• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    دور الصحابة رضي الله عنهم في حفظ القرآن مدونا ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    وقفات تربوية مع قوله تعالى: (فصل لربك وانحر)
    د. أحمد عبدالمجيد مكي
  •  
    آداب تلاوة القرآن الكريم (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    { ويل للمطففين }
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    بلقيس وانتصار الحكمة
    حسام كمال النجار
  •  
    مجالات التيسير والسماحة في الشريعة الإسلامية
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    تحريم إنكار مشيئة الله تعالى أو مشيئة المخلوق
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    أشهد أن نبيـنا وسيدنا محمدا قد بلغ رسالة ربه ...
    الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع
  •  
    هل تحدثت عن نعم ربك؟
    حسين أحمد عبدالقادر
  •  
    وقفات تربوية مع سيد الأخلاق
    د. أحمد عبدالمجيد مكي
  •  
    حسن الظن بالمسلمين (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    تعظيم شعائر الله تعالى (درس 1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    وحدة الصف (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الهدوء لغة الأرواح الجميلة
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    الموازنة بين دعائه صلى الله عليه وسلم لأمته وبين ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (36) «من نفس ...
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العبادات / الصيام ورمضان وما يتعلق بهما
علامة باركود

كتب عليكم الصيام لعلكم تتقون (خطبة)

كتب عليكم الصيام لعلكم تتقون (خطبة)
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/6/2017 ميلادي - 10/9/1438 هجري

الزيارات: 39011

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كتب عليكم الصيام لعلكم تتقون

 

أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، بُلِّغتُم بِفَضلِ اللهِ شَهرَ رَمَضَانَ، وَحَيِيتُم مِنهُ هَذِهِ اللَّيَالِيَ وَالأَيَّامَ، فَاحرِصُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى أَن تُحَقِّقُوا أَعظَمَ غَايَاتِ الصِّيَامِ وَمَقَاصِدِهِ، فَإِنَّ رَبَّكُم - تَبَارَكَ وَتَعَالى - قَدِ افتَتَحَ آيَاتِ الصِّيَامِ بِقَولِهِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183] وَخَتَمَهَا - سُبحَانَهُ - بِقَولِهِ: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187] وَحِينَ يَكُونُ الحَدِيثُ عَنِ الحَثِّ عَلى التَّقوَى، وَالتَّأكِيدِ عَلَى تَحصِيلِهَا وَتَحقِيقِهَا، فَلْيُنتَبَهْ إِلى القَلبِ الَّذِي في الصَّدرِ، وَلْيُنظَرْ مَا بِدَاخِلِهِ وَلْيُبحَثْ عَمَّا فِيهِ، فَإِنَّهُ مَحَلُّ التَّقوَى وَمُستَودَعُهَا، وَهُوَ مَصدَرُهَا مِن جَسَدِ الإِنسَانِ. وَإِنَّ مِمَّا يَجِبُ أَن نَنتَبِهَ إِلَيهِ وَلا يَغِيبَ عَنَّا طَرفَةَ عَينٍ، أَنَّ ثَمَّةَ عِلاقَةً مُتَبَادَلَةً وَرَابِطَةً قَوِيَّةً، بَينَ تَقوَى القَلبِ وَبَينَ العِبَادَاتِ وَالقُرُبَاتِ وَالطَّاعَاتِ، فَالتَّزَوُّدُ مِنَ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ وَالحِرصُ عَلَى اكتِسَابِ الحَسَنَاتِ، دَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى وُجُودِ التَّقوَى في القَلبِ، وَهُوَ في الوَقتِ نَفسِهِ زِيَادَةٌ لَهَا وَتَعمِيقٌ لأَسَاسِهَا وَتَقوِيَةٌ لِبِنَائِهَا، كَمَا أَنَّ زِيَادَةَ التَّقوَى في القَلبِ وَتَحَقُّقَهَا في سُوَيدَائِهِ، هِيَ أَعظَمُ وَقُودٍ لِعَزِيمَةِ العَبدِ، وَأَقوَى مُحَرِّكٍ لِجَوَارِحِهِ لِلاستِكثَارِ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَالتَّزَوُّدِ مِنَ البَاقِيَاتِ.

 

وَالعِلاقَةُ بَينَ القَلبِ وَالجَوَارِحِ - أَيُّهَا الصَّائِمُونَ - عِلاقَةٌ مُتَبَادَلَةٌ، إِذْ بِصَلاحِ كُلٍّ مِنهُمَا وَاستِقَامَتِهِ، يَصلُحُ الآخَرُ وَيَستَقِيمُ، وَبِفَسَادِ أَيٍّ مِنهُمَا وَاعوِجَاجِهِ، يَكُونُ فَسَادُ قَرِينِهِ وَاعوِجَاجُهُ، دَلَّت عَلَى ذَلِكَ وَبَيَّنَتهُ أَتَمَّ البَيَانِ آيَاتٌ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 2، 3] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45] وَقَالَ - سُبحَانَهُ - ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [الأحزاب: 70، 71] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَالَّذِينَ اهتَدَوا زَادَهُم هُدًى وَآتَاهُم تَقوَاهُم ﴾ وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾ [المعارج: 19 - 35] وَفي الجُملَةِ - أَيُّهَا الإِخوَةُ - فَإِنَّ العِبَادَةَ كُلَّهَا بِجَمِيعِ أَنوَاعِهَا وَأَشكَالِهَا سَبَبٌ لِحُصُولِ التَّقوَى وَتَمكِينِهَا، قَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ﴾ وَفي الصَّحِيحَينِ يَقُولُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذاَ فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ القَلبُ " وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لا يَستَقِيمُ إِيمَانُ عَبدٍ حَتَّى يَستَقِيمَ قَلبُهُ، وَلا يَستَقِيمُ قَلبُهُ حَتَّى يَستَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلا يَدخُلُ الجَنَّةَ رَجُلٌ حَتَّى يَأمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ، وَيَقُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " تُعرَضُ الفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَالحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلبٍ أُشرِبَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكتَةٌ سَودَاءُ، وَأَيُّ قَلبٍ أَنكَرَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكتَةٌ بَيضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلبَينِ: عَلَى أَبيضَ مِثلِ الصَّفَا، فَلا تَضُرُّهُ فِتنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ، وَالآخَرُ أَسوَدَ مُربَادًّا كَالكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعرِفُ مَعرُوفًا وَلا يُنكِرُ مُنكَرًا إِلاَّ مَا أُشرِبَ مِن هَوَاهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " إِنَّ العَبدَ إِذَا أَخطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَت في قَلبِهِ نُكتَةٌ سَودَاءُ، فَإِنْ هُوَ نَزَعَ وَاستَغفَرَ صُقِلَت، فَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعلُوَ قَلبَهُ، فَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ - تَعَالى - ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14] " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -" مَنِ اقتَطَعَ مَالَ امرِئٍ مُسلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ، كَانَت نُكتَةٌ سَودَاءُ في قَلبِهِ، لا يُغَيِّرُهَا شَيءٌ إِلى يَومِ القِيَامَةِ " رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

 

أَجَلْ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ التَّقوَى قَرِينَةٌ لِمَا سَمِعتُم مِن أَعمَالٍ صَالِحَةٍ وَقُرُبَاتٍ عَظِيمَةٍ، وَبِاستِقَامَةِ الجَوَارِحِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ - تَعَالى - يَستَقِيمُ القَلبُ، وَبِالتَّهَاوُنِ بِالطَّاعَاتِ وَالزُّهدِ في القُرُبَاتِ، وَاكتِسَابِ المَعَاصِي وَاجتِرَاحِ السَّيِّئَاتِ، وَالتَّعَدِّي عَلَى حُقُوقِ العِبَادِ وَظُلمِهِم وَهَضمِهِم، يُطعَنُ القَلبُ وَيَتَلَوَّثُ وَيَتَّسِخُ، وَيَضعُفُ وَيَسوَدُّ وَيَنتَكِسُ، وَمِن ثَمَّ تَزدَادُ الجَوَارِحُ ضَعفًا وَتُصَابُ بِالخَوَرِ، فَتَكسَلُ عَنِ الطَّاعَةِ، وَتَضعُفُ عَن فِعلِ الخَيرِ، وَلا يَكُونُ لَهَا حَمَاسَةٌ في البِرِّ، وَبِذَلِكَ يُدَسِّي العَبدُ نَفسَهُ وَيُخفِيهَا في مُوَاطِنِ العَمَلِ وَالبَذلِ، وَلا يَنشَطُ في مَوَاسِمِ الخَيرِ وَلا يَهتَمُّ بِهَا وَلا يَشتَاقُ إِلَيهَا، يَرَى النَّاسَ يَتَسَابَقُونَ إِلَى المَسَاجِدِ يُصَلُّونَ الفَرَائِضَ وَيَتَنَفَّلُونَ، وَيَقُومُونَ اللَّيلَ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللهِ وَرِضوَانًا، وَيَقضُونَ مُعظَمَ أَوقَاتِهِم في تِلاوَةِ كِتَابِ اللهِ وَتَكرَارِ خَتمِهِ، وَيَتَصَدَّقُونَ عَلَى المُحتَاجِينَ وَيُفَطِّرُونَ الصَّائِمِينَ، وَيَدعَمُونَ بَرَامِجَ الخَيرِ وَيَتَسَابَقُونَ إِلى مَشرُوعَاتِ البِرِّ، وَيَظَلُّ هُوَ في نَومٍ وَخُمُولٍ وَكَسَلٍ، أَو تَشَاغُلٍ بِحُطَامِ الدُّنيَا وَتَبَاطُؤٍ عَن عَمَلِ الآخِرَةِ، لا يُصَلِّي مَعَ المُصَلِّينَ، وَلا يَقومُ مَعَ القَائِمِينَ، وَلا يُطعِمُ المِسكِينَ، وَلا يَذكُرُ اللهَ مَعَ الذَّاكِرِينَ، بَل قَد يَخُوضُ في الشَّرِّ مَعَ الخَائِضِينَ، وَيَجلِسُ مَعَ المُستَهزِئِينَ بِالدِّينِ، وَيَقعُدُ مَعَ القَاعِدِينَ الغَافِلِينَ، وَمِثلُ هَذَا حَرِيٌّ أَن يَكِلَهُ رَبُّهُ إِلى نَفسِهِ، وَأَن يَحُولَ بَينَهُ وَبَينَ قَلبِهِ، وَأَن يَذَرَهُ يَعمَهُ في طُغيَانِهِ، كَمَا قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الأنعام: 110] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُم ﴾ وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ في قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا ﴾ وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴾ [التوبة: 83].

 

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا الصَّائِمُونَ - وَلْنَحرِصْ عَلَى تَحقِيقِ الغَايَةِ الكُبرَى مِنَ الصِّيَامِ وَهِيَ التَّقوَى، لِنَعمَلْ بِطَاعَةِ اللهِ عَلَى نُورٍ مِنهُ رَجَاءً لِثَوَابِهِ، وَلْنَترُكْ مَعصِيَتَهُ عَلَى نُورٍ مِنهُ خَوفًا مِن عِقَابِهِ، لِنَضرِبْ في كُلِّ بَابٍ مِن أَبوَابِ الخَيرِ بِسَهمٍ وَلَو كَانَ صَغِيرًا أَو قَلِيلاً، وَلْنُغلِقْ أَبوَابَ الشَّرِّ الَّتي تَدخُلُ مِنهَا الشَّيَاطِينُ عَلَى قُلُوبِنَا فَتُفسِدُهَا، فَإِنَّ الصَّائِمَ الَّذِي فَقِهَ مَعنى الصِّيَامِ وَأَدرَكَ عَظَمَةَ رَمَضَانَ، لا يَأخُذُ الصِّيَامَ عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ امتِنَاعٍ عَنِ الأَكلِ وَالشُّربِ فَحَسبُ، دُونَ مَنعٍ لِلنَّفسِ بَعدَ ذَلِكَ مِمَّا تَشتَهِيهِ وَكَبحٍ لها عَمَّا تَرغَبُ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ يُدرِكُ أَنَّ الصِّيَامَ مَدرَسَةٌ عَظِيمَةٌ، يَصُومُ فِيهَا القَلبُ أَوَّلاً، ثُمَّ تَصُومُ العَينُ وَالأُذُنُ، وَيَصُومُ اللِّسَانُ وَالفَرجُ، وَتَصُومُ سَائِرُ الجَوَارِحِ عَمَّا لا يُرضِي اللهَ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِذَا كَانَ يَومُ صَومِ أَحَدِكُم فَلا يَرفَثْ يَومَئِذٍ وَلا يَصخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَو قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امرُؤٌ صَائِمٌ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " مَن لم يَدَعْ قَولَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيسَ للهِ حَاجَةٌ في أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ﴾

♦♦♦♦♦


أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - حَقَّ تُقَاتِهِ، وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَتِهِ وَمَرضَاتِهِ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 18، 19]

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، عَجِيبٌ أَن يُرِيدَ صَائِمٌ تَحقِيقَ التَّقوَى مِن صِيَامِهِ، ثُمَّ يَبَقَى طُولَ نَهَارِهِ جُثَّةً هَامِدَةً، لا طَاعَةَ وَلا عَمَلَ وَلا فَائِدَةَ، يَغِيبُ عَن صَلَوَاتِ النَّهَارِ مَعَ الجَمَاعَةِ لأَجَلِ النَّومِ، وَيَتَأَخَّرُ عَن صَلاتَيِ المَغرِبِ وَالعِشَاءِ لانشِغَالِهِ بِمَلءِ بَطنِهِ، وَيَترُكُ صَلاةَ القِيَامِ مَعَ الإِمَامِ إِيثَارًا لِمَجَالِسِ القِيلِ وَالقَالِ، وَيَمِيلُ بِسَمعِهِ وَبَصَرِهِ عَنِ التَّلَذُّذِ بِالآيَاتِ البَيِّنَاتِ، إِلى مُشَاهَدَةِ القَنَوَاتِ وَمُتَابَعَةِ المُسَلْسَلاتِ، يَمتَنِعُ في نَهَارِهِ عَن كَثِيرٍ مِنَ المُبَاحَاتِ، ثُمَّ تَعجِزُ نَفسُهُ عَن تَركِ مَا حَرَّم اللهُ مِن فُضُولِ النَّظَرِ وَمُحَرَّمِ السَّمَاعِ وَسَاقِطِ الكَلامِ. أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ جَمِيعًا أَيُّهَا الصَّائِمُونَ، وَلْنَنتَبِهْ لأَنفُسِنَا وَقُلُوبِنَا، وَلْنَأخُذْ أُمُورَنَا بِالجِدِّ وَالعَزِيمَةِ وَالقُوَّةِ في الطَّاعَةِ، وَلْنُصلِحِ النَّوَايَا وَلْنَقصِدْ فِعلَ الخَيرِ، وَلْنَحذَرِ الخُمُولَ وَالكَسَلَ، وَالتَّرَدُّدَ وَالتَّلَفُّتَ، وَفَسَادَ النَّوَايَا وَخُبثَ الطَّوَايَا، فَإِنَّ اللهَ قَد جَعَلَ رَمَضَانَ مِضمَارًا لِعِبَادِهِ لِيَستَبِقُوا الخَيرَاتِ وَيَتَسَابَقُوا إِلى الطَّاعَاتِ، وَفَرَضَ الصِّيَامَ لِيَكُونَ رِيَاضَةً رُوحِيَّةً لِكَبحِ النَّفسِ وَإِصلاحِ القَلبِ وَتَقوِيَةِ الإِرَادَةِ، وَمَدرَسَةً يُرَوَّضُ فِيهَا البَدَنُ وَتُعَوَّدُ الجَوَارِحُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّكَ لا تَرَى الصَّائِمَ الَّذِي يُرِيدُ تَحقِيقَ التَّقوَى في قَلبِهِ، إِلاَّ حَرِيصًا عَلَى وَقتِهِ، مُقبِلاً عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ، مُنَوِّعًا لِلطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ، مُستَكثِرًا مِنَ الحَسَنَاتِ، مُبتَعِدًا عَنِ السَّيِّئَاتِ، مُشَارِكًا في الدَّعوَةِ إِلى اللهِ، لِلفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ وَالمُحتَاجِينَ مِن مَالِهِ وَجَاهِهِ نَصِيبٌ، إِذَا حَدَّثَ صَدَقَ، وَإِذَا وَعَدَ وَفَى، وَإِذَا ائتُمِنَ أَدَّى، وَإِذَا هَمَّ بِمَعصِيَةٍ خَافَ رَبَّهُ فَكَفَّ وَارتَدَعَ. وَوَاللهِ وَبِاللهِ وَتَاللهِ، لا يَعلَمُ اللهُ مِن عَبدٍ صِدقَ نِيَّةٍ وَسَلامَةَ طَوِيَّةٍ، وَخُشُوعًا وَإِنَابَةً وَخَشيَةً، وَمَحَبَّةً لِلخَيرِ وَعَزِيمَةً عَلَى فِعلِ البِرِّ، إِلاَّ أَعَانَهُ وَوَفَّقَهُ وَسَدَّدَهُ، وَمَن صَدَقَ اللهَ صَدَقَهُ اللهُ، وَهُوَ القَائِلُ - سُبحَانهُ -: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18] وَالقَائِلُ: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [ق: 31 - 35].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفة مع قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام }
  • { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام }
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام...)
  • حكم ومقاصد الصيام
  • لعلكم تتقون (خطبة)
  • لعلكم تتقون (خطبة)
  • {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • تمام الإنعام بفرض الصيام وبركة رمضان وقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • فريضة الصيام (كتب عليكم الصيام)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • كتب عليكم الصيام(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • كتب عليكم الصيام (مرئي)(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • كتب عليكم الصيام(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ( بطاقة دعوية )(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تمام الإنعام بفرض الصيام وبركة رمضان وقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام)(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تمام الإنعام بفرض الصيام وبركة رمضان وقول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مبادرة "زوروا مسجدي 2025" تجمع أكثر من 150 مسجدا بمختلف أنحاء بريطانيا
  • متطوعو كواد سيتيز المسلمون يدعمون آلاف المحتاجين
  • مسلمون يخططون لتشييد مسجد حديث الطراز شمال سان أنطونيو
  • شبكة الألوكة تعزي المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا في وفاة سماحة مفتي عام المملكة
  • برنامج تعليمي إسلامي شامل لمدة ثلاث سنوات في مساجد تتارستان
  • اختتام الدورة العلمية الشرعية الثالثة للأئمة والخطباء بعاصمة ألبانيا
  • مدرسة إسلامية جديدة في مدينة صوفيا مع بداية العام الدراسي
  • ندوة علمية حول دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية بمدينة سراييفو

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 7/4/1447هـ - الساعة: 12:32
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب