• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    دعاوى المستشرقين
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإلحاد الناعم: حين يتسلل الشك من نوافذ الجمال ...
    أ. محمد كمال الدلكي
  •  
    أخطاء الموارد البشرية: رؤى مع بدر شاشا
    بدر شاشا
  •  
    كيف تنطلق نهضة الاقتصاد الإسلامي في المجتمعات؟!
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    أسباب وأهداف الحرب في الإسلام
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    مخطوط فقده مؤلفه: الاستمساك بأوثق عروة في الأحكام ...
    د. أحمد عبدالباسط
  •  
    وداعا شيخ المحققين
    دكتور صباح علي السليمان
  •  
    القرآن واللغة العربية والحفاظ على الهوية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    قراءات اقتصادية (72) من قام بطهي عشاء آدم سميث: ...
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    الامتداد الحضاري
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    أعلام فقدوا بناتهم
    أ. د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    ذكريات ومواقف من دراستي في المرحلة المتوسطة ...
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ‌مؤلفات ابن الجوزي في التراجم المفردة
    أ. د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    أم المحققين الباحثة البتول التي لم تدخل مدرسة ...
    أ. أيمن بن أحمد ذو الغنى
  •  
    التفاوض على الراتب أم قبول أي عرض؟
    بدر شاشا
  •  
    إشكاليات البناء المعرفي للشباب المسلم: قراءة في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

إنك لن تستطيع معي صبرا (خطبة)

إنك لن تستطيع معي صبرا (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/6/2020 ميلادي - 26/10/1441 هجري

الزيارات: 19831

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إنك لن تستطيع معي صبرًا

(مناسبةٌ للجائحة)

 

الحمدُ للهِ الذي بيده الإفناءُ والإنشاءُ، والإماتةُ والإحياءُ، والسراءُ والضراءُ، والعافيةُ والبلاءُ، والداءُ والدواءُ، سبحانهُ وبحمده، خزائنهُ ملأى، ويمينهُ سحَّاءُ، ويَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ، ولا يتعاظمه عطاء: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾ [هود: 7]، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ، ذو العزةِ والكبرياء، يفعلُ ما يُريدُ، ويحكُمُ ما يشاءُ: ﴿ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [إبراهيم: 38]، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولهُ، ومصطفاهُ وخليلهُ، إمامُ الأنبياءِ، وصفوةُ الأصفياءِ، ورمزُ الصدقِ والوفاءِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ، وعلى آله السادةِ النجباءِ، وصحابتهِ البررةِ الأتقياءِ، والتابعينَ، وتابعِيهم بإحسانٍ، مادامتْ الأرضُ والسماءُ، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعدُ: فاتقوا الله معاشر المؤمنين، اتقوا الله حق التقوى، فالمؤمنُ قويٌّ بتقواهُ، غنيٌّ بإيمانه، ثابتٌ بيقينه، راقٍ بأخلاقه، سمحٌ بتعامُله، رفيعٌ بتواضُعِه، كالغيث أينما وقعَ نفعَ: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التغابن: 16].

 

معاشر المؤمنين الكرام، في ظِل الأخطارِ المحدِقةِ، والشرورِ والفتنِ المتلاحِقةِ، فلا بدَّ للإنسانِ من حِصنٍ مَنيعٍ يَتحصَّنُ فيهِ، ورُكنٍ شَديدٍ يَلجأُ إليهِ، وليسَ للمسلمِ حِصنٌ ولا رُكنٌ أمْنعَ من القُرآنِ العَزيزِ، فهو حَبلُ اللهِ المتينِ، وصِراطهُ المستَقِيمِ، نَجاةٌ لمن تَمسكَ بهِ، وعِصمَةٌ لمن اتَّبَعهُ، ونُورٌ مُبينٌ لمن استَضاءَ بهِ، وكَهفٌ آمنٌ لمن آوي إليهِ، ولقد ألجأنَا هذا الوباءُ العَجيبُ لأن نَتحَصَّنِ في بُيوتِنا، ولا عَاصِم من أَمرِ اللهِ إلا من رِحِم: ﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ﴾ [الكهف: 16].

 

نعم يا عباد الله، القرآنُ العظيمُ مثل كَهفٍ مُباركٌ، يأوي المسلمُ لظِلالهِ، ويسترشدُ بأنوارهِ، ويستلهِمُ هِداياتهِ، ويجني من بركاتِهِ، وأمَّا كَهفُ هذا الكهفِ فهو سُورةُ الكهفِ، تلكَ السُورةُ العَجيبةُ، ذَاتُ القَصصِ البلِيغةُ، والألطَافُ الحكِيمةُ، والإرشاداتُ الرحيمةُ: ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10].

 

ودعونا أحبابي في الله نأوي إلى قصةٍ من أعجبِ قَصصِ سُورة الكهفِ إن لم تكن أعجَبها، قصةٌ مذهلة: بدأت ببيانِ إصرارِ بَطلِها مُوسى الكلِيمِ عليهِ السلام، أن يبلُغَ مكانًا يُلاقِي فيهِ عبدًا صالِحًا مَيَّزهُ اللهُ برحمةٍ إلهيةٍ، وعِلمٍ ربانيٍ خاص: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾ [الكهف: 60]، وبعد مُعاناةٍ طويلةٍ، وأحداثٍ غريبةٍ، يَعثرُ موسى على الخضر عليه السلام الذي قالَ اللهُ عنهُ: ﴿ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ [الكهف: 65]، ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66]؛ قال له الخضر عليه السلام: ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 67]، والعجيبُ أنهُ كرَّرَ عليه هذه العبارة عِدةَ مراتٍ، ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾، وعلَّلَ ذلك بقولهِ: ﴿ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴾ [الكهف: 68].

 

لكأنه يقول له: يا موسى، لقد ألقتك أُمُّك في اليمِّ عندما كنت رضيعًا، وتربيت في قَصرِ عدوكَ اللدُودِ فِرعَون، وجَرتْ لكَ أقدارٌ إلهيةٌ عَجيبةٌ، ومع ذلكَ فإنكَ لن تَستطِيعَ أن تَفهمَ حِكمَةَ أقدارِ اللهِ العجيبة، ولن تتصورَ روعةَ تدبيرهِ المحكم، ولن تستوعبَ عُمقَ لطفهِ الكبير، ولن تتخيلَ عِظمَ سِعةَ رحمتهِ جلَّ وعلا: ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾.

 

إنه يا عباد الله درسٌ إيمانيٌ بليغٌ، القدر سِرُّ اللهُ، وأقدارَ اللهِ تعالى فوقَ إمكانياتِ العقلِ البشري، وأكبرُ من كلِّ تصوراته، فإذا كان موسى عليهِ السلامُ كليمُ الرحمن ورسولٌ من أولي العزم الكرام، إذا كان لم يُطِق صبرًا بأفعالِ الخضر عليه السلام، والذي فَعلَ ما فَعلَ بأمرِ اللهِ تعالى، وليسَ مِنْ قِبلِ نفْسِهِ، فقال له: ﴿ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ﴾ [الكهف: 71]، ﴿ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ﴾ [الكهف: 74]، فكيف بغيره يا عباد الله، ألا ما أعظمَهُ من دَرسٍ، وما أجلَّها من حِكمةٍ!

 

فلنتأمل جيدًا يا عباد الله، فخرقُ السفينةِ إذا أسقطناه على أحداثِ حَياتِنا، فهو قد يمثلُ فَشلًَا لأحدِ مَشاريعنا، أو تلفًا لأحدِ ممتلكاتنا، فهو في الظاهِرِ خَسارةٌ مَاديةٌ مُؤلمة، لكِنَّها في الحقِيقَةِ خسارةٌ تمَنعُ شَرًّا أكبرَ منها بكثير، فما ظنَّهُ موسى عليه السلام إسَاءة كَبيرة لمن أحسَنوا إليهم، وأركبوهم في سفينتهم بالمجان، هو في الحقِيقَة عينُ الخيرِ والإحسانِ إليهم، فما أحدثه الخضر عليه السلام في السفينة من عيبٍ عَطَّلها، كانَ هو السببَ في نجاتِها، وبقائها في مُلكِ أصحابها، وصدق الله: ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [النور: 11].

 

وإذا أسقطنا قَتل الغُلامِ أو موتَهُ على حَياتِنا، فهو قد يمثلُ مَوتًا لقريبٍ، أو فقدًا لحبيب، فهو في الظاهرِ مُصابٌ جللٌ، لكِنَّهُ في الحقِيقَةِ رَحمةٌ وخيرٌ للميتِ ولمن فَقدَهُ، فما ظنَّهُ موسى عليه السلام أمرًا شَنيعًا مُنكرًا، وإزهاقًا جائرًا لنفسٍ زكية، هو في الحقيقة عينُ الخيرِ والرحمةِ للغُلامِ ولأبويهِ، ففي عِلمِ اللهِ أنَّ هذا الغُلامَ لو شبَّ لأصبحَ طاغِيةً كافِرًا، ولقلَبَ حياةَ والديهِ جحِيمًا وبُؤسًا: ﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ [الكهف: 81].

 

ومن تدبَّرَ في حِكمة المنعِ والعَطاءِ، عرفَ أنَّ المنعَ هو عينُ العطاءِ؛ قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

 

وإذا أسقطنا بِناءَ الجِدارِ وحَبسَ الكنزِ على حَياتِنا، فهو قد يَمثلُ تأخُّرَ الرزقِ أو النصيبِ لأيٍّ مِنَّا، لكِنَّهُ في الحقِيقَةِ عَينُ المصلَحةِ وكَمالُ التَدبِيرِ، فبناءُ الجدارِ وإن أَخَّرَ حُصولَ الغُلامينِ على الكنز، فقد تسبَّب في ألا يصل اللصوصُ والمختلسون إليه، وكذلك ألا يُسيء الغُلامانِ التصرف فيه، فلا زالا قاصرِيْنِ.

 

فهذه ثلاثُ صورٍ من أعاجيب القدر، يندرُ ألا يصابَ ببعضِها أو كُلِّها بشر، الصورة الأولى: أن ينكَشِفَ للمصابِ حِكْمَةُ القَدرِ كما في قِصَةِ أصحابِ السفِينةِ، والصورة الثانية وهي الأغلب ألا ينكَشِفَ للمصابِ حِكمةُ القدر، كما في قِصَةِ الغُلامِ، فأبواهُ لم يَعرِفَا لمَ قُتِلَ ابْنهُمَا، وهذا يتفق مع حكمة الابتلاء، والصورة الثالثة: أن يَسُوقُ اللهُ لك خَيرًا، أو يَصرِفُ عنْكَ شرًَّا دُونَ أنْ تدري، كبناء الجدارِ في قصة اليتيمينِ، فهما صَغِيرانِ ولم يَعرِفا سِرَّ بناءِ الجدار، وأنَّهُ كانَ على وشكِ السقوطِ، وأنَّ بِناءَهُ سيكونُ سَببًا في حِفظِ الكنزِ المدفون تحته لوقته المناسب، وهذا هو لُطفُ اللهِ الخفِي.

 

وكم للهِ من لُطفٍ خَفِيٍ *** يَدِقُّ خَفَاهُ عن فَهْمِ الذَّكِي

 

فيا أيها المؤمنُ، ثِق بلُطف ربكَ، ولو لم تنكَشِف لكَ حِكْمةُ القَدرِ، فالمسألةُ أكْبرُ من عَقلِكَ، وتيقَّن أنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ: ﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [هود: 115].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه واتباعه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فاتقوا عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18].

 

معاشر المؤمنين الكرام، يقول الحقُّ جلَّ وعلا: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، فالمؤمنُ على يقينٍ أنهُ ما نَزلَ بلاءٌ إلا بذنبٍ، ولا رُفعُ إلا بتوبةٍ، والمُؤْمِنُ الصادقُ كُلَّمَا عَظُمَتْ عليهِ الشَّدَائِدُ، وَاشتدتْ عليهِ المِحَنُ، كُلَّمَا عَظُمَ الْتجَاؤُهُ وفرارهُ إِلى اللهِ تبارك وتعالى، فالشَّدَائِدُ وَالمِحَنُ تَزِيْدُ العَبْدَ المؤمنَ التِجَاءً وفرارًا إِلى ربهِ جلَّ وعلا، حَتَّى لَا يَكُونَ هَمُّهُ إِلَّا رِضَاهُ تبارك وتعالى.

 

إن أعظمَ ما مرَّ بالمصطفى صلى الله عليه وسلم من المحنِ والشدائِدِ، هي رِحلتهُ القاسِيةِ إلى الطائف؛ حيثُ تعرضَ خِلالها للأذى الشديد، والردودِ القاسيةِ القبيحة، ورُوِي أنه توجهَ بعدها إلى ربهِ بدُعاءٍ مؤثر، فقال: «اللهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ المُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى عَدُوٍّ يَتَجَهَّمُنِي، أَمْ إِلَى قَرِيبٍ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي، غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، مِنْ أن يَحِلَّ عَلَيَّ غَضَبُكَ، أَوْ يَنْزِلَ بِي سَخَطُكَ، لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ»[1].

 

وكذلك بعد معركة أحدٍ الأليمة، وما وقع فيها من جراحٍ شديدة، ومصائبَ عديدة؛ قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «استووا حتى أُثني على ربي عزَّ وجلَّ»، فصاروا خلفهُ صفوفًا، فرفع يديه قائلًا: «اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ، وَالْفُسُوقَ، وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَهَ الْحَقِّ»؛ صححه الألباني.

 

ووالله يا عباد الله، لو لَمْ يَكُنْ في الشدَائِدِ من المِنَح إلَّا أن يَصدُقَ المؤمنُ في الالتِجَاءِ إِلى ربه تبارك وتَعَالَى، لَكْفى بها من نعمةٍ عظمية، ومنحةٍ جليلة، في طي محنةٍ أليمة، فَلْنُسَائِلْ أَنْفُسِنَا بصدقٍ يا عباد الله، هَلْ هَذِهِ الشدةُ التي تَمُرُّ بِنَا شَدَّتْنَا إلى اللهِ تعالى، وَجَعَلَتْنَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قدوتنا صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ: اللهُم إِلَيْكَ نشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِنا، وَقِلَّةَ حِيلَتِنا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ المُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبُّنا، تعلَمُ حَالنا، ولا يخفَى عليكَ شيءٌ من أمرنا، إنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّنا فَلَا نُبَالِي، غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِنا، نَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، مِنْ أن يَحِلَّ عَلَينا غَضَبُكَ، أَوْ يَنْزِلَ بِنا سَخَطُكَ، لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ.

 

اللهُم يَا وَليَّ نِعْمَتِنَا، وَيَا مَلَاذَنَا عِنْدَ كُرْبَتِنَا، فَرِّجْ عَنَّا هذا البلاء، وأرفع عنا الوباء، ولا تحرمنا خيرَ ما عندكَ بسوء ما عندنا، لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ يا رب العالمين، اللهم صلِّ وسلِّم على نبيك محمد.

 



[1] الحديث ضعفه الألباني.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (قال إنك لن تستطيع معي صبرا)
  • تفسير: (قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا)
  • تفسير: (قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا)
  • { إنك لن تستطيع معي صبرا }

مختارات من الشبكة

  • (إنك لن تستطيع معي صبرا) (خطبة)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • من قال إنك لا تكسب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل التبكير لصلاة الجمعة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وما بعد العسر فرح (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: شهر رجب، فضله، ومحدثاته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المواساة وجبر الخواطر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أحكام المصافحة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • خطبة: المسلم الإيجابي(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • شرح حديث المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • عقوبة من أساء بين الشريعة والافتراء (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة متخصصة حول الزكاة تجمع أئمة مدينة توزلا
  • الموسم الرابع من برنامج المحاضرات العلمية في مساجد سراييفو
  • زغرب تستضيف المؤتمر الرابع عشر للشباب المسلم في كرواتيا
  • نابريجني تشلني تستضيف المسابقة المفتوحة لتلاوة القرآن للأطفال في دورتها الـ27
  • دورة علمية في مودريتشا تعزز الوعي الإسلامي والنفسي لدى الشباب
  • مبادرة إسلامية خيرية في مدينة برمنغهام الأمريكية تجهز 42 ألف وجبة للمحتاجين
  • أكثر من 40 مسجدا يشاركون في حملة التبرع بالدم في أستراليا
  • 150 مشاركا ينالون شهادات دورة مكثفة في أصول الإسلام بقازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 27/6/1447هـ - الساعة: 18:15
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب