمىً لأبصار الجاحدين، وحجةٌ لله بالغةٌ على الكافرين، فالمؤمن به مُهتدٍ، والكافر به محجوج"[35]. وقال السعدي رحمه الله: "في نفسه هدى لجميع الخلق، فالأشقياء لم يرفعوا به رأساً، ولم يقبلوا هدى الله، فقامت عليهم به الحجة، ولم ينتفعوا به لشقائهم. وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر، لحصول الهداية، وهو التقوى التي حقيقتها: اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه، بامتثال أوامره، واجتناب النواهي، فاهتدوا به، وانتفعوا غاية الانتفاع"[36].

 

الحادي عشر: يُعد القرآن الكريم رافدًامهمًالبيان عظمة الله تعالى؛ لما يتضمن من وجوه الإعجاز المتنوعة، فقد اعتنى المختصون ببيان وجوه الإعجاز في القرآن، وأوضح مصطفى مسلم أن هناك أقوالًامتباينة في تحديد أوجه الإعجاز، ويمكن جمعها في أربعة وجوه:

• الإعجاز البياني.

• الإعجاز العلمي (التجريبي).

• الإعجاز التشريعي.

• الإعجاز الغيبي[37].


ولذلك ينبغي للمسلم العناية بالتعرف على وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، وما كتبه أهل العلم الثقات في هذا المجال؛ ليزداد معرفة بالله تعالى وتعظيمًاله.

 

الثاني عشر: أمر الله تعالى بتدبر القرآن الكريم، لحاجة الناس له في توجيه حياتهم لخيري الدنيا والآخرة، وصدق الله العظيم: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾[38]. قال ابن باز رحمه الله: وهدى الله هو ما دل عليه كتابه العظيم القرآن وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- من فعل الأوامر، وترك النواهي، وتصديق الأخبار التي أخبر الله بها ورسوله، والإقامة عند حدود الله، وعدم تجاوزها، هذا هو الهدى، ومن توجيهات القرآن العظيم في الحث على تدبر القرآن، قوله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾[39]. قال السعدي رحمه الله: "فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال"[40].

 

الثالث عشر: من جوانب تدبر القرآن الكريم المهمة للغاية في تعظيم الله حق تعظيمه؛ الربط المبهر للعقول في خواتيم الآيات بأسماء الله الحسنى، فمن تأمله وتدبره بعقله ووجدانه ملأ قلبه إيمانًا ويقينًا وفهمًا لمعاني الآيات، قال السعدي رحمه الله: "وهذا باب عظيم في معرفة الله ومعرفة أحكامه، وهو من أجلّ المعارف وأشرف العلوم، فتجد آية الرحمة مختومةً بصفات الرحمة، وآيات العقوبة والعذاب مختومة بأسماء العزة والقدرة والحكمة والعلم والقهر. ومن الأمثلة؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾[41]. فخلقه للمخلوقات وتسويتها على ما هي عليه من إنسان وحيوان ونبات وجماد: من أكبر الأدلة العقلية على علمه، فكيف يخلقها وهو لا يعلمها؟"[42].

 

الرابع عشر: التفكرُ في خلق الله تعالى وقدرته مدعاة لتعظيمه وتقديره حق قدره، وقد حث الله تعالى عباده للتفكر في خلقه، قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾[43]. قال السعدي رحمه الله: "وفي ضمن ذلك حث العباد على التفكر فيها، والتبصر بآياتها، وتدبر خلقها، وأبهم قوله: "لَأٓيَٰتٖ" ولم يقل: "على المطلب الفلاني" إشارة لكثرتها وعمومها، وذلك لأن فيها من الآيات العجيبة ما يبهر الناظرين، ويقنع المتفكرين، ويجذب أفئدة الصادقين، وينبه العقول النيِّرة على جميع المطالب الإلهية، وخص الله بالآيات أولي الألباب، وهم أهل العقول؛ لأنهم هم المنتفعون بها، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم"[44].

 

الخامس عشر: إن النظرَ والتأملَ والتدبر في آيات الكون والنفس والتفكر في خلقها زادٌ مهم يُعين العبد على توحيد الله تعالى وتعظيمه وتقديره حق قدره، قال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾[45]، وقال سبحانه: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾[46]. قال القرطبي رحمه الله: "أي: علامات وحدانيتنا وقدرتنا في الآفاق، يعني أقطار السماوات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغيرها، وفي أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة، أولم يكفهم ربك بما دلهم عليه من توحيده؛ بأنه على كل شيء شهيد[47].

 

السادس عشر: من أنجع وسائل تعظيم الله تعالى؛ الدعاء، وما أدراك ما الدعاء! فهو مخّ العبادة، والاعتناء به دليل إيمان وتعظيم لله سبحانه بأنه القادر على تحقيق المرغوب ودفع المرهوب، وبالإضافة إلى ما يحرص عليه العبد في دعائه بطلب توفيقه لمطالب الدنيا والآخرة، كذلك يحرص على سؤال الله جل جلاله الإعانة على خشيته وتعظيمه، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "وأسألُكَ خشيتَكَ في الغيبِ والشَّهادة"[48]. وجميل أن يدعو المسلم بهذا الدعاء النبوي، لأن خشيةَ الله تعالى في الغيب والشهادة من كمال إيمان العبد، ودليل تعظيم الله تعالى والحياء منه. وقد رتب الله تعالى على خشيته والخوف منها الخير الكثير، قال تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾[49]. قال ابن القيم رحمه الله: "قيل: هو العبد يهوى المعصية فيذكر مقام ربه عليه في الدنيا ومقامه بين يديه في الآخرة فيتركها لله"[50]. وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾[51]. قال ابن كثير رحمه: "يقول تعالى مخبرًاعمن يخاف مقام ربه فيما بينه وبينه إذا كان غائبًاعن الناس، فينكفُّ عن المعاصي ويقوم بالطاعات، حيث لا يراه أحد إلا الله، بأنه له مغفرة وأجر كبير[52].

 

السابع عشر: من أجل فوائد تعظيم الله وتقديره حق قدره ما يشعر به العبد في حياته بالراحة والسعادة والهدوء النفسي، وكلما ازداد معرفة بربه ازداد تعظيمًاله، وكلما ازداد تعظيمًالربه ازداد سعادة واطمئناناً. وفي الحديث القدسي:" وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِليّ بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّن"[53]. فمن اقترب من الله تعالى الذي بيده السعادة الحقيقية وأطاعه سبحانه واستجاب لأوامره ونواهيه نال منه قمة السعادة، ليست سعادة دنيوية عابرة فقط، بل كذلك سعادة أخروية أكمل وأبقى؛ جنة عرضها السموات والأرض، فيها ما لاعين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾[54]، قال ابن باز رحمه الله: فأهل الجنة ينعمون فيها وخالدون أبد الآباد، لا موت ولا مرض، ولا خروج، ولا كدر، ولا حزن، ولا حيض، ولا نفاس، ولا شيء من الأذى أبدا، بل في نعيم دائم وخير دائم.

 

الثامن عشر: هناك تلازم قوي وارتباط وثيق بين تعظيم الله تعالى وتقديره حق قدره وبين شكره على نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى. فقد أوجبت الشريعة شكر من أسدى إلينا معروفاً، قال صلى الله عليه وسلم: "ومن صَنَع إليكم معروفًا فكافِئوه، فإنْ لم تَجِدوا ما تكافِئونَه فادْعُوا له حتى تَرَوا أنَّكم قد كافَأْتُموه"[55]. وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يَشْكُرُ اللهَ مَن لا يَشْكُرُ الناسَ"[56]. وإذا كانت الشريعة السمحة أكدت على شكر المخلوق الذي يقدم معروفًاولو محدوداً، فكيف بمن أسدى علينا نعمًالا حدود لها؟! أليس هو الأولى بالشكر!، وقد جاء القرآن الكريم بتوجيهات عدة تؤكد على العناية بشكر الله تعالى على نعمه، قال تعالى: ﴿ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾[57]. قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله تعالى: ﴿ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ أمر الله تعالى بشكره، ووعده على شكره بمزيد الخير، فقال: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [58]"[59]. وقد ذمّ الله تعالى الغافلين عن شكره وهم كُثر، فقال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾[60]. قال ابن القيم رحمه الله: "إن مقامَ الشكر جامعٌ لجميع مقامات الإيمان، ولذلك كان أرفعها وأعلاها، وهو فوق الرضا. والإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر، والصبر داخل في الشكر، فرجع الإيمان كله شكراً، والشاكرون هم أقل العباد، كما قال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾"[61]. "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، وهذا الدعاء المبارك وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه دبر كل صلاة[62].

 

التاسع عشر: إذا ارتقى العبد في إيمانه ووصل درجة الكمال واليقين، كان أكثر خوفًالله تعالى، ويجد رقة في قلبه لا يجدها غيره. وهذا من دلائل تعظيم الله جل جلاله، قال تعالى: ) ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾[63]. قال البغوي رحمه الله: ليس المؤمنُ الذي يخالف الله ورسوله، إنما المؤمنون الصادقون في إيمانهم،﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾خافت وفَرَقَت قلوبهم، وقيل: إذا خوفوا بالله انقادوا خوفًامن عقابه، ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾تصديقًاويقيناً، ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾، أي: يُفوضون إليه أمورهم ويثقون به ولا يرجون غيره"[64].

 

العشرون: إن الوجلَ الذي يشعر به المؤمنون عند سماعهم لذكر الله تعالى وتلاوة آياته، قد يأتي من شعورهم بالهيبة من إجلال الله وعظمته، ومن خوفهم من التقصير، وهو حاصل لا محالة في حق عبودية الخالق الرازق المدبر المنعم الذي تفضل عليهم بنعم لا تُعد ولا تُحصى، وهم لم يحققوا في ذات الوقت العبادة اللائقة بهذا الإنعام والإكرام، فالإنسان إذا امتلأ قلبه إيمانًاوعظمة لله تعالى وتقديرًاله سبحانه يشعر بتقصيره، ولذلك قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾[65]. قال ابن كثير رحمه الله: "أي: يُعطون العطاء وهم خائفون ألا يُتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط"[66].



[1] الزمر:67

[2] الأنعام:91.

[3] الحج:73-74.

[4] تفسر البغوي (5/ 400).

[5] تفسير الطبري (11/ 524).

[6] تفسير ابن كثير (7/ 101).

[7] نوح: 13.

[8] مدارج السالكين، (2/459).

[9] إليا أبو ماضي؛ شاعر لبناني من شعراء المهجر، ت:1957م.

[10] النور:40.

[11] الأعراف:187.

[12] تفسير ابن كثير (6/ 66).

[13] الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية، (1/ 6-7).

[14] الأعراف:180.

[15] صحيح البخاري، حديث رقم: (2736)، صحيح مسلم، حديث رقم: (2677).

[16] الذاريات:56.

[17] النساء:108.

[18] تفسير السعدي (ص: 200).

[19] ق:31-35.

[20] فاطر: ٢٨.

[21] لقاء الباب المفتوح (137/5).

[22] الحج:32.

[23] تفسير ابن كثير (5/ 370).

[24] تفسير السعدي (ص: 538).

[25] المائدة:91.

[26] البقرة:45.

[27] طه:108.

[28] تفسر البغوي (1/ 90).

[29] تفسير السعدي (ص: 51).

[30] الحجر: 39-40.

[31] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/ 277).

[32] الإسراء:9.

[33] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (3/ 17).

[34] البقرة:2.

[35] تفسير الطبري (1/ 230).

[36] تفسير السعدي (ص: 40).

[37] مباحث في إعجاز القرآن، (ص 113).

[38] طه:123.

[39] ص: 29.

[40] تفسير السعدي (ص: 315).

[41] الملك: 14.

[42] انظر: القواعد الحسان لتفسير القرآن، (ص: 53).

[43] آل عمران: 190.

[44] تفسير السعدي (ص: 161).

[45] النمل: 93.

[46] فصلت:53.

[47] تفسير القرطبي (15/ 374)، بتصرف.

[48] الألباني، صحيح النسائي، حديث رقم: (1305).

[49] الرحمن:46.

[50] روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص: 401).

[51] الملك: 12.

[52] تفسير ابن كثير (8/ 199).

[53] صحيح البخاري، حديث رقم )6502).

[54] هود: 108.

[55] الألباني، صحيح أبي داود، حديث رقم: (5109).

[56] الألباني، صحيح أبي داود، حديث رقم: (4811).

[57] البقرة:52.

[58] إبراهيم:7.

[59] تفسير ابن كثير (1/ 336).

[60] سبأ:13.

[61] انظر بتوسع: مدارج السالكين، (1 /152).

[62] الألباني، صحيح أبي داود، حديث رقم: (1522).

[63] الأنفال:2.

[64] تفسر البغوي (3/ 326).

[65] المؤمنون:60.

[66] تفسير ابن كثير (5/ 418).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تعظيم الله في تلك البقاع الطاهرة
  • تعظيم الله جل وعلا
  • تعظيم الله تعالى
  • تعظيم الله تعالى
  • تعظيم الله تعالى (خطبة)
  • الفاتحة وتعظيم الله
  • خطبة تعظيم الله (1)
  • تعظيم الله وأثره في حياتنا (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • تعظيم قدر الصلاة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعظيم شعائر الله تعالى (درس 1)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تعظيم قدر الصلاة في مشكاة النبوة - بلغة الإشارة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تعظيم الأمر والنهي الشرعيين في نفوس المتربين(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • عظمة القرآن تدل على عظمة الرحمن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعظيم السنة تعظيم للقرآن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل عشر ذي الحجة وأن تعظيمها من تعظيم شعائر الله(محاضرة - ملفات خاصة)
  • من تعظيم ربنا جل وعلا تعظيم كتبه ورسله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب الدروس المهمة سنن الصلاة وأن تعظيمها من تعظيم شعائر الله ومن أسباب زيادة الإيمان(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • من مائدة العقيدة: وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد
  • اختتام مؤتمر دولي لتعزيز القيم الأخلاقية في مواجهة التحديات العالمية في بلقاريا
  • الدورة العلمية الثانية لتأهيل الشباب لبناء أسر مسلمة في قازان
  • آلاف المسلمين يشاركون في إعادة افتتاح أقدم مسجد بمدينة جراداتشاتس
  • تكريم طلاب الدراسات الإسلامية جنوب غرب صربيا
  • ختام الندوة التربوية لمعلمي رياض الأطفال المسلمين في البوسنة
  • انطلاق سلسلة محاضرات "ثمار الإيمان" لتعزيز القيم الدينية في ألبانيا
  • أكثر من 150 مشاركا يتعلمون مبادئ الإسلام في دورة مكثفة بمدينة قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/4/1447هـ - الساعة: 15:36
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب