• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة فضيلة الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد  فضيلة الشيخ عبدالقادر شيبة الحمدالشيخ عبدالقادر شيبة الحمد شعار موقع فضيلة الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد / مقالات


علامة باركود

أدلة الأحكام (3) (الإجماع)

أدلة الأحكام (3) (الإجماع)
الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد


تاريخ الإضافة: 14/3/2022 ميلادي - 10/8/1443 هجري

الزيارات: 26345

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أدلة الأحكام (3)

(الإجماع)

 

الإجماع:

تعريفه:

هو لغة يطلق على العزم، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ ﴾ [يونس: 71]؛ أي: اعزموا، ويطلق على الاتفاق، ومنه قولهم: أجمع القوم على كذا؛ أي: اتفقوا عليه.

 

وفي اصطلاح الأصوليين: هو اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وسلم في أي عصر كان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي؛ كالإجماع على أن الماء ينجس إن تغير لونه، أو طعمه، أو ريحه، بنجاسة تحدث فيه.

 

الإجماع ممكن عقلًا وواقع شرعًا:

ذهب النظَّام والخوارج وبعض الرافضة إلى أن انعقاد الإجماع مستحيلٌ، بدعوى أنه يستحيل معرفة آراء جميع المجتهدين في المسألة الواحدة، مع كثرتهم وانتشارهم في الأقطار الشاسعة.

 

وذهب عامة أهل العلم إلى أنه ممكن عقلًا وواقع شرعًا؛ إذ إنه لا يمتنع في العقل أن يتفق مجتهدو الأمة على الحكم الشرعي، وقد وقع الإجماع شرعًا؛ فقد أجمعت الأمة على وجوب الصلوات الخمس وسائر أركان الإسلام، وكل ما وقع شرعًا، فهو جائز عقلًا.

 

طريق معرفة الإجماع:

1- بالمشافهة إن كان المجمعون عددًا يمكن لقاؤهم؛ كإجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة.

 

2- بالنقل المتواتر، إن كان كانوا عددًا لا يمكن لقاؤهم؛ كإجماع العلماء على نجاسة الماء إن تغير لونه، أو طعمه، أو ريحه، بنجاسة تحدث فيه.

 

هذا، ولا ينازع الإمام أحمد رضي الله عنه في إمكان انعقاد الإجماع، وقد اضطربت الرواية عنه في طريق معرفته:

فروي عنه أنه قال: مَن ادَّعى الإجماع فهو كاذب.

 

وفي لفظ: مَن ادعى انعقاد الإجماع فهو كاذب.

 

كما روي عنه نقيض ذلك مِن الاعتداد بالإجماع، وهذا هو الأقرب.

 

حجية الإجماع:

لا نزاع - بين من يعتدُّ برأيه مِن أهل العلم - على أن إجماع الصحابة حجة.

 

أما إجماع غير الصحابة، فقد ذهب الجمهور إلى أنه حجة، مستدلين بأدلة؛ منها:

1- قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ﴾ [النساء: 115]، ومَن خالف إجماع المسلمين، فقد اتَّبع غير سبيلهم.

 

واعترض بأن الوعيد المذكور مرتَّب على حصول أمرين: هما مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم، واتباع غير سبيل المؤمنين، فلا يحصل الوعيد على واحد منهما فقط.

 

وأجيب بأن مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم وحدَها مُوجِبة لهذا الوعيد بلا نزاع، فدل على أنه لا يشترط حصول الأمرين.

 

2- قوله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذ في النار))، وكقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن فارق الجماعة ومات، فمِيتته جاهلية))، وكقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن فارق الجماعة شبرًا، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه))، وكقوله صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الترمذي، وأبو داود وسكت عنه -: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)).

 

واعتُرِض بأن جميع هذه الأدلة ليست قطعية الدلالة على المطلوب، وأن هذه الأحاديث أخبار آحاد، مع أن الإجماع المستدل بها عليه قطعي.

