أختي تمنعني زيارة أمي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص مشكلتكِ هو:

1- أختكِ تتهمكِ بأنكِ تحسُدينها، وأنها أُصيبت منكِ بعين الحاسد.

2- أختكِ تكرهكِ وتكيد لكِ وتمنعكِ من زيارة أمك، وأمكِ تعاونها في ذلك، وتقاطعكِ ولا تريد منكِ زيارتها.

3- تشعرين أن طاقتكِ لم تعد تتحمل هذا الظلم.

4- وأخيرًا تسألين: ما الحل؟

فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: أول ما أوصيكِ به هو العلاجات الشرعية المهمة جدًّا، بل هي أعظم العلاجات؛ وهي:

1- المحافظة على أداء الصلوات في أوقاتها مع نوافلها وأذكارها.

2- الإكثار من تلاوة القرآن ورقية نفسكِ به؛ فهو عبادة عظيمة، وثواب جزيل ومطمْئِن للقلوب؛ قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وأعظم الذكر هو الصلاة والتلاوة.

3- عليكِ بأعظم شيء؛ وهو صدق اللجوء لله سبحانه بتفريج كربتك، وتوفيق أمكِ وأختكِ لحسن التعامل معك، وتوفيقكِ لبر والدتكِ وحسن صلة أختكِ، والإحسان إليهما؛ قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

ثانيًا: لا بد من جلسة محاسبة لنفسك، تتفقَّدين فيها علاقتكِ بأهلك: هل كنت ترفعين صوتكِ على والدتكِ أو أختكِ، وتعاملينهما بالنِّدِّيَّة أو التَّسْفِيه؟ إن كان شيء من ذلك حصل، فاستغفري الله، واندمي عليه، واعتذري عندهما.

ثالثًا: تقبَّلي ما عند أهلكِ من قصور في التعامل، أو اجتهادات خاطئة حصلت بسبب ضعف استقامة، أو ضعف أخلاق، أو ضعف ثقافة دينية، أو معلومات مغلوطة نُقِلت لأمكِ عنكِ.

رابعًا: كل ما يصيبكِ من أذًى أنتِ مأجورة على الصبر عليه؛ لقوله سبحانه: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].

خامسًا: ولا تنسَي علاجًا شرعيًّا آخرَ مهمًّا جدًّا، وله أثر قوي، ما هو؟ هو الاسترجاع؛ عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبدٍ تُصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها))؛ [مسلم].

سادسًا: تفقَّدي نفسكِ قد تكونين مصابة فعلًا بحدة الحسد للآخرين، فرأوا مقاطعتكِ؛ كفًّا لأذاك، وقد تكونين لستِ حسودًا، ولكنكِ تتكلمين عندهم عما عندهم من النعم بما قد يُشْعِر بالحسد؛ فخافوا منكِ، فإن وُجِد شيء من ذلك عندكِ، فالحل هو كثرة سؤال الله شفاءَكِ من هذه الخصال الذميمة، ومجاهدة نفسكِ على عدم إظهار الإعجاب بما عندهم من خير، وأيضًا المبادرة للتبريكِ عند رؤية ما يعجبكِ؛ أي: قول تبارك الله وما شاء الله، ثم الدعاء لهم بالبركة.

سابعًا: واعملي بالأحاديث الآتية:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه، فَلْيَدْعُ له بالبركة؛ فإن العين حقٌّ))؛ [صحيح، رواه أبو يعلى والحاكم والطبراني].

• قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استعيذوا بالله من العين؛ فإن العين حق))؛ [صحيح، رواه ابن ماجه والحاكم].

• قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العين لَتولع بالرجل بإذن الله تعالى، حتى يصعد حالقًا ثم يتردَّى منه))؛ [صحيح، رواه الإمام أحمد وأبو يعلى].

• قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عَلَامَ يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه، فَلْيَدْعُ له بالبركة))؛ [صحيح، رواه النسائي وابن ماجه].

• قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العين تُدخِل الرجلَ القبرَ، وتُدخِل الجملَ القِدْرَ))؛ [حسن، رواه أبو نعيم وابن عدي].

• قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العين حق، ولو كان كل شيء سابق القدر، سبقته العين، وإذا استُغْسِلتم فاغسلوا))؛ [صحيح، رواه مسلم وأحمد، عن ابن عباس].

ثامنًا: قد تكونين بريئة من صفة الحسد، ولكن أختكِ حساسة جدًّا، فهِمت بعض كلامكِ أو تصرفاتكِ بأنها حسد، ثم أُصيبت من غيركِ، فألصقت التهمة بكِ، أو نُقِلَ إليها كلام واشيات ونمَّامات فصدَّقته، وقد لا يكون بها أي شيء، ولكنها أُصيبت بالوسواس فصدقته.

تاسعًا: قد تكونين أذنبتِ ذنوبًا سبَّبت تسلُّط أختكِ وأمكِ عليكِ؛ ولذا فأكثري من محاسبة النفس والتوبة والاستغفار، فقد جعلها الله سببًا لتفريج الكرب؛ كما قال سبحانه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12].

وقال سبحانه: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].

عاشرًا: وعمومًا أيًّا كان السبب، فالعلاجات الشرعية مهمة جدًّا؛ وهي:

الدعاء.

التوبة والاستغفار.

الاسترجاع.

الصدقة.

محاسبة النفس وتصحيح الأخطاء.

حادي عشر: تجب مناصحة أمكِ وأختكِ من عقلاء العائلة؛ لأن مقاطعتهم لكِ وأذيتهم لكِ داخلة في قطيعة الرحم، وهي من كبائر المعاصي؛ بدليل قوله سبحانه: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23].

والحديث الآتي عن أبي محمد جبير بن مطعم رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل الجنة قاطعٌ، قال سفيان في روايته: يعني: قاطع رحم))؛ [متفق عليه].

حفظكم الله، وفرَّج كربتكم، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.