• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الحديث الحادي والعشرون: الحث على إنظار المعسر ...
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    فضل التبكير لصلاة الجمعة (خطبة)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    وما بعد العسر فرح (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    الحث على الإكثار من بعض الأعمال
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    خطبة: شهر رجب، فضله، ومحدثاته
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    المواساة وجبر الخواطر (خطبة)
    د. عبدالحميد المحيمد
  •  
    لطائف من القرآن (5)
    قاسم عاشور
  •  
    حديث: يا رسول الله، إن ابنتي مات عنها زوجها وقد ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    أحكام سجود السهو (4)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    من أحكام المصافحة (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير قوله تعالى: ﴿ما كان الله ليذر المؤمنين على ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    الإلحاد الناعم: حين يتسلل الشك من نوافذ الجمال ...
    أ. محمد كمال الدلكي
  •  
    شرح حديث المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    عقوبة من أساء بين الشريعة والافتراء (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    سنن باقية من سورة الأنفال
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    الدعاء (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

في التسليم والانقياد نجاة للعباد (خطبة)

في التسليم والانقياد نجاة للعباد (خطبة)
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/2/2024 ميلادي - 28/7/1445 هجري

الزيارات: 12061

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فِي التَّسْليمِ والانْقِياد نَجاةٌ للعِبَاد


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَالْعُبُودِيَّةُ الصَّادِقَةُ لَا تَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالِاسْتِسْلَامِ وَالتَّسْلِيمِ وَالِانْقِيَادِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ دِينِ الْإِسْلَامِ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (إِنَّ ‌مَبْنَى ‌الْعُبُودِيَّةِ وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَعَدَمِ الْأَسْئِلَةِ عَنْ تَفَاصِيلِ الْحِكْمَةِ فِي الْأَوَامِرِ، وَالنَّوَاهِي، وَالشَّرَائِعِ).

 

وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ: قَوْلُهُ تَعَالَى – فِي شَأْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 131]؛ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 208]؛ أَيِ: اعْمَلُوا بِجَمِيعِ شَرَائِعِ الدِّينِ، وَلَا تَتْرُكُوا مِنْهَا شَيْئًا، وَلَا تَكُونُوا مِمَّنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ؛ فَإِنْ وَافَقَ الْأَمْرُ الْمَشْرُوعُ هَوَاهُ فَعَلَهُ، وَإِنْ خَالَفَهُ، تَرَكَهُ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ.

 

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [النِّسَاءِ: 125]، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَالِاسْتِسْلَامُ لَهُ يَتَضَمَّنُ: الِاسْتِسْلَامَ لِقَضَائِهِ، وَأَمْرِهِ، وَنَهْيِهِ؛ فَيَتَنَاوَلُ فِعْلَ الْمَأْمُورِ، وَتَرْكَ الْمَحْظُورِ، وَالصَّبْرَ عَلَى الْمَقْدُورِ).

 

وَمِنْ أَعْظَمِ نَمَاذِجِ التَّسْلِيمِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي حَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ: عِنْدَمَا جَاءَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَاجَرَ وَابْنِهَا الرَّضِيعِ إِسْمَاعِيلَ؛ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ: «يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟» فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: «آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟» قَالَ: «نَعَمْ» قَالَتْ: «إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا» ثُمَّ رَجَعَتْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

فَخَلَّدَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَى هَذَا التَّسْلِيمِ الْعَظِيمِ؛ فِي شَعِيرَةِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.

 

وَمِنْ نَمَاذِجِ التَّسْلِيمِ فِي حَيَاةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اسْتِسْلَامُهُ وَابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الذَّبْحِ؛ فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَالِدَ بِقَتْلِ ابْنِهِ وَثَمَرَةِ فُؤَادِهِ، وَقَدْ وَطَّنَ الِابْنُ نَفْسَهُ عَلَى الصَّبْرِ، وَهَانَتْ عَلَيْهِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ، وَرِضَا وَالِدِهِ، ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [الصَّافَّاتِ: 103]؛ أَيِ: اسْتَسْلَمَا وَانْقَادَا لِأَمْرِ اللَّهِ، فَلَمْ يَبْقَ هُنَاكَ مُنَازَعَةٌ لَا مِنَ الْوَالِدِ وَلَا مِنَ الْوَلَدِ، بَلِ اسْتِسْلَامٌ صِرْفٌ، وَتَسْلِيمٌ مَحْضٌ.

 

وَخَلَّدَ اللَّهُ أَيْضًا ذِكْرَى هَذَا التَّسْلِيمِ الْعَظِيمِ، فَجَعَلَ ذِكْرَاهُ شَعِيرَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ؛ وَهُمَا: ذَبْحُ الْأَضَاحِيِّ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ فِي الْحَجِّ؛ فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ رَمَى الشَّيْطَانَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي مَوَاقِعِ الْجَمَرَاتِ - عِنْدَمَا اعْتَرَضَ لَهُ؛ لِيَرُدَّهُ عَنْ تَنْفِيذِ أَمْرِ رَبِّهِ. فَيَا لَيْتَنَا نَتَذَكَّرُ هَذَا التَّسْلِيمَ عِنْدَ أَدَائِنَا لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ حَتَّى يَزْدَادَ إِيمَانُنَا وَتَسْلِيمُنَا.

 

وَمَا أَكْثَرَ نَمَاذِجِ التَّسْلِيمِ فِي حَيَاةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَحَيَاتُهُ كُلُّهَا تَسْلِيمٌ وَيَقِينٌ وَانْقِيَادٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي تَبْلِيغِهِ لِلدَّعْوَةِ، وَصَبْرِهِ الْعَظِيمِ، وَرِضَاهُ فِي كُلِّ الِابْتِلَاءَاتِ، كَمَا تَمَثَّلَ فِي هَجْرِهِ لِوَطَنِهِ الْحَبِيبِ إِلَى قَلْبِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَحُسْنِ ظَنِّهِ بِاللَّهِ، وَطُمَأْنِينَتِهِ وَهُوَ فِي طَرِيقِ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ فِي الْغَارِ: ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التَّوْبَةِ: 40]، ثُمَّ تَضْحِيَتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي غَزَوَاتِهِ الْعَظِيمَةِ، وَثَبَاتِهِ وَيَقِينِهِ بِنَصْرِ اللَّهِ تَعَالَى.

 

كَمَا ظَهَرَ – هَذَا التَّسْلِيمُ – فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، ذَلِكُمُ الصُّلْحُ الَّذِي لَمْ يَصْبِرْ عَلَى بُنُودِهِ بَعْضُ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؛ حَيْثُ كَانَ يَقُولُ لِمَنْ يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ: «إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

عِبَادَ اللَّهِ.. وَمِنْ أَهَمِّ مَجَالَاتِ التَّسْلِيمِ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:

1- التَّسْلِيمُ لِلْمُغَيَّبَاتِ: وَهَذَا مِنْ أَهَمِّ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 2-3]. وَالْغَيْبُ: هُوَ مَا غَابَ عَنْ شُهُودِ الْعِبَادِ، وَمُدْرَكَاتِ عُقُولِهِمْ. كَمَا يَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّبَاتِ الْأَخْبَارُ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ سَوَاءٌ كَانَتْ قَصَصًا، أَوْ أَخْبَارًا مَاضِيَةً، أَوْ تَنَبُّؤَاتٍ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَأَحْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَكُلُّ مَا جَاءَ مِنَ الْأَخْبَارِ - فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ كَلَامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ حَقٌّ وَصِدْقٌ، يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، وَقَبُولُهَا، وَتَصْدِيقُهَا التَّصْدِيقَ الْمُطْلَقَ، دُونَ «كَيْفَ؟»، وَ«لِمَاذَا؟»، وَ«لِمَ؟»، وَ«لَوْ!»، وَ«لَيْتَ!»، وَ«لَعَلَّ!».

 

2- التَّسْلِيمُ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ (الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي): وَتَقَبُّلُهَا بِالْإِذْعَانِ وَالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ، سَوَاءٌ أَدْرَكَ الْعَبْدُ حِكْمَةَ التَّشْرِيعِ فِيهَا أَمْ لَمْ يُدْرِكْ، فَحَسْبُهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشْرَعْهَا إِلَّا لِكَوْنِهَا فِي مَصْلَحَةِ الْإِنْسَانِ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ. قَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «اتَّهِمُوا الرَّأْيَ؛ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ، وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ ظَهَرَتْ حِكْمَةُ الْأَمْرِ النَّبَوِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَظَهَرَ لِلصَّحَابَةِ كَيْفَ كَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ فَتْحًا، وَخَيْرًا لَهُمْ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ قَبَّلَ الْحَجَرَ: «إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

3- التَّسْلِيمُ لِلْأَحْكَامِ الْكَوْنِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ: وَالْيَقِينُ بِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى الْحِكْمَةَ الْبَالِغَةَ، وَأَنَّهَا كُلَّهَا خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ.

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ... أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. إِنَّ التَّسْلِيمَ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَحْكَامِهِ وَأَقْدَارِهِ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ، سُرْعَانَ مَا يَجِدُ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ تَتَقَبَّلُهُ، وَتَنْقَادُ لَهُ؛ بَلْ لَا تَثْبُتُ قَدَمُ الْإِسْلَامِ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ التَّسْلِيمِ وَالِاسْتِسْلَامِ، فَمَا سَلِمَ فِي دِينِهِ إِلَّا مَنْ سَلَّمَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (اعْلَمْ أَنَّ التَّسْلِيمَ هُوَ الْخَلَاصُ مِنْ شُبْهَةٍ ‌تُعَارِضُ ‌الْخَبَرَ، أَوْ شَهْوَةٍ تُعَارِضُ الْأَمْرَ، أَوْ إِرَادَةٍ تُعَارِضُ الْإِخْلَاصَ، أَوِ اعْتِرَاضٍ يُعَارِضُ الْقَدَرَ وَالشَّرْعَ).

 

وَهُنَاكَ جُرْأَةٌ عَلَى النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُحْكَمَةِ فِي زَمَانِنَا هَذَا؛ وَسَبَبُهَا ضَعْفُ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي النُّفُوسِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ؛ فَبَعْضُ الْمُثَقَّفِينَ "الْجَاهِلِينَ بِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ"، يَتَعَامَلُونَ بِأَهْوَائِهِمْ مَعَ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ، كَأَيِّ عِلْمٍ إِنْسَانِيٍّ آخَرَ لَيْسَ لَهَا مِنْ خُصُوصِيَّةِ التَّعْظِيمِ وَالتَّوْقِيرِ، فَالْكُلُّ لَهُ الْحَقُّ فِي انْتِقَادِ الْمَنَاهِجِ الشَّرْعِيَّةِ؛ بِحُجَّةِ أَنَّ "الدِّينَ لَيْسَ حِكْرًا عَلَى طَائِفَةٍ" أَوْ بِقَوْلِهِمْ: "لَا تُقْحِمُوا الدِّينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ"!

 

وَهُنَاكَ مَنْ يُثِيرُ الشُّبُهَاتِ وَالشُّكُوكَ وَالِاعْتِرَاضَاتِ عَلَى ثَوَابِتِ هَذَا الدِّينِ وَأُصُولِهِ وَأَحْكَامِهِ؛ بَلْ أُنْشِئَتْ – مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ - مَوَاقِعُ إِلِكْتِرُونِيَّةٌ، وَقَنَوَاتٌ فَضَائِيَّةٌ، وَدُورُ نَشْرٍ، تَمْكُرُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَوَافَقَتْ – عِنْدَ بَعْضِ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ – قُلُوبًا خَاوِيَةً مِنَ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ؛ آلَتْ بِبَعْضِهِمْ إِلَى الْحَيْرَةِ وَالشَّكِّ!!

 

وَنُلَاحِظُ – فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ – كَثْرَةَ الْأَمْرَاضِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ؛ كَالْقَلَقِ، وَالْحَيْرَةِ، وَالِاضْطِرَابِ، وَالِاكْتِئَابِ، وَمَرَدُّ كَثِيرٍ مِنْهَا إِلَى الِاعْتِرَاضَاتِ عَلَى الْأَخْبَارِ الْغَيْبِيَّةِ، أَوِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، أَوْ أَقْدَارِ اللَّهِ الْمُؤْلِمَةِ، وَلَا سَبِيلَ لِعِلَاجِهَا إِلَّا بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى - حَقَّ الْمَعْرِفَةِ، وَتَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ، وَالتَّعَبُّدِ لَهُ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلَى، فَهُوَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، وَبِهَذَا التَّسْلِيمِ وَالتَّفْوِيضِ تَحْصُلُ الرَّاحَةُ، وَالسَّكِينَةُ، وَالطُّمَأْنِينَةُ.

 

وَثَمَّةَ أَمْرٌ يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ: لَا بُدَّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْلَمَ حُدُودَ هَذَا التَّسْلِيمِ وَأَحْكَامَهُ، فَلَا يُدْخِلُ فِي التَّسْلِيمِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَيَكُونُ سَبَبًا لِإِضْعَافِ أَصْلِ التَّسْلِيمِ؛ كَمَا هُوَ شَأْنُ "الْمَنْهَجِ الصُّوفِيِّ" الَّذِي يُلْغِي "الْعَقْلَ"، وَيُقَدِّمُ "الذَّوْقَ" وَ"الْوَجْدَ" عَلَى "النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ"، وَيُدْخِلُونَ فِي التَّسْلِيمِ مَا لَيْسَ مِنْهُ؛ مِنَ الْخُرَافَاتِ وَالْخُزَعْبَلَاتِ، الَّتِي لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، وَيَرْفُضُهَا الْعَقْلُ الصَّرِيحُ، بِحُجَّةِ التَّسْلِيمِ!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • في القرآن نجاة العباد وفلاحهم (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم)

مختارات من الشبكة

  • شكر الله بعد كل عبادة، عبادة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عمود الإسلام (22) قسمت الصلاة بيني وبين عبدي(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • من فضل الله على العباد، هدايتهم، للفوز يوم المعاد (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العلم عبادة ورسالة لبناء الإنسان والمجتمع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عن فاحشة اللواط والشذوذ والمثلية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أعذار المعترضين على القرآن (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • خطبة: موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوحيد أصل النجاة ومفتاح الجنة: قراءة في ختام سورة المؤمنون (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فقد حبط عمله.. (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا نجاة إلا بالتوحيد(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة متخصصة حول الزكاة تجمع أئمة مدينة توزلا
  • الموسم الرابع من برنامج المحاضرات العلمية في مساجد سراييفو
  • زغرب تستضيف المؤتمر الرابع عشر للشباب المسلم في كرواتيا
  • نابريجني تشلني تستضيف المسابقة المفتوحة لتلاوة القرآن للأطفال في دورتها الـ27
  • دورة علمية في مودريتشا تعزز الوعي الإسلامي والنفسي لدى الشباب
  • مبادرة إسلامية خيرية في مدينة برمنغهام الأمريكية تجهز 42 ألف وجبة للمحتاجين
  • أكثر من 40 مسجدا يشاركون في حملة التبرع بالدم في أستراليا
  • 150 مشاركا ينالون شهادات دورة مكثفة في أصول الإسلام بقازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 27/6/1447هـ - الساعة: 18:15
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب