• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الله الخالق الخلاق (خطبة) – باللعة النيبالية
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    علة حديث إيتاء القرآن قبل الإيمان
    رمزي صالح محمد
  •  
    غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن
    قاسم عاشور
  •  
    تفسير: (قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    من أخطاء المصلين (3)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    عش على ما تتمنى أن تموت عليه
    أ. د. زكريا محمد هيبة
  •  
    عواقب الطغيان وخيمة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    عندما تختبر الأخلاق (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون ...
    الشيخ حسن حفني
  •  
    دموع رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    درسا بليغا
    بدرية بنت حمد المحيميد
  •  
    الخطاب الأخير
    حكم بن عادل زمو النويري العقيلي
  •  
    تحريم الاعتداء على البيئة في الإسلام: أدلة شرعية ...
    أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف حجاب
  •  
    التوسل إلى الله بصالح الأعمال (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    تفسير سورة المسد
    أ. د. كامل صبحي صلاح
  •  
    صفة البصر
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

معصية السر (خطبة)

معصية السر (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/2/2023 ميلادي - 11/7/1444 هجري

الزيارات: 21489

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

معصية السر


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَلِيمِ الشَّكُورِ؛ يَحْلُمُ عَلَى الْعَاصِينَ وَيُمْهِلُهُمْ، وَيَشْكُرُ لِلطَّائِعِينَ وَيَزِيدُهُمْ؛ ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [مُحَمَّدٍ: 17]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَحْلَمُ مَنْ عُصِيَ، وَأَكْرَمُ مَنْ دُعِيَ، يَسْتُرُ الْعَاصِيَ، وَيُجِيبُ الدَّاعِيَ، وَيَقْبَلُ التَّائِبَ، وَهُوَ أَيْضًا شَدِيدُ الْعِقَابِ، وَعَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ لِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ شَكَّارًا ذَكَّارًا، أَوَّاهًا مُنِيبًا، وَكَثِيرًا مَا يَسْمَعُهُ أَصْحَابُهُ تَائِبًا مُسْتَغْفِرًا، وَيَقْضِي آخِرَ لَيْلِهِ قَائِمًا مُتَهَجِّدًا، حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ؛ تَقَرُّبًا لِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَشُكْرًا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوهُ فِي شُئُونِكُمْ كُلِّهَا؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَقِيبٌ عَلَيْكُمْ، سَمِيعٌ لِأَقْوَالِكُمْ، مُطَّلِعٌ عَلَى أَعْمَالِكُمْ، عَلِيمٌ بِمَا فِي قُلُوبِكُمْ؛ ﴿ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [التَّغَابُنِ: 4].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: مَنْ عَرَفَ اللَّهَ تَعَالَى حَقَّ الْمَعْرِفَةِ رَاقَبَهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَخَافَهُ بِالْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ؛ فَلَا يَعْصِي لَهُ أَمْرًا، وَلَا يَرْتَكِبُ لَهُ نَهْيًا. فَإِنْ زَلَّتْ بِهِ الْقَدَمُ بَادَرَ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، يَخَافُ ذَنْبَهُ، وَيَرْجُو عَفْوَ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ﴾ [فَاطِرٍ: 18]، وَمِنَ الدُّعَاءِ النَّبَوِيِّ الْمَأْثُورِ: «اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

 

وَهَذَا يَقْتَضِي الْحَذَرَ مِنْ مَعْصِيَةِ السِّرِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى الْعَبْدِ فِي خَلْوَتِهِ؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]، فَلَا يَسْتَطِيعُ الْغِيَابَ عَنْ عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ وَإِحَاطَتِهِ بِهِ، وَالْوَاقِعُ فِي مَعَاصِي الْخَلَوَاتِ فِيهِ ضَعْفُ إِيمَانٍ؛ لِأَنَّهُ غَفَلَ عَنْ نَظَرِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِ، وَعِلْمِهِ سُبْحَانَهُ بِهِ، وَفِيهِ تَشَبُّهٌ بِالْمُنَافِقِينَ؛ فَإِنَّهُمْ يُظْهِرُونَ خِلَافَ مَا يُبْطِنُونَ؛ ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النِّسَاءِ: 108]. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: «هَذَا إِنْكَارٌ عَلَى الْمُنَافِقِينَ فِي كَوْنِهِمْ يَسْتَخْفُونَ بِقَبَائِحِهِمْ مِنَ النَّاسِ؛ لِئَلَّا يُنْكِرُوا عَلَيْهِمْ، وَيُجَاهِرُونَ اللَّهَ تَعَالَى بِهَا؛ لِأَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى سَرَائِرِهِمْ وَعَالِمٌ بِمَا فِي ضَمَائِرِهِمْ».

 

وَمِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ» خَلَا بِهَا وَهِيَ تُرِيدُهُ، وَدَعَتْهُ لِلْوُقُوعِ عَلَيْهَا، وَهِيَ جَمِيلَةٌ مَرْغُوبَةٌ، وَمَنْصِبُهَا يُغْرِيهِ فِيهَا، وَيُبَدِّدُ الْخَوْفَ مِنْ ذَوِيهَا، فَمَا ثَمَّ إِلَّا مَخَافَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِالسِّرِّ، وَخَشْيَتُهُ بِالْغَيْبِ، فَحَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْصِيَةِ السِّرِّ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: «وَخَشْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ إِنَّمَا تَصْدُرُ عَنْ قُوَّةِ إِيمَانٍ وَمُجَاهَدَةٍ لِلنَّفْسِ وَالْهَوَى، فَإِنَّ الْهَوَى يَدْعُو فِي الْخَلْوَةِ إِلَى الْمَعَاصِي، وَلِهَذَا قِيلَ: إِنَّ مِنْ أَعَزِّ الْأَشْيَاءِ الْوَرَعَ فِي الْخَلْوَةِ». وَأَوْرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قِصَّةً عَجِيبَةً لِأَبِي بَكْرٍ الْمِسْكِيِّ، قِيلَ لَهُ: «إِنَّا نَشُمُّ رَائِحَةَ الْمِسْكِ مَعَ الدَّوَامِ، فَمَا سَبَبُهُ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لِي سِنِينَ عَدِيدَةً لَمْ أَسْتَعْمِلِ الْمِسْكَ، وَلَكِنَّ سَبَبَ ذَلِكَ: أَنَّ امْرَأَةً احْتَالَتْ عَلَيَّ حَتَّى أَدْخَلَتْنِي دَارَهَا، وَأَغْلَقَتْ دُونِي الْأَبْوَابَ، وَرَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي، فَتَحَيَّرْتُ فِي أَمْرِي، فَضَاقَتْ بِيَ الْحِيَلُ، فَقُلْتُ لَهَا: إِنَّ لِي حَاجَةً إِلَى الطَّهَارَةِ، فَأَمَرَتْ بِجَارِيَةٍ لَهَا تَمْضِي بِي إِلَى بَيْتِ الرَّاحَةِ، فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا دَخَلْتُ بَيْتَ الرَّاحَةِ أَخَذْتُ الْعَذِرَةَ، وَأَلْقَيْتُهَا عَلَى جَمِيعِ جَسَدِي، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهَا وَأَنَا عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، فَلَمَّا رَأَتْنِي دُهِشَتْ، ثُمَّ أَمَرَتْ بِإِخْرَاجِي، فَمَضَيْتُ إِلَى بَيْتِي وَاغْتَسَلْتُ. فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ قَائِلًا يَقُولُ لِي: فَعَلْتَ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ غَيْرُكَ، لَأُطَيِّبَنَّ رِيحَكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَأَصْبَحْتُ وَالْمِسْكُ يَفُوحُ مِنِّي، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ إِلَى الْآنِ».

 

إِنَّ الَّذِي يَمْنَعُ الْعَبْدَ مِنْ مَعْصِيَةِ السِّرِّ مَخَافَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ بَلَغَ تِلْكَ الْمَنْزِلَةَ حَقَّقَ الْإِحْسَانَ؛ لِأَنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَاهُ. عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَعْرَابِيٍّ قَالَ: «خَرَجْتُ فِي بَعْضِ لِيَالِي الظُّلْمَةِ، فَإِذَا أَنَا بِجَارِيَةٍ كَأَنَّهَا عَلَمٌ، فَأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسِهَا فَقَالَتْ: وَيْلَكَ، أَمَا لَكَ زَاجِرٌ مِنْ عَقْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَكَ نَاهٍ مِنْ دِينٍ؟ فَقُلْتُ لَهَا: إِيهًا، وَاللَّهِ مَا يَرَانَا إِلَّا الْكَوَاكِبُ، قَالَتْ: فَأَيْنَ مُكَوْكِبُهَا؟». وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ: «إِذَا سَكَنَ الْخَوْفُ الْقُلُوبَ أَحْرَقَ مَوَاضِعَ الشَّهَوَاتِ مِنْهَا، وَطَرَدَ الدُّنْيَا عَنْهَا».

 

وَكَانَ السَّلَفُ يَحْتَسِبُونَ عَلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَيُذَكِّرُونَهُمْ بِاللَّهِ تَعَالَى فِي خَلَوَاتِهِمْ، رَأَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ فِي خَرَابٍ وَهُوَ يُكَلِّمُهَا فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَاكُمَا، سَتَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكُمَا». وَقَالَ رَجُلٌ لِوُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ: «عِظْنِي، قَالَ: اتَّقِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكَ»، وَسُئِلَ الْجُنَيْدُ: «بِمَ يُسْتَعَانُ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ؟ قَالَ: بِعِلْمِكَ أَنَّ نَظَرَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْكَ أَسْبَقُ مِنْ نَظَرِكَ إِلَى مَا تَنْظُرُهُ». وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: «إِنَّ الْخَاسِرَ مَنْ أَبْدَى لِلنَّاسِ صَالِحَ عَمَلِهِ، وَبَارَزَ بِالْقَبِيحِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ». وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَدْعُو بِذَلِكَ؛ لِعُسْرِ التَّخَلُّصِ مِنْ مَعْصِيَةِ السِّرِّ، «كَانَتْ دَعْوَةُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ لِمَنْ لَقِيَ مِنْ إِخْوَانِهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: زَهَّدَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ زَهَادَةَ مَنْ أَمْكَنَهُ الْحَرَامُ وَالذُّنُوبُ فِي الْخَلَوَاتِ فَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَرَاهُ فَتَرَكَهُ». وَأُعْجِبَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَتَبِعَهَا يُرِيدُهَا، فَقَالَتْ لَهُ: «أَلَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: مَوَدَّتُكِ، قَالَتْ: دَعْ ذَلِكَ لِيَوْمِ التَّغَابُنِ، قَالَ: فَأَبْكَتْنِي وَاللَّهِ، فَمَا عُدْتُ إِلَى ذَلِكَ».

 

وَيُخْشَى عَلَى مَنْ أَدْمَنَ الْمَعَاصِيَ فِي الْخَلَوَاتِ أَنْ يَسْتَهِينَ بِهَا، فَيَسْتَحِلَّهَا، أَوْ يَدْعُوَ غَيْرَهُ إِلَيْهَا، فَيَنْتَقِلَ مِنَ الْإِسْرَارِ إِلَى الْمُجَاهَرَةِ، وَمِنْ قَصْرِ مُنْكَرِهِ عَلَى نَفْسِهِ إِلَى تَعْدِيَتِهِ لِغَيْرِهِ. كَمَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْفَضِيحَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَضَحَ الْمُنَافِقِينَ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ بِتَصَرُّفَاتِهِمْ وَفَلَتَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ، رَغْمَ أَنَّهُمْ كَانُوا حَرِيصِينَ عَلَى كَتْمِ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [مُحَمَّدٍ: 30]، قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: «لَوْ أَنَّ عَبْدًا دَخَلَ بَيْتًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ فَأَدْمَنَ هُنَاكَ عَمَلًا أَوْشَكَ النَّاسُ أَنْ يَتَحَدَّثُوا بِهِ، وَمَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ تَعَالَى رِدَاءَ عَمَلِهِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ».

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ قُلُوبَنَا وَأَعْمَالَنَا، وَأَنْ يَكْفِيَنَا شَرَّ أَهْوَائِنَا وَأَدْوَائِنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الِاسْتِقَامَةَ فِي سِرِّنَا وَعَلَانِيَتِنَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاخْشَوْا نِقْمَتَهُ وَرَاقِبُوهُ، وَاجْتَنِبُوا نَهْيَهُ وَاحْذَرُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غَافِرٍ: 18-19].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي زَمَنِنَا هَذَا تَيَسَّرَتْ سُبُلُ مَعَاصِي السِّرِّ كَمَا لَمْ تَتَيَسَّرْ فِي أَزْمِنَةٍ مَضَتْ؛ فَالْأَجْهِزَةُ الذَّكِيَّةُ الَّتِي لَا يَكَادُ أَحَدٌ أنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا؛ تَعِجُّ بِمَعَاصِي الْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ، وَمَنْ أَدْمَنَهَا نَزَلَتْ أَدْرَانُهَا عَلَى قَلْبِهِ فَأَفْسَدَتْهُ. وَبِهَذِهِ الْأَجْهِزَةِ يَسْتَطِيعُ الرَّجُلُ أَنْ يَتَوَاصَلَ مَعَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ مِنَ النِّسَاءِ، وَتَسْتَطِيعُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَخْلُوَ بِالرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ عَنْهَا، وَيَتَحَدَّثَانِ وَيَتَسَامَرَانِ اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَيَقَعَانِ فِي مَحْظُورَاتٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ يُخْفِي ذَلِكَ عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَهِيَ تُخْفِيهِ عَنْ أَهْلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ ذَا زَوْجٍ وَوَلَدٍ أَخَفَتْهُ عَنْ زَوْجِهَا وَوَلَدِهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُهُ. وَفِي أَكْثَرِ الْبُيُوتِ شَاشَاتٌ تَنْقُلُ لَهَا مَا يُبَثُّ فِي كَافَّةِ أَرْجَاءِ الْأَرْضِ، مِنْ طَيِّبٍ وَخَبِيثٍ. وَالْخَبِيثُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنَ الطَّيِّبِ، بَلِ الطَّيِّبُ مِنْهَا قَلِيلٌ جِدًّا، وَيَصِلُهُمْ بِلَا مَالٍ وَلَا اشْتِرَاكٍ وَلَا مَئُونَةٍ، وَمَا كَانَ مِنْهَا بِمَالٍ فَبِشَيْءٍ زَهِيدٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْفُقَرَاءُ فَضْلًا عَنِ الْمُوسِرِينَ، وَفِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ التَّرْفِيهِ وَالتَّشْوِيقِ مَا يَجْذِبُ الْمُشَاهِدِينَ إِلَيْهَا، وَمَا يَجْعَلُهُمْ يُدْمِنُونَ عَلَيْهَا، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ الْفِكَاكَ مِنْهَا، إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. لَقَدْ أَلْغَتْ هَذِهِ الْأَجْهِزَةُ الْحُدُودَ، وَكَسَرَتْ كُلَّ الْقُيُودِ؛ فَمَا ثَمَّ إِلَّا خَوْفُ اللَّهِ تَعَالَى وَمُرَاقَبَتُهُ فِي السِّرِّ، وَخَشْيَتُهُ بِالْغَيْبِ.

 

وَمَنْ أَسْلَمَ نَفْسَهُ لِهَذِهِ الْأَجْهِزَةِ فَقَدْ نَقَلَهَا مِنْ عَالَمِ الْحَقِيقَةِ إِلَى عَالَمِ الْخَيَالِ، وَفَتَحَ عَلَيْهَا أَبْوَابًا مِنَ الشَّرِّ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. نَاهِيكُمْ عَنْ تَيَسُّرِ الْوُقُوعِ فِي الْفَوَاحِشِ، وَالِاجْتِمَاعِ عَلَيْهَا، وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا، وَالْمُجَاهَرَةِ بِهَا، فَلَا يَبْقَى لِلْعَبْدِ رَادِعٌ وَزَاجِرٌ إِلَّا خَشْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَذَلِكَ الْمَقَامُ الْعَلِيُّ، مَنْ حَقَّقَهُ حَقَّقَ الْإِحْسَانَ، وَجَاوَزَ عَظِيمَ الِابْتِلَاءِ بِحُسْنِ اخْتِيَارٍ، وَهَذَا الزَّمَنُ بِكُلِّ مَا فِيهِ مِنَ انْفِتَاحٍ لِأَبْوَابِ الشَّرِّ، وَتَيْسِيرٍ لِلْفَوَاحِشِ؛ حَقِيقٌ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 94]، وَحَقِيقٌ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «... فَإِنَّ مَنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ. قَالَ: بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. فَهَنِيئًا لِمَنْ قَبَضَ عَلَى دِينِهِ، وَصَانَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ وَفَرْجَهُ عَنِ الْحَرَامِ، وَحَفِظَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَوَلَدَهُ مِمَّا يُوجِبُ الْآثَامَ، هَنِيئًا لَهُ رِضَا الرَّحْمَنِ وَالْفَوْزُ بِالْجِنَانِ.

 

فَاللَّهَ اللَّهَ فِي قُلُوبِكُمْ لَا تُفْسِدُوهَا بِذُنُوبِ الْخَلَوَاتِ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي إِيمَانِكُمْ زَكُّوهُ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ، وَجَاهِدُوا وَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ، وَأَكْثِرُوا التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ، وَإِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ وَالْيَأْسَ وَالْقُنُوطَ وَالْإِحْبَاطَ؛ فَمَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ هُدِيَ إِلَى تَوْبَةٍ نَصُوحٍ؛ ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 69].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أحلامنا بين الحقيقة والسراب️
  • إلى الراكضين خلف السراب
  • السراج الوهاج في لطائف الإسراء والمعراج (1)
  • السراج الوهاج في لطائف الإسراء والمعراج (2)
  • خاتم النبيين (14) بداية السرايا والبعوث وبعض الأحكام الشرعية
  • تقنية الزمن السردي في رواية رجال في الشمس
  • خطبة عن معصية السر

مختارات من الشبكة

  • أثر الذنوب والمعاصي على الفرد والمجتمع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الثبات عند الابتلاء بالمعصية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الله الخالق الخلاق (خطبة) – باللعة النيبالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عندما تختبر الأخلاق (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة التوحيد بين الواقع والمأمول(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • التوسل إلى الله بصالح الأعمال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: وقفات وعبر من سورة القتال (محمد)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ﻛﺎن ﺧﻠﻘﻪ اﻟﻘﺮآن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإسلام العظيم رحمة للعالمين (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • سلوا الله العافية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المؤتمر السنوي التاسع للصحة النفسية للمسلمين في أستراليا
  • علماء ومفكرون في مدينة بيهاتش يناقشون مناهج تفسير القرآن الكريم
  • آلاف المسلمين يجتمعون في أستراليا ضمن فعاليات مؤتمر المنتدى الإسلامي
  • بعد ثلاث سنوات من الجهد قرية أوري تعلن افتتاح مسجدها الجديد
  • إعادة افتتاح مسجد مقاطعة بلطاسي بعد ترميمه وتطويره
  • في قلب بيلاروسيا.. مسجد خشبي من القرن التاسع عشر لا يزال عامرا بالمصلين
  • النسخة السادسة من مسابقة تلاوة القرآن الكريم للطلاب في قازان
  • المؤتمر الدولي الخامس لتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية في داغستان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/5/1447هـ - الساعة: 16:57
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب