الوثنيون في القرآن - حوار حنا سيوروا

الوثنيون في القرآن

"حوار حنا سيوروا"

في أحايين قليلة ونادرة يفتح المستشرقون آفاقًا في أشياء تبدو هامشية أو مُهمَّشة ولا تستحق دراسة علمية متعمِّقة، فإذا بها آفاقٌ ونتائج غالبًا لا نتفق معها تمامًا؛ لاختلاف التوجُّه الأيديولوجي، وهذا اختلاف طبيعي.

"الوثنيون في القرآن": مجموعة بحوث ومقالات علمية، كتبتها المستشرقة الكبيرة "باتريسا كرونه"، التي رحلت قبل أن تُعِدَّها في مؤلَّف يجمعها، وعُهد للمحررة العلمية "حنا سيوروا" بفحصها وتصنيفها وإعدادها للطباعة في كتاب.

لدينا فرصة جديدة للتفكير حول "الوثنيون في القرآن"، عند هذه النقطة: "حنا سيوروا" لن تتكلم فقط عن الوثنيين في القرآن، لكنها تتحدث أيضًا عن وفاة البروفيسور "باتريسا كرونه" أيضًا.

حنا سيوروا:

متخرجة من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية (سواس)، حاصلة على الماستر من جامعة ساسكس، وتعمل محررة مهنية، مقرها في شيكاغو، ومتخصصة في تحرير الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية، وحرَّرت العديد من الكتب والمقالات فضلًا عن غيرها في مختلف المجالات العلمية والأدبية.

س: أولًا وقبل كل شيء، نحن نشكركِ لموافقتكِ على إجراء هذه المقابلة، وأتساءل: كيف جاء هذا الكتاب؟

• حنا سيوروا: هذا الكتاب "الوثنيون في القرآن" والمسائل ذات الصلة، الجزء الأول هو مجموعة من ثلاثة مجلدات من مقالات "باتريسيا كرونه"، وُلدت فكرة جمْع مقالاتها في كتاب خلال زيارة قامت بها البروفيسور كرونه لجامعة "ليدن" في عام 2013م، وخلال تلك الزيارة: ألقت محاضرة عن كيفية تغير مجال الدراسات الإسلامية خلال حياتها وتطور المناقشات اللاحقة، وكانت محاضرة مثيرة، اقترح الكثير من الخبراء طبعها في كتاب لأهميتها، وهي تسجِّل تجربتها العلمية في مجال الدراسات الإسلامية ولا سيما القرآنية، مع جمْع عدد من مقالاتها الأخيرة والمقبلة، فضلًا عن العديد من المقالات التي قالت: إنها لم تُنشَر بعدُ في أي مكان، وبما في ذلك المحاضرة التي ألقتها في ليدن، ظهرت الأعمال وصُنفت في ثلاث مجموعات.

س: لقد قمتِ بتحرير العديد من الكتب والمقالات في مجال الدراسات الإسلامية فضلًا عن التحرير في غيرها من مختلف المجالات، وأتساءل: كيف حصلتِ على المشاركة في هذا المشروع؟

• حنا سيوروا: في الوقت الذي كان يجري التخطيط فيه لجمع العديد من المواد ليتم تضمينها في عملية النشر في مختلف المجلات والمجلدات المحررة، ظلت مقالات أخرى في شكل نسخ مطبوعة على الآلة الكاتبة وتحتاج إلى تحرير كامل، للأسف في ذلك الوقت أثرت شدة المرض على تقدُّم البروفيسور كرونه ومنعها من اتخاذ دور فاعل في تحقيق الجمع والإكمال؛ تُوفِّيت بالسرطان في يوليو 2015، وبالتالي تدخلتُ كمحرِّرة لوضع اللمسات الأخيرة ولتجميع المواد وإعداد المخطوط للنشر.

س: هل يمكنكِ توضيح تحرير "الوثنيون في القرآن"؟

• حنا سيوروا: يتمثل جزء كبير من عملي في جمع وتأليف وتحرير المواد غير المنشورة والتحقُّق من نشرها بحثًا عن الأخطاء، فضلًا عمَّا قمتُ به من تقسيم المادة والتنسيق العام، وبحثتُ في إعداد المقالات المفقودة أو خارج تاريخ المراجع وغيرها من التفاصيل، وأذونات الطبع والفهرسة في كل المجلدات الثلاثة، وجمعتُ قائمة من مطبوعات البروفيسور كرونه.

س: أريد أن أعرف كم من الوقت استغرقت لتحرير وتحقيق هذه المجموعة الكبيرة؟

• حنا سيوروا: قمتُ بمعظم العمل على المخطوطة في الخريف الماضي وعلى مدى ثلاثة أشهر، وأمضيت شهرين في ربيع هذا العام في المراجعة والفهرسة وتصحيح التجارب المطبعية.

س: هل يمكنكِ توضيح محتويات هذا المجلد وغيره من المجلدين الآخرين؟

• حنا سيوروا: كل واحد من الثلاثة المجلدات في هذه المجموعة مخصص لموضوع معين.

ويركز المجلد الأول على الوثنيين في القرآن والمسائل ذات الصلة، حول المجتمع الذي انبثق منه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفيه أكثر من خمس عشرة مقالة ودراسة حول المعتقدات الدينية والسياق التاريخي للمشركين الوثنيين، الذين توجه إليهم في المقام الأول وعْظ النبي محمد صلى الله عليه وسلم في وقت مبكر من نزول الوحي، وأكدت البروفيسور كرونه أن هناك الكثير الذي يمكن تعلُّمه حول هذا المجتمع من خلال القرآن نفسه، وأنَّ هذه المعلومات لا تتطابق بالضرورة وتلك التي قدمتها التقاليد التاريخية والتفسيرية اللاحقة، وطلبت أيضًا ربط القرآن بالاتجاهات الدينية في الشرق الأدنى وبتوسُّع، على سبيل المثال: عن طريق تتبُّع روايات ذُكرت تشبه ما ذكر في الكتاب المقدس؛ مثل: الملائكة الذين ذكروا في قصة هاروت وماروت في القرآن؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 102]، وبالإضافة إلى هذه الدراسات، اشتمل القسم على مقالين حول مفهوم الحرية الدينية في الإسلام، التي تناقش تاريخ تفسيرات قوله تعالى:﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256].

جمَع المجلد الثاني مادةً علميةً حول كيفية استقبال الفُرس للإسلام، مع التركيز على غير التقليديين، والتحقُّق من الاتجاهات الدينية الفارسية قبل وبعد وصول الإسلام وعلى حدٍّ سواء، وعدة مقالات في هذا السياق حول الزرادشتية التي افتتحها زرادشت Zarādusht، ومرورًا بما تجلَّى في الثورات اللاحقة التي قادتها شخصيات بارزة، مثل: مازدك والمقنع هاشم بن حكيم الذي تلقب بالمقنع الخراساني، كان رجلًا دميمًا فقام بإخفاء وجهه وراء قناع من الذهب، ووضع قطعًا من الحرير الأخضر مكان العينين في القناع، ادعى الألوهية وقال بتناسُخ الأرواح، واجتمع إليه عدد كثير من الناس كانوا يسجدون له، وجمع المقنع بين عقائد الرزامية التي كان ينتمي إليها أول أمره وعقائد الخرمية، إذ أباح لأتباعه المحرمات، وأسقط عنهم الفرائض وسائر العبادات، وكذلك في المذاهب المعروفة لمؤرخي المسلمين كالخرمية Khurramīs أتباع بابك الخرمي ظهر في 201هـ في عهد المأمون، وهي امتداد للمزدكية الفارسية. البروفيسور كرونه تهتم بالمعتقدات والممارسات المرتبطة بمختلف مظاهر البدعة الشاذة عن القاعدة المصدر.

مارست في كثير من الحالات خلال شابها الجدل، والغمز، والتشكك، ويتضمن الكتاب أيضًا دراسات عن التأثيرات الدينية الأخرى في تاريخ المسلمين في إيران، فضلًا عن البوذية.

أخيرًا، المجلد الثالث: الإسلام والشرق الأدنى، فيه أصناف من الإلحاد، ويحلل الإسلام في السياق التاريخي لمنطقة الشرق الأدنى القديم، ويركز باهتمام خاص على المتشككين الماديين، وغيرهم من الناس الذين خرجوا عن القالب التوحيدي، وغالبًا ما لُقِّب هؤلاء الناس بتسميات مثل الدهريين Dahrīs والزنادقة Zindīqs، وتأثروا بأفكار الفلسفة اليونانية وغيرها من تقاليد الشرق الأدنى، وأثَّر ذلك بمد وبقدر في أوروبا؛ حيث كان الفضل والتأثير على الإمبراطور فريدريك الثاني في بدعة ويبدو أنها نشأت في العالم الإسلامي. هذا الكتاب جَمْع كامل يسلط الضوء على طرق لا تُعدُّ ولا تُحصى من فرق وثنية ظهرت في تاريخ الإسلام وفي تاريخ الأديان والتقاليد الفكرية الأخرى.

س: حسنًا، كثيرًا ما يُنظر إلى هذه الفرق الدهرية والزنادقة على أنهم ملاحدة، كيف ترين أفكار البروفيسور كرونه حول الإلحاد والملحدين؟

• حنا سيوروا: البروفيسور كرونه لديها الكثير من العمل في مختلف الفرق والحركات التي ظهرت في العالم الإسلامي الشرقي، والتي ينظر إليها على أنها هرطقة؛ انظر أيضًا لها دراسة سابقة خاصة بهجرة الأنبياء، ولكن فقط بعض هؤلاء الأشخاص والحركات كانت ملحدة صريحة، بمعنى إنكار وجود الله تمامًا، إنها تظهر أنهم مهتمون عادة بالفلسفة والعلم، وغالبًا ما يعتقد في روح الكون، وعلى الرغم من أن بعض هؤلاء المنكرين اعتقَد أن الدين شيء مفيد؛ لأنه يضمن النظام الاجتماعي.

عبدالرحمن: شكرًا جزيلًا لكِ، يا سيدة حنا سيوروا؛ هذا الكتاب عبارة عن مجموعة رائعة من الدراسات حول الفرق الوثنية.

• حنا سيوروا: شكرًا لك على هذا الحوار.