معاملة زوجي السيئة

أهلاً بكِ عزيزتي في الألوكة.

لم تَذْكري لنا كم مضى على زواجكم؛ لأنَّ الحُكْم يختلف باختلاف عدد السِّنين.

لكن بحكم صغر سنِّك، فسأفترض أنَّكما متزوِّجان حديثًا، أو مضى على زواجكما سَنة، أو اثنتان لا أكثر، وإن كان افتراضي خاطئًا، فأرجو أن تصحِّحيه لي برسالةٍ أخرى، توضِّح لنا التفاصيل التي لم تَذْكريها؛ مثل عمره، ووضعه المادِّي، وغيرها.

ذكرتِ في رسالتك أنَّ ما يزعجكِ هو:

• أنَّه يضربك ولا يُنفق عليكِ.

• يصرخ ويناديك بألفاظ سيِّئة.

• يهدِّدك، ويردِّد عليك أنه لا يحتاجك.

• عانيتِ من تدخُّل أهلك في بداية زواجكما.

وهناك عدة نقاط لفتَت نظري، منها قولك: يريدني أن أسمع كلامه دائمًا، هو يدرس في الخارج، وأنتِ تدرسين في بيت أهلك بناءً على قرار والدك، يَشْعر بالغيرة والقهر من منصب والدك ودَخْلِه.

حسنًا - يا عزيزتي - تعالي نحلِّل الأمر معًا:

في الزواج يكون كلُّ واحد من الزوجين قادِمًا بأفكارِ وطِباع عالَمِه، التي تختلف تمامًا عن عالم الآخَر، وفي بداية الزواج يُحاول كلُّ طرف أن يفرض طباعه على الآخر، وتحصل مشاكل كثيرة، وخلافاتٌ عديدة نتيجةً لهذا الأمر، في بعض الزَّواجات تنتهي بسلامٍ إن صادفَتْ عقولاً حكيمة وواعية، وفي البعض الآخر تنتهي بانفصالٍ وقَطِيعة، أو في أحسن الأحوال يكون زواجًا مع غياب الكثير من ركائزه وأساسياته؛ بسبب سوء التفكير والتدبير.

وفي مجتمعنا جرَت العادة أن تتطبَّع المرأة بطِباع زوجها، وتَعتاد عاداتِه، هذا لا يعني أن تنسى تمامًا كلَّ عاداتِها وأفكارها، ولكن الذكيَّة هي التي تجد النُّقطة الوسط التي تجمعها مع زوجها وتُرضيهما جميعًا.

والله سبحانه خلق الرجل قويًّا شديدًا؛ لأنه هو المسؤول عن كسب الرِّزق، والإنفاق، والقيام بشؤون زوجته وأسرته، وخلَق المرأة هادئةً لطيفة وناعمة؛ لأنها هي السَّكن الذي يسكن إليه الرجل، ويطمئنُّ إليه الأبناء، وهي التي تجعل المَنْزل ملاذًا، له روح جميلة مطمئنة.

هدوء المرأة ولطفها لا يعني أنَّها عاجزة عن القيام بأمورها، أو عاجزةٌ عن الإنفاق على نفسها، ولكن لأنَّ الله كفاها هذا الأمر حين قام به الرَّجل عنها، ولأن الرجل قويٌّ شديد، فلن تُجْدِي القوة والشدةُ لإقناعه بما تريد، ولهذا كانت المرأة قويَّة بضعفها؛ لِتُصبح قادرة على التأثير عليه من النُّقطة التي لا يفهمها، ولا يستطيع أن يقاومها!

حسنًا عزيزتي:

ما حصل بينكما سببه الرئيس عدم الفهم الصحيح لمعنى الزواج والقوامة؛ فصراخه وتهديدُه، وضربه، وعدم إنفاقه عليكِ، وتدخُّل أهلكِ، ودراستك أنت عند أهلك وهو بالخارج - كلها تخبرنا بوجود خللٍ كبير في الأمر.

طاعة الزوجة لزوجها أوجَبُ مِن طاعتها لوالدها؛ لأنَّها انتقلت من ولاية والدها إلى ولاية زوجها، وصار رضا زوجها أوجبَ مِن رضا والدها، وقرار والدِك بأن تدرسي عندهم، ويذهب زوجك وحده ربَّما جعل زوجك يشعر بالغضب؛ لأنَّه حرَمَه من حقِّه في أن يعيش معك في بيتٍ واحد، وربما لهذا السبب هو يكره والدك كما قلتِ؛ لأنه تدخَّل بينكما، وحرَمه من العيش معكِ، وليس لأنه يشعر بالغيرة من منصبه ودَخْلِه؛ لأنَّ فارق السنِّ بينهما يجعل من المستحيل أن يكون زوجك الصغير مساويًا لرجل قضى سنواتٍ في العمل، ويجعل المقارنة بينهما ظالمة وغير عادلة أبدًا.

أفضَلُ ما قد تقومين به الآن يا عزيزتي هو أن تُلطِّفي الجو مع زوجك، وتُعيدا بناء علاقة جميلة بينكما، تمحو ما قبلها من سوء، وتَقرأا سويًّا كتبًا عن الحياة الزوجية، والحقوق بين الزوجين؛ لتصبح لديكما نظرةٌ واقعية ومشتركة لماهية الحياة الزوجيَّة، وتخف حدَّة المشكلات بينكما، ويعرف كلُّ واحد حقوقَ الآخر وواجباته عليه.

حاولي - يا عزيزتي - أن تَفْهمي زوجك، بدلاً من العصبيَّة، وإطلاق الأحكام بدون تفكير أو تأكُّد؛ لأنَّ ما نقوله من كلماتٍ وأحكام عن شخص يَعْلق بعقولنا، ويَثْبت فيها دون أن نشعر، ونصبح لا شعوريًّا نراه بهذه الصفة والطريقة السيِّئة، مهما فعل أو حاول أن يتغيَّر!

اسمعيه أكثر، تفهَّمي غضبه وعصبيته، واسأليه عن السبب، أحيطيه بِحُبِّك وحنانك، فهو لم يتزوَّج إلا ليجد السَّكن الذي يسكن إليه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]؛ أيْ: لتطمئنُّوا وترتاحوا بقربها ووجودها، فما الفائدة إذا كنتما زوجين، ولكن كل واحد منكما في منزل وبلد مختلف؟!

أعيدي التفكير مجددًا في زوجك، تذكَّري صفاته الطيِّبة والجميلة واكتبيها، وحاولي أن تعرفي الأسلوب الأمثل الذي يُناسبه للمناقشة في مشكلةٍ أو أمر مزعج، وهذه المعرفة لن تتمَّ إلا بما ذكرتُه لكِ في الأعلى.

وفَّقكِ الله - عزيزتي - ويسَّر أمرك، وشرح صدرك.

ولا تتردَّدي في متابعتنا واستشاراتنا متى احتجتِ إلى ذلك.