• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الأستاذ الدكتور عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقيأ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي شعار موقع الأستاذ الدكتور عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي
شبكة الألوكة / موقع أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي / بحوث ودراسات


علامة باركود

العمل السياسي المعاصر في ضوء السياسة الشرعيّة

أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي

المصدر: موقع: علماء الشريعة

تاريخ الإضافة: 2/5/2011 ميلادي - 28/5/1432 هجري

الزيارات: 20401

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ابتداءً أعتذر للقارئ الكريم بأنني لست خبيرًا سياسيًا في مجال العمل، ولا متخصصًا في القانون أو الأنظمة السياسية، ولذا فسيكون حديثي مجرد اقتراحات من كاتب ليس يخلو من معلومات في السياسة الشرعية، أزجيها لإخواني في فلسطين، ولاسيما في حركة حماس الإسلامية؛ إثر فوزها في الانتخابات التشريعية.

 

ولعل من الأفضل أن أجعل حديثي في سلسة من النقاط بغية التركيز، والبعد عن التكرار.

 

أهمية العمل السياسي:

لا يماري أحد في أهمية السياسة في حياة الأمم، والأمة المسلمة دخلت غمار السياسة منذ نشأتها؛ إذ مورست السياسة في أصولها ومظاهرها الرئيسة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بصفته حاكماً ورئيساً لدولة المدينة.

 

ثم نهج الخلفاء الراشدون منهج النبوة مع اكتمال عناصر السياسة والدولة في عهدهم، واستمر المسلمون على ذلك مع وجود تطورات في الأنظمة السياسية.

 

وقد حرصت الأنظمة السياسية في التاريخ الإسلامي –على الرغم من اختلافها وتقلبها- على الإبقاء على كيان الإسلام وكيان الأمة المسلمة، قروناً طويلة، إلى أن مزقها الاستعمار العسكري والثقافي.

 

وفي عصرنا الحديث عني الكثيرون بالسياسة، ولاسيما في وجهها النظري.

 

إلا أن الاهتمام بالسياسة الشرعية، أو قل السياسة في الإسلام ليس كما ينبغي.

 

ومع ذلك نلحظ أن ساحة العمل السياسي لم تشغر من مفكرين ومنظرين وممارسين ممن لهم عناية ودراية بعلوم الشريعة أو الثقافة الإسلامية بصفة عامة.

 

وقد وُجدت عدة تجارب في بلاد إسلامية حاولت خوض معترك السياسة من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية، مثلاً: (باكستان، مصر، السودان، الأردن، اليمن..).

 

وربما يرى البعض بأن تلك التجارب لم يُكتب لها النجاح المأمول، وقد يبلغ اليأس ببعضهم إلى درجة المراهنة على إخفاق أي خطوة عملية في مجال السياسة.

 

وأعتقد أن هذا يأس مذموم؛ بدليل أن الملك عبد العزيز ابن سعود استطاع في منتصف القرن الماضي أن يؤسس دولةً إسلامية عصرية، توافرت لها عوامل النجاح، واستمرت على ذلك إلى الآن.

 

الوضع العالمي الراهن:

إن الوضع الذي نعيشه ليس عادياً، فعالم الغرب والشرق يموج بالمتغيرات، وأسباب القوة توافرت لدول غير مسلمة؛ حتى صار بيدها الحل والعقد للأوضاع العامة في العالم.

 

ثم تطوّعت هذه القوى المستكبرة فصنفت الدول والشعوب وفق سلّم جائر، وأصبح العالم الإسلامي بموجب هذا التصنيف في آخر السلّم.

 

ولا شك أن ذلك يفرض على كل قائم بأمر أن يأخذه بالاعتبار.

 

السياسة الشرعية ضرورة:

إذا أُطلقت "السياسة الشرعية" فإنها تنتظم أمرين:

أحدهما عام، والآخر خاص.

 

أما العام: فالمراد به ما يقابل السياسة الوضعية، ويكون المراد بها مطلق التشريعات الإسلامية، أي السياسة التي تأخذ بالإسلام ديناً ومنهج حياة، ويقابلها هنا السياسات غير الإسلامية، سواءً كانت لا دينية "علمانية"، أو ذات دين غير إسلامي.

 

وأما المعنى الخاص: فيُراد به ما تعارف عليه فقهاء الإسلام من التصرفات والتدبيرات الحازمة التي يأخذ بها الحاكم سواء أكان قاضياً أم إماماً أم أميرًا.

 

أو جملة التدابير والتنظيمات القائمة على الاجتهاد من لدن ولاة الأمر في دولة الإسلام، من أجل مواجهة الواقع المتغير.

 

وكلا المعنيين السابقين (العام والخاص) مهم، بل ضروري في المجتمعات المسلمة، فإن الأول هو ما يميز بين الدولة المسلمة وغير المسلمة، والثاني يميز الدولة المسلمة العصرية والمتطورة عن الدولة المسلمة الخاملة، أو ذات الفكر الجامد (الظاهرية الجامدة).

 

قواعد عامة:

يذكر أهل العلم الباحثون في مجال السياسة الشرعية جملةً من القواعد التي تُبنى عليها هذه السياسة.

 

ويمكن تقسيم هذه القواعد قسمين:

القسم الأول: مصادر السياسة الشرعية ومواردها.

والقسم الثاني: مرتكزات السياسة الشرعية.

 

فالقسم الأول، هي مصادر تستمد منها السياسة شرعيتها وقوتها ووجودها.

 

والحقيقة أن هذه المصادر نوعان بحسب السياسة التي يُراد شرعنتها، فإن كانت السياسة الشرعية المقابلة لغير الإسلامية فمصادرها إجمالاً: الوحي المنزل مع الإجماع والقياس، ثم بقية المصادر التبعيّة: كالمصلحة المرسلة، والاستحسان، والاستصحاب، وسد الذرائع، والعُرف.

 

وإن كانت السياسة الشرعية، المقابلة للظاهرية الجامدة، فمصادرها في الجملة هي المصادر التبعية المشار إليها، وهذه المصادر - الأصلية والتبعية – كلها تقتبس من مشكاة النبوة المحمدية، وهو ما يميز بينها وبين المصادر البشرية عقلية كانت أو عرفية أو دينية.

 

وأما القسم الثاني من القواعد، وهو المرتكزات والأعمدة التي تنهض عليها السياسة الشرعية فإنها كثيرة، وأهمها فيما أرى:

1- العبودية الصحيحة والشاملة لله رب العالمين لا شريك له. في كل شؤون الدولة، ممثلةً بأفرادها ومؤسساتها ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]، والمسلم يعترف بهذه العبودية في كل ركعة يركعها لربه. ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، وبتحقيق هذه العبودية يستحق العباد الاستخلاف في الأرض، كما قال الله جل وعلا: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ﴾ [النور: الآية55].

 

2- التزام قيم الإسلام الخلقية في كل التصرفات، وبخاصة المعاملات والعلاقات البشرية، ويأتي في مقدمة هذه القيم:

أ‌- العدل، مع النفس، ومع الخلق كافة، قريبهم وبعيدهم، صديقهم وعدوهم، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات: من الآية9]، ويقول سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى... ﴾ [النحل: من الآية90].

 

ب‌- الصدق في القول والعمل؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة. كما في الحديث. وضده الكذب، وهو من خصال النفاق والفجور.

 

ت‌- الوفاء بالعهود والمواثيق. يقول الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: الآية1]، ويقول سبحانه: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ﴾ [الإسراء: الآية34].

 

ث‌- الرفق والتسامح في المعاملة؛ فإن الله تعالى رفيق يحب الرفق في الأمر كله، ومن الرفق العفو والصفح، والكلمة الطيبة، ولين الجانب، والجدال بالتي هي أحسن، والحلم، والكرم، والصبر.. وقد جاءت الأدلة الصحيحة والصريحة في هذه الخصال وأشباهها.

 

ج‌- المعاملة بالمثل، يقول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ [النحل: من الآية126].

 

ح‌- البر والإحسان بكل نفس منفوسة؛ ففي الحديث (في كل ذات كبد رطبة أجر)، والبر كلمة جامعة لكل خصلة جميلة من الأقوال والأعمال، والاعتقادات. يقول الله سبحانه: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة:177]. مراعاة الواقع، أو الحاضر الذي يعيشه العالم.