 

وأجيب بأن مجموع هذه الأخبار يفيد العلم الضروري بالمطلوب، وإن لم تتواتر آحادها؛ كقَطْعِنا بشجاعة علي رضي الله عنه، وسخاء حاتمٍ، وعلمِ عائشة رضي الله عنها، وإن تكن آحاد الأخبار فيها متواترة.

 

على أن هذه الأدلة لم تزل مشهورة بين الصحابة والتابعين، يتمسكون بها في حجية الإجماع.

 

هل يشترط في المجمعين أن يبلغوا حد التواتر؟

ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يشترط في المُجمِعين أن يبلغوا حد التواتر؛ لأن أدلَّة حجية الإجماع لا تُفرِّق بين العدد القليل والكثير، فلو تُصوِّر أن عدد المجتهدين نقص عن حد التواتر، فإن اسم الجماعة والأمة لا يفارقهم.

 

وذهب قوم إلى أنه يشترط في المجمعين أن يبلغوا حد التواتر؛ لأن استحالة الخطأ على المجمعين من جهة حكم العادة، فلا بد من عددٍ تحيل العادة اتفاقهم على الكذب.

 

وهذا فاسد؛ لأن عصمة الأمة عن الخطأ ووجوب اتِّباعها ثابتٌ بالشرع لا بالعادة، وإن لم يكن في العصر إلا مجتهد واحد، لا يعتبر قوله إجماعًا؛ لأنه لا ينطبق عليه تعريف الإجماع في اصطلاح الأصوليين، هذا ومسألة نقصان المجمِعين عن حد التواتر، وإن كانت ممكنة عقلًا، فإنها لم تقع شرعًا.

 

أهل الإجماع:

لا نزاع في أن مَن بلغ من العلماء درجة الاجتهاد في الأحكام الشرعية يعتبر من أهل الإجماع، كما أنه لا نزاع في أن الصبيان والمجانين والكفار ليسوا من أهل الإجماع، وقد اختُلِف في عوام المسلمين:

فذهب الجمهور إلى أنهم لا يعتبرون من أهل الإجماع؛ لأن العامِّي ليست عنده آلة هذا الشأن، ولو أفتى بغير علم ضلَّ وأضل.

 

وقال أبو بكر الباقلاني: يعتبر العوام في الإجماع؛ لدخولهم في اسم المؤمنين، كما أن لفظ الأمة يشملهم.

 

وهذا فاسد؛ لأن المفهوم من عصمة الأمة عن الخطأ هو عصمة جماعة أهل الحل والعقد فيها؛ إذ هم المتأهِّلون لاستنباط الأحكام.

 

ومن أدرك نوعَ علمٍ لا يجعله في رتبة المجتهدين؛ فإنه لا يعتد به في الإجماع؛ لأنه بمنزلة العوامِّ.

 

وقال قوم: لا ينعقد الإجماع بدون هؤلاء، فلو خالف مَن عرَف الأصول دون الفقه، أو الفقه دون الأصول، أو أدرك أحد العلوم - كالنحو أو التفسير أو الحديث - فإنه لا يعتد بهذا الإجماع الذي خالفه؛ لأن الموادَّ التي أدركها هؤلاء هي الأسس التي ينبني عليها الاجتهاد، وهي الآلة التي تعينُهم على إدراك الأحكام إذا أرادوا.

 

وهذا فاسد؛ لأن المتأهل لإدراك الأحكام هو من عرف جميع هذه المواد.

 

وأما الفاسق، فإنه لا يعتد به في الإجماع؛ لأن فسقه يورث تهمته، ويسقط عدالته.

 

وقال أبو الخطاب: يعتد به؛ لأنه من جملة الأمة، كما أن لفظ المؤمنين يشمله.

 

والأول أصح؛ لأنه بفسقِه سقط عن رتبة جماعة أهل الحل والعقد من المسلمين.

 

وأما صاحب البدعة، فقد ذهب الجمهور أيضًا إلى عدم الاعتداد به في الإجماع؛ لأنه متَّهم في الدين.

 

وقال أبو الخطاب: يعتد به؛ لأن لفظ الأمة يشمله.

 

والأول أصح؛ لأن المبتدع ساقط عن رتبة جماعة أهل الحل والعقد من المسلمين.

 

هل يُعتَدُّ بقول التابعي في عصر الصحابة؟

إذا بلغ التابعي رتبةَ الاجتهاد في عصر الصحابة، فإنه يُعتَدُّ به في إجماعِهم عند الجمهور؛ لأنه من جملة الأمة، ولا خلافَ أن الصحابة سوَّغوا اجتهاد التابعين مع وجود الصحابة، فقد ولَّى عمر رضي الله عنه شريحًا القضاءَ، وكتب إليه: (ما لم تجد في السُّنة اجتَهِدْ رأيك)، وقد كان بعض التابعين - كسعيد بن المسيب - أعلم من بعض الصحابة رضي الله عنهم، وقد روى الإمام أحمد في الزهد أن أنسًا رضي الله عنه سُئل عن مسألة، فقال: (سَلُوا مولانا الحسنَ - يعني البصري - فإنه غاب وحضَرْنا، وحفِظ ونسِينا، وإنما يفضل الصحابي بفضل الصحبة، أليس فيكم أبو الشعثاء - يعني جابر بن زيد - وجاء عن ابن عباس أنه قال: لو أخذ أهل البصرة بقول جابر بن زيد لأوسعهم علمًا).

 

وذهب القاضي أبو يعلى وبعض الشافعية إلى عدم الاعتداد بالتابعي في عصر الصحابة؛ لأن الصحابة شاهدوا التنزيل، وهم أعلم بالتأويل، وأعرف بالمقاصد؛ فالتابعون معهم كالعامة مع العلماء، ولأن عائشة رضي الله عنها أنكرت على أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف لَمَّا خالف ابن عباس في عدة الحامل المتوفَّى عنها زوجها، فقال ابن عباس بوضع الحمل، وقال أبو سلمة بأبعد الأجلينِ، فقالت عائشة لأبي سلمة: (إن مثلك مثل الفروج سمِع الديكة تَصيح فصاح).

 

والأول أصح؛ لأن مجتهدي التابعين مع الصحابة كالعلماء بعضهم فاضلًا ومفضولًا.

 

وفضيلة الصحبة لا توجب اختصاصهم بالاجتهاد، ولا بكونهم أعلم، وحتى لو كانوا أعلم ما نفى ذلك اجتهاد غيرهم معهم؛ فإن بعض الصحابة كانوا أعلم مِن بعض، ومع ذلك لم يسقط اعتبار المفضول، وإنكار عائشة قد يكون للتأديب، مع أن أبا هريرة وافق أبا سلمة، وقال: أنا مع ابن أخي.

 

هذا، ولا نزاع في أن التابعي إذا لم يبلغ رتبة الاجتهاد حتى انعقد إجماع الصحابة على مسألة، ثم بلغ رتبة الاجتهاد في حياة الصحابة، فإنه لا يعتدُّ به في ذلك الإجماع السابق إلا على قول مَن يشترط انقراض العصر في الإجماع.

 

هل يعتبر اتفاق أكثر المجتهدين إجماعًا؟

ذهب جمهورُ أهل العلم إلى أنه لا يعتبر اتفاقُ أكثر المجتهدين مِن أهل العصر إجماعًا؛ لأنه لا ينطبقُ عليه في اصطلاحِ الأصوليين، ولأن العصمة عن الخطأ إنما ثبتَتْ لمجموع أهل الحل والعقد، ولأنه إذا خالف بعض المجتهدين، فالحق مع من يشهد له الكتاب والسنة، ولو كان واحدًا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 10]، وقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59].

 

وذهب ابن جرير الطبري وبعض أهل العلم إلى أن اتفاق الأكثر يعتبر إجماعًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه: ((عليكم بالسواد الأعظم))، ولأن مخالفة الواحد شذوذٌ يفسق به، للنهي عنه، فيسقط قوله لفسقه، وينعقد الإجماع بدونه.

 

والصحيح الأول؛ لأن الصحابة لم يُنكِروا على ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم انفرادَ كل واحد منهما بمسائل في الفرائض، خالف فيها عامة الصحابة، ولو كان قولُه مخالفًا للإجماع لأنكروا عليه، ولو ثبت أنهم أنكروا عليه، فلا حجة فيه؛ لأنهم إنما أنكروا المخالفةَ للدليل الظاهر، لا لكونه إجماعًا على أن المنفرد منكر عليهم أيضًا مخالفتهم له وإنكارهم عليه، فلا ينعقد الإجماع.

 

والشذوذ المنهي عنه يتحقق بالمخالفة، وقد يراد به الخروج على الإمام على وجه يثير الفتنة؛ كفعل الخوارج.

 

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالسواد الأعظم))، فلو صح فإنه يحتمل أن يكون من باب الإرشاد لقوم في قومٍ مخصوصين من أهل الحق، أو للنهي عن مخالفة الأكثر على وجه يثير الفتنة، فإنه ﴿ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ﴾ [المائدة: 100]، ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يوسف: 103]، ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].

 

هل يعتبر اتفاق أهل المدينة إجماعًا؟

ذهب جمهور أهل العلم إلى أن اتفاق أهل المدينة على الحكم لا يعتبر إجماعًا؛ لأنه لا ينطبق عليه تعريف الإجماع عند الأصوليين، ولأن العصمة إنما ثبتت لمجموع أهل الحل والعقد من الأمة، وليس أهلُ المدينة مجموعَ أهل الحل والعقد، وقد خرج مِن المدينة مَن هو أعلم من الباقين بها؛ كعلي، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاذ، وأبي عبيدة، وأبي موسى الأشعري، وغيرهم رضي الله عنهم، وتفرقوا بعلومهم في الأمصار.

 

وذهب مالك إلى أن اتفاق أهل المدينة يعتبر إجماعًا؛ لأنها مَعدِن العلم ومنزل الوحي، وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة وعلى أهلها، فيستحيل اتفاقهم على غير الحق.

 

والأول هو الصحيح؛ لأنه يلزم على الثاني عدم الاعتداد بمثل علي وابن مسعود وابن عباس، ونحوهم ممن خرج من المدينة في الإجماع، وهذا ظاهر الفساد، كما أنه لا يستحيل أن يسمع رجلٌ حديثًا من النبي صلى الله عليه وسلم في سفر أو حضر، ثم يسافر من المدينة قبل أن يُحدِّث بهذا الحديث، ثم يبثه في أحد الأمصار.

 

على أن فضل المدينة لا يُوجِب انعقاد الإجماع بأهلها؛ فإن مكة أفضل منها ولا أثر لها في الإجماع.

 

هل يعتبر اتفاق الخلفاء الأربعة إجماعًا؟

ذهب جمهور أهل العلم إلى أن اتفاق الخلفاء الأربعة على حكم الحادثة لا يعتبر إجماعًا؛ لأنه لا ينطبق عليه تعريف الإجماع عند الأصوليين، ولأن العصمة ثبتت لمجموع أهل الحل والعقد، وليس الخلفاءُ كلَّ أهل الحل والعقد، وقد خالف ابن عباس رضي الله عنهما الخلفاء الأربعة في بعض المسائل، ولم يحتجَّ عليه أحد بإجماع الخلفاء الأربعة على بطلان مذهبه.

 

وذهب ابن البنا من الحنابلة وبعض أهل العلم إلى أن اتفاق الخلفاء الأربعة يعتبر إجماعًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بسنتي وسُنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنواجذ)).

 

هل يشترط في صحة الإجماع انقراض العصر؟

ذهب جمهورُ أهل العلم إلى أنه لا يشترط لصحة الإجماع ووجوبِ العمل بمقتضاه انقراضُ أهل العصر - أي موت جميع المجتهدين الذين أجمعوا على حكم الحادثة - بل متى اتَّفَقَت كلمتهم انعقد الإجماع، ولزم العمل به؛ لأن حقيقة الإجماع لا يفهم منها اشتراط انقراض العصر.

 

ولأن أدلة الإجماع لا تُوجِب ذلك، ولأن التابعين كانوا يحتجُّون بإجماع الصحابة رضي الله عنهم في حياة أواخر الصحابة؛ كأنس رضي الله عنه، فلو كان انقراض العصر شرطًا لصحةِ الإجماع ما جاز لهم ذلك، ما دام أحد الصحابة حيًّا.

 

ولأن شرطَ انقراض العصر يؤدي إلى تعذُّر الإجماع؛ إذ كلما وُلِد إنسان وتعلم وبلغ رتبة الاجتهاد، وقد بقي واحد من المجتهدين المجمعين قبله، فإنه لا بد من اعتبار هذا اللاحق في هذا الإجماع، والولادة لا تنتهي، فلا ينتهي تلاحق المجتهدين، فلا يتم إجماع.

 

وذهب بعض الشافعية وأحمد - في إحدى الروايتين عنه - إلى أنه يشترط انقراض العصر؛ لجواز أن يطرأ على بعض المجتهدين ما يخالف اجتهاده فيرجع عنه، ولِمَا رُوي عن علي رضي الله عنه أنه قال: (اجتمع رأيي ورأي عمر على منعِ بَيْعِ أمهات الأولاد، وأنا الآن أرى بيعهن)، فلولا اشتراط انقراض العصر لَما جاز لعليٍّ الرجوع.

 

والأول هو الصحيح؛ لأن الحجة في اتفاقهم لا في موتهم، وقد حصل الاتفاق قبل الموت، ولأن المجتهد إنما يَسُوغ له الرجوع إذا كان منفردًا باجتهاده؛ لجواز الخطأ عليه حينئذٍ، أما إذا كان متفقًا في اجتهاده مع جميع أهل الحل والعقد، فقد ثبت عصمته عن الخطأ حينئذٍ، فلا يجوز له الرجوع.

 

أما ما روي عن علي رضي الله عنه، فلا حجة فيه؛ لأنه لا يدل على إجماع سابق مِن جميع المجتهدين، بل لم يجتمع إلا رأيه ورأي عمر؛ كما قال.

 

هذا، وفائدة الخلاف هنا هي عدم جواز الرجوع بعد الاتفاق وعدم دخول مَن يبلغ رتبة الاجتهاد بعد ذلك في العصر على القول الأول.

 

الإجماع لا يختص بعصر الصحابة:

ذهب جمهور أهل العلم إلى صحة انعقاد الإجماع في أي عصر كان؛ لأن أدلة حجية الإجماع لا تُفرِّق بين عصر وعصر.

 

وذهب داود بن علي - وأتباعه من أهل الظاهر - وبعض أهل العلم إلى أن الإجماع الصحيح هو إجماع الصحابة؛ لأنهم هم الموصوفون بالإيمان عند نزول قوله: ﴿ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النساء: 115]، وهم الأمة الموجودةُ عند تكلُّم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة))، ومَن جاؤوا بعد الصحابة ليسوا كلَّ الأمة ولا كل المؤمنين، كما أنه لا يمكن انضباطُ أقوال غير الصحابة؛ لكثرتهم وتفرُّقهم.

 

والأول هو الصحيح؛ لأن نداء الأمة بوصف الإيمان كقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا... ﴾ [الحج: 77] مثلًا لم يُقصَد به جيلٌ دون جيل باتفاق أهل العلم، وكليَّةُ الأمة تحصل للموجودين في كل عصر ممن يتأتَّى منهم الإجماع على الحادثة النازلة، وقد قام الدليل الشرعي والعقلي على تأتِّي الإجماع في غير عصر الصحابة أيضًا؛ كالإجماع على نجاسة الماء إن تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة تحدث فيه.

 

الاختلاف في حكم الحادثة ثم الاتفاق عليها:

إذا اختلف أهل العصر في حكم الحادثة، ثم اتفقوا، فإن اتفاقهم يسمى إجماعًا بلا نزاع عند أهل العلم - إلا ما حكي عن الصيرفي - كالاختلاف على إمامة أبي بكر، ثم الاتفاق عليه.

 

أما إذا اختلف أهل العصر في حكم الحادثة، ثم اتفق أهل العصر الذي بعده على قول فيها، فهل يسمى اتفاقهم إجماعًا؟

 

ذهب أبو الخطاب والحنفية إلى أنه يسمى إجماعًا؛ لأن تعريف الإجماع ينطبق عليه، ولقولِه صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق...)).

 

وذهب القاضي أبو يعلى وبعض الشافعية إلى أنه لا يكون إجماعًا؛ لأنه فُتْيَا بعض الأمة، فإن الذين ماتوا على القول الآخر من الأمة لا يبطل مذهبهم بموتهم.

 

والأول هو الصحيح؛ لأنه لا فرق بين هذا وبين اختلاف أهل العصر الواحد، ثم اتفاقهم، ولأن اتفاق أهل العصر الثاني يدلُّ على بطلان مذهب المخالف في العصر الذي قبله؛ لأن العصمة عن الخطأ إنما ثبتت للمجمعين لا للمختلفين.

 

إذا اختلف أهل العصر على قولين، يجوز للعصر الذي بعده إحداث قول ثالث؟

ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يجوز إحداث قول ثالث؛ لأنه يوجب نسبة الأمة إلى تضييع الحق؛ إذ لو كان الحق في القول الجديد لكان أهل العصر السابق قد ضيَّعوه، وخلا العصر عن قائمٍ للهِ بحجته.

 

وذهب بعض الحنفية وبعض الظاهرية والشيعة إلى أنه يجوز إحداث قول ثالث، مستدلين بما يلي:

1- أن الأولين لو استدلوا بدليل، أو عللوا بعلة، لجاز الاستدلال أو التعليل بغيرهما، فكذلك هنا.

 

2- أن الأولين خاضوا في المسألة مجتهدين، ولم يصرحوا بتحريم قول ثالث فيها.

 

3- أن الأولين لو اختلفوا في مسألتين، فذهب بعضهم إلى التحريم فيهما، وذهب بعضهم إلى الجواز فيهما، لجاز لمن بعدهم أن يقول بالجواز في إحداهما، وبالتحريم في الأخرى، وهو قول ثالث.

 

وذهب بعض أهل العلم إلى التفصيل، فقالوا: إن كان القول الجديد خارقًا لِما اتَّفق عليه أهل العصر السابق، فإنه لا يجوز، كما لو قال أحد: إن الأخ يُسقِط الجدَّ من الميراث؛ إذ إن الصحابة اختلفوا فيه على قولين فقط، فقال بعضهم: إن الأخ يشارك الجد، وقال الباقون: إن الجد يسقط الأخ، فلو قال أحد بعدهم: إن الأخ يسقط الجد كان قولًا جديدًا خارقًا لِما ذهبوا إليه.

 

أما إذا كان القول الجديد غير خارق، فإنه يجوز، كما لو اختلفوا في مسألتين فذهب بعضهم إلى جواز فيهما، وقال الباقون بالتحريم فيهما، فإنه يجوز لمن بعدهم أن يقول بالجواز في إحداهما وبالتحريم في الأخرى، مع أنه قول ثالث، ومثال ذلك: مسألة أكل الصيد للمُحْرِم إذا لم يَصِدْ له، ومسألة متروك التسمية عمدًا، فقد قال قومٌ بالجواز فيهما، وقال قوم بالتحريم فيهما، فلو قال أحد بعدهم بالجواز في واحدة وبالتحريم في أخرى، كان قولًا ثالثًا، وهو جائز.

 

وهذا التفصيل هو المختار؛ لأن الأمة لم تجتمع فيه على خطأ.

 

الإجماع السكوتي:

تعريفه:

هو أن يقول بعض المجتهدين قولًا في حكم الحادثة، أو يفعل فعلًا، ويسكت باقي المجتهدين، مع اشتهار ذلك القول أو الفعل فيهم، ولا نزاع عند أهل العلم على أنه إن دلت قرائن الأحوال على أن الساكتين راضون، فإنه يكون إجماعًا يحتج به.

 

كما أنه لا نزاع عندهم على أنه إن دلت قرائن الأحوال على أنهم ساخطون، فإنه لا يكون إجماعًا.

 

أما إذا عدمت القرائن الدالة على الرضا أو السخط، فقد اختلف أهل العلم في ذلك:

فقال قوم: إنه يكون إجماعًا؛ لأن التابعين كانوا إذا أشكل عليهم مسألة، فنقل إليهم قول صحابي منتشر مع سكوت الباقين، لم يجوِّزوا العدول عنه، ولأنه لو لم يعتبر هذا إجماعًا لتعذَّر وجود الإجماع؛ إذ لم ينقل إلينا قول جميع علماء العصر مصرحًا به في كل مسألة.

 

وقال قوم: لا يكون إجماعًا؛ لأن فتوى المجتهد إنما تُعلَم بقوله الصريح، ولا ينسب لساكت قول، ولأن عمر رضي الله عنه شاور الصحابة في مالٍ فضل عنده، فأشار بعضهم بتأخير القسمة وإمساك المال إلى قوت الحاجة، وعلي رضي الله عنه ساكت، حتى سأله، فأشار عليه بقسمة الفضل.

 

ولأنه قد يسكت من غير إضمار الرضا لمانع في نفسه، أو أنه يرى المصلحة في عدم المسارعة بالإنكار، أو أن المسألة تحتاج منه إلى نظر وتأمل، أو أنه قد يسكت للمهابة، كما قيل لابن عباس: ما منعك أن تخبر عمرَ بقولك في العول؟ فقال: دِرَّتُه.

 

والقول الأول هو المختار؛ لأنه يلزم على الثاني نسبة المجتهدين إلى تضييع الحق، ولأن شرط التكلم من الكلِّ متعسِّر، والمعتاد أن يقول البعض الفتوى، ويسلم باقيهم، ولو كان الحكم عنده مخالفًا لكان السكوت محرمًا عليه.

 

أما قول المخالف: (لا ينسب إلى ساكت قول)، فغير مُسلَّم، فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذنَ البِكْر سكوتَها، وأما سكوت عليٍّ رضي الله عنه، فقد يكون لأنه يرى قول غيره حسنًا في ذاته، إلا أنه أشار على عمر بقسمة الفضل؛ صيانة عن القيل والقال، وأما حديث الدِّرَّة فقد نصوا على أنه لا يصح، وقد كان عمر رضي الله عنه لينًا في جانب الحق.

 

مستند الإجماع:

جمهورُ أهل العلم لا يُجوِّزون الإجماع إلا عن دليل أو أمارة؛ لأنه بدون السند يكون حكمًا بلا دليل، وفائدة الإجماع مع وجود الدليل صيرورةُ الحكم قطعيًّا، وتحريم المخالفة، وسقوط البحث عن حالة السند، وعامة أهل العلم على أنه يجوز أن يكون خبر الواحد سندًا للإجماع، وقد اختلفوا في استناد الإجماع إلى اجتهاد أو قياس:

فذهب جمهور أهل العلم إلى جوازه عقلًا ووقوعه شرعًا؛ فقد انعقد الإجماع على خلافة أبي بكر، قياسًا على إمامته في الصلاة، حتى قيل: رَضِيَه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا، أفلا نرضاه لأمر دنيانا؟

 

وكذلك أجمعوا على تحريم شحم الخنزير قياسًا على لحمه، وكذلك أجمعوا على عدم القضاء في حالة الجوع والعطش الشديدينِ، قياسًا على الغضب المنصوص عليه في الحديث المتفق عليه مِن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان)).

 

وذهب داود الظاهري، وابن جَرير الطبري، والشيعة، إلى المنع مِن ذلك، بدعوى أن الإجماع قطعي، فلا يُبتَنَى إلا على القطعي، ولأن القياس مختلف فيه، فكيف يكون مستندًا للإجماع؟!

 

والقول الأول هو الصحيح؛ لأن إفادة الإجماع لقطعية الحكم ليست بالنظر إلى مستنده، وإنما هو حجة قطعية لذاته؛ لأن الأمة معصومة عن أن تجتمع على ضلالة، ولو اشترط كون سند الإجماع قطعيًّا لقلَّت فائدة الإجماع؛ إذ يكون الحكم ثابتًا قبله قطعًا بالدليل القطعي.

 

وأما كون القياس مختلفًا فيه، فإنه لا يضر؛ إذ إنه يمكن أن نفرض المسألة في الصحابة، والصحابة لم ينقل عنهم خلاف في القياس، ولو فرضناها من غير الصحابة، فإنه يمكن أن يستدل بالقياس مَن يقول به، ويستدل بالاجتهاد في نفس الحكم من ينفي القياس، فيصل الاتفاق على الحكم مع الاختلاف في طريق الاستدلال عليه.

 

أقسام الإجماع:

ينقسم الإجماع إلى قطعي وظني.

 

فالإجماع القطعي هو: ما نُقِل إلينا تواترًا دون اختلاف فيه، كأن يكون قوليًّا انقرض عصر المجمعين عليه دون مخالف.

 

والإجماع الظني هو: ما نقل إلينا آحادًا، أو كان مختلفًا فيه.

 

وذهب بعض أهل العلم إلى رد الإجماع المنقول آحادًا، بدعوى أن الإجماع دليل قاطع يحكم به على الكتاب والسُّنة.

 

وهذا مردود؛ لأننا لم نجعل الإجماع المنقول بخبر الواحد قطعيًّا، يحكم به على القطعي من الكتاب والسُّنة، وإنما الإجماع المنقول بخبر الواحد؛ كالحديث المنقول بخبر الواحد من حيث إن مَن سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم يكون قطعيًّا في حقه، وإن كان ظنيًّا في حق مَن ينقل إليه بطريق الآحاد، على أن الإجماع الظني أقوى من النص الظني؛ لأن النص يحتمل النسخ بخلاف الإجماع.

 

الأخذ بالأقل ليس إجماعًا:

إذا اختلف أهل العلم في مسألة على قول زيادة ونقصًا، فإنه لا يعتبر الآخذ بالأقل متمسكًا بالإجماع؛ كالاختلاف في دِيَة الكتابي، وقد قال قوم: إنها كدِيَة المسلم، وقال قوم: إنها على النصف من دية المسلم، فالأخذ بالثلث لا يعتبر تمسكًا بالإجماع؛ لأنه لو كان إجماعًا لحرمت مخالفته، ولكان الآخذ بالمماثلة أو بالنصف خارقًا للإجماع.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ومؤلفات
  • صوتيات ومرئيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة