كيف أقنع والدي بمسألة السكن؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نشكركم على تواصُلكم معنا، وثقتكم في شبكة الألوكة.

نبارك لك مُقدَّمًا موضوع ارتباطك بهذه الفتاة كزوجة المستقبل، ونسأل الله أن يُيَسِّرَ لكم أمر الزواج.

أما موضوع السكَن، فنُحب أن نُوَضِّح لك التالي:

♦ جعَل الله عز وجل للزوجين سكنين، سكن الزوجية النفسي، والسكن المادي؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله: "هذه آية ثانية فيها عظةٌ وتذكير بنظام الناس العام، وهو نظام الازدواج وكينونة العائلة وأساس التناسُل، وهو نظام عجيبٌ جعَلَهُ الله مرتكزًا في الجبلة لا يشذ عنه إلا الشُّذَّاذ، وهي آيةٌ تنطوي على عدة آيات منها: أن جُعل للإنسان ناموس التناسل، وأن جُعل تناسله بالتزاوج ولم يجعله كتناسل النبات مِن نفسه، وأن جعل أزواج الإنسان من صنفه، ولم يجعلْها من صنف آخر؛ لأن التأنس لا يحصل بصنف مخالفٍ، وأن جعل في ذلك التزاوج أنسًا بين الزوجين ولم يجعله تزاوجًا عنيفًا أو مهلكًا كتزاوج الضفادع، وأن جعل بين كلِّ زوجين مودة ومحبة، فالزوجان يكونان مِن قبل التزاوج متجاهلين، فيصبحان بعد التزاوج متحابين، وأن جعل بينهما رحمة؛ فهما قبل التزاوج لا عاطفة بينهما فيُصبحان بعده متراحمين كرحمة الأبوة والأمومة، ولأجل ما ينطوي عليه هذا الدليل ويتبعه مِن النِّعَم والدلائل جعلتْ هذه الآية آياتٍ عدة في قوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾، وهذه الآيةُ كائنةٌ في خلق جوهر الصنفين من الإنسان: صنف الذكَر، وصنف الأنثى، وإيداع نظام الإقبال بينهما في جبلتهما، وذلك من الذاتيات النسبية بين الصنفين، وقد أُدْمِجَ في الاعتبار بهذه الآية امتنانٌ بنعمةٍ في هذه الآية أشار إليها قوله ﴿ لَكُمْ ﴾؛ أي: لأجل نفعكم". انتهى.

♦ لأجل تحقيق السكن النفسي على أكمل وجهٍ يُفَضَّل استقلال الزوجة في بيت خاصٍّ بعيدًا عن السكن مع أقارب الزوج أو الزوجة، إلا إذا وافقتْ هي ولم يكنْ في ذلك ضررٌ عليها، وسكن الزوجة يأخُذ ثلاث حالات:

الأولى: أن تسكن مع الأهل ولا تستقل عنهم بشيء، بمعنى أن تكونَ لها غرفتُها الخاصة فقط، أمَّا بقيةُ المرافق فهي مشتركةٌ كالمطبخ ونحوه.

الثانية: أن تسكنَ في نفس البيت مع الأهل، ولكنها مستقلة بشقة خاصة، ولها مطبخُها الخاص وأغراضها الخاصة ولا تتشارك مع الأهل في شيء.

الثالثة: أن تستقلَّ تمامًا ببيت مستقلٍّ.

فأفضلُ هذه الصوَر الثلاث هي الصورة الثالثة؛ حيث الاستقلاليةُ التامة، بعيدًا عن الخُلطة التي قد تورث المشاكل العائلية، ثم المرتبة الثانية، ثم الأولى، ولكن المرتبة الأولى لا يصحُّ إجبار الزوجة عليها، لأن هذا مِن حقها، ولا بد من تلبية طلبها إذا طلبت الانفصال بمطبخ مستقل وأغراض منفصلة، ولكن لا يشترط أن تكون ساكنة خارج البيت ما دام لَم يَحْصُلْ ضررٌ بعد ذلك.

♦ ما دامت حالتكم المادية تسمح بالسكن المستقل، فالأفضل هو السعي في ذلك، ويمكن أن تستعينَ بالوالدة أو بأحد الأشخاص المؤثرين على الوالد ليسمحَ لك بالابتعاد عن البيت.

♦ لا ينبغي للوالد أن يُجْبِرَك على السكن معه، كما لا يُجبرك على الزواج مِن امرأةٍ بعينِها، ولكن من باب احترام حق الأُبوَّة والتعامل بالمعروف فإنَّ الأفضل التماشي مع هذه الأعراف ما دام أنها لا تعود بالضرر على أي طرف من الأطراف.

♦ لا نملك مفتاحًا سِحريًّا لإقناع الوالد، وإنما هذه المسألةُ تعتمد على أمرينِ: على طبيعة علاقتك بالوالد وكيفية كشف الثغرات التي يُمكن أن تُغَيِّر رأيه، وكذلك تعتمد على علاقتك بالله عز وجل؛ حيث يمكن أن تلجأ إليه بالدعاء بأن يشرحَ الله صدرَ والدك لما فيه خيركم وسعادتكم.

نسأل الله تعالى أن يَشرَحَ صدرك، وأن يُيَسِّرَ أمرك

والله الموفق