حيرة بين فتاتين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:

فنرحب بك أخانا الكريم في موقع شبكة الألوكة، ونثمِّن لك ثقتك بالموقع، ونسأل الله لك التوفيق، والسعادة، وأن يرزقك الزوجة الصالحة، وأن يُرضِيَك بما قسم لك.

الزواج من الأمور المهمة في حياة الإنسان؛ حيث يترتب عليه الاستقرار، وبناء الأسرة الصالحة؛ يقول تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، وعلى الإنسان التفكير جيدًا كيف يبني هذا الزواج من جميع الجوانب؛ حتى يكون الزواج ناجحًا بعد توفيق الله.

يتركز محور استفسارك في رسالتك السابقة على الاختيار بين إحدى المرشحتين للزواج؛ حيث تستفسر في الحالتين عن مواصفات محدَّدة، وتريد اختيار الفضلى بين هاتين الفتاتين، بغض النظر عن اختياراتك السابقة.

وقد اخترت بعض الموازين في مقارنتك؛ وهي العمر، والجمال، والدين، والعائلة، والمكانة الاجتماعية، والمستوى التعليمي، والذكاء، والمعرفة، والصوت، وقبل مناقشة الأفضلية في الاختيار، نَوَدُّ أن نُنبِّهك إلى عدة نقاط مهمة؛ وهي:

أولًا: استَخِرِ الله سبحانه، واسأله الخيرة في هذا الأمر، وأكْثِرْ من الدعاء في صلواتك، وخلواتك، وفي آخر الليل، وأوقات الإجابة أن يُيَسِّر الله لك الزوجة الصالحة المناسِبة، التي تُسعدك، وتسعَد معها.

ثانيًا: لا بد أن يتوفر في شريكة الحياة الصفات التي أرشدنا إليها نبينا محمد عليه الصلاة والسلام؛ كما قال: ((تُنكح المرأة لأربع؛ لدينها، وجمالها، ومالها، وحسبها، فاظفر بذات الدين ترِبت يداك))؛ [رواه البخاري (4802)]، ومعنى ترِبت يداك: أي: التصقت بالتراب، وقد ركز عليه الصلاة والسلام على الدين لأهميته من بين النقاط، وليست مسألة التدين فقط مسألة الحجاب على الرأس، وإنما هي خُلُق ودين، واستقامة وحسن سيرة، فالحياة الزوجية ليست يومًا أو يومين، بل حياة كاملة، ورحلةَ عمرٍ، وهذه الرحلة تحتاج إلى زوجة ذات خلق ودين؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((الدنيا متاع، وخير متاعها الزوجة الصالحة))؛ [رواه مسلم (1467)].

ثالثًا: بالنسبة إلى الاختلاف الثقافي، والتعليمي، والاقتصادي، والاجتماعي، بين الزوجين في الحالتين قد يلعب دورًا رئيسيًّا في بعض المشاكل الزوجية، والأمر يختلف من مجتمع لآخر، فالأمور نسبية، وقد يكون الاختلاف ركيزةً أساسية في تجسير العلاقة، والتفاهم الزوجي، وتوليد أفكار متنوعة ومختلفة يُغني الحياة الزوجية ويُعزِّزها، ولا بد أن يكون لدى الطرفين فَهمٌ عميق لِما ستؤول إليه الحياة القادمة، والإعداد الجيد لها.

رابعًا: تغيُّر الزوجة وتطويرها عمومًا يختلف من امرأة إلى أخرى، وبحسب موقفها من الزواج، وبحسب قدرتها على التكيف مع الطرف الآخر، فإذا كانت الزوجة حريصة على حياتها الزوجية، فإنها ستبذل كل جهد لتكون على الصورة التي يحبها عليها زوجها، أما إذا كانت غير حريصة بالقدر الكافي، فإنها ستكون غير مبالية، ولن تتغير عن حالتها السابقة، ولن تتطور، وقد يكون ذلك بسبب تعودها على حياتها السابقة التي عاشتها لسنوات طويلة بين أهلها، وأيضًا نوع الشخصية لها أثر في هذا الأمر، فهناك عدد من الشخصيات؛ كالمرأة الهادئة، أو العصبية، والعدوانية، والغيورة، والأنانية، والمادية، والنرجسية، وغير ذلك، وهناك بعض الصفات كعدم التدخل في شؤون الآخرين، أو العكس، وحب التملك، والسيطرة، وحب وكراهية أهل الزوج، وهواياته، أو أصدقائه، كل ذلك يصب في مسألة الفهم الكامل لمسألة التكيف مع الزوج؛ فهي مهمة.

خامسًا: الجمال ليس جمال الصورة بل جمال الروح والنفس، واندماج الفتاة داخل البيت، واستعدادها لزوجها؛ فهذا هو الجمال الحقيقي، والجمال ليس كل شيء في المرأة؛ لأنه مع الزمن سوف يذهب، ويبقى جمال الروح، فالجمال ليس المقياس الحقيقيَّ للسعادة الزوجية وحده، يضاف إلى ذلك أنوثة المرأة، وذكاؤها في التعامل وحسن التبعُّل، وتعتبر تلك من أهم عوامل نجاح العلاقة الزوجية، ولها أثر السِّحر.

سادسًا: السؤال عمن تريد الاقتران بها من الأولويات المهمة، لفهم شخصيتها وطبيعتها، ويمكنك بعد البحث المستفيض أخذُ رأيِ أهلك فيها، فالواجب عليك أن تحتاط لهذا الأمر، لا سيما في هذا العصر الذي كثُرت فيه الفتن والْمُغْرَيات.

سابعًا: لا بد من اختيار الفتاة التي تناسبك أنت، والقريبة من مستوى تفكيرك، وعلمك، ووضعك الاجتماعي، والحذر في التعامل مع الفتاتَين، ولا تكسِر خاطر إحداهما، واستعجل بالاختيار إذا استطعت، فكلما أطلْتَ، طال أملهما في الزواج منك، واحذر من اللعب بمشاعرهما، وابتعد عنهما الآن حتى تفكر، وتختار ما تريد.

من خلال المعطيات السابقة، فأنت صاحب القرار، فبعد تدوين الإيجابيات والسلبيات، والمقارنة بينهما، والتحليل، يمكنك اختيار القرار المناسب، ولن تجد من يقرر لك الاختيار نيابة عنك.

واعلم أن الحياة لا يمكن عيشها مرتين؛ فلا بد من التفكير العميق قبل أن تُقرِّر، وإذا قررت فيجب أن تكون مقتنعًا اقتناعًا تامًّا من قرارك، متفهمًا لِما سيؤول إليه الحال بعد هذا القرار.

نسأل الله سبحانه لك التوفيق والسداد، وأن يدلَّك على طريق الخير والسعادة، ونسأله أن يقدر لك الخير، وأن يُرضيك به، والله الهادي إلى سواء السبيل.