 

إن أي دولة، أو مؤسسة أو حركة علمية أو دعوية أو غيرها ما هي إلا جزء من الخريطة في هذا العالم، الأمر الذي يتطلب وعيًا رشيدًا وفهمًا سديدًا لهذا الواقع، من حيث تنوعه الثقافي والحضاري، ومن حيث توجهاته وأهدافه، ومن حيث تغيره وتقلباته.

 

ومن معالم هذا الحاضر التي ينبغي مراعاتها وأخذها بالاعتبار:

1- ضعف الأمة المسلمة وتفرقها، برغم كثرة عددها البشري الذي يزيد عن المليار مسلم، وتعداد دولها الذي يتجاوز الخمسين دولة.

 

وهذا الضعف لا شك أنه يضاعف المسؤولية على أصحابها، وعلى أهل القدرة وأهل الرأي والعلم والحكمة.

 

لكنه في الوقت نفسه لا يجوز تجاهله عند النظر إلى الأمة بصفتها الجماعية.

 

2- التنظيم الدولي القائم على التكتلات والتجمعات، من خلال المواثيق والمعاهدات الدولية.

 

وبموجب هذا التنظيم لم يعد باستطاعة الدولة، أي دولة أن تنفرد أو تشذ عن هذا التنظيم.

 

نعم تستطيع أن تكون فاعلة ومؤثرة فيه، ولكنها لا تستطيع أن تبتعد عنه.

 

والدولة من خلال عضويتها تستطيع أن تحقق المصالح لنفسها، أو على الأقل تدرأ المفاسد، وهذا لا يخرج عن مبدأ التعاون المشروع، يقول الإمام ابن تيمية: "وكل بني آدم لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بالاجتماع والتعاون والتناصر؛ فالتعاون على جلب مصالحهم، والتناصر لدفع مضارهم؛ ولهذا يُقال: الإنسان مدني بالطبع". مجموع الفتاوى62/28، وتأمل الجملة الأولى من كلامه.

 

3- مبادئ القانون الدولي العام، المنظمة للعلاقات الدولية وحقوق كل دولة وواجباتها، مما لا يتعارض مع قواعد التشريع الإسلامي ومبادئه السامية.

 

ومراعاة هذه المبادئ أمر يفرضه الواقع، ولو أن كل دولة تمردت على تلك المبادئ وخرجت عليها لتحولت الأرض إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف، حيث لا رادع خلقياً ولا وازع سلطانياً يمنع الأقوياء من التهام الضعفاء؛ نظراً لغياب القوة الإسلامية العادلة.

 

إلا أن هذه القوانين على رغم غياب الشريعة الإسلامية عنها، فإنها لا تخلو من قيم إنسانية عامة ومشتركة يتفق عليها العقلاء، كالعدل النسبي، والوفاء بالعهود، ودفع الظلم، والتعاون على مصالح الحياة.

 

3- ومن المرتكزات التي تقوم عليها السياسة الشرعية: مراعاة التدرج في تطبيق الشريعة، أو الأنظمة، وفي تحقيق المصالح ودرء المفاسد، لاسيما إذا كان مجال التطبيق عموم مجالات الحياة، ويصدق هذا على المجتمعات التي لم تعهد تطبيق الشريعة الإسلامية من قبل، أو تمارسها في السلوك الفردي فقط دون الحياة العامة.

 

وأياً كان صاحب الإرادة، سواءً أكانت دولةً قائمة أو ناشئة، أو حزباً أو حركة أو غير ذلك.

 

ويُقصد بالتدرج هنا السعي في تحقيق ما يمكن تحقيقه من المصالح ودرء ما يمكن درؤه من المفاسد، بعيداً عن المثاليات أو التشنّجات.

 

وذلك ما يتفق مع فطرة الإنسان وعقله السليم، وهو مقتضى طبيعة الأشياء.

 

ومما يشهد لهذا الأصل:

أ‌- أن الشريعة -ممثلة بالوحي الإلهي- تنزلت منجّمة في نحو ثلاثة وعشرين عاماً، هي مدة بقاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ نزل عليه الوحي إلى أن اختار الرفيق الأعلى.

 

ب‌- أن تطبيق الأحكام ومثلها الأنظمة دفعةً واحدة وبقرار واحد، أو الإصرار على تحقيق جميع المصالح ودرء المفاسد ليس من الحكمة في شيء، بل فيه تعسّف ظاهر.

 

فمن هو ذلك الحاكم، أو الحكومة أو الحزب الذي باستطاعته أن يصدر قراراته الحاسمة التي تحوّل المجتمع من الكفر إلى الإيمان، ومن الطاعة إلى العصيان، ومن مجتمع كافر إلى مجتمع مؤمن، أو مجتمع غارق في الرذيلة إلى مجتمع فاضل؟!

 

بل من ذلك المسؤول الذي يستطيع أن يحوّل مؤسسة: تعليمية، أو إعلامية أو اقتصادية مثلاً من مؤسسة علمانية إلى مؤسسة إسلامية بمجرد إصدار قرار؟!

 

أجل.. إن الأمر يتطلب -لزاماً- تهيئة النفوس وتجفيف منابع الفساد والانحراف، ونشر العلم الشرعي عن طريق الكلمة الطيبة، والتربية الناضجة، والقرارت المتأنية والحكيمة؛ لتكون محلاً للقبول والاستقبال الحسن.

 

ت‌- وقاعدة (اتقوا الله ما استطعتم) خير برهان على تلك الدعوى؛ ولهذا جاء في الحديث: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". ولم يقل: فافعلوه.

 

وفي الحديث الآخر: "خذوا من العمل ما تطيقون".

 

ث‌- يقول أهل الحكمة: (إن ما لا يُدركُ كلُّه لا يُتركُ جُلُّه)، وهي حكمة صحيحة؛ لأن إدراك الكل غير ممكن في معظم غايات البشر وقدراتهم.

 

4- وأعتقد أن أهم مرتكز يمكن أن نختتم به المرتكزات هو إخلاص العمل لله رب العالمين لا شريك له، من لدن المسؤولين عن العمل السياسي وتطبيق الشريعة الإلهية، سواء كانوا كباراً أو صغاراً، أمراء أو وزراء، أو علماء أو دعاةً أو مديرين، فكل يحتاج إلى الآخر، (فإن الخوافي قوة للقوادم).

 

وإن الجميع بحاجة شديدة إلى النية الحسنة القائمة على طلب رضا الله سبحانه وتعالى، وإعلاء كلمته، وإظهار دينه وإعزازه، ونصرة أهل الإسلام، وتحقيق العزة لهم، وجلب المصالح العامة لهم، ودرء الفاسد بقدر الإمكان عنهم.

 

فهذه مقاصد عظيمة ترضي الله تعالى وتستمطر رحماته على هذه الطائفة، بل كل مجتمعها، بل ربما عم خيرها أهل الأرض.

 

وصدق الله العظيم في قيله: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]. وصدق رسوله الكريم إذ يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".

 

حماس والعمل السياسي:

حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين أحرزت أعظم إنجاز في تاريخها المجيد، وهو الفوز في الانتخابات التشريعية، وقد سُرَّ بهذا الفوز جماهير المسلمين شرقًا وغربًا.

 

وأما الذين بهتوا بهذا الفوز فهم أنواع:

1- الغرب الذي لم يتوقع حصول هذه الحركة على هذه الثقة المبكرة من الشعب الفلسطيني.

 

2- اليهود، وهو أمر غير مستغرب منهم.

 

3- الليبراليون الذين لا يسرهم أن ينال غيرهم خيراً، قليلاً كان أو كثيراً، عامّاً كان أو خاصّاً، ومثلهم، أو أولى منهم كل ملحد أو منافق.

 

4- بعض الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين التي ترى أن فوز هذه الحركة ربما سرى أثره إلى دول أخرى؛ فتنقلب إلى أنظمة إسلامية.

 

5- بعض أصحاب الاتجاهات الإسلامية التي تعارض دخول الإسلاميين معترك السياسة مطلقاً؛ بدعوى أن ذلك وسيلة إلى طلب الرئاسة الدنيوية، أو التنازل عن بعض التشريعات الإسلامية.

 

والحقيقة أننا بقدر فرحتنا بهذا الفوز فإننا نشفق على إخواننا في حركة حماس، بل على كل إخواننا من شعب فلسطين.

 

وسبب الإشفاق وعورة الطريق المنتظر أمام الحركة، فقد تحملت مسؤولية كبيرة، وأصبحت في مواجهة حقيقية مع الواقع كله، مع شعبها، ومع إسرائيل، ومع دول الجوار، ومع دول الغرب، والعالم أجمع.

 

فكيف تستطيع التأقلم مع هذا الواقع؟

إن الأمر جلل دون شك، ولكن إحكامه والسيطرة عليه ليسا متعذرين ولا مستحيلين.

 

ولعل مما يسهل هذه المواجهة عدة أمور:

أ‌- أن عناصر هذه الحركة كانوا ولا زالوا في مواجهة مع الواقع، منذ نشأتها قبل نحو العشرين عاماً، بل قبل ذلك، فإنها لم تنشأ من فراغ، ولكنها ولدت إثر مخاض عسير؛ نظراً للصراع القديم بين الفلسطينيين واليهود.

 

ب‌- وهذه العناصر متعلمة ومثقفة ثقافة عالية، تؤهلها للمواجهة، وما خابت أمة جعلت قيادتها بيد حكمائها وعلمائها.

 

ت‌- لعل في تجارب الآخرين ما يعطي دروساً وعبراً لهذه العناصر؛ بحيث تستفيد من أخطائها فتستبعدها، فقد سبق تجارب كثيرة في عدد من البلدان المسلمة، صاحبها بعض الأخطاء والتجاوزات، فحري بالحماسيين أن يدركوا هذه الأخطاء فينأوا عنها.

 

حماس وشعرة معاوية:

جاء في حكاية عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أنه قال: إن بيني وبين الناس شعرة لا أقطعها أبداً، إن شدها الناس أرخيتها، وإن أرخوها شددتها، وهكذا ينبغي أن يكون ولي أمر المسلمين.

 

وإن على حركة حماس أن تسلك مسلك معاوية، سواء في معاملتها مع شعبها، أو مع إسرائيل، أو مع الجيران، أو مع دول الغرب.

 

وذلك باستعمال الدبلوماسية المحنكة التي تسعى إلى تجذير الإيمان في عمق الشعب الفلسطيني، وتجذير دولة فلسطين، وإرساء قواعدها، حتى تكون دولةً حقيقية لها كيانها ومؤسساتها التي تنافس الدول الأخرى.

 

وتلك خطوة جليلة، ربما تلاها خطوات أخرى نحو العزة والهيمنة، تهيمن على دولة العدو وتقهرها.

 

وبهذه المناسبة أدعو الحركة إلى الأخذ بهذا اللقب الجميل (حماس) في مفهومه الفصيح، وهو: الشجاعة، والمنع، كما تقول قواميس اللغة.

 

الشجاعة في مواجهة التحدي، والمنع من الاستعجال في اتخاذ القرارات، واستعجال النتائج.

 

وأن تستبعد الحركة المفهوم الدارج للكلمة، وهو التحمس القائم على العجلة أو الانفعال وضيق العَطِن.

 

حماس ومواجهة الواقع:

إن هذا الواقع الذي كانت تعايشه الحركة بصفتها مظهراً من مظاهر المجتمع المدني، قد أصبحت تعايشه بصفتها مؤسسة رسمية، وبين الواقعين بعض الاختلاف، الذي يفرض عليها مسؤوليات ومستلزمات أكثر وأكبر.

 

ويتمثل هذا الواقع في صور عديدة، من أبرزها: العلائق مع الشعب الفلسطيني، بكل أطيافه وتياراته الرسمية والشعبية، ثم العلائق مع إسرائيل، ثم مع دول الجوار، وبقية الدول العربية والإسلامية، ممثلةً بحكوماتها وشعوبها وعلمائها.

 

ثم مع الغرب.

 

وكل نوع من هذه الأنواع يستحق الوقوف الطويل والمتأني، مما لا تحتمله هذه المساحة، ولعل في الإشارة ما يغني عن طويل العبارة.

 

فالعلاقة الداخلية مع الشعب الفلسطيني (حكومةً وشعبًا) يفترض أن يقوم على وحدة الهدف، وهو (إعلاء كلمة الله) ووحدة الصف، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4]. والخلافات مهما كثرت وتنوعت ينبغي ألاّ تخترق تينكم الوحدتين.

 

وأما العلائق الخارجية فإنها - على صعوبتها وتعدد مساراتها- مما يمكن التعامل معه بواقعية مدروسة.

 

وأظن أن أصعب مسار هو ما يتعلق بإسرائيل الغاصبة والمستعمرة.

 

فهي عدو غاصب بكل الاعتبارات العقلية والقانونية والشرعية، ولكنها في الوقت نفسه أصبحت أمرًا واقعًا لا يمكن تجاهله، بل لا بد من التعامل معه، ولكنه تعامل أشبه بتعامل المريض مع مرض السرطان أو مرض السكري، وأشبه بتعامل المجتمع مع مرض الجدري، بجامع الخطورة والانتشار في كل.

 

وقد صرح كثير من عناصر حماس بأن الحركة لا يمكن أن تعترف بإسرائيل، وأن التعامل معها إنما يكون بموجب هدنة، وهذه نظرة سليمة لو استطاعت الحركة أن تستمر عليها، وتلتزم بها.

 

أما الاعتراف فإنه سيضفي الشرعية الدولية عليها، ثم ما يترتب عليه أو يكون ملحقاً به من تطبيع.

 

وإذا كانت بعض الدول العربية قد انساقت وراء الضغوط الدولية نحو الاعتراف والتطبيع، فإن ذلك لا يسوّغ للشعب الفلسطيني أو حكومته أن تقوم بالدور نفسه، بل للفلسطينيين وضعهم وظروفهم الخاصة، التي تملي عليهم التصرف الأصلح.

 

ذلك ما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل، أما العلائق الأخرى مع دول الجوار، ومع العالم الإسلامي ومع الغرب، فلا يظهر لي مزيد خصوصية لحكومة فلسطين تختلف عن سائر العلاقات الدولية بين الدول بعضها مع بعض.

 

نعم ربما تكون العلاقة مع دول الجوار أو مع أمريكا ذات حساسية أو تعقيد، بيد أن كل دولة من دول العالم لا بد أن يكون لها أصدقاء وأعداء، ويكون بينها وبين دولة مجاورة نزاعات وخلافات، وعليها أن تعمل على تسوية المنازعات، وحل الخلافات بالوسائل السلمية.

 

وأزعم بأنه ليس من المعقول أن تنصب دولة ما نفسها خصمًا للعالم، أو للقوى الكبرى، وهي لما تزل في بداية الطريق، أو محدودة القوة البشرية والمادية، بل يصدق عليها قول الشاعر:

...................
كالهرّ يحكي انتفاخاً صولةَ الأسدِ

 

وأخيرًا:

فلعل من الخير أن نؤكد على أهمية القواعد التي تقوم عليها السياسة الشرعية، الآنفة الذكر. (عبودية الله تعالى، والقيم الخلقية، ومراعاة الواقع، ومراعاة التدرج، والإخلاص).

 

إن كل واحدة من هذه القواعد في غاية من الأهمية لكل من يعنيه أمر الأمة، صغيرًا كان أو كبيرًا، قليلًا كان أو كثيرًا.

 

وحماس - وهي تزمع تحمل المسؤولية - قد أصبح من اللازم في حقها أن تتأمل معنا في تلك القواعد.

 

إنها ضمانات لتحقيق العزة والانتصار والتمكين في الأرض؛ لكونها تجمع بين حق الله تعالى وحقوق عباده، أو بين شؤون الدين وشؤون الدنيا بتوازن واتزان.

 

وإنها لكفيلة - بإذن الله – لإيجاد الحلول لأي مشكلة أو قضية مستعصية.

 

كيف وهي أصول الإمامة الكبرى التي شُرعت (لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا) كما يقول الماوردي.

 

والله الموفق.

تاريخ نشر المادة في مصدره: 19 جمادى الآخرة 1432هـ 22 مايو 2011.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • حوارات وتحقيقات ...
  • بطاقات مناقشة ...
  • كتب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة