• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    رد القرض عند تغير قيمة النقود (PDF)
    د. عمر بن محمد عمر عبدالرحمن
  •  
    هل أنت راض حقا؟
    سمر سمير
  •  
    حين يرقى الإنسان بحلمه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطى المساجد (خطبة)
    د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم
  •  
    فوائد من حديث: أتعجبين يا ابنة أخي؟
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    مع سورة المعارج
    د. خالد النجار
  •  
    وقفات مع اسم الله السميع (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    من مائدة الحديث: التحذير من الظلم
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    خطبة: ليس منا (الجزء الثاني)
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    حقوق الخدم في الاسلام
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الصفات الفعلية
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    لقبول المحل لا بد من تفريغه من ضده
    إبراهيم الدميجي
  •  
    الإسلام يدعو لمعالي الأخلاق
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    كيف واجه العلماء فتنة السيف والقلم؟
    عمار يوسف حرزالله
  •  
    مغسلة صلاة الفجر
    خميس النقيب
  •  
    من صور الخروج عن الاستقامة
    ناصر عبدالغفور
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / التاريخ
علامة باركود

الثابتون على الحق (6) بلال بن رباح

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/5/2021 ميلادي - 9/10/1442 هجري

الزيارات: 28616

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الثابتون على الحق (6)

بلال بن رباح


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ؛ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ الْمُذْنِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ؛ فَهُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ، الْجَوَادُ الْكَرِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا يَقَعُ شَيْءٌ إِلَّا بِعِلْمِهِ، وَلَا يُقْضَى شَأْنٌ إِلَّا بِأَمْرِهِ، وَلَهُ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى خَلْقِهِ ﴿ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 149]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ النَّبِيُّ الْأَمِينُ، وَالرَّسُولُ الْكَرِيمُ، وَالْمُبَلِّغُ عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالنَّاصِحُ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَسَلُوهُ الثَّبَاتَ عَلَى الْحَقِّ إِلَى الْمَمَاتِ؛ فَإِنَّ قُلُوبَ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، فَإِذَا شَاءَ أَزَاغَ الْقَلْبَ، وَإِذَا شَاءَ أَقَامَهُ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 24].

 

أَيُّهَا النَّاسُ:

الثَّبَاتُ عَلَى الْحَقِّ، وَتَحَمُّلُ الْأَذَى فِيهِ؛ مِنَّةٌ يَمُنُّ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ. وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ رِجَالٌ حَمَلُوا هَذَا الدِّينَ، وَفُتِنُوا فِيهِ، وَعُذِّبُوا عَلَيْهِ، وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِسَبَبِهِ؛ فَمَا لَانَتْ شَكِيمَتُهُمْ، وَلَا وَهَنَتْ عَزِيمَتُهُمْ؛ لِمَا خَالَطَ قُلُوبَهُمْ مِنْ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ، فَتَلَذَّذُوا بِكُلِّ عَذَابٍ فِي سَبِيلِهِ.

 

وَمِنْ أُولَئِكَ الْأَفْذَاذِ الْأَبْطَالِ فِي الْإِسْلَامِ: بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ الْحَبَشِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وُلِدَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ مِنَ الْمَوَالِي، وَتَقَدَّمَ إِسْلَامُهُ جِدًّا؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: حُرٌّ وَعَبْدٌ، وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَجَاءَ فِي قِصَّةِ إِسْلَامِهِ وَتَعْذِيبِهِ مَا رَوَى الْوَضِينُ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ: «اعْتَزَلَ أَبُو بَكْرٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ، فَمَرَّ بِهِمَا بِلَالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ فِي غَنَمٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ... فَأَطْلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ مِنَ الْغَارِ، فَقَالَ: يَا رَاعِي، هَلْ مِنْ لَبَنٍ؟! فَقَالَ بِلَالٌ: مَا لِي فِيهَا إِلَّا شَاةٌ مِنْهَا قُوتِي، فَإِنْ شِئْتُمَا آثَرْتُكُمَا الْيَوْمَ بِلَبَنِهَا، فَقَالَ: ائْتِ بِهَا، فَجَاءَ بِهَا فَاعْتَقَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَلَبَ فِي الْقَعْبِ -وَهُوَ قَدَحٌ يَرْوِي الثَّلَاثَةَ- وَشَرِبَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ سَقَى بِلَالًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَرْسَلَهَا وَهِيَ أَحْفَلُ مِمَّا كَانَتْ، فَقَالَ: يَا غُلَامُ، هَلْ لَكَ فِي الْإِسْلَامِ؟ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَا: اكْتُمْ إِسْلَامَكَ. وَانْصَرَفَ بِغَنَمِهِ وَقَدْ أُضْعِفَ لَبَنُهَا، فَقَالَ لَهُ أَهْلُهُ: لَقَدْ رَعَيْتَ الْيَوْمَ مَرْعًى طَيِّبًا فَعَلَيْكَ بِهِ، فَعَادَ إِلَيْهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَسْقِيهِمَا اللَّبَنَ، وَيَتَعَلَّمُ الْإِسْلَامَ. وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، فَاخْتَفَى فِي دَارٍ عِنْدَ الْمَرْوَةِ، فَدَخَلَ بِلَالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمًا إِلَى الْكَعْبَةِ وَقُرَيْشٌ فِي ظَاهِرِهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَجَعَلَ يَبْصُقُ عَلَى الْأَصْنَامِ وَيَقُولُ: خَابَ وَخَسِرَ مَنْ عَبَدَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى، فَطَلَبَتْهُ قُرَيْشٌ فَهَرَبَ، فَدَخَلَ دَارَ سَيِّدِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ فَاخْتَفَى فِيهَا، فَجَاءُوا إِلَى الْبَابِ، وَنَادَوْا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُدْعَانَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: صَبَوْتَ؟ فَقَالَ: أَلِمِثْلِي تَقُولُونَ هَذَا؟ عَلَيَّ نَحْرُ مِئَةِ نَاقَةٍ لِلَّاتِ وَالْعُزَّى إِنْ كُنْتُ صَبَوْتُ، قَالُوا: فَإِنَّ أَسْوَدَكَ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا، فَدَخَلَ فَأَخْرَجَهُ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: شَأْنُكُمْ بِهِ، افْعَلُوا بِهِ مَا أَحْبَبْتُمْ، فَخَرَجَ بِهِ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ إِلَى الرَّمْضَاءِ، وَبَسَطَاهُ عَلَيْهَا، وَجَعَلَا عَلَى عُنُقِهِ رَحًى، وَقَالَا: اكْفُرْ بِمُحَمَّدٍ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ. وَمَرَّ بِهِمَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا تُدْرِكَانِ بِعَذَابِهِ ثَأْرًا، فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ: هُوَ عَلَى دِينِكَ فَاشْتَرِهِ مِنَّا...».

 

وَمِمَّا جَاءَ فِي تَعْذِيبِهِ وَثَبَاتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَنَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَأَوْقَفُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَدْ آتَاهُمْ كُلَّمَا أَرَادُوا غَيْرَ بِلَالٍ، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَجَعَلَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ». وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَرَرْتُ بِبِلَالٍ وَهُوَ يُعَذَّبُ فِي الرَّمْضَاءِ لَوْ أَنَّ بَضْعَةَ لَحْمٍ وُضِعَتْ لَنَضَجَتْ، وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا كَافِرٌ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَأُمَيَّةُ مُغْتَاظٌ عَلَيْهِ فَيَزِيدُهُ عَذَابًا فَيُقْبِلُ عَلَيْهِ، فَيَدْغَتُ فِي حَلْقِهِ -أَيْ يَخْنُقُهُ- فَيُغْشَى عَلَيْهِ، ثُمَّ يَفِيقُ». وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «حَجَجْتُ فَرَأَيْتُ بِلَالًا فِي حَبْلٍ طَوِيلٍ، تَمُدُّهُ الصِّبْيَانُ... وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ، أَنَا أَكْفُرُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَهُبَلَ وَإِسَافَ وَنَائِلَةَ وَبَوَانَةَ، فَأَضْجَعَهُ أُمَيَّةُ فِي الرَّمْضَاءِ». وَعَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: «كَانَ بِلَالٌ إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ قَالَ: أَحَدٌ أَحَدٌ. فَيَقُولُونَ لَهُ: قُلْ كَمَا نَقُولُ. فَيَقُولُ: إِنَّ لِسَانِي لَا يَنْطَلِقُ بِهِ وَلَا يُحْسِنُهُ». وَرُوِيَ أَنَّ بِلَالًا قَالَ: «أَعْطَشُونِي يَوْمًا وَلْيَلَةً ثُمَّ أَخْرَجُونِي فَعَذَّبُونِي فِي الرَّمْضَاءِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ». وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: «كَانَ بِلَالٌ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَ يُعَذَّبُ حِينَ أَسْلَمَ لِيَرْجِعَ عَنْ دِينِهِ، فَمَا أَعْطَاهُمْ قَطُّ كَلِمَةً مِمَّا يُرِيدُونَ».

