• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من الانتماء القبلي إلى الانتماء المؤسسي: تحولات ...
    د. محمد موسى الأمين
  •  
    الذكاء الاصطناعي... اختراع القرن أم طاعون
    سيد السقا
  •  
    الدماغ: أعظم أسرار الإنسان
    بدر شاشا
  •  
    دعاء المسلم من صحيح الإمام البخاري لماهر ياسين ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    صناعة المالية الإسلامية تعيد الحياة إلى الفقه ...
    عبدالوهاب سلطان الديروي
  •  
    التشكيك في صحة نسبة كتاب العين للخليل بن أحمد ...
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    مقدار استعمال الحبة السوداء (الشونيز) وزيتها حسب ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    التحذير من فصل الدين عن أمور الدنيا
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    القسط الهندي في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الصحة النفسية في المغرب... معاناة صامتة وحلول ...
    بدر شاشا
  •  
    صحابة منسيون (5) الصحابي الجليل: خفاف بن إيماء بن ...
    د. أحمد سيد محمد عمار
  •  
    الحرف والمهن في المغرب: تراث حي وتنوع لا ينتهي
    بدر شاشا
  •  
    حواش وفوائد على زاد المستقنع لعبدالرحمن بن علي ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    العلاقات الدولية ومناهجنا التعليمية
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    قراءات اقتصادية (65) رأس المال في القرن الحادي ...
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    التعامل مع شهوة المريض للطعام والشراب
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / المعاملات
علامة باركود

التستر (خطبة)

التستر (خطبة)
الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/10/2021 ميلادي - 7/3/1443 هجري

الزيارات: 14035

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التستر (خطبة)


الْخُطْبَةُ الْأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

أمَّا بَعْدُ ...

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ مِنْ عِظَمِ هَذَا الدِّينِ وَفَضْلِهِ أَنَّهُ حَفِظَ لِلْمُسْلِمِ أُمُورَ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَمَا يُصْلِحُ حَيَاتَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَهُوَ دِينٌ حَوَى الْمَحَاسِنَ كُلَّهَا، وَأَلْزَمَ النَّاسَ بِأَوَامرَ، وَرَتَّبَ طَاعَاتِ مَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُمْ، فَأَوْجَبَ طَاعَةَ اللهِ، وَطَاعَةَ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ طَاعَةَ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لِطَاعَةِ اللهِ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِيمَا فِيهِ طَاعَةٌ لِلَّهِ تُعَدُّ طَاعَةٌ لِلَّهِ، وَطَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْر فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ تُعَدُّ طَاعَةٌ لِلَّهِ.

 

وَوَلِيُّ الْأَمْرِ هُوَ الْمَسْؤُولُ عَنْ سِيَاسَةِ النَّاسِ، وَمُرَاعَاةِ مَصَالِحِهِمْ، وَحِمَايَتِهِمْ مِنَ الْأَضْرَارِ الْمُحِيطَةِ بِهِمْ، فَعِنْدَهُ الاطِّلَاعُ وَالشُّمُولِيَّةُ فِي الْمَعْرِفَةِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ [النساء: 59]. فَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ قَائِدٍ وَإِمَامٍ يَقُومُ بِسِيَاسَتِهِمْ، وَمُرَاعَاةِ مَصَالِحِهِمْ، إنَّ التَّنْظِيمَ الِّذِي تَسْعَى لَهُ الدَّوْلَةُ لَهُ أَسْبَابُهُ وَدَوَافِعُهُ، وَهِيَ الْأَعْلَمُ بِمَصَالِحِ النَّاس.

 

وَمِنَ الْمَصَالِحِ الَّتِي يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا وَالْتِزَام طاعة ولي الأمر فيها: اجتناب التَّسَتُّرِ الَّذِي جَلَبَ الشَّرَّ وَالْوَيْلَاتِ لِلْبِلَادِ وَالْعِبَادِ، وَأَفْسَدَ غَايَةَ الْفَسَادِ، وَلَا ينْكِرُ ذَلِكَ إِلَّا ِمَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بوَاقِعِ الْحَالِ، وَمَآلَاتِ الْأُمُورِ، أَوْ صَاحِبُ هَوًى غَلَّبَ بَعْضَ مَصَالِحِه عَلَى مَصَالِحِ النَّاس، أَوْ ذِي عَاطِفَةٍ تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ؛ فَالتَّسَتُّرُ أَوْقَعَ بُيُوتًا كَثِيرَةً فِي وَرَطَاتٍ وَنَكَبَاتٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ.

 

وَكَمْ يَقْبَعُ خَلْفَ الْقُضْبَانِ مِنْ ضَحَايَا الْمُتَسَتَّرُ عَلَيْهِمْ!

وَكَمْ لَحِقَتِ الدُّيونُ الْهَائِلَةُ الْمُتَسَتِّرِينَ!

وَكَمْ نَهَبَ الْمُتَسَتَّرُ عَلَيْهِمْ مِنْ مِلْيَارَاتٍ حَرَمُوا الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ مِنْهَا!

 

وَالتَّسَتُّرُ مُحَرَّمٌ بِالشَّرْعِ؛ لِأَنَّ فِيهِ كَذِبًا وَزُورًا وَتَدْلِيسًا، وَمُجَرَّمٌ في ِالنِّظَامِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةٍ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ وَالْأَنْظِمَةِ الَّتِي رُتِّبَتْ عَلَيْهَا هَذِهِ الْقَرارَاتُ.

 

وَالتَّسَتُّرُ -بِاخْتِصَارٍ- أَنْ تَكُونَ الشَّرِكَاتُ، أَوِ الْمُؤَسَّسَاتُ، أَوِ الْمَحِلَّاتُ الصَّغِيرَةُ أَوِ الْكَبِيرَةُ فِي الظَّاهِرِ بِاسْمٍ، وَمَالِكُهَا الْحَقِيقِيُّ شَخْصٌ آخَرُ خَوَّلَ لَهُ الْمُتَسَتَّرِ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِهَذَا الْعَمَلِ، وَأَنْ يُنْشِئَ هَذَا الْمَقَرَّ، وَأَنْ يَعْمَلَ لِحِسَابِهِ الشَّخْصِيِّ فِي الْبَاطِنِ، وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ وَأَمَامَ الْجِهَاتِ الْمَسْؤُولَةِ وَالرِّقَابِيَّةِ فَهِيَ بِاسْمِ مَنْ تَنْطَبِقُ عَلَيْهُ الشُّرُوطُ، فَيَعْبَثُ الْمَالِكُ الْحَقِيقِيُّ، وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ بِاسْمِ الْمَالِكِ الصُّورِيِّ الَّذِي يَكُونُ فِي النِّهَايَةِ ضَحِيَّةً لِلْمَالِكِ الْحَقِيقِيِّ.

 

والتَّسَتُّرُ أَنْوَاعٌ؛ وَمِنْ أَخْطَرِهَا:

أَوَلَّا: أَنْ يُنْشِئَ مُواطِنٌ مَحِلًّا، وَيَسْتَخْرِجَ أَوْرَاقَه النِّظَامِيَّةَ بِاسْمِهِ وَالْمَالِكُ الْحَقِيقِيُّ لَهُ والمدير له مِنْ غَيْرِ الْمُوَاطِنِينَ، الذي سَلَّمَ لَهُ الْمَالِكُ الصُّورِيُّ كَافَّةَ الصَّلَاحِيَّاتِ، وَتَكُونُ هُنَاكَ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ أَوْرَاقٌ بَيْنَهُمَا خَارِجِيَّةٌ؛ لِحِفْظِ الْحُقُوقِ -كَمَا يَزْعُمُونَ- وَلَا تَنْفَعُ صَاحِبهَا، فَقَدْ يَهْرُبُ الْوَافِدُ بَعْدَمَا اسْتَوْلَى عَلَى أَمْوَالٍ مِنْ جَرَّاءِ عَبَثِهِ بِهَذِهِ الْمُنْشَأَةِ، وَيَتفَاجَأُ الْمَالِكُ الصُّورِيُّ بَعْدَ هُرُوبِ الْمَالِكِ الْحَقِيقِيَّ بَأَنَّ هَذِهِ الْمُنْشَأَةَ قَدْ لَحِقَتْهَا دُّيُونُ وَخَسَائِرُ، وَهُوَ الْمَسْؤُولُ أَمَامَ الْجِهَاتِ الْمَسْؤُولَةِ، فَتُوقَفُ خِدْمَاتُهُ، وَتَتَكَدَّرُ حَيَاتُهُ، وَقَدْ تَكُونُ الْمَدْيونِيَّاتُ ملايينَ إِنْ لَمْ تَبْلُغْ عَشَرَاتِ الْمَلَايينِ.

 

فَكَمْ أَخَذَ الْمُتَسَتَّرُ عَلَيْهِمِ مِنْ تَسْهِيلَاتٍ بَنْكِيَّةٍ، وَمَا إِنْ أَوْدَعُوهَا فِي حِسَابَاتِهِمْ وَحَوَلُّوْهَا إِلَى بُلْدَانِهِمْ إِلَّا وَقَد هَرَبُوا، ثُمَّ يَتَفَاجَأُ الْمَالِكُ الصُّورِيُّ بِهَذِهِ الْمَدْيونِيَّاتِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا؛ فَطَمَعُهُ في آلَافِ الرِّيَالَاتِ الَتِي يَسْتَلِمْهَا مِنْ الْمُتَسَتَّرُ عليه أَلْزَمَهُ عَشَرَاتِ الْمَلَايينِ، وَهَذِهِ حَقَائِقُ لَا يُنْكِرُهَا إِلَّا مُعَانِدٌ، أَوْ مُكَابِرٌ، أَوْ مُجَادِلٌ بِغَيْرِ عِلمٍ.

 

وُهُنَا حَلَّتِ الْأَضْرَارُ بِالْبَلَدِ حِينَمَا نُهِبَتْ خَيْرَاتُهُ، وَأُخْرِجَتْ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ أَمْوَالُهُ ثُمَّ ذَلِكَ الْمُوَاطِنُ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَحِقَتْهُ الدُّيونُ دُونَ أَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْهَا، ثُمَّ أُسْرَتُهُ الَّتِي تُعَانِي الْوَيْلَاتِ بِسَبَبِهِ؛ إِمَّا بِسَبَبِ دُيونِهِ، أَوْ بِسَبَبِ سَجْنِهِ.

 

إِنَّ هُنَاكَ مَنْ يَطْمَعُ فِي آلَافِ الرِّيَالَاتِ تَدْخُلُ فِي رَصِيدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ، وَيَخْسَرُ بِسَبَبِهَا خَسَائِرَ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ.

 

ثَانِيًا: مِنَ التَّسَتُّرِ أَنْ يُنْشِئَ إِنْسَانٌ مَحِلًّا ثم َيَعْمَلَ فِيهِ بَعْضُ الْعِمَالةِ لَا يُخَوِّلُ لَهُمُ النِّظَامُ الْحُصُولَ عَلَى قُرُوضٍ، وَيَسْتَلِمُ الْمَالِكُ الصُّورِيُّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْعُمَّالِ أَمْوَالًا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيَتَعَامَلُ مَعَهُمْ بِتَعَسُّفٍ فَيَجْعَلُهُمْ يَحْمِلُونَ الْحِقْدَ وَالْكَرَاهِيَّةَ لِلْبِلَادِ، فَيُهْمِلُ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ إِخْلَاصٍ، وَيُفْسِدُونَ عِنْدَ الْبِنَاءِ وَالْأَعْمَالِ وَلَا يُصْلِحُونَ؛ بَلْ قَدْ تَنْهَدِمُ الْمَقَارُّ الَّتِي قَامُوا بِبُنْيَانِهَا أَوْ تَتَضَرَّرُ، فَيُلْزَمُ الْمُتَسَتَّرُ عَلَيْهِم بِالْمَسْؤُولِيَّةِ كَامِلَةً، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى إِدَارَةِ عَمَلِهِ بِنَفْسِه، فَمَا أَلْزَمَهُ أَحَدٌ أَنْ يَلْجَأَ لِلتَّسَتُّرِ الَّذِي ضَرَرُهُ عَظِيمٌ، وَشَرُّهُ جَسِيمٌ.

 

فَعَلَيْنَا -عِبَادَ اللهِ- أَنْ نَتَّقِيَ اللهَ فِي أَنْفُسِنَا وَفِي أَهْلِينَا، وَأَنْ نَبْتَعِدَ عَنْ هَذَا الْعَمَلِ الْمُشِينِ الْمُخَالِفِ لِلشَّرْعِ وَالنِّظَامِ.

 

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ التَّسَتُّرَ فِيهِ مِنَ الْكَذِبِ، وَالتَّدْلِيسِ، وَالْفَسَادِ، وَتَدْمِيرِ الْأُسْرَةِ، وَتَشْتِيتِ شَمْلِها مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ، وَلَا نُلْقِي الْكَلَامَ عَلَى عَوَاهِنِهِ مِنْ دُونِ عَلْمٍ أَوْ دِرَايَةٍ.

 

وَمِنْ أَخْطَرِ أنْوَاعِ التَّسَتُّرِ وَالْجُرْحِ الَّذِي يَصْعُبُ انْدِمَالُهُ، وَالْخَرْقِ الَّذِي يَصْعُبُ رَقْعُهُ: التَّسَتُّرُ الْأُسَرِيُّ؛ حَيْثُ يَقُومُ أَحَدُ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ الَّذِي لَا يُخَوِّلُ لَهُ النِّظَامُ افْتِتَاحَ الْمَحِلَّاتِ، أَوْ يُلْزِمُهُ بِشُرَكَاءَ فِي حَالِ تَغْييرِ نِظَامِ نَشَاطِهِ، فَيُنْشِئُ الْمُنْشَأَةَ بِاسْمِ قَرِيبِهِ أَوْ قَرِيبَتِهِ، أَوْ أُخْتِهِ أَوْ أَخِيهِ، أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ ابْنِهِ، وَهُنَا يَقَعُ الضَّرَرُ مِنَ التَّسَتُّرِ مِنْ جِهَتَيْنِ:

أَوَّلًا: أَلَّا يُدِيرُها بِنَفْسِهِ، فَأَنْشَأَ الشَّرِكَةَ بِاسْمِ أُخْتِهِ، ثُمَّ سَلَّمَهَا لِوَافِدٍ يَثِقُ بِهِ، فَلَحِقَتِ الْأَضْرَارُ بِأُخْتِهِ، أَوْ قَرِيبِهِ، أَوْ يُدِيرُهَا بِنَفْسِهِ، فَلَا يُحْسِنُ إِدَارَتَهَا، فَتَتَكَبَّدُ الشَّرِكَةُ خَسَائِرَ يَتَحَمَّلُهَا -نِظَامًا- مَنْ كَانَتِ الْمُنْشَأَةُ بِاسْمِهِ.

 

تَقُولُ إِحْدَى الفَضْلِيَاتِ: فُوجِئْتُ بِأَنِّي مُلْزَمَةٌ بِدَفْعِ مَبْلَغٍ يَفُوقُ الثَّمَانَمِائةِ ألفٍ، وَأَنَا لَا أَمْلِكُ قُوتَ يَوْمِي؛ بِسَبَبِ أَنَّنِي وَافَقْتُ أَنْ يَفْتَتِحَ أَخِي مَحِلًّا بِاسْمِه، وَتَخَلَّى عَنِّي حِينَمَا لَحِقَتْ الْمَحِلَ الدُّيونُ! فَأَخَذَ غُنْمَهُ وَحَمَلَنِّي غُرْمَهُ، حَيْثُ كَانَتْ ثِقَتِّيْ بِهِ لاَ حَدَ لَهَا فَتَخَلَّى وَتَهَرَّبَ مِنِّيْ وَهُوَ الْجَانِّي عَلَي.

 

فَكَمْ قَرِيبٍ مُسْتَهْتِرٍ أَوْ غَيْرِ مُبَالٍ يُوقِعُ أَقَارِبَهُ بِسَبَبِ هَذَا التَّسَتُّرِ فِي الْوَيْلَاتِ، فَيَرْفَعُ الْمُتَسَتِّرِونَ قَضَايَا عَلَى المُتَسَتِّرين عَلَيْهِمْ؛ لِتَحْمِيلِهِمُ الْمَسْؤُولِيَّةَ، وَتَتَقَطَّعُ أَوْصَارُ الْأُسْرَةِ بِسَبَبِ هَذَا التَّسَتُّرِ.

 

ثَانِيًا: أَنْ يَتَسَتَّرَ الْقَريِبُ عَلَى قَرِيبِهِ ثُمَّ تَرْبَحَ الشَّرِكَةُ وَتَتَطَوَّرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْمُتَسَتِّرُ وَيَقَولَ إِنَّهُ صَاحِبُ حَقٍّ! فَيَخْسَرَ بِذَلِكَ الَّذِي كَدَّ وَتَعِبَ عَشَرَاتِ الْمَلَايِينِ؛ تَزِيدُ أَوْ تَنْقُصُ، وَهُوَ أَمَامَ الْجِهَاتِ الْمَسْؤُولَةِ لَا حَقَّ لَهُ، فَتُرْفَعُ بَيْنَهُمَا الْقَضَايَا، وَتَحْدُثُ بَيْنَهُمَا الْعَدَاوَةُ، وَقَدْ كَانُوا فِي غُنْيَةٍ عَنْ هَذَا الْعَمَلِ.

 

جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَحَفِظَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ شَرِّ كُلِّ مَنْ بِهِ شَرٌّ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.


أمَّا بَعْدُ...

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ عَلَيْنَا الاسْتِفَادَةَ مِنَ الْعِبَرِ وَالدُّرُوسِ، وَأَنْصَحُ نَفْسِي وَإِخْوَانِي بِالابْتِعَادِ عَنِ الْأَعْمَالِ المُجَرَّمَةِ نظاما، وَالْبُعْدِ عَنِ الْمُجَامَلَاتِ الَتِي جَرَّتْ الْوَيْلَات وَالْحَسَرَات.

 

فَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ افْتَتَحَ مُنْشَأَةً بِاسْمِ ابْنِهِ الَّذِي لَا يَزَالُ طَالِبًا، ثُمَّ سَلَّمَهَا لِوَافِدٍ أَوْ قَرِيبٍ يَنَالُ خَيْرَاتِها، وَيَنَالُ ابْنُهُ شَرَّهَا وَوَيْلَاتِها.

 

فَعَلَيْنَا أَلَّا نُدَمِّرَ حَيَاةَ أَبْنَائِنَا، أَوْ زَوْجَاتِنِا، أَوْ أَقَارِبِنَا بِهَذَا التَّسَتُّرِ الْمُشِينِ.

 

كَمْ غُصَّةٍ فِي عَيْنِ أَبٍ أَضَرَّ بِابْنِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يُرِيدُ؟

وَكَمْ غُصَّةٍ فِي حَلْقِ ابْنٍ اسْتَسْلَمَ لِطَلَبِ أَبِيهِ؟

 

إِنَّ الدَّوْلَةَ -وَفَّقَهَا اللهُ- حِينَمَا مَنَعَتْ مِثْلَ هَذِهِ الْجَرَائِمِ، فَإِنَّ سَبَبَ ذَلِكَ مَا رَأَتْهُ مِنْ آثَارٍ خَطِيرَةٍ، وَقَامَتْ بِإِغْلَاقِ بَابِ الشَّرِّ؛ مُرَاعَاةً لِمَصَالِحِ النَّاسِ.

 

وسُئِلتْ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ، برئاسة سماحة الإمام ابن باز -رحمنا الله وإياه- عَنْ الْعَمَالَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ السَّائِبَةِ، أَوْ الْهَارِبَةِ مِنْ كُفُلَائِهِمْ: هَلْ التَّسَتُّرُ عَلَيْهِمْ وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ مِنْهُمْ بِحُجَّةِ أَنَّهُمْ مَسَاكِينُ، أَوْ أَنَّنَا بِحَاجَةٍ لَهُمْ جَائِزٌ شَرْعًا، أَمْ لَا؟

• فأجابت: “لَا يَجُوزُ التَّسَتُّرُ عَلَى الْعَمَالَةِ السَّائِبَةِ، وَالْمُتَخَلِّفَةِ، وَالْهَارِبَةِ مِنْ كُفَلَائِهِمْ، وَلَا الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ مِنْهُمْ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ أَنْظِمَةِ الدَّوْلَةِ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِعَانَتِهِمْ عَلَى خِيَانَةِ الدَّوْلَةِ الِّتِي قَدِمُوا لَهَا، وَكَثْرَةِ الْعَمَالَةِ السَّائِبَةِ؛ مِمَّا يُؤدِّي إِلَى كَثْرَةِ الْفَسَادِ، وَالْفَوْضَى، وَتَشْجِيعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَحِرْمَانِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعَمَلَ، وَالتَّضْييقِ عَلَيْه” انتهي كلامها.

 

فَكَمَا أفْتَتْ الدَّائِمُةُ لِلْإِفْتَاءِ برئاسة سماحة العلامة ابن باز -رحمنا الله وإياه- بِتَحْرِيمِ بَيْعِ “الفِيَزا” مُطْلَقًا؛ “لِأَنَّ فِي بَيْعِها كَذِبًا، وَمُخَالَفَةً، وَاحْتِيَالاً عَلَى أَنْظِمَةِ الدَّوْلَةِ، وَأَكْلاً لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ، قَالَ اللهُ تَعَاَلى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ﴾ [البقرة: 188].

 

وَثَمَنُ “الْفِيزَا” الَّتِي بِعْتَهَا، وَالنِّسَبُ الِّتِي تَأْخُذُهَا مِنْ الْعُمَّالِ كَسْبٌ مُحَرَّمٌ، يَجِبُ عَلَيْكَ التَّخَلُّصُ مِنْهُ، بِأَنْ تُنْفِقَهُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْخَيْرِ، مِنْ فُقَرَاءَ، وَإِنْشَاءِ وَبِنَاءِ مَرَافِقَ تَنْفَعُ الْمُسْلِمِينَ”.

 

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تجليات الرحمة الإلهية وكيف نحصلها (خطبة)
  • من علامات السفه وأضراره (خطبة)
  • عام يمضي وأيام تنقضي (خطبة)
  • حي على العلم (خطبة)
  • نهي الأبرار عن التستر والاحتكار (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • التستر على سارق للصدقات(استشارة - الاستشارات)
  • التستر على الجريمة في الفقه الإسلامي(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • فضل العمل، وضرر التستر التجاري وعواقبه(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • فضل العمل، وضرر التستر التجاري وعواقبه (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • التمويه في خطاب التوحيدي في الليلة السادسة من ليالي الإمتاع والمؤانسة، أو حجاجية التستر والاختفاء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من آداب الصيام: التستر عند الأكل والشراب لمن كان له رخصة في الفطر، والعزم الصادق على اغتنام رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • شروط الصلاة (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاحتشام والحياء أمام الأولاد(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ألا تغطوا عنا است قارئكم(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أسئلة وأجوبة حول الحجاب (5)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • منح دراسية للطلاب المسلمين في بلغاريا تشمل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه
  • مبادرة "زوروا مسجدي 2025" تجمع أكثر من 150 مسجدا بمختلف أنحاء بريطانيا
  • متطوعو كواد سيتيز المسلمون يدعمون آلاف المحتاجين
  • مسلمون يخططون لتشييد مسجد حديث الطراز شمال سان أنطونيو
  • شبكة الألوكة تعزي المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا في وفاة سماحة مفتي عام المملكة
  • برنامج تعليمي إسلامي شامل لمدة ثلاث سنوات في مساجد تتارستان
  • اختتام الدورة العلمية الشرعية الثالثة للأئمة والخطباء بعاصمة ألبانيا
  • مدرسة إسلامية جديدة في مدينة صوفيا مع بداية العام الدراسي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/4/1447هـ - الساعة: 16:15
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب