• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الاقتصاد الدائري وورش معالجة النفايات بالمغرب
    بدر شاشا
  •  
    الذكاء الاصطناعي: المفهوم، النشأة، الإيجابيات، ...
    عباس سبتي
  •  
    أثر التعامل بالفائدة الربوية في الأزمات
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    ارتفاع مستوى سطح البحر وتحديات المدن الساحلية في ...
    بدر شاشا
  •  
    قراءات اقتصادية (73) حروب العملات افتعال الأزمة ...
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    دعاوى المستشرقين
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإلحاد الناعم: حين يتسلل الشك من نوافذ الجمال ...
    أ. محمد كمال الدلكي
  •  
    أخطاء الموارد البشرية: رؤى مع بدر شاشا
    بدر شاشا
  •  
    كيف تنطلق نهضة الاقتصاد الإسلامي في المجتمعات؟!
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    أسباب وأهداف الحرب في الإسلام
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    مخطوط فقده مؤلفه: الاستمساك بأوثق عروة في الأحكام ...
    د. أحمد عبدالباسط
  •  
    وداعا شيخ المحققين
    دكتور صباح علي السليمان
  •  
    القرآن واللغة العربية والحفاظ على الهوية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    قراءات اقتصادية (72) من قام بطهي عشاء آدم سميث: ...
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    الامتداد الحضاري
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    أعلام فقدوا بناتهم
    أ. د. عبدالحكيم الأنيس
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / تفسير القرآن الكريم
علامة باركود

{ألم نجعل الأرض مهادا}

{ألم نجعل الأرض مهادا}
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/12/2025 ميلادي - 2/7/1447 هجري

الزيارات: 187

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ﴾

 

يقول تعالى في سورة النبأ: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ﴾ [النبأ: 6 - 16].

 

﴿ أَلَمْ ﴾ استفهام تقريري ﴿ نَجْعَلِ الْأَرْضَ ﴾ والتعبير بـ ﴿ نَجْعَلِ ﴾ دون: نخلق، لأن كونها مهادًا حالة من أحوالها عند خلقها أو بعده، بخلاف فعل «الخلق» فإنه يتعدى إلى الذات غالبًا، أو إلى الوصف المقوِّم للذات نحو: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ﴾ [الملك: 2].

 

﴿ مِهَادًا ﴾: فراشًا وموطئًا تتمهدونها وتفترشونها، قارةً ساكنة ثابتة، مُمهَّدة للخَلق، ليست بالصلبة التي لا يستطيعون حرثها، ولا المشي عليها إلا بصعوبة، وليست باللينة الرخوة التي لا ينتفعون بها، ولكنها ممهدة لهم على حسب مصالحهم، وعلى حسب ما ينتفعون به.

 

وذلك دليل على إبداع الخلق والتيسير على الناس، فهو استدلالٌ يتضمن امتنانًا، وفي ذلك الامتنان إشعار بحكمة الله تعالى؛ إذ جعل الأرض ملائِمة للمخلوقات التي عليها، فإن الذي صنع هذا الصنع لا يُعجزه أن يخلق الأجسام مرة ثانيةً بعد بِلاها.

 

والغرض من الامتنان هنا تذكيرهم بفضل الله لعلهم أن يَرْعَووا عن المكابرة، ويُقبلوا على النظر فيما يدعوهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم تبليغًا عن الله تعالى.

 

ومناسبة ابتداء الاستدلال على إمكان البعث بخَلق الأرض أنَّ البعث هو إخراج أهل الحشر من الأرض، فكانت الأرض أسبقَ شيءٍ إلى ذهن السامع عند الخَوض في أمر البعث؛ أي: بعث أهل القبور.

 

﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾ [النبأ: 7]؛ أي: للأرض، أرسيناها بالجبال كما يُرسَى البيت بالأوتاد؛ حتى لا تميد بأهلها، فيكمل كون الأرض مهادًا بسبب ذلك.

 

وأيضًا فإن كثرة الجبال الناتئة على وجه الأرض، قد يخطر في الأذهان أنها لا تناسب جَعْلَ الأرض مهادًا، فكان تشبيه الجبال بالأوتاد مستملحًا بمنزلة حسن الاعتذار.

 

على أن غالب سكان الأرض - وخاصة العرب - لهم منافع جمَّة في الجبال؛ فمنها مسايل الأودية، وقرارات المياه في سفوحها، ومراعي أنعامهم، ومستعصمهم في الخوف، ومراقب الطرق المؤدية إلى ديارهم إذا طرقها العدو؛ ولذلك كثُر ذِكر الجبال مع ذكر الأرض.

 

﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ﴾ [النبأ: 8] ذكورًا وإناثًا، ليتم الائتناس والتعاون على سعادة المعيشة، وحفظ النسل، وتكميله بالتربية.

 

قال ابن عاشور: وفي قوله: ﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ﴾ [النبأ: 8] إيماء إلى ما في ذلك الخلق من حكمة إيجاد قوةِ التناسل من اقتران الذَّكر بالأنثى، وهو مناط الإيماء إلى الاستدلال على إمكان إعادة الأجساد، فإن القادر على إيجاد هذا التكوين العجيب ابتداءً بقوة التناسل، قادرٌ على إيجاد مثله بمثل تلك الدقة أو أدق.

 

وعبَّر هنا بفعل الخَلق دون الجعل؛ لأنه تكوين ذواتهم، فهو أدق من الجعل.

 

وضمير الخطاب للمشركين الذين وُجِّه إليهم التقرير بقوله: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ﴾ [النبأ: 6]، وهو التفاتٌ من طريق الغَيبة إلى طريق الخطاب.

 

وصيغة المضارع تُستعمل لقصد استحضار الصورة للفعل؛ كما في قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الروم: 48]، فالإتيان بالمضارع في: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ﴾ [النبأ: 6] يفيد استدعاء إعمال النظر في خلق الأرض والجبال، إذ هي مرئيات لهم، والأكثر أن يغفُل الناظرون عن التأمل في دقائقها؛ لتعوُّدهم مشاهدتها من قبل سنِّ التفكر، فإن الأرض تحت أقدامهم لا يكادون ينظرون فيها، بله أن يتفكروا في صنعها، والجبال يشغلهم عن التفكر في صنعها شُغلهم بتجشم صعودها، والسير في وعرها، وحراسة سوائمهم من أن تضل في شِعابها، وصرف النظر إلى مسالك العدو، وعند الاعتلاء إلى مراقبها، فأُوثر الفعل المضارع مع ذكر المصنوعات الحَرِيَّة بدقة التأمل، واستخلاص الاستدلال؛ ليكون إقرارهم مما قرروا به على بصيرة، فلا يجدوا إلى الإنكار سبيلًا.

 

وجيء بفعل المُضي في قوله: ﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ﴾ [النبأ: 8] وما بعده؛ لأنها ليست مشاهدة لهم.

 

وذَكَرَ لهم من المصنوعات ما هو شديد الاتصال بالناس، من الأشياء التي تتوارد أحوالها على مدركاتهم دومًا، فإقرارهم بها أيسرُ؛ لأن دلالتها قريبة من البديهي.

 

وفي ذلك حملٌ لهم على الشكر بالإقبال على النظر فيما بلغ إليهم عن الله، الذي أسعفهم بهذه النعم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعريضٌ بأن إعراضهم عن قبول الدعوة الإسلامية، ومكابرتهم فيما بلغهم من ذلك كفرانٌ لنعمة واهب النعم.

 

﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ﴾ [النبأ: 9] من السبت وهو «القطع»، أي قطعًا للحركة؛ لتحصل الراحة من كثرة الترداد والسعي في المعايش في عرض النهار؛ أي: جعل نومكم راحةً ودَعَةً، يريح القُوى من تعبها، ويُعيد إليها ما فُقد منها.

 

وقيل: السبات هو النوم الممتد الطويل السكون؛ ولهذا يُقال فيمن وُصف بكثرة النوم: إنه مسبوت، وبه سبات، ووجه الامتنان بذلك ظاهر؛ لِما فيه من المنفعة والراحة، لأن التهويم [النعاس] والنوم الغرار [قليل النوم أو المتقطع] لا يكسبان شيئًا من الراحة.

 

فبتلك الراحة يستجِد العصب قواه التي أوهنها عمل الحواس وحركات الأعضاء وأعمالها، بحيث لو تعلقت رغبةُ أحدٍ بالسهر، لا بد له من أن يغلبه النوم، وذلك لطف بالإنسان بحيث يحصل له ما به منفعةُ مداركه قسرًا عليه؛ لئلا يتهاون به، ولذلك قيل: إن أقل الناس نومًا أقصرهم عمرًا، وكذلك الحيوان.

 

• وإضافة «نوم» إلى ضمير المخاطبين ليست للتقييد، لإخراج نوم غير الإنسان، فإن نوم الحيوان كله سبات، ولكن الإضافة لزيادة التنبيه للاستدلال؛ أي إن دليل البعث قائم بيِّن في النوم الذي هو من أحوالكم، وأيضًا لأن في وصفه بسبات امتنانًا، والامتنان خاص بهم؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ﴾ [يونس: 67].

 

• وانتقل من الاستدلال بخَلق الناس إلى الاستدلال بأحوالهم، وخصَّ منها الحالة التي هي أقوى أحوالهم المعروفة شبهًا بالموت الذي يعقبه البعث، وهي حالة متكررة لا يخلون من الشعور بما فيها من العِبرة؛ لأن تدبير نظام النوم وما يطرأ عليه من اليقظة أشبهُ حالٍ بحال الموت، وما يعقبه من البعث.

 

﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ﴾ [النبأ: 10] يَغْشَى الناس ظلامه وسواده، كاللباس، بإحاطة ظلمته بكل أحدٍ، وستره لهم.

 

وهذا من إتمام الاستدلال الذي قبله، وما فيه من المنَّة؛ لأن كون الليل لباسًا حالة مهيِّئة لتكيف النوم، ومُعينة على هنائه والانتفاع به، فبتلك الظلمة تحتجب المرئيات عن الإبصار، فيعسر المشي والعمل والشغل، وينحط النشاط، فتتهيأ الأعصاب للخمول، ثم يغشاها النوم فيحصل السبات بهذه المقدمات العجيبة، فلا جرم كان نظام الليل آيةً على انفراد الله تعالى بالخَلق وبديع تقديره.

 

قال ابن عاشور وغيره: وتحته ثلاثة معانٍ:

أحدها: أن الليل ساتر للإنسان كما يستره اللباس، فالإنسان في الليل يختلي بشؤونه التي لا يرتكبها في النهار؛ لأنه لا يحب أن تراها الأبصار، ووجه النعمة في ذلك أن ظلمة الليل تستر الإنسان عن العيون، إذا أراد هربًا من عدوٍّ أو بياتًا له، أو إخفاء ما لا يحب الإنسان إطلاعَ غيره عليه.

 

وفي ذلك تعريض بإبطال أصلٍ من أصول الدهريين أن الليل «رب الظلمة»، وهو معتقد المجوس؛ وهم الذين يعتقدون أن المخلوقات كلها مصنوعة من أصلَين؛ أي إلهين: إله النور وهو صانع الخير، وإله الظلمة وهو صانع الشر.

 

ويُقال لهم: الثنوية؛ لأنهم أثبتوا إلهين اثنين، وهم فِرَقٌ مختلفة المذاهب في تقرير كيفية حدوث العالم عن ذينك الأصلين، وأشهر هذه الفرق فرقةٌ تسمى المانوية؛ نسبةً إلى رجل يُقال له: (ماني) فارسي، كان قبل الإسلام، وفرقة تسمى مزدكية؛ نسبة إلى رجل يُقال له: (مزدك)، فارسي قبل الإسلام، وقد أخذ أبو الطيب معنى هذا التعريض بقوله:

وكم لظلام الليل عندك من يدٍ
تخبر أن المانوية تكذبُ

المعنى الثاني: من معنَيَي وجه الشبه باللباس: أنه المشابهة في الرفق باللابس والملاءمة لراحته، فلما كان الليل راحة للإنسان، وكان محيطًا بجميع حواسه وأعصابه؛ شُبِّه باللباس في ذلك، ونُسب مجمل هذا المعنى إلى سعيد بن جبير والسدي وقتادة؛ إذ فسروا ﴿ سباتًا ﴾: سكنًا.

 

فكما أن الإنسان بسبب اللباس، يزداد جماله، وتتكامل قوته، ويندفع عنه أذى الحر والبرد، فكذا لباس الليل بسبب ما يحصل فيه من النوم، يزيد في جمال الإنسان وفي طراوة أعضائه، وفي تكامل قواه الحسية والحركية، ويندفع عنه أذى التعب الجسماني، وأذى الأفكار المُوحشة.

 

المعنى الثالث: أن وجه الشبه باللباس هو الوقاية، فالليل يقي الإنسان من الأخطار والاعتداء عليه، فكان العرب لا يُغير بعضهم على بعض في الليل، وإنما تقع الغارة صباحًا؛ ولذلك إذا غِير عليهم، يصرخ الرجل بقومه بقوله: يا صباحاه، ويُقال: صبَّحهم العدو.

 

وكانوا إذ أقاموا حرسًا على الرُّبى ناظورةً على ما عسى أن يطرقهم من الأعداء، يقيمونه نهارًا، فإذا أظلم الليل نزل الحرس.

 

﴿ وَجَعَلْنَا ﴾ كيفية يناسبها فعل الجَعل، لا فعل الخلق المناسب للذوات كما تقدم.

 

﴿ النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾ وقت معاش يعيش الناس فيه، فجعلناه مشرقًا منيرًا مضيئًا، فيه تتقلب الخلق في حوائجهم ومكاسبهم؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [القصص: 73].

 

لمَّا ذكر خَلق نظام الليل، قُوبل بخلق نظام النهار، وفيه عِبرة بدقة الصنع وإحكامه؛ إذ جُعل نظامان مختلفان، منشؤهما سطوع نور الشمس واحتجابه فوق الأرض، وهما نعمتان للبشر مختلفتان في الأسباب والآثار؛ فنعمة الليل راجعة إلى الراحة والهدوء، ونعمة النهار راجعة إلى العمل والسعي؛ لأن النهار يعقب الليل فيكون الإنسان قد استجد راحته، واستعاد نشاطه، ويتمكن من مختلف الأعمال بسبب إبصار الشخوص والطرق.

 

﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ﴾ [النبأ: 12] سبع سماوات شدادًا جمع شديدة، يعني مُحكمة قوية الخَلق، لا يؤثر فيها مرور الزمان، ولا فطور فيها ولا فروج.

 

كما قال تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [الذاريات: 47]؛ أي: بنيناها بقوة.

 

واستُعير فعل ﴿ بَنَيْنَا ﴾ في هذه الآية لمعنى: خلقنا ما هو عالٍ فوق الناس؛ لأن تكوينه عاليًا يُشبه البناء.

 

والمراد بالسبع الشداد: السماوات، فهو من ذِكر الصفة، وحذف الموصوف للعلم به؛ كقوله تعالى: ﴿ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ﴾ [الحاقة: 11].

 

﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ﴾ [النبأ: 13]: متلألئًا وقَّادًا، يعني الشمس؛ نحو قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ [نوح: 15، 16].

 

﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ﴾ [الفرقان: 61].

 

ولذلك أُوثر فعل ﴿ جَعَلْنَا ﴾ دون: خلقنا، لأن كونها سراجًا وهاجًا حالةٌ من أحوالها، وإنما يُعلَّق فعل الخلق بالذوات.

 

﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ ﴾ [النبأ: 14]: السحائب، ووصفها الله بأنها معصرات، كأنما تعصر هذا الماء عند نزوله عصرًا، كما يعصر الثوب، فإن هذا الماء يتخلل هذا السحاب، ويخرج منه كما يخرج الماء من الثوب المعصور.

 

﴿ مَاءً ثَجَّاجًا ﴾ [النبأ: 14] منصبًّا متدفقًا متتابعًا بقوة، ووصف الماء هنا بالثَّجَّاج للامتنان.

 

روى الترمذي بسند صحيح عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: أي الحج أفضل؟ قال: ((العج والثج))؛ أي: أفضل أعمال الحج رفع الصوت بالتلبية، وصب أو إراقة دماء الهَدْيِ.

 

وفي السنن في حديث المستحاضة حين قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنعتِ لك الكرسف [يعني: أن تحتشي بالقطن]، فإنه يُذهب الدم، قالت: هو أكثر من ذلك قال: فاتخذي ثوبًا، فقالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثجُّ ثجًّا)).

 

وهذا فيه دلالة على استعمال الثج في الصب المتتابع الكثير، والله أعلم.

 

﴿ لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا ﴾ [النبأ: 15] كل ما تضمنه كمام الزرع الذي يُحصد، ويُدَّخر للأناسيِّ والأنعام.

 

﴿ وَنَبَاتًا ﴾ [النبأ: 15] خضرًا يؤكل رطبًا، وما يُرعى من الكلأ والحشائش، فالمراد به هنا: النبات الذي لا يؤكل حبه، بل الذي ينتفع بذاته؛ وهو ما تأكله الأنعام والدواب.

 

﴿ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ﴾ [النبأ: 16]: حدائق ملتفة الشجر، مجتمعة الأغصان.

 

قال الرازي: قدَّم الحَب لأنه الأصل في الغذاء، وثنَّى بالنبات لاحتياج الحيوانات إليه، وأخَّر الجنات لأن الحاجة إلى الفواكه ليست بضرورية.

 

وهذا الذي أُشيرَ إليه هنا قد صرَّح به في مواضع من القرآن؛ كقوله تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ﴾ [ق: 9 - 11].

 

وجيء بفعل ﴿ لِنُخْرِجَ ﴾ دون نحو: «لنُنبت»، لأن المقصود الإيماء إلى تصوير كيفية بعث الناس من الأرض؛ إذ ذلك المقصد الأول من هذا الكلام، أَلَا ترى أنه لما كان المقصد الأول من آية سورة «ق» هو الامتنان جيء بفعل ﴿ أنبتنا ﴾، في قوله: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ ﴾ [ق: 9]، ثم أتبع ثانيًا بالاستدلال به على البعث بقوله: ﴿ كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ﴾ [ق: 11]، والبعث خروج من الأرض؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55].

 

وقد بُيِّنت حكمة إنزال المطر من السحاب بأن الله جعله لإنبات النبات من الأرض؛ جمعًا بين الامتنان والإيماء إلى دليل تقريب البعث، ليحصل إقرارهم بالبعث وشكر الصانع.

 

وبهذا الاستدلال والامتنان خُتمت الأدلة التي أُقيمت لهم على انفراد الله تعالى بالإلهية، وتضمَّنت الإيماء إلى إمكان البعث، وما أدمج فيها من المِنن عليهم، عساهم أن يذكروا النعمة فيشعروا بواجب شكر الْمُنعم، ولا يستفظعوا إبطال الشركاء في الإلهية، وينظروا فيما بلغهم عنه من الإخبار بالبعث والجزاء، فيصرفوا عقولهم للنظر في دلائل تصديق ذلك.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • { قد خلت من قبلكم سنن }
  • {ولا تهنوا ولا تحزنوا}
  • {يغشى طائفة منكم}
  • {وما كان لنبي أن يغل}
  • {هم درجات عند الله}

مختارات من الشبكة

  • من الكبائر الشائعة: (8) غصب الأرض ولو شبرا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف أن الأرض فيها فاكهة ونخل ذات أكمام؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الأرض: رؤية من الخارج(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تخريج حديث: أنه كان إذا أراد الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأرض شاهدة فماذا ستقول عنك يوم القيامة؟! (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من هم الأنام الذين وضع الله عز وجل لهم الأرض؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • باخع..(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة متخصصة حول الزكاة تجمع أئمة مدينة توزلا
  • الموسم الرابع من برنامج المحاضرات العلمية في مساجد سراييفو
  • زغرب تستضيف المؤتمر الرابع عشر للشباب المسلم في كرواتيا
  • نابريجني تشلني تستضيف المسابقة المفتوحة لتلاوة القرآن للأطفال في دورتها الـ27
  • دورة علمية في مودريتشا تعزز الوعي الإسلامي والنفسي لدى الشباب
  • مبادرة إسلامية خيرية في مدينة برمنغهام الأمريكية تجهز 42 ألف وجبة للمحتاجين
  • أكثر من 40 مسجدا يشاركون في حملة التبرع بالدم في أستراليا
  • 150 مشاركا ينالون شهادات دورة مكثفة في أصول الإسلام بقازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/7/1447هـ - الساعة: 16:1
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب