• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من مائدة الحديث: التحذير من الظلم
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    خطبة: ليس منا (الجزء الثاني)
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    حقوق الخدم في الاسلام
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الصفات الفعلية
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    لقبول المحل لا بد من تفريغه من ضده
    إبراهيم الدميجي
  •  
    الإسلام يدعو لمعالي الأخلاق
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    كيف واجه العلماء فتنة السيف والقلم؟
    عمار يوسف حرزالله
  •  
    مغسلة صلاة الفجر
    خميس النقيب
  •  
    من صور الخروج عن الاستقامة
    ناصر عبدالغفور
  •  
    كيف تستعيد البركة في وقتك؟ وصية عملية (أكثر من ...
    محمد بن عبدالله العبدلي
  •  
    رعاية الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وكفايته
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    المغضوب عليهم (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    الوقف بالروم على الكلمات التي لحقتها الياءات ...
    بلحسن بن محمد لطفي الشاذلي
  •  
    بيع الحاضر للباد وشراؤه له
    محمد علي عباد حميسان
  •  
    مفتاح الخيرات (خطبة)
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    فذكر (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العبادات / الصيام ورمضان وما يتعلق بهما
علامة باركود

الوباء في رمضان

الوباء في رمضان
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/4/2020 ميلادي - 1/9/1441 هجري

الزيارات: 34752

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الوباء في رمضان

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَى عِبَادَهُ لِرَمَضَانَ، وَشَرَعَ لَهُمْ فِيهِ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ، وَابْتَلَاهُمْ بِأَنْوَاعِ الْبَلَاءِ؛ لِتُكَفَّرَ سَيِّئَاتُهُمْ، وَتُحَطَّ خَطَايَاهُمْ، وَتُرْفَعَ دَرَجَاتُهُمْ؛ فَضْلًا مِنْهُ وَنِعْمَةً، وَهُوَ الْعَلِيمُ الرَّحِيمُ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَنْعَمَ عَلَى عِبَادِهِ بِالْخَيْرَاتِ، وَدَلَّهُمْ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَرَغَّبَهُمْ فِي اكْتِسَابِ الْحَسَنَاتِ، وَحَذَّرَهُمْ مِنَ اقْتِرَافِ السَّيِّئَاتِ؛ لِيَنْجُوا مِنَ الدَّرَكَاتِ، وَيَحُوزُوا أَعْلَى الدَّرَجَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَخْبَرَ أُمَّتَهُ أَنَّهُ «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ»، «وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ» صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَحْسِنُوا اسْتِقْبَالَ الشَّهْرِ الْكَرِيمِ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، وَالْعَزْمِ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَمُفَارَقَةِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَضَاءِ الْأَوْقَاتِ فِي الذِّكْرِ وَالْقُرْآنِ، وَبَذْلِ الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ؛ فَإِنَّ الصِّيَامَ بَوَّابَةٌ لِلتَّقْوَى، وَالتَّقْوَى: فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ، وَاجْتِنَابُ الْمَنْهِيَّاتِ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 183].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: أَهَلَّ رَمَضَانُ هَذَا الْعَامَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْوَبَاءُ قَدْ ضَرَبَ أَطْنَابَهُ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَاجْتَاحَ الدُّوَلَ وَالْمُدُنَ، وَمُنِعَ بِسَبَبِهِ السَّفَرُ، وَقُطِّعَتِ السُّبُلُ، وَأَضْحَى النَّاسُ مَعَهُ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ.

 

أَهَلَّ رَمَضَانُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ حَالَ الْوَبَاءُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَسَاجِدِهِمْ؛ لِئَلَّا يَتَفَشَّى الْوَبَاءُ فِيهِمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ، وَلَا سِيَّمَا أَنَّهُ سَرِيعُ الْعَدْوَى، وَهُوَ أَمْرٌ مُؤْلِمٌ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَدْخُلَ رَمَضَانُ وَلَا تَرَاوِيحَ فِي الْمَسَاجِدِ.

 

وَالْأَوْبِئَةُ دَوْرَةٌ تَطْهِيرِيَّةٌ فِي الْأَرْضِ يُقَدِّرُهَا اللَّهُ تَعَالَى لِيُغَيِّرَ بِهَا أَحْوَالَ الْبَشَرِ؛ فَيُسَلِّطُهَا عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ، وَيَجْعَلُهَا رَحْمَةً لِأَهْلِ الْإِيمَانِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ وُقُوعُهَا فِي التَّارِيخِ كَثِيرًا، حَتَّى لَا تَكَادَ تُحْصَى مِنْ كَثْرَتِهَا، وَبَعْضُ الْبِقَاعِ مَوْبُوءَةٌ لَا يُفَارِقُهَا الْوَبَاءُ إِلَّا عَادَ إِلَيْهَا مَرَّةً أُخْرَى، وَقَدْ دَوَّنَ الْمُؤَرِّخُونَ أَوْبِئَةً كَثِيرَةً فَتَكَتْ بِالنَّاسِ، وَغَيَّرَتْ عَلَيْهِمْ حَيَاتَهُمْ، وَنَغَّصَتْ مَعَايِشَهُمْ، وَمِنْهَا مَا وَقَعَ فِي رَمَضَانَ، وَمِنْهَا مَا كَانَ اشْتِدَادُ فَوْعَتِهِ فِي رَمَضَانَ، وَمِنْهَا مَا قَلَّ أَوْ تَلَاشَى بِدُخُولِ رَمَضَانَ.

 

وَهَذَا حَدِيثٌ عَنْ وَبَاءٍ وَقَعَ فِي مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ الْخَامِسِ الْهِجْرِيِّ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِ مِئَةٍ، وَكَتَبَ عَنْهُ الْمُؤَرِّخُونَ يَصِفُونَ فَتْكَهُ بِالنَّاسِ، كَمَا يَصِفُونَ حَالَ النَّاسِ آنَذَاكَ، وَمِنْ أَوْفَى مَنْ تَنَاوَلَهُ بِالتَّدْوِينِ سِبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، فَكَانَ مِمَّا قَالَهُ فِي تَارِيخِهِ مِنْ ذِكْرِهِ لِذَلِكَ الْوَبَاءِ: «وَفِي جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَدَ كِتَابٌ مِنْ بُخَارَى مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَهُمْ وَبَاءٌ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ وَلَا سُمِعَ بِهِ، حَتَّى إِنَّهُ خَرَجَ مِنْ هَذَا الْإِقْلِيمِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ جِنَازَةٍ، وَحُصِرَ مَنْ مَاتَ مِنْهُ فَكَانُوا أَلْفَ أَلْفٍ وَسِتَّ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ أَلْفًا إِلَى تَارِيخِ الْكِتَابِ، وَمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ يَمُرُّونَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ فَلَا يَرَوْنَ إِلَّا أَسْوَاقًا خَالِيَةً، وَأَبْوَابًا مُغْلَقَةً، وَتَعَدَّى الْوَبَاءُ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ، ثُمَّ إِلَى الْأَهْوَازِ وَالْبَصْرَةِ وَوَاسِطٍ وَتِلْكَ الْأَعْمَالِ، حَتَّى كَانَتْ تُحْفَرُ زُبْيَةٌ -وَهِيَ الْحُفْرَةُ الَّتِي تُحْفَرُ لِصَيْدِ السِّبَاعِ- فَيُلْقَى فِيهَا عِشْرُونَ وَثَلَاثُونَ مِنَ النَّاسِ، وَسَبَبُهُ قِلَّةُ الْقُوتِ وَالْجُوعُ، وَمَنْ مَاتَ قَرِيبًا مِنْ دِجْلَةَ سَحَبُوهُ بِرِجْلِهِ وَأَلْقَوْهُ فِيهَا... وَكَانَ لِرَجُلٍ أَرْضٌ يُسْأَلُ فِي بَيْعِهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَبَاعَهَا بِخَمْسَةِ أَرْطَالِ خُبْزٍ، فَأَكَلَهَا وَمَاتَ مِنْ وَقْتِهِ. وَوَصَلَ إِلَى بَغْدَادَ نُسْخَةُ كِتَابٍ كُتِبَ مِنْ سَمَرْقَنْدَ... مَضْمُونُهُ أَنَّهُ يُدْفَنُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ صَالِحِي الْمُسْلِمِينَ خَمْسَةُ آلَافٍ وَسِتَّةُ آلَافٍ وَأَكْثَرُ، وَغُلِّقَتِ الْأَسْوَاقُ، وَاشْتَغَلَ النَّاسُ لَيْلًا وَنَهَارًا بِدَفْنِ مَوْتَاهُمْ وَغَسْلِهِمْ وَتَكْفِينِهِمْ، وَكُلُّ دَارٍ يَدْخُلُهَا الْمَوْتُ يَأْتِي عَلَى الْجَمِيعِ، وَكَانَ الْمَرِيضُ يَنْشَقُّ قَلْبُهُ عَنْ دَمِ الْمُهْجَةِ، فَتَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ قَطْرَةٌ فَيَمُوتُ.

 

وَغُلِّقَ مِنَ الْبَلَدِ مِنْ دُورِ الْمُقَدَّمِينَ وَأَعْيَانِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفَيْ دَارٍ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا كَبِيرٌ وَلَا صَغِيرٌ وَلَا حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ وَلَا وَارِثٌ، وَتَابَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَتَصَدَّقُوا بِمُعْظَمِ أَمْوَالِهِمْ، وَأَرَاقُوا الْخُمُورَ، وَكَسَرُوا الْمَعَازِفَ، وَلَزِمُوا الْمَسَاجِدَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَالنِّسَاءُ فِي الْبُيُوتِ يَفْعَلْنَ كَذَلِكَ... وَكُلُّ مَنْ أَوْصَى إِلَى إِنْسَانٍ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْمُوصِي... وَكَانَ عِنْدَ الْفَقِيهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ سَبْعُ مِئَةِ فَقِيهٍ، فَمَاتَ عَبْدُ الْجَبَّارِ وَالْفُقَهَاءُ بِأَسْرِهِمْ، وَكَانَ فِي دَارِ رَجُلٍ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَهْلِ وَالْغِلْمَانِ مَا يُوفِي عَلَى الْخَمْسِينَ، فَمَاتُوا كُلُّهُمْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَخَلَّفُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا طِفْلٌ صَغِيرٌ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ، وَالْمَالُ جَمِيعُهُ فِي الدَّارِ لَا يَجْسُرُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَهَا... قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى مَرِيضٍ قَدْ طَالَ نَزْعُهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ، فَدَخَلْنَاهُ وَفَتَّشْنَاهُ وَإِذَا بِخَابِيَةِ خَمْرٍ، فَأَقْلَبْنَاهَا، فَخَلَّصَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمَوْتِ. قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ مِثْلُ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ مُنْذُ مَاتَ آدَمُ وَإِلَى الْآنِ، وَلَا يُعْلَمُ مَنْ مَاتَ فِي أَرْضِ الْمَشْرِقِ، بَلْ قِيلَ: إِنَّ سَمَرْقَنْدَ مِنْ غُرَّةِ شَوَّالٍ وَإِلَى سَلْخِ ذِي الْقِعْدَةِ أُحْصِيَ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَبْوَابِهَا مِنَ الْجَنَائِزِ، فَكَانُوا مِئَتَيْ أَلْفٍ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا. قَالَ: وَأَصْلُ هَذَا الْوَبَاءِ مِنْ تِرْكِسْتَانَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إِلَى بِلَادِ سَاغُونَ وَكَاشْغَرَ وَالشَّاشِ وَفَرْغَانَةَ وَتِلْكَ النَّوَاحِي، وَوَصَلَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ فِي سَابِعِ عِشْرِينَ رَمَضَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَمْ يَعْبُرِ النَّهْرَ، حَتَّى إِنْ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ بُخَارَى عَبَرُوا إِلَى بَلْخَ، فَنَزَلُوا فِي رِبَاطٍ مِنْهَا، فَمَاتُوا بِأَجْمَعِهِمْ دُونَ أَهْلِ بَلْخَ، وَكَانَ الْمَوْتُ فِي الشَّبَابِ وَالْكُهُولِ وَالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ مِنَ الْعَوَامِّ، فَأَمَّا الْمُلُوكُ وَالْعَسَاكِرُ وَالْمَشَايِخُ وَالْعَجَائِزُ فَلَمْ يَمُتْ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ... إِلَخْ. قَالَ ابْنُ الصَّابِئِ: عَبَرْتُ إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ... فَرَأَيْتُ أَمْرًا مُوحِشًا يَدُلُّ عَلَى خَرَابِ الْبَلَدِ وَانْقِرَاضِهِ، وَرَأَيْتُ الْمَسَاكِنَ قَدْ عَلَاهَا التُّرَابُ، وَعَلَيْهَا دَلَائِلُ السُّخْطِ وَالِانْتِقَامِ. وَلَمْ تَقَعْ عَيْنِي عَلَى مَنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ صَحِيحٌ وَلَا نَظِيفٌ... وَبُطِّلَتِ الصَّلَاةُ فِي جَوَامِعِ بَغْدَادَ إِلَّا جَامِعَ الْخَلِيفَةِ ﴿ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ [الْقَصَصِ: 58]» انْتَهَى كَلَامُهُ.

 

وَقَدْ تَوَارَدَ الْمُؤَرِّخُونَ عَلَى ذِكْرِ هَذَا الْوَبَاءِ أَوِ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: «وَفِيهَا كَثُرَ الْوَبَاءُ بِبُخَارَى حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ إِنْسَانٍ مِنْ أَعْمَالِ بُخَارَى، وَهَلَكَ فِي هَذِهِ الْوِلَايَةِ فِي مُدَّةِ الْوَبَاءِ أَلْفُ أَلْفٍ وَسِتُّمِائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسُونَ أَلْفًا، وَكَانَ بِسَمَرْقَنْدَ مِثْلُ ذَلِكَ... وَبَقِيَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ سَائِبَةً».

 

وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: «وَأَمَّا بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدُ وَتِلْكَ الدِّيَارُ، فَكَانَ الْوَبَاءُ بِهَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ، بَلْ يُسْتَحَى مِنْ ذِكْرِهِ».

 

وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: «وَجَاءَ الْخَبَرُ مِنْ أَذْرَبِيجَانَ وَتِلْكَ الْبِلَادِ بِالْوَبَاءِ الْعَظِيمِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ إِلَّا الْعَدَدُ الْقَلِيلُ: وَوَقَعَ وَبَاءٌ بِالْأَهْوَازِ وَأَعْمَالِهَا وَبِوَاسِطٍ وَالنِّيلِ وَالْكُوفَةِ وَطَبَّقَ الْأَرْضَ...».

 

نَسْأَلُ تَعَالَى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ الدَّائِمَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا نَسْأَلُهُ أَنْ يَرْفَعَ الْوَبَاءَ عَنَّا وَعَنِ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْبُدُوهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ، وَأَكْثِرُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَإِنَّهَا سَبَبٌ لِدَفْعِ الْبَلَاءِ، وَرَفْعِ الْوَبَاءِ، وَاسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَلَا يَهْلِكُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا هَالِكٌ ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبَ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 186].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي تَذَاكُرِ الْأَوْبِئَةِ السَّابِقَةِ تَسْلِيَةٌ لِلنَّاسِ فِي مِحْنَةِ هَذَا الْوَبَاءِ، بِأَنَّ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الوَبَاءَ قَدْ جَرَى عَلَى أَسْلَافِهِمْ مَعَ قِلَّةِ الْإِمْكَانَاتِ، وَتَأَخُّرِ الطِّبِّ، وَضَعْفِ الْعِلَاجِ، وَمَعَ ذَلِكَ تَجَاوَزُوهُ.

 

وَفِي تَذَكُّرِ الْأَوْبِئَةِ السَّابِقَةِ حَفْزٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَيْنَ حَالُنَا مِنْ حَالِ أَسْلَافِنَا حِينَ كَانَتْ تَضْرِبُهُمُ الْأَوْبِئَةُ فَتُفْنِي خَلْقًا كَثِيرًا مِنْهُمْ، دُونَ مَنْ يُعَانُونَ قَرْصَ الْجُوعِ وَأَلَمَ الْوَبَاءِ؟!

 

وَحِينَ يَأْسَى الْمُسْلِمُ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ إِقَامَةَ التَّرَاوِيحِ فِي الْمَسَاجِدِ خَشْيَةَ الْعَدْوَى يَتَذَكَّرُ أَنَّ الْمَسَاجِدَ فِيمَا مَضَى خَلَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَمْصَارِ الْعَظِيمَةِ لِمَوْتِ أَكْثَرِ النَّاسِ بِالْوَبَاءِ، وَهُوَ يُقِيمُ صَلَاتَهُ فِي بَيْتِهِ وَبَيْنَ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 7].

 

وَيَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِمَا يَسْتَذْكِرُ مِنْ أَوْبِئَةِ الْقُرُونِ السَّالِفَةِ أَنَّ الْوَبَاءَ مَهْمَا عَظُمَ فَتْكُهُ، وَاتَّسَعَ انْتِشَارُهُ، وَطَالَ أَمَدُهُ؛ فَإِنَّهُ لَنْ يَقْضِيَ عَلَى الْبَشَرِ كُلِّهِمْ، وَلَنْ يَقْضِيَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ كُلِّهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَأَذَّنَ بِبَقَاءِ الْبَشَرِ، وَبَقَاءِ الْإِيمَانِ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، وَقَدْ سَلَفَتْ أَوْبِئَةٌ فِي التَّارِيخِ ظَنَّ مَنْ عَاصَرُوهَا أَنَّهَا لَا تُبْقِي أَحَدًا مِنَ الْبَشَرِ حَيًّا لِشِدَّةِ فَتْكِهَا، وَسُرْعَةِ انْتِشَارِهَا، وَطُولِ بَقَائِهَا، فَانْجَلَتْ بَعْدَ أَنْ حَصَدَتْ مَنِ انْتَهَتْ آجَالُهُمْ، وَاسْتَأْنَفَ مَنْ بَقِيَ مِنَ الْبَشَرِ حَيَاتَهُمْ، وَمَارَسُوا أَعْمَالَهُمْ، وَعَمَّرُوا الْأَرْضَ مِنْ جَدِيدٍ؛ فَالْأَوْبِئَةُ دَوْرَاتٌ تَارِيخِيَّةٌ يُقَدِّرُهَا اللَّهُ تَعَالَى لِحِكَمٍ بَالِغَةٍ.

 

هَذَا؛ وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ وَهُوَ مُتَفَرِّغٌ فِي بَيْتِهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ أَنْ يَشْغَلَ جُلَّ وَقْتِهِ بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّ رَمَضَانَ شَهْرُ الْقُرْآنِ، وَلْيَحْذَرْ مِنْ ضَيَاعِ الْوَقْتِ فِي الْقِيلِ وَالْقَالِ، أَوِ التَّسَمُّرِ أَمَامَ الشَّاشَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ الْحَرَامَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُنْقِصُ أَجْرَ الصِّيَامِ، وَقَدْ يُذْهِبُهُ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ذكرى الوباء (خطبة)
  • عشر وقفات حول الوباء (كورونا)
  • الأوبئة (1) بين الوباء والطاعون
  • وقفات مع الوباء والبلاء
  • تذكرت الوباء الكبير
  • هل يدخل الطاعون المدينة النبوية؟ وهل يوجد فرق بين الطاعون والوباء؟
  • الوباء وجهود الأطباء المسلمين في تفسيره
  • خطبة عيد الفطر المبارك (1441هـ) السنن الربانية في الوباء
  • الوباء عبر وعظات (أول خطبة بعد الحجر)

مختارات من الشبكة

  • من تبعات انتشار الوباء(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم)
  • من فضائل النبي: استجابة الله تعالى لدعائه بتطهير المدينة المنورة من الوباء وأن يبارك فيها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وسائل الثبات عند حلول الوباء ونزول البلاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلمة في الوباء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حاجة العباد إلى الصبر على البلاء في زمن الوباء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأوبئة (10) أقسام الناس في الوباء(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • تعليق رفع الوباء بالثريا لا يصح شرعا ولا نظرا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأوبئة (9) العبادة في الوباء(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • الأوبئة (8) الدعاء لرفع الوباء(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • حاجة المجتمع إلى التضامن في زمن الوباء(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الشباب المسلم والذكاء الاصطناعي محور المؤتمر الدولي الـ38 لمسلمي أمريكا اللاتينية
  • مدينة كارجلي تحتفل بافتتاح أحد أكبر مساجد البلقان
  • متطوعو أورورا المسلمون يتحركون لدعم مئات الأسر عبر مبادرة غذائية خيرية
  • قازان تحتضن أكبر مسابقة دولية للعلوم الإسلامية واللغة العربية في روسيا
  • 215 عاما من التاريخ.. مسجد غمباري النيجيري يعود للحياة بعد ترميم شامل
  • اثنا عشر فريقا يتنافسون في مسابقة القرآن بتتارستان للعام السادس تواليا
  • برنامج تدريبي للأئمة المسلمين في مدينة كارجلي
  • ندوة لأئمة زينيتسا تبحث أثر الذكاء الاصطناعي في تطوير رسالة الإمام

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 4/6/1447هـ - الساعة: 17:8
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب