أكره أهلي وأريد الابتعاد عنهم

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فبنيتي العزيزة، ألا ترين معي أنَّ هناك حلقةً مَفقودة في رسالتك، فأنتِ تتحدثين عن أهلك بصورةٍ سلبية جدًّا، وتذكرين مواقفَ وأمورًا تَشْهَد لك وتُصوِّر أسرتك بصورة سيئة جدًّا، فهم يكرهونك وهم يُسيئون إليك ويَتَرَبَّصون بك، ويُفَضِّلون أخواتك عليك، ويَصِفُونك بصفاتٍ قبيحةٍ، فهل يُعقَل أن يحصلَ كل هذا بدون أسباب؟!

لا تظنِّي أني أتَّهِمك وألتمس لهم الأعذار، حاشَا وكلاَّ، وإنما أريد أنْ أضعَ يدي في يدك ونبدأ في البحث عن الأسباب التي دَفَعَتْهم لذلك؛ فقد يكون مِن الأسباب مثلًا أخلاق وتصرُّفات حصلتْ منك؛ فصَنَعَتْ حواجزَ بينك وبينهم، ودَفَعَتْهم لأن يُسيئوا ردود الفعل، فهل تظنين مثلًا لو كان تعاملك مع والديك وأسرتك تعاملًا جيدًا - هل تظنين أنه سيحدث كل ما ذكرتِ منهم؟ لا أظنُّ يا بُنية.

لذلك بما أنني أتحدث الآن معك وليس مع أسرتك، وبما أنك أنت الصُّغرى، فإني أدعوك للبدء في حلِّ المشكلة، وذلك بعد الاستعانة بالله جل جلاله، ثم مُجاهَدة نفسك في تغيير بعض السُّلوكيات التي قد تُزعج والديك وإخوتك منك، ولا شك أنك تدركين بعضًا منها مِن خلال الوصف، وذلك كأنْ يتكرر على مسامعك مثلًا قول: أنتِ عنيدة، أو: أنتِ أنانية، أو: أنت متسلِّطة، أو غير ذلك مِن الألفاظ، ولا يمنع يا بنية كل ذلك مِن أن تجلسي مع والدتك أو بعض إخوتك جلسة مُصارحة لتبلغيهم بمشاعرك، وتَتَلَمَّسي منهم مشاعرهم وانتقاداتهم؛ تفعلين ذلك مِن أجل الإصلاح، وذلك مِن التغيير الذي سيُعيد ترتيب علاقاتك وحياتك بإذن الله، فأنتِ أولُ مستفيد مِن ذلك، وهذه الخطوةُ تتطلَّب منك أولًا استعانةً بالله وسؤاله التوفيق والتيسير، ثم تَتَطَلَّب شيئًا مِن التنازُل والتحمُّل والخُضوع، وأذكِّرك بقوله تعالى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35].

واعلمي رعاك الله أنَّ حُسن الخُلُق مع الناس يُعَدُّ أول وسيلة إصلاح بعد توفيق الله، وذلك لا يَتَطَلَّب منك شيئًا سوى قليل مِن الصبر والتغافل وعدم التحسُّس أو التدقيق، ولا تظني يا بنية أن هناك والدَينِ يكرهان ابنتهما، أو يُفضِّلان غيرها عليها، إنما الحقيقة أن الوالدين يتأذَّيان مِن بعض التصرُّفات، فلا يحتملانها بسبب كِبَر السن وكثرة المسؤوليات والضغوط.

وفي الحقيقة فإنَّ تربية الأبناء وتحمُّل زَلاَّتهم وأخلاقهم تعدُّ نوعًا مِن الجهاد، ولا يَقْدِر عليها إلا مَن وفَّقه الله وأعانه، فليتكِ تعذرينهما وتُحسنين الظن بهما.

ثقي بأنه مهما حصل فستبقين ثمرةَ فؤادهما التي لا يرضيهما أن تُصابَ بأذى أو مكروه، فلا تذهبْ بك الظنون كلَّ مذهب، فإن ما يَحْصُل معك إنما يَحْصُل في أغلب البيوت.

استعيني بالله، وبادِري في الإصلاح، ولا تنتظري أنْ يَتَفَهَّم الناس حقيقةَ مشاعرك هكذا وأنت بعيدة وصامتة، فلا بد مِن الحديث والحوار الهادف، ولن تعدمي خيرًا بإذن الله.

أوصيك بالمحافَظة على الصلاة وتلاوة القرآن، كما أوصيك بمُصاحَبة الخَيِّرات الصالحات، فللصاحب على صاحبه تأثيرٌ لا يُنكَر.

أسأل لك التوفيق والسداد في أمر الدنيا والدين