• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من الانتماء القبلي إلى الانتماء المؤسسي: تحولات ...
    د. محمد موسى الأمين
  •  
    الذكاء الاصطناعي... اختراع القرن أم طاعون
    سيد السقا
  •  
    الدماغ: أعظم أسرار الإنسان
    بدر شاشا
  •  
    دعاء المسلم من صحيح الإمام البخاري لماهر ياسين ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    صناعة المالية الإسلامية تعيد الحياة إلى الفقه ...
    عبدالوهاب سلطان الديروي
  •  
    التشكيك في صحة نسبة كتاب العين للخليل بن أحمد ...
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    مقدار استعمال الحبة السوداء (الشونيز) وزيتها حسب ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    التحذير من فصل الدين عن أمور الدنيا
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    القسط الهندي في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الصحة النفسية في المغرب... معاناة صامتة وحلول ...
    بدر شاشا
  •  
    صحابة منسيون (5) الصحابي الجليل: خفاف بن إيماء بن ...
    د. أحمد سيد محمد عمار
  •  
    الحرف والمهن في المغرب: تراث حي وتنوع لا ينتهي
    بدر شاشا
  •  
    حواش وفوائد على زاد المستقنع لعبدالرحمن بن علي ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    العلاقات الدولية ومناهجنا التعليمية
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    قراءات اقتصادية (65) رأس المال في القرن الحادي ...
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    التعامل مع شهوة المريض للطعام والشراب
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

خطبة: {أفمن زين له سوء عمله...}

خطبة: {أفمن زين له سوء عمله...}
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/8/2025 ميلادي - 8/2/1447 هجري

الزيارات: 10973

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أَفَمَنْ زُيِّنَ له سُوءُ عَمَلِه؟!

 

الحمدُ للهِ ذي المنَّةِ والفضلِ، قولُه فصلٌ، وحكمُه عدلٌ، وأشهدُ ألاّ إلهَ إلاّ اللهُ وحده لا شريكَ له ذو العطاءِ الجزْلِ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه ذوي اليُمْنِ والنُّبْلِ.

 

أما بعدُ، فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

أيُّها المؤمنون!

حين حقَّتْ كلمةُ العذابِ على إبليسَ، وطُرِدَ من جنةِ اللهِ ورحمتِه؛ كَشَّرَ عن وجهِ عداوتِه الكالحِ للخلقِ، وأقسمَ اليمينَ المغلَّظةَ على مشروعِه الأوحدِ في الحياةِ حين تبنِّى خطَّةَ إضلالِ العبادِ عن صراطِ اللهِ المستقيمِ وصدِّهم عنه، وأبانَ عن أساليبِه اللئيمةِ في ذلك الإضلالِ والصدِّ والتي كان مقدَّمَها تزيينُه لهمُ السُّوءَ من العملِ، كما أخبرَ اللهُ عنه بقولِه: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الحجر: 39]. وكان أولُ تطبيقٍ لذلك التزيينِ الشيطانيِّ مع أبي البشرِ آدمَ -عليه السلامُ-؛ إذ زيَّنَ له الأكلَ من تلك الشجرةِ التي منعَه اللهُ من الاقترابِ منها حين أغراه بالخلودِ في الجنةِ والمُلكِ الذي لا يَبلى إنْ هو أكلَ منها. وما كان لإبليسَ أنْ يتخذَ التزيينَ أسلوباً في الإضلالِ إلا لِعلمِه بنُفْرةِ النفوسِ من مباشرةِ العملِ القبيحِ على حقيقةِ صورتِه؛ فلا بدَّ من إكسائِه ثوبَ الحُسْنِ وإنْ كان زوراً؛ ليَسْهُلَ عليها تقبُّلُه ومن ثَمَّ مباشرتُه؛ فقد زيّنَ الشركَ للمشركين بصورةِ طلبِ القُرْبِ من اللهِ، كما قال -تعالى-: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3]، وزيَّنَ لهم وَأْدَ البناتِ بدافعِ حفظِ العِرضِ والشرفِ، ﴿ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ ﴾ [الأنعام: 137]، وزيَّنَ للمسرفين التقحُّمَ على الموبقاتِ بحُسْنِ الرَّجاءِ بمغفرةِ اللهِ، وزيَّنَ إبداءَ العوراتِ وإظهارَ المفاتنِ بصورةِ التجمّلِ، وزيَّنَ أكلَ أموالِ الناسِ بالباطلِ بمُسُوحِ التأويلاتِ والحِيَلِ والذكاءِ، وزيَّنَ الغِيبةَ بذريعةِ النصيحةِ والجرحِ والتعديلِ، وزيَّنَ قطْعَ الرَّحمِ بإراحةِ النفسِ من رَهَقِ المشكلاتِ، وزيَّنَ الكِبْرَ بحفظِ المهابةِ وعدمِ الجراءةِ على الذاتِ، وزيَّنَ الكذبَ بالمزاحِ، أو خَلْقِ التعاظمِ إنْ تَشَبَّعَ بما لم يُعْطَ، وزيَّنَ التنصلَ من ثوابتِ الشرعِ بغطاءِ الاحتواءِ والتقاربِ، وزيَّنَ المهانةَ لأهلِ الدنيا بلباسِ التواضعِ، وزيَّنَ الفظاظةَ والغلظةَ بدافعِ الغيرةِ. وهكذا له مع كلِّ قبيحٍ قناعُ تجمّلٍ يناسبُ شخصيةَ من يرومُ إغواءَه، ونقاطَ ضعفِه، وما يحققُه فعلُه القبيحِ من ضلالٍ وإضلالٍ، سواءً كان هذا الفعلُ القبيحُ مما سلفُ إيقاعُه؛ فلا يندمُ فاعلُه على جنايتِه، أو كان مُلابِساً له؛ فلا يُقْلِعُ عنه، أو كان في المستقبلِ؛ فلا يَنْصَرِفُ عنه، كما قال -تعالى-: ﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ [فصلت: 25].

 

أيها المؤمنون!

إنَّ تزيينَ السُّوءِ من أشدِّ العقوباتِ الخفيةِ التي لا يأمنُ العقلاءُ حلولَها؛ فهم -دوماً- في حذرٍ من تسرُّبِها إلى قلوبِهم؛ إذ هي موطنُ التزيينِ، كما قال عبدُاللهِ بنُ المباركِ: " إن ‌البُصَراءَ لا يأمنون من أربعِ خصالٍ: ذنبٍ قد مضى لا يُدْرَى ما يَصنعُ الربُّ فيه، وعُمرٍ قد بقي لا يُدرى ماذا فيه من الهلكاتِ، وفضلٌ قد أُعْطِي لعله مكرٌ واستدراجٌ، وضلالةٌ وقد زُيِّنتْ له فرآها هُدىً، ومن زيغِ القلوبِ ساعةً ساعةً أسرعَ من طرفةِ عينٍ؛ قد يُسْلَبُ دينَه وهو لا يَشعرُ". قال ابنُ القيِّمِ: " تزيينُه -سبحانه- للعبدِ عملَه السيءَ عقوبةُ منه له على إعراضِه عن توحيدِه وعبوديتِه، وإيثارِ سيءِ العملِ على حَسَنِه؛ فإنه لا بدَّ أنْ يُعرِّفَه -سبحانه- السيءَ من الحَسَنِ، فإذا آثرَ القبيحَ واختارَه وأحبَّه ورَضيه لنفسِه؛ زيَّنَه -سبحانه- له، وأعْماه عن رؤيةِ ‌قُبْحِه بعد أنْ رآه قبيحاً. وكلُّ ظالمٍ وفاجرٍ وفاسقٍ لا بدَّ أنْ يُرِيَه اللهُ -تعالى- ظُلمَه وفجورَه وفِسقَه قبيحاً، فإذا تمادى عليه ارتفعتْ رؤيةُ ‌قبحِه من قلبِه، فربَّما رآه حَسَناً؛ عقوبةً له، فإنَّه إنَّما يُكْشَفُ له عن ‌قبحِه بالنُّورِ الذي في قلبِه، وهو حجةُ اللهِ عليه، فإذا تمادى في غَيِّه وظلمِه ذهبَ ذلك النُّورُ، فلم يَرَ ‌قبحَه في ظلماتِ الجهلِ والفسوقِ والظلمِ ".

ظلمتُ نفسي وَلم أعملْ بموجبِها
وَمَا علمتُ بِأَنَّ الغيَّ يُتلفُني
يُقْضى على الْمَرْء في أَيَّامِ محنتِه
حَتَّى يَرى حَسَناً مَا لَيْسَ بالْحَسَنِ

 

أيها المسلمون!

وعقوبةُ التزيينِ يقدِّرها اللهُ على مَن شقيَ بها، كما قال -تعالى-: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [النمل: 4]، ومباشرةُ مهمةِ ذلك التزيينِ تكونُ من الشيطانِ وأوليائه قُرَناءِ السوءِ من الجنِّ والإنسِ، ويَتظاهرون على ذلك بالنفسِ الأمّارةِ بالسوءِ، كما قال -سبحانه-: ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [النمل: 24]، ﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ﴾ [فصلت: 25]. هذا، وقد أبانَ القرآنُ أسبابَ وقوعِ المرءِ في شِباكِ التزيينِ؛ مما يُحتِّمُ عليه الحذرَ منها، والابتعادَ عنها، والأخذَ بأضدادِها؛ كي يَغنمَ السلامةَ. وإنَّ من أعظمِ تلك الأسبابِ قسوةَ القلبِ وظلمتَه وغفلتَه عن النُّذُر ِوالآياتِ، كما قال -تعالى-: ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 43]. وعدمُ الإيمانِ باليومِ الآخرِ وضَعْفُ ادِّكارِ الموتِ واستحضارِ الحسابِ أمامَ اللهِ من أسبابِ الوقوعِ في عقوبةِ تزيينِ سوءِ العملِ، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [النمل: 4]. قال ابنُ عثيمينَ: " كلَّما ضَعُفَ الإِيمانُ بالآخرةِ؛ ازدادَ ‌تزيينُ القبيحِ فِي عينِ الْإِنْسَانِ، وكلَّما ازدادَ إيمانُه بالآخِرَةِ كَرِهَ القبائحَ ". فالإيمانُ باليومِ الآخرِ واستحضارُ قربِه نورٌ يجلِّي ظلمةَ الفعلِ القبيحِ وإنْ كُسيَ بأبهى زينةٍ، ويَصْرِفُ عنه، ويَحمِلُ على الاعترافِ بالذنبِ والندمِ عليه. وضَعفُ الإخلاصِ للهِ مَرْكبٌ ذَلولٌ يَمتطيه الشيطانُ وأولياؤه في تزيينِ سوءِ العملِ، وذاك ما جعلَه يستثني من ضحايا تزيينِه عبادَ اللهِ المُخلَصين، كما أخبرَ اللهُ عنه بقولِه: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر: 39، 40] -كما جاءَ في قراءةٍ-. والاجتماعُ في أعمالِ الشرِّ من أقوى أسبابِ تزيينِ سوءِ العملِ عند أصحابِه، كما قال -تعالى-: ﴿ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ﴾ [الأنعام: 108]، ومن هنا جاءَ النَّكيرُ الشَّديدُ على المجاهرةِ بالذَّنْبِ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى ‌إِلَّا ‌الْمُجَاهِرِينَ " رواه البخاريُّ ومسلمٌ. وتقبُّلُ الفتنِ وتشرُّب القلبِ لها من أخطرِ ما يكونُ به تزيينُ سوءِ العملِ، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ ‌عُودًا ‌عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا؛ لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ " رواه مسلمٌ. ويزدادُ تزيينُ سوءِ العملِ ويَخطرُ بقدْرِ تجاوزِ العبدِ الحدَّ في معاصيه، كما قال -تعالى-: ﴿ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [يونس: 12].

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ.

أما بعدُ، فاعلموا أنَّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ...

 

أيها المؤمنون!

إنَّ لتزيينِ سوءِ العملِ عواقبَ شؤمٍ؛ يبوءُ بها من لم يعصمْه اللهِ، ويقيه شرَّها. ومن تلك الآفاتِ تخلّي اللهِ عن ولايةِ مَن زُيِّنَ له سوءُ عملِه، وتولِّي الشيطانِ له، ويا خيبةَ من تولاه عدوُه حتى قادَه للخذلانِ في الدنيا والعذابِ الأليمِ في الآخرةِ! قال -تعالى-: ﴿ تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النحل: 63]، وحين غرَّ كفارَ قريشٍ بالنصرِ والمظاهرةِ، وزيَّنَ لهم كيدَهم؛ تبرَّأَ منهم خاذلاً لهم، كما قال -تعالى-: ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 48].

دلَّاهمُ ‌بغُرُورٍ ‌ثمّ ‌أسلمَهم
إنَّ الخبيثَ لِمن والاه غَرَّارُ

ومن عقبى تلك الولايةِ الشيطانيةِ لمن زُيِّنَ له سوءُ عملِه العمى عن إبصارِ الحقِّ والترددُ والحيرةُ والضلالُ، قال -تعالى-: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ﴾ [النمل: 4، 5]. بل يزدادُ ذلك الضلالُ إنِ ازدادَ التزيينُ ليكونَ صاحبُه بعد ضلالِه مُضِّلاً لغيرِه وصَادَّاً عن سبيلِ اللهِ، كما قال -تعالى-: ﴿ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ﴾ [الرعد: 33، 34]، وفي قراءةٍ: ﴿ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ﴾ [الرعد: 33]. ومن أخطرِ آثارِ التزيينِ داءُ العُجْبِ الذي يَتملَّكُ صاحبَه واقتناعِه بحالِه، كما قال -تعالى-: ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [الأنفال: 48]، وذاك الحالُ الوخيمُ يَحملُ صاحبَه على السُّدُورِ في غيِّه وعدمِ إقلاعِه عنه؛ ومن هنا قال أهلُ العلمِ: إنَّ البدعةَ أحبُّ إلى إبليسَ من المعصيةِ؛ لأنَّ المعصيةَ يُتابُ منها؛ لظهورِ قبحِها، والبدعةَ لا يُتابُ منها -غالباً-؛ لأن صاحبَها يراها بمنظارِ التزيينِ حسنةً. فظلمةُ تزيينِ سوءِ العملِ تحجبُ شمسَ الهدايةِ من الإشراقِ في سماءِ القلبِ، كما قال -تعالى-: ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ [النمل: 24]. وسوءُ الظنِّ باللهِ قرينُ تزيينِ سوءِ العملِ المُفْضي إلى الهلاكِ والبَوارِ، ﴿ زُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ﴾ [الفتح: 12].

 

أيها المسلمون!

إنِّه لا عصمةَ مِن تزيينِ سوءِ العملِ إلا بالاعتصامِ باللهِ، واستحضارِ الضعفِ والجهلِ، وخوفِ زيغِ القلبِ، ودوامِ المحاسبةِ، والاعترافِ بالزللِ والتقصيرِ، وتجديدِ التوبةِ، وسؤالِ اللهِ الهدايةَ والرشادَ؛ وحينها ينعمُ اللهُ على عبدِه بالرُّشدِ الذي تكونُ به البصيرةُ وتزيينُ الإيمانِ وبغضُ الفسوقِ والعصيانِ، كما قال -سبحانه-: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الحجرات: 7، 8].

عِياذًا بكَ اللهمَّ من تَزْيِينِ زَلَّةٍ
تُرِي النَّفْسَ زُورَ الفِعلِ حَقًّا مُفَضَّلا
وأنْ نَرتضي ما ليسَ يُرضيكَ سِرُّهُ
فنُخْدَعَ ظنًّا أنّه الخيرُ مَوئِلا




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنًا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ... } (1)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنًا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ... } (2)
  • عطاء أمي (قصيدة)

مختارات من الشبكة

  • خطبة: الأعمال الصالحة وثمراتها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نعم أجر العاملين (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • القيم النبوية في إدارة المال والأعمال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: أهمية المسؤولية في العمل التطوعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: أهمية العمل التطوعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نعمة الماء من السماء ضرورية للفقراء والأغنياء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين خطرات الملك وخطرات الشيطان (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • خطبة: وصايا نبوية إلى كل فتاة مسلمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دم المسلم بين شريعة الرحمن وشريعة الشيطان (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آداب تلاوة القرآن الكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • منح دراسية للطلاب المسلمين في بلغاريا تشمل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه
  • مبادرة "زوروا مسجدي 2025" تجمع أكثر من 150 مسجدا بمختلف أنحاء بريطانيا
  • متطوعو كواد سيتيز المسلمون يدعمون آلاف المحتاجين
  • مسلمون يخططون لتشييد مسجد حديث الطراز شمال سان أنطونيو
  • شبكة الألوكة تعزي المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا في وفاة سماحة مفتي عام المملكة
  • برنامج تعليمي إسلامي شامل لمدة ثلاث سنوات في مساجد تتارستان
  • اختتام الدورة العلمية الشرعية الثالثة للأئمة والخطباء بعاصمة ألبانيا
  • مدرسة إسلامية جديدة في مدينة صوفيا مع بداية العام الدراسي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/4/1447هـ - الساعة: 16:15
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب