الاقتصاد الدائري وورش معالجة النفايات بالمغرب

الاقتصاد الدائري وورش معالجة النفايات بالمغرب:

نحو جهوية صناعية خضراء للقضاء على المطارح العشوائية وبناء مدن نظيفة

دينامية وتدبير البيئة:

لم يعُد تدبير النفايات في المغرب مجرد خدمة بلدية أو تقنيةً بسيطة، تتعلق بجمع الأزبال، وترحيلها إلى مطرح جماعي، اليوم نحن أمام قضية إستراتيجية عميقة ترتبط بالصحة العامة، والتوازن البيئي، وجاذبية المدن، ومستقبل الاقتصاد الوطني نفسه، فالمغرب ينتج سنويًّا ملايين الأطنان من النفايات المنزلية والصناعية، والطبية والفلاحية، ومع توسُّع المدن، وارتفاع عدد السكان، وتطور الصناعة والاقتصاد، أصبح تدبير هذه النفايات تحديًا بنيويًّا.

عدد من المدن المغربية ما زالت تعتمد على المطارح العشوائية المفتوحة؛ حيث يتم حرق النفايات بشكل غير مُراقب، مما يطلق غازات سامة كالديوكسين والفوران، تؤثر على الجهاز التنفسي، والقلب، وتزيد من مخاطر السرطان، كما تتسرب عصارة النفايات إلى الفرشات المائية الجوفية ملوِّثة مصادر الشرب، خاصة في المناطق القروية والهامشية.

النفايات الطبية تمثل بدورها خطرًا مضاعفًا؛ لأنها تحتوي على مخلفات علاجية ودموية، وأدوات حادة، وأدوية منتهية الصلاحية، التخلص العشوائي منها يشكل تهديدًا مباشرًا للصحة والبيئة.

وهنا يظهر السؤال المركزي: كيف ننتقل من عقلية التخلص إلى عقلية التدوير، من مطارح النفايات إلى صناعة تدوير وطنية؟

الجهوية المتقدمة هي المدخل الحقيقي للحلِّ:

كل جهة في المغرب لديها نفاياتها، ومواردها، وصناعاتها، ومستوى حضري مختلف؛ ومن ثَم، فالحل لا يمكن أن يكون مركزيًّا، بل جهويًّا، نقترح إنشاء مناطق صناعية جهوية خضراء متخصصة في تدوير ومعالجة النفايات الآتية:

1- النفايات المنزلية: تحويلها إلى:

• أسمدة عضوية للقطاع الفلاحي.

• طاقة عبر تقنية "البيوغاز".

• مواد قابلة لإعادة التصنيع (بلاستيك، معادن، ورق).

2- النفايات الصناعية: إخضاعها لمعالجة كيميائية وحرارية تضمن خفض التلوث قبل التخلص منها، أو إعادة استعمالها في الصناعة.

3- النفايات الطبية: معالجتها بتقنيات التعقيم الحراري، والتفكك الكيميائي، والمراقبة المشددة، لضمان عدم انتشار مسببات الأمراض.

فوائد هذا النموذج الجهوي الصناعي:

أولًا: حماية البيئة والصحة: القضاء على الروائح الكريهة، والحشرات، والأوبئة، وضمان ماء شروب نظيف وتربة آمنة.

ثانيًا: خلق مناصب شغل: صناعة التدوير هي قطاع ضخم يحتاج اليد العاملة، والتقنيين، والمهندسين، وشركات النقل، والمقاولات المحلية.

ثالثًا: اقتصاد دائري مربح: ما كان يعتبر "أزبالًا" يصبح مَوْرِدًا:

• البلاستيك يعود إلى مصانع التعبئة.

• الألمنيوم والحديد يعودان إلى الصناعة.

• النفايات العضوية تتحول إلى سماد ومصدر طاقة.

رابعًا: تعزيز جاذبية المدن والجهات للاستثمار: المُستثمر لا يضع مصنعه في مدينة ملوَّثة، أو قريبة من مطرح مفتوح.

منطقة صناعية خضراء ليست معمل seulement، بل منظومة:

• مختبرات بيئية للمراقبة اليومية.

• مراكز تكوين للعمال والمهنيين.

• تعاونيات لجمع النفايات القابلة للتدوير.

• منصات رقمية لتتبع مسار النفايات من الإنتاج إلى المعالجة.

• شراكات بين الجماعات الترابية والقطاع الخاص.

القضاء على المطارح العشوائية يحتاج شجاعة سياسية:

لا يكفي ترحيل الأزبال من هنا إلى هناك، ولا يكفي وضع سور حول مطرح ثم تسميته "مراقَب".

المشكل ليس في المكان، بل في النظام الذي يدبره.

الحل الحقيقي يبدأ عندما تتحول النفايات من عبء إلى ثروة، من خطر إلى فرصة، من مصدر تدهور إلى رافعة للتنمية الخضراء.

المغرب اليوم أمام لحظة بيئية حاسمة.

المدن التي تريد أن تبقى قابلة للعيش، يجب أن تضع النظافة وتدوير النفايات في قلب نموذجها التنموي.

إن خلق مناطق صناعية جهوية خضراء ليس مشروعًا تقنيًّا فقط، إنه مشروع حضاري لإعادة تعريف علاقتنا بالطبيعة، والصحة، والاقتصاد، والأرض التي نعيش عليها.

البيئة ليست رفاهية: إنها شرط من شروط البقاء.