 

وَصَبَرَ بِلَالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى شِدَّةِ الْعَذَابِ، وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى إِيمَانِهِ لَا يَتَزَحْزَحُ عَنْهُ، حَتَّى اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْتَقَهُ، وَفِي هَذَا يَقُولُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا، يَعْنِي: بِلَالًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ بِلَالٌ مَعَ الْمُهَاجِرِينَ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ وَانْتَصَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ تَحَقَّقَ لِبِلَالٍ قِصَاصُهُ مِمَّنْ عَذَّبُوهُ، وَأَوَّلُهُمْ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «فَأَبْصَرَهُ بِلَالٌ، فَخَرَجَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ، فَخَرَجَ مَعَهُ فَرِيقٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي آثَارِنَا، فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَلْحَقُونَا، خَلَّفْتُ لَهُمُ ابْنَهُ لِأَشْغَلَهُمْ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَبَوْا حَتَّى يَتْبَعُونَا، وَكَانَ رَجُلًا ثَقِيلًا، فَلَمَّا أَدْرَكُونَا، قُلْتُ لَهُ: ابْرُكْ، فَبَرَكَ، فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِ نَفْسِي لِأَمْنَعَهُ، فَتَخَلَّلُوهُ بِالسُّيُوفِ مِنْ تَحْتِي حَتَّى قَتَلُوهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَشَهِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ بِالْجَنَّةِ؛ فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: «يَا بِلَالُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا فِي سَاعَةٍ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَظَلَّ بِلَالٌ مُؤَذِّنًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ، وَوَلِيَ الْخِلَافَةَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاشْتَاقَ بِلَالٌ لِلْجِهَادِ فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: «إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَنِي لِنَفْسِكَ فَأَمْسِكْنِي، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَنِي لِلَّهِ، فَدَعْنِي وَعَمَلَ اللَّهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَاشَدَهُ أَنْ يَبْقَى مَعَهُ فَبَقِيَ حَتَّى وَلِيَ الْخِلَافَةَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَذِنَ لَهُ فِي الْجِهَادِ. فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ بِلَالٍ وَأَرْضَاهُ، وَرَضِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَجَمَعَنَا بِهِمْ فِي دَارِ النَّعِيمِ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

 

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 131-132].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

مَكَثَ بِلَالٌ مُرَابِطًا فِي الشَّامِ، فَلَمَّا زَارَ عُمَرُ الشَّامَ قَابَلَهُ بِلَالٌ، رَوَى أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا خَطَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَادَ إِلَى الْجَابِيَةِ، سَأَلَهُ بِلَالٌ أَنْ يُقِرَّهُ بِالشَّامِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، قَالَ: وَأَخِي أَبُو رُوَيْحَةَ الَّذِي آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ دَارِيَّا فِي خَوْلَانَ، فَأَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ إِلَى قَوْمٍ مِنْ خَوْلَانَ، فَقَالَ: قَدْ أَتَيْنَاكُمْ خَاطِبَيْنِ، وَقَدْ كُنَّا كَافِرَيْنِ فَهَدَانَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَمْلُوكَيْنِ فَأَعْتَقَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَفَقِيرَيْنِ فَأَغْنَانَا اللَّهُ، فَإِنْ تُزَوِّجُونَا فَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَإِنْ تَرُدُّونَا فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ: فَزَوَّجُوهُمَا» رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ.

 

وَمَاتَ بِلَالٌ بِالشَّامِ زَمَنَ عُمَرَ، وَلَمَّا احْتُضِرَ سَمِعَ امْرَأَتَهُ تَقُولُ: «وَاحُزْنَاهْ، فَقَالَ: وَاطَرَبَاهْ، غَدًا أَلْقَى الْأَحِبَّةَ؛ مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ»، فَكَانَ بِلَالٌ يَمْزُجُ مَرَارَةَ الْمَوْتِ بِحَلَاوَةِ اللِّقَاءِ، كَمَا كَانَ وَهُوَ يُعَذَّبُ فِي مَكَّةَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ، يَمْزُجُ مَرَارَةَ الْعَذَابِ بِحَلَاوَةِ الْإِيمَانِ. فَلِلَّهِ دَرُّهُ، مَا أَشَدَّ صَبْرَهُ، وَمَا أَعْظَمَ ثَبَاتَهُ فِي حَيَاتِهِ وَعِنْدَ مَمَاتِهِ.

 

وَمِنْ سِيرَةِ بِلَالٍ وَثَبَاتِهِ نَتَعَلَّمُ الثَّبَاتَ عَلَى الْحَقِّ، وَلَوْ كَثُرَ الْمُبَدِّلُونَ وَالنَّاكِصُونَ، وَنُدْرِكُ أَنَّ عَاقِبَةَ الصَّبْرِ نَصْرٌ عَزِيزٌ، وَفَوْزٌ كَبِيرٌ. فَبِلَالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَبَرَ عَلَى الْأَذَى فِي مَكَّةَ، مُعْتَزًّا بِإِيمَانِهِ، شَامِخًا فِي ثَبَاتِهِ، لَا يَجِدُ كَلِمَةً أَشَدَّ إِغَاظَةً لِأَهْلِ الْكُفْرِ مِنْ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، فَكَانَ يُرَدِّدُهَا: أَحَدُ أَحَدٌ، يُرِيدُ تَوْحِيدَ اللَّهِ تَعَالَى وَنَبْذَ شِرْكِهِمْ. ثُمَّ عَتَقَ بِلَالٌ وَهَاجَرَ، وَعُوفِيَ مِنَ الْبَلَاءِ، وَارْتَاحَ مِنَ الْعَذَابِ، وَاغْتَنَى مِنَ الْفَقْرِ، وَحَازَ الْأَجْرَ وَالشَّرَفَ، وَفَوْزُ الْآخِرَةِ أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ. بَيْنَمَا مَاتَ مُعَذِّبُوهُ شَرَّ مِيتَةٍ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى.

 

فَهَنِيئًا لِمَنْ تَزَيَّا بِالثَّبَاتِ عَلَى دِينِهِ، وَتَسَلَّحَ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يُصِيبُهُ، وَابْتَغَى الْآخِرَةَ دُونَ الْعَاجِلَةِ، وَنَظَرَ إِلَى الْعَاقِبَةِ دُونَ الْحَالِ الْحَاضِرَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُغَيِّرُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَيَعِزُّ الْأَذِلَّةَ الضُّعَفَاءَ وَيَنْصُرُهُمْ، وَيُذِلُّ الْأَعِزَّةَ الْأَقْوِيَاءَ وَيَهْزِمُهُمْ ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 25].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الثابتون على الحق (2) مؤمن آل فرعون
  • الثابتون على الحق (4) أصحاب الأخدود
  • بلال بن رباح رضي الله عنه وإنسانية الحضارة الإسلامية
  • من أجل أوصاف الطائفة المنصورة أنهم ظاهرون على الحق
  • الثابتون على الحق (7) خباب بن الأرت

مختارات من الشبكة

  • الثبات: أهميته وسير الثابتين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز نكاح امرأة على نعلين(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • سالم بن عبد الله بن عمر رحمه الله وأثره في الجانب الاجتماعي والعلمي في المدينة المنورة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • سلسلة دروب النجاح (6) العقلية النامية: مفاتيح النمو الشخصي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • صحابة منسيون (1) الصحابي الجليل: خفاف بن ندبة السلمي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تراجم: المأمون – عبدالحميد الكاتب – عبدالله بن معاوية – طارق بن زياد – الأحنف بن قيس - عمرو بن العاص(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • السيرة النبوية للأطفال(مقالة - موقع عرب القرآن)
  • مخطوطة حديث محمد بن عبدالله بن المثنى بن أنس بن مالك الأنصاري عن شيوخه(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • ماذا تعرف عن نبينا صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإمام الفقيه محمد بن إدريس الشافعي(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ولاية بارانا تشهد افتتاح مسجد كاسكافيل الجديد في البرازيل
  • الشباب المسلم والذكاء الاصطناعي محور المؤتمر الدولي الـ38 لمسلمي أمريكا اللاتينية
  • مدينة كارجلي تحتفل بافتتاح أحد أكبر مساجد البلقان
  • متطوعو أورورا المسلمون يتحركون لدعم مئات الأسر عبر مبادرة غذائية خيرية
  • قازان تحتضن أكبر مسابقة دولية للعلوم الإسلامية واللغة العربية في روسيا
  • 215 عاما من التاريخ.. مسجد غمباري النيجيري يعود للحياة بعد ترميم شامل
  • اثنا عشر فريقا يتنافسون في مسابقة القرآن بتتارستان للعام السادس تواليا
  • برنامج تدريبي للأئمة المسلمين في مدينة كارجلي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 5/6/1447هـ - الساعة: 17:23
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب