• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الدعوة الاسلامية في كوريا الجنوبية لوون سوكيم
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المرأة والاستهلاك: رؤية اقتصادية
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    البشرة الجافة والتشققات الجلدية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    منشأ المنظومة الأخلاقية عند البشر معرفيا
    غازي أحمد محمد
  •  
    وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: منهج السماحة
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    تخليل الأصابع حماية من الفطريات
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    قصة فيها عبرة (الأصمعي والبقال)
    بكر البعداني
  •  
    العناية بالقدمين في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    العناية بالأظافر في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    قراءات اقتصادية (60) نهب الفقراء
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    الوسطية منهج وقيمة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    قراءات اقتصادية (59) الثلاثة الكبار في علم ...
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    سيرة المحدث المربي فضيلة الشيخ الدكتور خلدون ...
    أ. أيمن بن أحمد ذو الغنى
  •  
    فوائد البنوك: الخطر الذي يهدد العالم
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    من وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: تصنيف ...
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    إزالة الأذى والسموم من الجسوم في الطب النبوي
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

خطبة حر الصيف

أحمد بن عبدالله الحزيمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/7/2017 ميلادي - 2/11/1438 هجري

الزيارات: 109157

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خُطبةُ «حَرِّ الصَّيْفِ»


الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والعَاقِبةُ للمُتَّقينَ، ولَا عُدْوانَ إلَّا عَلَى الظَّالِمينَ، أَحمَدُه - تَعَالَى - حَمْدَ الشَّاكرينَ، وأستَغفِرُه استِغفَارَ المُنيبِينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لَا شَريكَ لهُ، إلهُ الأوَّلينَ والآخِرِينَ، وقيُّومُ يومِ الدِّينِ، وأَشهدُ أنَّ محمدًا الأَمِينَ عبدُه ورسولُه إلى العَالَمينَ، صَلواتُ اللهِ وسلامُه عَليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحبِه والتَّابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

 

أمَّا بَعْدُ:

مَعاشرَ المؤمنينَ: أُوصِيكمْ ونَفْسِي بِتَقْوى اللهِ - تعالى - ولزُومِ طَاعتِه، وأُحَذِّرُكمْ وإيَّاها مِن عِصيانِه ومُخالَفةِ أَمْرِه، فالتَّقوى هي أَمْرٌ مِن اللهِ للنَّاسِ أجمعين، قال - تعالى:- ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءَ وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].


رأى عمرُ بنُ عبدِ العَزيزِ - رحمَه اللهُ - قومًا في جنازةٍ قدْ هَربُوا مِن الشَّمْسِ إلى الظِّلِ، وتَوقَّوا الغُبَارَ، فأَبْكَاه حَالُ الإنسانِ يَأْلَفُ النَّعيمَ والبَهْجَةَ، حتى إذا وُسِّدَ قَبْرَه فَارَقَهُمَا إلى التُّرابِ والوَحْشَةِ، وأَنْشَدَ:

مَنْ كَانَ حِينَ تُصِيبُ الشَّمْسُ جَبْهَتَهُ
أَوِ الْغُبَارُ يَخَافُ الشَّيْنَ وَالشَّعَثَا
وَيَأْلَفُ الظِّلَّ كَيْ تَبْقَى بَشَاشَتُهُ
فَسَوْفَ يَسْكُنُ يَوْمًا رَاغِمًا جَدَثًا
فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ غَبْرَاءَ مُوحِشَةٍ
يُطِيلُ فِي قَعْرِهَا تَحْتَ الثَّرَى لُبْثَا
تَجَهَّزِي بِجَهَازٍ تَبْلُغِينَ بِهِ
يَا نَفْسُ قَبْلَ الرَّدَى لَمْ تُخْلَقِي عَبَثَا

 

عبادَ اللهِ: نَعِيشُ في هذه الأيَّامِ في أَشَدِّ فُصُولِ العامِ حرارةً، إنَّهُ حَرُّ الصَّيفِ الشَديدُ الذي رُبَّما عانَ النَّاسُ مِنْه مُعاناةً شديدةً، وتَأَلَّمُوا مِن فَرْطِ حَرَارَتِه آلَامًا عَدِيدةً؛ لِذَا كانَ لا بدَّ لنَا أنْ نَقِفَ معَ حَرِّ الصَّيفِ عَلَى خَطَرَاتٍ، ومعَ القَيْظِ عَلَى عِبَرٍ وعِظَاتٍ.


فمِن نِعَمِ اللهِ علينا التِي لَا يَفطنُ لهَا كثيرٌ مِن النَّاسِ: التَّفكُّرُ بِتَقَلُّبِ الأيَّامِ وتَغَيُّرِ الدُّهُورِ والأَعوَامِ، حيثُ إنَّ بعضَ الدُّوَلِ كالتِي تَقعُ فِي المَنَاخِ الاستُوَائيِّ مِمَنْ لَا يَتأثَّرُونَ بالفُصُولِ الأربعةِ ولَا يتأثَّرُونَ بِشِدَّةِ الحَرِّ ولا بِبرُودَةِ الشِّتِاءِ...، رُبَّمَا لَا يَتَنَعَّمونَ بِنِعْمَةِ التَّفكُّرِ والتَّذَكُّرِ تِلكَ.

 

نَعَمْ، لَابُدَّ أنْ نَتذكَّرَ أيَّ شيءٍ يُذَكِّرُنَا باللهِ والدَّارِ الآخرةِ، لأنَّه والذي يُكوِّرُ اللَّيلَ عَلَى النَّهارِ والنَّهارَ على اللَّيلِ لقدْ غفلنَا فِي هذهِ الدُّنيَا، بل أَغفلتْنا وأَلْهَتْنَا كثيرًا عن الغايةِ التي مِن أجلِها خُلِقنا، حتَّى إنَّ بعضَنَا نَسِيَ اللهَ واستَغْرَقَ فِي دُنياهُ علَى حِسَابِ آخرتِهِ، فينبغِي ألَّا نملَّ - أيُّهَا الإخوةُ - مِن التَّذكيرِ باللهِ – تعالَى -، فَحَقُّهُ علينَا عظيمٌ وفضلهُ علينَا كبيرٌ - سبحانه وتعالى -.

 

عِبادَ اللهِ: كُلَّمَا اشتَدَّ حَرُّ الصَّيفِ، وَقَفَ بَيْنَنَا واعظًا ومُذَكِّرًا بأَمرَينِ عَظِيمَينِ، ألَا وَهُمَا: شَمسُ المَوقِفِ العَظيمِ يومَ القِيامَةِ، ونَارُ جَهنَّمَ.


فإذا كُنَّا لا نطيقُ حَرَارَةَ شَمسِ الصَّيفِ وهي تَبْعُدُ عنَّا ما تَبْعُدُ، ولا نتحمَّلُ الوقوفَ فيها دقائقَ معدودةً، فكيفَ بِشَمسِ المَوقِفِ العَظيمِ، بحجمِها الهائلِ، وحَرَارتِها المُحرِقةِ،ولَهَبِها المُتوهِّجِ؟!

بلْ قُلْ لي بِرَبِّكَ: كيفَ بها وقدْ دَنَتْ مِن رُؤوسِ الخَلْقِ في يومٍ كانَ مِقدَارُه خمسينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وقدْ طالَ الوقوفُ، وعَظُمُ الكَرْبُ، ولَا مَهْرَبَ ولَا مَفَرَّ، وازدَحَمَتِ الأُمَمُ وتَضَايَقَتْ، ودَفَعَ بعضُهم بعضًا، واختَلَفَتِ الأَقْدَامُ، وانقطعَتِ الأَعنَاقُ مِن العَطَشِ؟!


النَّاسُ قدْ اجتمعَ عليهم في ذلكَ الموقفِ الرَّهيبِ، حرُّ الشَّمسِ مع وَهَجِ الأَنْفَاسِ وتَزاحمِ الأجسَامِ، فَفَاضَ العَرَقُ منهم عَلَى وَجهِ الأرضِ، ثُمَّ عَلَى أقدامِهم، عَلَى قَدْرِ مَراتِبِهم ومَنازِلِهم عندَ ربِّهم مِن السَّعادةِ والشَّقاءِ.


روى مُسلمٌ في صَحِيحِهِ أنَّ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - قال: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ»، قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ أَمْ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ؟ قَالَ: «فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا»، وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ.

بلْ كيفَ بِنَارِ جَهنَّمَ التي قالَ عنها رَبُّنَا - سبحانه -:﴿ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة: 81].


وفي الحَديثِ الصَّحيحِ أنَّ النبيَّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - قال: «اشتَكَتِ النَّارُ إلى ربِّها فقالَتْ: يا ربِّ أَكَلَ بَعضي بعضًا. فَجَعَلَ لَها نَفَسِينِ: نفَسٌ في الشِّتاءِ، ونفَسٌ في الصَّيفِ، فشِدَّةُ ما تَجِدُونَ مِنَ البَرْدِ مِن زَمْهَرِيْرِهَا، وشِدَّةُ ما تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ مِن سَمُومِها». متَّفقٌ عليه


فإذا كانَ هذا الحرُّ الذي يُقْلِقُنا ويُؤلِمُنَا ويَقُضُّ مَضَاجِعَنَا هو نَفَسٌ مِن سَمُومِ جَهنَّمَ،فباللهِ عليكم كيفَ بجهنَّمَ ذاتِها؟ كيفَ بِلَهَبِهَا وَلَهِيبِهَا؟ كيفَ بِحَرِّها وحَرَارَتِها؟ كيفَ بأَلَمِها وإيلامِها؟


عَبْدَ اللهِ: احْمَدِ اللهَ - تعالَى - أنْ تَمُرَّ عليكَ هذهِ الأيامُ الحَارَّةُ، وأنتَ قادِرٌ علَى تجاوُزِهَا بمَا يَسَّرَ اللهُ لكَ، مِن وسائلِ التَّبريدِ والتَّكييفِ المُختَلِفَةِ، والسَّفرِ إلى المَصَايفِ، أجهزةٌ تقلِبُ أجواءَ الصيفِ شتاءً وأجواءَ الشِّتاءِ صيفًا، وتُخَفِّفُ مِن لَأْوَاءِ الهَجِيْرِ، وتُطْفِئُ لَهَبَ القَيْظِ فِي المنزلِ والمسجدِ والسَّيَّارةِ والعملِ، ولولَا مَا أَنْعَمَ اللهُ - تعالَى - بهِ علينا مِن وسائلِ التَّبريدِ، لَكَدَّرَ الحرُّ عَيشَنَا، ومَنَعَ نَومَنَا، وأَرهَقَ أَجسادَنَا، ويَتذكَّرُ النَّاسُ ذلكَ جيدًا لَوْ طُفِئَتِ الكَهْرُباءُ ساعةً مِن لَيلٍ أو نَهارٍ، أو تعطَّلتْ بهم سيَّاراتُهم وسَطَ طريقٍ لا مَنَافِع به.

 

بلْ يَمُرُّ عليكَ هذَا الموسمُ دُونَ أنْ تَشعُرَ بذلكَ، فَلَمْ يَمُتْ لكَ وَلَدٌ، أو تَفقِدُ مالًا بسببِ شِدَّةِ الحَرِّ، تذكَّرُوا - أيُّهَا الإخوةُ - الآباءَ والأجدادَ قبلَ نحوِ خمسينَ سنةً، كيفَ كانتْ أحوالُهمْ؟ تفكَّرُوا فِي معاناتِهمْ وشَظَفِ عَيشِهمْ أَمامَ هذهِ المَوجَةِ الحارَّةِ، ثُمَّ احمدُوا اللهَ - تعالَى - علَى ما يَسَّرَ لَكُمْ، ومَنَّ بهِ عليكم.

 

هلْ تعلمُ - أخِي الكريمُ - أنَّهُ يموتُ سَنويًّا عشراتُ الآلَافِ مِنَ النَّاسِ، جَرَّاءَ ارتفاعِ دَرَجَةِ الحَرَارةِ فِي عَددٍ مِنْ دُوَلِ العَالَمِ -الآنَ-.

 

ثُمَّ لنَتَذَكَّرْ أيضًا حالَ أولئكَ الفقراءِ، والمُشَرَّدِينَ الضُّعفاءِ، الذينَ يعيشونَ تحتَ لَهِيبِ الشَّمسِ، قدْ عَصَفَتْ بهمُ الحُرُوبُ مِنْ كلِّ حَدَبٍ وصَوْبٍ، أيُّ حَرٍّ يُقَاسُونَ، وأيُّ بَرْدٍ يُعانونَ، وأيُّ جُرْحٍ يُداوونَ .

 

أيُّهَا المسلمونَ: إنَّ سُقْيَا العَطشَانِ مِن خيرِ الأعمالِ، وصدقةَ الماءِ مِن أفضلِ الصَّدقاتِ، سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْجَبُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «الْمَاءُ». رواه أبو داود.

 

سواءٌ كانَ ذلكَ بحفرِ الآبَارِ فِي المناطقِ الفقيرةِ الحارَّةِ، أوْ تَسبيلِ البرَّادَاتِ فِي المساجدِ والأسواقِ وطُرقِ النَّاسِ، أو توفيرِ المياهِ المُعلَّبةِ الباردةِ، ولا سِيَّمَا لِمَنْ يحتاجونَهُا كالعُمَّالِ والمُتسوِّقِينَ ونحوِهمْ؛ وكذا وضعُ المياه للطُّيورِ والحيواناتِ الضَّالَّةِ فيه أجرٌ عظيمٌ؛ لأنَّ في كلِّ كَبِدَةٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ, فإنَّ صدقةَ الماءِ مِنْ أعظمِ الصَّدقاتِ.

 

عِبادَ اللهِ: إنَّ الحَرَّ ليسَ عائقًا عنْ عِبادةِ اللهِ، ولَا صَادًّا عنْ طاعتِهِ، فالصَّفوةُ مِنْ عِبادِ اللهِ يرونَ أنَّ فِي الحَرِّ غَنِيمَةً لا تَفُوتُ، فصِيامُ الهواجِرِ، ومُكابدةُ الجُوعِ والعَطشِ فِي يومٍ شَديدٍ حرُّهُ، بعيدٍ مَا بينَ طَرفيهِ، ذاكَ دَأْبُ الصَّالحينَ، وسُنَّةُ السَّابقينَ.

 

وَمِمَّا ينبغِي التَّنَبُّهُ لَهُ - رحمكمُ اللهُ -: أنْ يَحْفَظَ الإنسانُ لِسَانَهُ مِنَ التَّأَفُّفِ، والتَّسَخُّطِ، والتَّضَجُّرِ، أوِ السُّخْرِيَةِ، وَتَنَاقُلِ النُّكَتِ عَنْ حَرَارَةِ الجَوِّ.

 

يقولُ ابنُ القيِّمِ - رحمهُ الله -: «وقدْ كانَ السَّلفُ يُحَاسِبُ أحَدُهُم نَفْسَهُ في قولِه: يومٌ حَارٌّ، ويومٌ باردٌ».

 

ويقولُ الشَّيخُ بَكْرٌ أبو زَيدٍ - رحمَهُ اللهُ -: «وقدْ أصبحَ مِنَ المُعتَادِ لَدَى النَّاسِ تَتَبُّعُ تَقَلُّبَاتِ الجَوِّ، ومِقْيَاسُ دَرجاتِهِ؛ حَرارةً وبُرودةً، وَمَا أكثَرَ لَهَجَهُمْ بِذلكَ، وإتْبَاعَهُ بالتَّأَفُّفِ والتَّأَلُّمِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ وشِدَّةِ البَرْدِ...»، إلى أنْ قالَ - رحمهُ اللهُ -: «وَيَجْمُلُ بالمُسلمِ التَّوَقِي عنْ مُتَابَعَةِ مِثلِ هذا واتِّخَاذِهِ حديثًا في المجالس». اهـ

 

واعلمُوا - عِبادَ اللهِ - أنَّ شِدَّةَ الحرِّ ليستْ عُذرًا فِي التَّكاسلِ والتَّقاعسِ عنْ وَاجبٍ، ولَا فِي الوقوعِ والانزِلَاقِ فِي مُحَرَّمٍ، بلْ ولَا فِي التَّهاونِ والتَّخَلُّفِ عنْ مُستَحَبٍّ، أو تَضييعِ الواجِباتِ والأعمالِ المُوكَّلَةِ إِلَيْنَا، كالوظائفِ وبعضِ الأعمالِ.

 

وكذلكَ المَشْيُ إلى المساجدِ لِلْجُمَعِ والجماعاتِ وشُهودِ الجنائزِ ونحوِها مِن الطَّاعاتِ، فكُلَّمَا اشتَدَّ الحَرُّ زادَ الأَجرُ، فالأجرُ على قَدْرِ النَّصَبِ والمَشَقَّةِ.

 

إنَّ المَشيَ إلَى المساجدِ - عبادَ اللهِ -، واحتمالَ شِدَّةِ الحَرِّ في ذلكَ؛ مِنْ أَجَلِّ الأعمالِ، فَيَا مَن خَرجتَ مِن بيتِكَ في شِدَّةِ الحَرِّ والقَيْظِ لحُضُورِ الجُمَعِ والجَمَاعاتِ وشُهودِ الجَنَائزِ ونحوِها لَا تريدُ بذلكَ إلَّا إجابةَ النِّداءِ: هلْ تَظنُّ أنَّ هذَا يَضيعُ عندَ اللهِ ربِّ العَالَمين؟ لَا واللهِ، بل نُمُوٌّ وزِيادةٌ فِي الأجرِ والثَّوابِ مِنه - سبحانه - ﴿ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 35].

 

اللَّهمَ أَظِلَّنَا تَحتَ ظِلِّ عَرشِك يومَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّك، اللَّهم هَوِّنْ علينا الحِسَابَ، وأَجِرْنَا مِن خِزِي الدُّنيا وعذابِ الآخرةِ، اللَّهم أَجِرْنَا مِن النَّارِ، اللَّهمَ أَجِرْنَا مِن النَّارِ، أقولُ قولي هذا وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجَليلَ لي ولكم ولسَائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذَنبٍ فاستغفِرُوه وتُوبوا إلِيهِ إنَّه كانَ لِلأَوَّابَينَ غَفورًا.

 

الخُطبةُ الثَّانيةُ

الحَمدُ للهِ ربِّ العَالَمينَ، والعَاقِبةُ للمتَّقينَ، وصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ وَاقْتَفَى أَثَرَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

ما نَرَاه مِن نَعيمِ الدُّنيا في زَمَانِنَا كاعتِدَالِ الأجواءِ، وهُطُولِ الأمطارِ، ونَسِيمِ الصَّباحِ؛ فهو مُذَكِّرٌ بِنَعِيمِ الجَنَّةِ، أو في مَكَانِنَا كالبِلَادِ المُخضَرَّةِ أَرْضُها، الجَارِيةِ أنهارُها، اليَانِعَةِ ثِمَارُها، البَارِدِ صَيفُها، فهي مُذَكِّرةٌ بخُضْرَةِ الجَنَّةِ وأَنهارِها وثِمَارِها وطَيِّبِ مَا فيها، أو في أحوالٍ كأحوالِ الشَّخصِ حِينَ يَسعَدُ بِنِعَمٍ تَتَجَدَّدُ له، وعَافِيَةٍ تُحِيطُ به، فهو مُذَكِّرٌ بأهلِ الجَنَّةِ؛ لأَنَّهم يَنْعَمُونَ ولَا يَبْأَسُونَ، ويَفْرَحُونَ ولَا يَحْزَنُونَ، ولَا يَمْرَضُونَ ولَا يَمُوتُونَ.

 

وهكذا يَجِبُ على المؤمِنِ أنْ يَرْبِطَ المُواقِفَ والأَحوالَ التي تَمُرُّ بهِ بِنَعِيمِ الآخرةِ؛ لِيكُونَ تَعَلُّقُه بها لَا بهذهِ الدُّنيا الفَانِيةِ.

 

ومِن التَّنبيهاتِ - عِبادَ اللهِ -: أنْ يَرْفُقَ الإنسانُ بِمَنْ تحتَ رِعَايتِه مِن العُمَّالِ والخَدَمِ، وأنْ يُحسِنَ إليهم، ويُخَفِّفَ عنهم، وأنْ يُعطِيَهم حَقَّهم، وألَّا يَأمُرَهم بالعَملِ وَقَتَ رَاحتِهم، فواجبٌ علَى مَن لَدِيْهِ عَمَالَةٌ تَخُصُّهُ أو يُدِيرُهَا فِي شَرِكَةٍ أو مُؤَسَّسَةٍ أوْ مَزْرَعَةٍ أنْ يُراعيَ ذلكَ، وأنْ يَتَّقِي اللهَ - تعالى - فِي هؤلاءِ الضُّعفاءِ الذِين اضطرتهمُ الحَاجَةُ إلَى العَمَلِ في كلِّ وَقَتٍ، وأنْ يُخَفِّفَ عنهمْ فِي شِدَّةِ الحَرِّ، بِسَقْيهمْ، وتَظْلِيلِ أماكنِ عملِهمْ، وتَقليلِ ساعاتِ تعرُّضِهمْ للشَّمسِ التِي قدْ تُهلِكَ الواحدَ منهمْ.

 

وممَّا يُوصَى بهِ فِي هذهِ الأيَّامِ تَوقِّي الشَّمسِ في ظِلِّ الارتفاعِ الكَبيرِ لِدَرجاتِ الحرَارَةِ، فإنَّ الأَطِبَّاءَ يُحَذِّرُونَ مِنَ التَّعرُّضِ لأَشِعَّتِهَا فَتَرَاتٍ طَويلَةٍ ممَّا يؤدِّي إلَى مخاطرَ صِحِّيَّةٍ كبيرةٍ، لَا سِيَّما أصحابُ الأمراضِ المُزْمِنَةِ كالسُّكَّريِّ، والضَّغطِ، والقَلْبِ ونحوِهمْ.

 

ومعَ هذا فحَرَارَةُ الشَّمسِ فيها نِعَمٌ كثيرةٌ، فَكَمْ تَقتُلُ مِن جَرَاثِيمَ وميكروباتٍ وأمراضٍ؟! وَكَمْ تُهلِكُ مِن أَوْبِئَةٍ؟! وهناك نِعَمٌ وحِكَمٌ كثيرةٌ لَا نَعرِفُها إلى اليومِ، ولَعَلَّ اللهَ يَصْرِفُ عَنَّا بها مِن الشُّرُورِ والأمراضِ والآلَامِ الشَّيءَ الكثيرَ.

 

وكذلك يُوصَى بالاقتصادِ فِي استِخدَامِ الكهرباءِ حتَّى لَا تَكثُرَ أعطالُهَا، وكذَا الاقتصادِ في الماءِ، ولوْ كانَ أحدُنَا علَى شَاطئِ نَهْرٍ جَارٍ.

 

كما نُذكِّرُ في هذهِ الأيَّامِ الذينَ يَسْهَرونَ اللَّيلَ لِقِصَرِهِ في الصِّيفِ أنْ يَغْتَنِمُوا آخرَه، فإنَّه وَقْتٌ شَرِيفٌ مُبارَكٌ، فالثُّلُثُ الأخيرُ مِن اللَّيلِ وَقْتُ نُزُولِ الرَّحَمَاتِ، واستِجَابَةِ الدَّعَواتِ، فينبغي أنْ يَتَذَكَّرَ السَّاهِرُ في اللَّيلِ ويَتَنَبَّهَ إلى فَضِيلَةِ هذا الوقتِ المُبَارَكِ، وألَّا يَحرِمَ نَفْسَهُ مِن بَرَكَتِهِ.

 

اللَّهمَّ قِنَا بِرَحمَتِكَ عَذابَ الجَحِيمِ، واجْعَلْ مَنَازِلَنَا وَوَالِدِينَا فِي جَنَّاتِكَ جَنَّاتِ النَّعِيمِ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • هل حر الصيف كحد السيف؟!
  • حر الصيف والتذكير بنار جهنم
  • حر الصيف .. عبر وأحكام
  • حر الصيف الشديد: العبر والعظات والأحكام (خطبة)
  • التوجيه النبوي الشريف لما يلقاه المؤمن من حر الصيف
  • خطبة: الصيف واشتداد الحر
  • الصيف واعظ صامت
  • فراغ الصيف وزاد المسافر (خطبة)
  • وقفات مع حر الصيف
  • آية الله في حر الصيف
  • حر الصيف (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • المسلم بين حر الدنيا وحر الآخرة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين عام غابر، وعام زائر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: {وأنيبوا إلى ربكم} (باللغة البنغالية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كف الأذى عن الناس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كن ذكيا واحذر الذكاء الاصطناعي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • استثمار الوقت في الإجازة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: ماذا يكره الشباب والفتيات؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الهجرة النبوية: دروس وعبر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإسلام والبيئة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/2/1447هـ - الساعة: 11:46
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب